الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المُوْجِبُ لِلْقَتْلِ]
وَنَحْنُ قَدَّمْنَا: أَنَّ مُجَرَّدَ الكُفْرِ لَيْسَ مُوْجِبًا [لِلْقَتِلِ](1)؛ بَلْ المُوْجِبُ هُوَ الكُفْرُ المُغَلَّظُ، وَتَغْلِيْظُهُ تَارَةً يَكُوْنَ بِحَرْبِ صَاحِبِه، وَتَارَةً بِرِدَّتِهِ عَنِ الإِسَلامِ.
ثُمَّ المُرْتَدُّ نَوْعَانِ: رِدَّةٌ مُجَرَّدَةٌ، وَرِدَّةٌ مُغَلَّظَةٌ، فَصَاحِبُ الرِّدَّةِ المُغَلَّظَةِ يُقْتَلْ بِلا اسْتِتَابَةٍ، وَإِنْ اُسْتُتِيْبَ صَاحِبُ المُجَرَّدَةِ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ مَقِيْس بنِ صَبَابَة، وَعَبْدِ اللهِ بنِ خَطَلٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ، وَكَانَ - أَيْضًا - قَدْ أَهْدَرَ دَمَ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ بنِ أَبِي سَرْحٍ، فَلَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ لجَازَ؛ لَكِنْ جَاءَ بَعْدُ فَقَبِلَ تَوْبَتَهُ.
وَهَذَا يَدَلُّ عَلَى أَنْ الاسْتِتَابَةَ وَقَبَوْلَ التَّوْبَةِ لَيْسَ وَاجِبًا لِكُلِّ مُرْتَدٍّ، وَلا مُحَرَّمًا فِي حَقِّ كُلِّ مُرْتَدٍّ، بَلْ صَاحِبُ الرِّدَّةِ المُغَلَّظَةِ قَدْ يُقْتَلُ وَلَوْ تَابَ، وَقَدْ يُقْتَلُ بِلا اسْتِتَابَةٍ، وَلَكِنْ لَوْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ، وَقَدْ يُؤْمَرُ
(1) ما بين المعقوفتين إضافة يقتضيها السياق، كما مر سابقًا.
بِاسْتِتَابَتِه، وَهَذَا التَّقْسِيمُ مَوْجُوْدٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ بُسِطَ مَا يُنَاسِبُ هَذَا فِي "الصَّارِمِ المَسْلُوْلِ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُوْلِ"(1)، فَكَذَلِكَ الكُفْرُ.
* * *
(1) انظر (3/ 696، 866)، وقد قال في الموضع الأول:(الردة على قسمين: ردة مجردة، وردة مغلظة، شرع القتل على خصوصها، وكلاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها، والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعم القسمين؛ بل إنما تدل على القسم الأول كما يظهر لمن ذلك تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد، فيبقى القسم الثاني، وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبه، ولم يأت نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي، فانقطع الإلحاق، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو أي فعل كان، فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه؛ بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرق بين أنواع المرتدين).