الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ جَمِيعِ الكُفَّارِ]
ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَمْرَ المُشْرِكِينَ قَالَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَومِ الْآخِرِ} الآية.
فَذَكَرَ قِتَالَ النَّصَارَى، وَتَخْصِيصُهُمْ بِالذِّكْرِ لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالحُكْمِ (1)، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُ اليَهُودِ وَالمَجُوسِ بِالنَّصِ
(1) قال شيخ الإسلام في الفتاوى (34/ 209): (وكذلك قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَومِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} يدخل فيه جميع أهل الكتاب، وإن لم يكونوا ممن قتلوا على عهد النبي، فإن الذين قتلوا على زمانه كانوا من نصارى العرب والروم، وقاتل اليهود قبل نزول هذه الآية، وقد دخل فيها النصارى من القبط والحبشة والجركس والأل واللاص والكرج وغيرهم، فهذا وأمثاله نظير عموم القرآن لكل ما دخل في لفظه ومعناه، وإن لم يكن باسمه الخاص).
وَالإِجْمَاعِ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ، وَهَذَا قَولُ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ (1).
(1) قال شيخ الإسلام في السياسة الشرعية ص (106): (فأما أهل الكتاب والمجوس فيقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ومن سواهم فقد اختلف الفقهاء في أخذ الجزية منهم). وقال أيضًا في الصفدية (2/ 321): ) العلماء مختلفون بعد نزول آية الجزية هل تؤخذ من أهل الكتاب ومن له شبهة كتاب دون غيره، أو تؤخذ من كل كافر جازت معاهدته، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما لم يأخذها من العرب؛ لأن قتالهم كان قبل نزول آية الجزية أو يستثنى مشركو العرب، فيها ثلاثة أقوال للعلماء مشهورة، والجمهور يجوزون أخذها من مشركي الهند والترك وغيرهم من أصناف العجم، كما يجوز الجميع معاهدة هؤلاء عند الحاجة أو المصلحة)، وقال شيخ الإسلام في منهاجه (8/ 514): (ولما أمر الله بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من المجوس، واتفق المسلمون على أخذها من أهل الكتاب والمجوس، وتنازع العلماء في سائر الكفار على ثلاثة أقوال: فقيل: جميعهم يقاتلون بعد ذلك حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون إذا لم يسلموا، وهذا قول مالك، وقيل: يستثنى من ذلك مشركوا العرب وهو قول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وقيل: ذلك مخصوص بأهل الكتاب، ومن له شبهة =
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِمَّنْ لَهُ كِتَابٌ، وَأَنَّ المَجُوسَ لَهُمْ كِتَابُ مُبَدَّلٌ، أَو لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ، وَآَنَّ آَيَةَ بَرَاءَة تَقْتَضِي التَّخْصِيص.
وَلَيسَ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ إِذَا وَجَبَ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ، وَلَمْ تَجُزْ مُعَاهَدَتُهُمْ بِلَا جِزْيَة، فَغَيرُهُمْ مِنَ الكُفَّارِ أَولَى، فَإِنَّ المُشْرِكِينَ وَالمَجُوسَ شَرٌّ مِنْهُمْ، وَاليَهُودَ أَشَدُّ عَدَاوَةً لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:
فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ إِذَا كَانُوا مُتَحَارِبِينَ وَجَبَ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُعْطُوا الجِزَيَةَ، فَغَيرُهُمْ أَولَى (1) إِذَا كَانَ مُحَارِبًا أَنْ يُقَاتَلَ حَتَّى يُعْطِي الجِزْيَةَ.
= كتاب، وهو قول الشافعي وأحمد في رواية أخرى عنه، والقول الأول والثاني متفقان في المعنى).
(1)
قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (8/ 516): (ونهى عن معاهدتهم، بل جزية كما كان الأمر أولًا، وكان هذا تنبيهًا على أن من هو دونهم من المشركين أولى أن =
وَعَلَى هَذَا حَدَيثُ بُرَيدَةَ بنِ الحَصَيبِ الأَسْلَمِي الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَو جَيشٍ أَوصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى الله، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيَرًا. ثُمَّ قَالَ:
اُغْزُوا بِاسْمِ الله، فِي سَبِيلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله، اُغْزُوا، وَلَا تَغَلُّوا، ولَا تَغْدُرُوا، ولَا تُمثِّلِوا، ولَا تَقْتُلُوا وَليدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثَةِ خِصَالٍ أَو خِلَالٍ: فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَأَقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَام، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَأَقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ.
ثُمَّ اُدْعُهُمْ إِلَى التَحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ المُهَاجِرِين، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيهِمْ مَا عَلَى المُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوا أَنْ يَتَحَوُّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمِينَ،
= لا يهادن بغير جزية؛ بل يقاتل حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
…
فلما نزلت براءة أمره فيها بنبذ هذه العهود المطلقة، وأمره أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، فغيرهم أولى أن يقاتلوا ولا يعاهدوا).
يَجْرِي عَلَيهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الغَنِيمَةَ وَالفَيءِ شَيءٌ، إَلَّا أَنْ يجاهِدُوا مَعَ المُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوا فَلَهُمْ الجِزَيَةُ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ) (1) وَذَكَرَ الحدِيثَ.
وَلَمْ يَكُنْ فِي الحدِيثِ قِتَالُ مَصَافَّة، هَذَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - لَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَقِيَ طَائِفَةٌ مُمْتَنِعَةٌ تُقَاتِلُ مَصَافَّة (2)، وَإِنَّمَا لَجَأَ الْكُفَّارُ إِلَى حُصُونِهِمْ فَكَانُوا يُحْصَرُونَ، وَهُوَ المُحْصَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ.
وَقَدْ بَيَّنَ فِي هَذَا الحَدِيثِ أَنَّ المَحْصُورَ:
(1) أخرجه مسلم (ح/ 1731) من حديث بريدة رضي الله عنه.
(2)
قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (4/ 423) بعد أن ذكر حديث بريدة هذا وحديث سعد بن معاذ (فدل هذان الحديثان الصحيحان على أن لله حكمًا معينًا فيما يكون ولي الأمر مخيرًا فيه تخيير مصلحة .. فما كان من باب القتال فهو أولى أن يكون أحد الأمرين أحب إلى الله ورسوله إما فعله وإما تركه، ويتبين ذلك بالمصلحة والمفسدة، والقتال إنما يكون لطائفة ممتنعة، فلو بغت ثم أجابت إلى الصلح بالعدل لم تكن ممتنعة فلم يجز قتالها).
* إِمَّا أَنْ يُسْلِمَ وَيُهَاجِرَ.
* أَو يُسْلِمَ وَيَكُونُ أَعْرَابِيًّا غَيرَ مُهَاجِرٍ.
* أَو يُعْطِيَ الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُوَ صَاغِرٌ.
فَإِنْ امْتَنَعَ مِنَ الثَّلَاثِ قُوتِلَ، وَبُرَيدَةُ مِمَّنْ ذَهَبَ مَعَ عَليٍّ إِلَى اليَمَنِ، وَعَلَيٌّ قَاتَلَ بِاليَمَنِ وَسبَى وَغَنِمَ، وَقَدِمَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاع، فَلَمْ يُذْكَرْ فِي شَيءٍ مِنَ الأَحَادِيثِ أَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ فِي أَخْذِ الجِزَيةِ بَينَ كِتَابِيٍّ وَغَيرِ كِتَابِيٍّ، وَلَا عَهِدَ ذلك إِلَى عَليٍّ وَمُعَاذٍ وَغَيرِهِمَا، مَعَ عِلْمِهِ بَأَنَّ اليَمَنَ فِيهِ مُشْرِكُونَ، وَفِيهِ أَهْلُ الكِتَابِ.
وَلمَّا أَمَرَ مُعَاذًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَو عَدْله مَعَافِر (1)، لَمْ يَذْكُرْ فَرْقًا.
وَالمَجُوسُ مِنْ جِنْسِ سَائِرِ المُشْرِكِينَ لَيسَ لهمْ مَزِيَّة يُحْمَدُونَ بِهَا،
(1) معافر: (هي برود باليمن منسوبة إلى معافر، وهي قبيلة باليمن والميم زائدة) النهاية في غريب الحديث (3/ 262) مادة: عفر.
وَالحدِيثُ الَّذِي يُرْوَى: "أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَاب فَرُفِعَ"(1)، قَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ.
وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ: فَالعَرَبُ كَانُوا عَلَى دِينِ إبْرَاهِيم، فَلَّمَا صَارُوا مُشْرِكِينَ مَا بَقِي يَنْفَعُهُمْ أَجْدَادُهُمْ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الكِتَابِ لَو نبَذُوا التَّورَاةَ وَالإِنْجِيلَ لَكَانُوا كَغَيرِهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ (2).
(1) أخرجه أبو يعلى (1/ 257)، والشافعي في مسنده (2/ 131)، ومن طريقه ابن زنجويه في الأموال (1/ 149)، وأيضًا البيهقي في سننه (9/ 188)، وأخرجه عبد الرزاق (6/ 70) وأبو يوسف في الخراج ص (129) عن علي رضي الله عنه.
والحديث في سنده أبي سعد البقال، فيه ضعف؛ لكن قال ابن حجر في الفتح (6/ 261): إسناده حسن.
(2)
قال شيخ الإسلام في الفتاوى (32/ 189): (فإن قيل: روي عن علي: "أنه كان لهم كتاب فرفع"، قيل هذا الحديث قد ضعفه أحمد وغيره، وإن صح فإنه إنما يدل على أنه كان لهم كتاب فرفع، لا أنه الآن بأيديهم كتاب، وحينئذ فلا يصح أن يدخلوا في لفظ أهل الكتاب؛ إذ ليس بأيديهم كتاب لا مبدل ولا غير مبدل ولا منسوخ ولا غير منسوخ، ولكن إذا كان لهم كتاب ثم رفع بقي لهم شبهة كتاب، =
وَقَدْ بَيَّنَّا - فِي غَيرِ هَذَا المُوضِعِ - أَنَّ [دِينَ المَرْءِ](1) يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ لَا بِأَجْدَادِهِ (2)، وَمَا ذُكِرَ فِي قَولِهِ:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} يَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ
= وهذا القدر يؤثر في حقن دمائهم بالجزية إذا قيدت بأهل الكتاب)، ومثله في الفتاوى الكبرى (4/ 94)، وانظر: زاد المعاد (5/ 92).
(1)
ما بين المعقوفتين إضافة من المطبوعة، وفي هامش الأصل كتب:(هكذا بالأصل، ولعله: إن الإنسان معتبر الخ، فتأمله وحرر) ثم قال الناسخ بعد ذلك: (كذا بهامش الأصل فوضعنا العبارة بين قوسين واقفين داخل الأصل لتنتظم العبارة).
(2)
وصدق شيخ الإسلام رحمه الله، فإنه قد أفاض الحديث عن هذه المسألة كما في مجموع الفتاوى (35/ 223)، وأيضًا كما في الفتاوى الكبرى (4/ 619) فإنه قال بعد أن فصّل القول في المسألة:(والقول بأن أهل الكتاب المذكورين في القرآن هم من كان أبوه وأجداده في ذلك الدين قبل النسخ والتبديل قول ضعيف؛ بل المقطوع به بأن كون الرجل كتابيًّا أو غير كتابي هو حكم يستفيده بنفسه لا بنسبه، فكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده قد دخل في دينهم أو لم يدخل، وسواء كان دخوله بعد النسخ والتبديل أو قبل ذلك، وهو المنصوص الصريح عن أحمد، وإن كان بين أصحابه خلاف معروف وهو الثابت بين الصحابة بلا نزاع بينهم، وذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم). وقال أيضًا في درء تعارض العقل والنقل (9/ 208): (جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة وأحمد =
أَولَادَ الأَنْصَارِ دَخَلُوا فِي اليَهُودِيَّةَ بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَبْدِيلِ، وَلَعْلَّ فِيهِمْ مَنْ دَخَلَ فِيهَا بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَدْ رُوِيَ: "أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ مَنْ دَخَلَ مَعَ النَّضِيرِ حِينَئِذٍ، وَكَانَ فِيهِمْ عَرَبٌ"، وَمَعَ هَذَا فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الجَمِيعَ أَهْلَ كِتَابٍ، لَمْ يُحَرِّمْ ذَبِيحَةَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا استَحَلَّ قَتْلَهُ دُونَ مَنْ كَانَ أَجْدَادُهُ قَدْ دَخَلُوا فِي الدِّينِ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ.
وَالَّذِينَ قَالُوا: (إِنَّ مَنْ دَخَلَ فِي أَهْلِ الكِتَابِ بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ لَا تُعْقَدْ لهُمْ ذِمَّةٌ وَلَا تُؤْكَلْ ذَبَائِحُهُمْ) بَنَوا ذَلِكَ عَلَى أَصْلَينِ ضَعِيفَينِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ العِبْرَةَ فِي الدِّينِ بِدِينِ الأَجْدَاد، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا خِلَافُ الكِتَابِ والسُّنَّة، وَخِلَافُ قَولِ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ: مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ، وَغَيرِهِمْ (1)، وَلَكِنْ هَذَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ،
= في المنصوص عنه على أن الاعتبار بنفس الرجل لا بنسبه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة).
(1)
انظر غير مأمور التعليق السابق.
مُوَافَقَةً لِلشَّافِعِيِّ، وَأَخَذَهُ الشُّافِعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ، وَقَدْ بَسَطْنَا الكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيرِ هَذَا المَوضِعِ (1).
(1) قال شيخ الإسلام في الفتاوى (35/ 219): (تنازع فيه علماء المسلمين أهل السنة والجماعة
…
على قولين للعلماء، فالقول الأول: هو قول جمهور المسلمين من السلف والخلف وهو مذهب ابى حنيفة ومالك، وأحد القولين في مذهب أحمد بل هو المنصوص عنه صريحًا. والثانى: قول الشافعي، وطائفة من أصحاب أحمد. وأصل هذا القول: أن عليًّا وابن عباس تنازعا في ذبائح بنى تغلب
…
وقد روى معنى قول ابن عباس عن عمر بن الخطاب، فمن العلماء من رجح قول عمر وابن عباس، وهو قول الجمهور كأبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وصححها طائفة من أصحابه؛ بل هي آخر قوليه، بل عامة المسلمين من الصحابة والتابعين وتابعيهم على هذا القول، وقال أبو بكر الأثرم ما علمت أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهه إلا عليًّا، وهذا قول جماهير فقهاء الحجاز والعراق وفقهاء الحديث والرأي كالحسن، وابراهيم النخعي، والزهرى وغيرهم، وهو الذي نقله عن أحمد أكثر أصحابه، وقال إبراهيم بن الحارث: كان آخر قول أحمد على أنه لا يرى بذبائحهم بأسًا، ومن العلماء من رجح قول علي، وهو قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه
…
والحق مذهب الجمهور كأبي حنيفة =
وَالأَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ الجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيرِ أَهْلِ الكِتَابِ، وَالنِّزَاعُ فِي هَذَا أَشْهَرُ، لَكِنْ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ أَيضًا عَلَى خِلَافِه، وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ الكِتَابُ والسُّنَّةُ.
وَقَدْ تَتَبَّعْتُ مَا أَمْكَنَنَي فِي هَذِهِ المَسْأَلة، فَمَا وَجَدْتُ لَا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشدِينَ الفَرْقَ فِي أَخْذِ الجِزْيَةِ بَينَ أَهْلِ الكِتَابِ وَغَيرِهِمْ.
وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قبْلَ نُزُولِ آَيَةِ الجِزْيَةِ كَانَ يُقِرُّ المُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الكِتَابِ بِلَا جِزْيَةٍ، كَمَا أَقَرَّ اليَهُودَ بِلَا جِزْيَةٍ، وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ إَلَى أَنْ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ، وَكَانَ ذَلِكَ لِحَاجَةِ المُسْلِمِينَ إِلَيهِمْ (1)، وَلمَّا نَزَلَتْ آيَةُ
= ومالك، وما أعلم للقول الآخر قدوة من السلف). وانظر: الفتاوى (35/ 219 - 232)، وأيضًا في الفتاوى الكبرى (2/ 184 - 193).
(1)
قال شيخ الإسلام في الفتاوى (19/ 23): (ولم يكن النبي ضرب الجزية على أحد من اليهود بالمدينة ولا بخيبر؛ بل حاربهم قبل نزول آية الجزية، وأقر اليهود =
الجِزْيَة كَانَ فِيهَا: أَنَّ المُحَارِبِينَ لا يُعْقَدْ لهمْ عَهْدٌ إِلَّا بِالصَّغَارِ وَالجِزْيَة، وَرُفِعَ بِذَلِكَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُهُ لِأَهْلِ الكِتَابِ وَغَيرِهِمْ مِنَ العَهْدِ؛ لِكَونِ الإِسْلَامِ إِذْ ذَاكَ كَانَ ضَعِيفًا (1).
* * *
= بخيبر فلاحين بلا جزية إلى أن أجلاهم عمر؛ لأنهم كانوا مهادنين له، وكانوا فلاحين في الأرض فأقرهم لحاجة المسلمين إليهم، ثم أمر بإجلائهم قبل موته).
(1)
في المطبوعة: (يكون الإسلام إذا كان ضعيفًا).