الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغر المحجلون:
أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أمتي يُدعون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء" فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل.
بلاغة التصوير الأدبي: في التعبير عن تميز الأمة الإسلامية بين الأمم يوم القيامة على غيرها، قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} ، فامتازت شريعتها بالسماحة والتوسط والاعتدال:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} ، وهذا الفضل والتميز يرجع إلى روعة التصوير الأدبي من الحديث الشريف في قوله:"إن أمتي يُدْعَوْن يوم القيامة"، فيقوم على صور بليغة متنوعة:
1-
صورة التأكيد "بإن" فهي لا تقبل الجدل والحوار، فلا راد لحكم الله تعالى، ولا مجال لمنكر أو معترض، لأنه حكم وتقرير إلهي محمدي.
2-
الصورة الفنية الصادرة من قوله: "أمتي"؛ فهي تدل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين، وأفضل الخلق أجمعين وقائد الغر المحجلين، وهي الأمة الإسلامية إلى قيام الساعة.
وكذل تدل إضافة ضميره صلى الله عليه وسلم إلى أمته على اعتزازه بها، وحبه لها وحرصه عليها قال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} .
3-
الصورة الأدبية البليغة في قوله: "يدعون"؛ فهي تدل على أسرار جمالية كثيرة، وهي أن أمتنا أمة الدعوة للتوحيد والإسلام والسلام، وكذلك هي أمة معروفة مشهورة بين الأمم بصفاتها المتميزة الكثيرة، لأنهم يدعون بمعنى يعرفون بذلك، وكذلك عموم الفاعل في بناء الفعل للمجهول في "يدعون"، يدل على أن شهرتها ليست بين الأمم فحسب، بل شهرتها عامة تشمل الجن والإنس والملائكة، وكل ما يعلمه الله ولا يعلمه أحد سواه.
بلاغة التصوير الفني في قوله: "غرًّا محجلين من آثار الوضوء" فقد تنوعت في هذه العبارة الأسرار البلاغية اللطيفة منها:
1-
تشبيه النور الإلهي الذي يشمل الوجه والكفين والقدمين والجسد كله بالبياض الناصع في غرة الفرس الأسود وتحجيله، وذلك في صورة مستمدة من الواقع الذي يعيشه المسلم، ويتعامل معه صباحًا ومساءً؛ ليكون ذلك أكثر تأثيرًا في النفس وأعظم وضوحًا؛ فهي محسة من الواقع.
2-
وفي هذه العبارة أيضًا توحي بصورة أخرى جاءت على سبيل الكناية، لتدل على أن الغرة والتحجيل في جبهة الفرس وقدمه ليست هي المرادة؛ بل المراد المعنى الكنائي البعيد وهو النور الإلهي الشامل الذي ينتشر في المحشر من الأمة المحمدية كلها، مما يشير الأمم كلها، وتتعجب من قوته وشدته، فيدفعهم ذلك للسؤال عنه، نتيجة لإسباغ
الوضوء والإحسان في صلاته، فهم لا يقتصرون على الأعضاء ونورهم يسعى بين أيديهم، قال تعالى:{يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} وقال أيضا: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .
بلاغة التصوير الأدبي في التعبير بقوله: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل"، والأسرار البلاغية الجميلة في هذه الصورة الفنية، تدل على إذكاء روح المنافسة والتسابق في إحسان الوضوء، والحرص عليه وعلى الصلاة عمود الدين، والإتقان في ذلك حتى يسبق كل واحد الآخر، في أن المنافسة والتسابق على الاستطاعة حسب وفرة المال والماء والوقت والجهد، مصداقًا لقوله تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ، وهذا ما يوحي به التوازن والتعليق بين أسلوبي الشرط والجزاء، بمعنى أنه إذا توفر الشرط وهو:"فمن استطاع منكم أن يطيل غرته" وجب تحقيق الجزاء على سبيل الأمر والوجوب، وهو ما يدل عليه أسلوب الجزاء من الأمر في قوله:"فليفعل".
القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:
1-
فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها من الأمم فهي {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} .
2-
تتميز أمة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة كذلك بميزة أخرى تعرف بها بين الخلق كافة، وهي نور الغرة والتحجيل، وذلك من آثار الحرص على الوضوء والصلاة والمنافسة فيهما.
3-
يستحب إسباغ الوضوء بالزيادة في غسل العضوين الواجب والمفروض، لأن ما يتم الواجب إلا به فهو واجب.
4-
جواز مدح المسلم حين يعود عليه المدح بالخير، ويدفعه إلى الإقبال على العمل الصالح إلا إذا خشيت الفتنة والاغترار بنفسه.
5-
تبشير أمة محمد صلى الله عليه وسلم بمرضاة الله عز وجل، وأنها أكثر الأمم عددًا؛ فقلما تجد مسلمًا لم يتوضأ للصلاة.
6-
بالإضافة إلى ما ذكر في التصوير النبوي من الحديث الشريف.