الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مُنَاقَشَةُ قَولِ مَنْ يَقُولُ: يُقْتَل الكَافِرُ لمُجَرَّدِ كفْرِهِ]
ثُمَّ يُقَالُ: فَإِنْ كَانَ مُجَرَّدُ الكُفْرِ هُوَ المُوجِبُ لِلَقَتْلِ، فَمَا المَانِعُ مِنْ قَتْلِ المَرْأَةِ الكَافِرَةِ؟ .
فَإِذَا قِيلَ: لَأَنَّها صَارَتْ سَبْيًا لِلْمُسْلِمِينَ.
قِيلَ: إِنَّمَا صَارَتْ سَبْيًا لِحُرْمِةِ دَمِهَا.
فَإِذَا قِيلَ: حَرُمَ دَمُهُا لِكَونِهَا تَصِيرُ رَقِيقَةً، كَانَ هَذَا دَورًا، فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ لاستِرْقَاقِهَا بِحُرْمَةِ دَمِهَا، وَتَعْلِيلٌ لِحُرْمَةِ دَمِهَا بِاستِرْقَاقِهَا وَمَصِيرِهَا مَالًا.
فَإِنْ قِيلَ: بَلِ العِلَّةُ هِي إِمْكَانُ استِرْقَاقِهَا وَأَنْ تَصِيرَ مَالًا.
قِيلَ: وَهَذِهِ العِلَّةُ مَوجُودَةٌ فِي الرِّجِالِ، فَيُمْكِنُ استِرْقَاقُهُمْ واسْتِعْبَادُهُمْ؛ وَلِهَذَا يُخَيَّرُ الإِمَامُ فِي الأَسْرَى بَينَ القَتْل، وَالاستِرْقَاق،
وَالمَنِّ، وَالفِدَاءِ (1).
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا يُسْتَرَقُ الرَّجُلُ إِذَا أُمِنَتْ غَائِلَتُهُ، وَالمَرْأَةُ مَأْمُونَةٌ.
قِيلَ: فَقَدْ عَادَ الأَمْرُ إِلَى خَوفِ الضَّرَر، وَأَنْ الرَّجُلَ إِنَّمَا قُتِلَ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ عَنِ الدِّينِ وَأَهْلِه، فَمَنْ أُمِنَ ضَرَرُهُ بِالدِّينِ وَأَهْلِهِ لَمْ يُقْتَلْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الرِّجِالِ يُؤْمَنُ ضَرَرُهُ أُكْثَرَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النِّسَاء، وَلِهَذَا تُقْتَلُ المَرْأَةُ إِذَا قَاتَلَتْ، وَإِذَا كَانَتْ مُدَبِّرَةً بِالرَّأَيِّ، مِثْل هِنْدٍ، وَقَدْ أَباحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عامَ الفَتْحِ دَمَ عِدَّةِ نِسْوَةٍ فِيهِنَّ هِنْد.
فَإِنْ قِيلَ: المَرْأَةُ إِذَا قَاتَلَتْ تُقْتَلُ دَفْعًا لِصَولِهَا، فَإِذَا أُسِرَتْ لَمْ تقتَلْ.
قِيلَ: لَا نُسلِّمُ، فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، فَالَأَكْثَرُونَ يُبِيحُونَ
(1) قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى (34/ 116): (فإن الإمام إذا خير في الأسرى بين القتل والاسترقاق والمن والفداء، فعليه أن يختار الأصلح للمسلمين).
ونحوه أيضًا في الصارم المسلول (2/ 469).
قَتْلَ مَنْ قَاتَلَتْ بَعْدَ الأَسْرِ كَالرَّجُلِ، وَكَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بقَتْلِ هِنْد وَغَيرِهَا مِنْ النِّسْوَةِ، وَكَانَ قَدْ أَمَّنَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَلَمْ يُؤَمِّنْ مَنْ قَاتَلَ، لا مِنَ الرِّجَالِ وَلا مِنَ النِّسَاءِ (1).
فَدَلَّ ذَلِكَ: عَلَى أنَّهُ أَبَاحَ قَتْلَ أُولَئِكَ النِّسْوَة، وَإِنْ لَمْ يَكُنَّ حِينَئِذٍ يُقَاتِلْنَ لمَا تَقَدَّمَ مِنْ قِتَالهِنَّ بِأَلْسِنَتِهِنَّ، فَإِنَّ القِتَالَ بِاللِّسَانِ قَدْ يَكُونُ
(1) قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (2/ 259): (وإذا قاتلت المرأة الحربية جاز قتلها بالإتفاق لأن النبي علل المنع من قتلها بأنها لم تكن تقاتل، فإذا قاتلت وجد المقتضى لقتلها، وانتفى المانع؛ لكن عند الشافعي تقاتل كما يقاتل المسلم الصائل، فلا يقصد قتلها بل دفعها، فإذا قدر عليها لم يجز قتلها، وعند غيره إذا قاتلت صارت بمنزلة الرجل المحارب). وانظر أيضًا الموضع السابق (2/ 522)، وقال أيضًا في الموضع السابق (3/ 774):(وبالجملة فقصة قتله لأولئك النسوة من أقوى ما يدل على جواز قتل السابة بكل حال، فإن المرأة الحربية لا يبيح قتلها إلا قتالها، وإذا قاتلت ثم تركت القتال في غزوة أخرى واستسلمت وانقادت لم يجز قتلها في هذه الثانية، ومع هذا فالنبي أمر بقتلهن).
أَعْظَمَ مِنَ القِتَالِ بِاليَدِ (1).
* * *
(1) قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (3/ 735): (إن المحاربة نوعان: محاربة باليد، ومحاربة باللسان، والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد
…
ولذلك كان النبي يقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد، خصوصًا محاربة الرسول بعد موته، فإنها إنما تمكن باللسان، وكذلك الإفساد قد يكون باليد، وقد يكون باللسان، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد، كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد، فثبت أن محاربة الله ورسوله باللسان أشد، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد).