الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الدَّلِيلُ الخَامِسُ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ الكَافِرِ لمُجَرَّدِ كُفْرِهِ]
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الكُفْرُ مُوْجِبًا لِلقَتْلِ: لَمْ يَجُزْ إِقْرَارَ كَافِرٍ بِالجِزْيِةِ والصَّغَار، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَبْذُلِ الكُفْر؛ وَلِهَذَا لمَّا كَانِتِ الرِّدَّةُ مُوْجِبَةُ لِلْقَتْلِ لَمْ يَجُزْ إِقْرَارَ مُرْتَدٍ بِجِزْيَة وَصَغَارٍ.
وَبِهَذَا يَظْهَرُ الجوَابُ عَمَّا أَوْرَدَهُ بَعْضُ الزَّنَادِقَةُ - قِيْلَ هُوَ ابنُ الرَّاوَنْدِي (1) - عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} .
فَقَالَ: هَذَا كُلُّهُ يَزَوْلُ إِذَا أَدَّى دِيْنَارًا فِي السَّنَة، أَوْ مَا يُشْبِهُ هَذَا.
فَيُقَالُ لِهَذَا المُلْحِدِ: الجِزَيْةُ وَالصَّغَارُ لَمْ تَكُنْ جَزَاءَ كُفْرِه، إِنَّمَا
(1) هو: أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين بن الراوندي، كان أولًا من متكلمي المعتزلة، ثم تزندق واشتهر بالإلحاد، وقيل: إنه كان لا يستقر على مذهب ولا يثبت على شيء، قال ابن الجوزي: زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي، وأبو العلاء المعري. انظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء (14/ 60)، لسان الميزان (1/ 323).
جَزَاءُ كُفْرِهِ نَارُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيْهَا أَبَدًا، وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا أَنْ القِتَالَ لَمْ يَكُنْ عَلَى مُجَرَّدِ كُفْرِهِ.
فَغَايَةُ الجِزْيَةِ وَالصَّغَارِ: أَنْ تَكُوْنَ عَاصِمَةً لِدَمِهِ مِنَ السَّيْفِ، وَالسَّيْفُ لَمْ يُجِزْهُ عَلَى كُفْرٍ، وَلا دُفِعَ بِهِ عَنْهُ عُقُوْبَةَ الآخِرَة، بَلْ أُرِيْدَ دَفْعُ شَرِّهِ وَعُدْوَانِه، وَصَدِّهِ لِغَيْرِهِ عَنِ الدَّيْنِ، وَهَذَا الشَّرُّ يَزَوْلُ بِالصَّغَارِ وَالجَزْيَةِ مَعَ العَهْدِ، فَإِنَّه بِالصَّغَارِ مَعَ العَهْدِ كَفُّ يَدَهِ وَلِسَانَهِ (1).
ثُمَّ إِنَّه لَيْسَ مِنْ أَهْلِ القِتَال، بَلْ المُسْلِمُونَ يُقَاتِلُوْنَ عَنْهُ وَيَحْفَظَونَ دَمَهُ وَمَالَهُ مِنْ عَدُوِّه، فَإِذَا أُخِذَ مِنْهُ مَا يَكُوْنُ فَيْئًا يَسْتَعِيْنُ بِهِ أَهْلَ الجِهَادِ
(1) قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى (20/ 101): (إن العقوبة في الدنيا لا تدل على كبر الذنب وصغره، فإن الدنيا ليست دار الجزاء، وإنما دار الجزاء هي الآخرة، ولكن شرع من العقوبات في الدنيا ما يمنع الفساد والعدوان
…
ولهذا يقر كفار أهل الذمة بالجزية مع أن ذنبهم في ترك الإيمان أعظم باتفاق المسلمين من ذنب من نقتله من زان وقاتل).