الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:
1-
بالإضافة إلى ما ذكر من القيم الخلقية والتشريعية في هذا الحديث الشريف نذكر ما يلي:
2-
فضل العشر الأوائل من أيام ذي الحجة على أيام السنة، لا على الشهور إلا يوم عرفة فهو أفضلها جميعًا وعلى مثلها في الجهاد.
3-
يكثر عتق الرقاب من النار في يوم عرفة، ويباهي الله تعالى ملائكته في السماء بذلك، وكذلك أهل الأرض.
4-
الترغيب في الإقبال على الأعمال الصالحات والخيرات صيامًا وقيامًا وطاعة وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر، وصدقة وغيرها في هذه العشر.
قضاء الحج:
أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج، ولم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال:"نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا لله؛ فالله أحق بالوفاء".
بلاغة التصوير الأدبي في الإجابة عن السؤال، التي اتسمت بلاغته بالإيجاز، والذي قل لفظه، وبلغ الغاية في معناه، بحيث لا يبقى منه بقية، فكانت الإجابة في صورتين بليغتين الأولى في قوله:"نعم"، تدل على وجوب الفريضة بالإيجاز الحاسم على نحو يراد منها، فقد وجب الحج على أمك التي نذرت على نفسها الحج بنذرها، والصورة البلاغية الثانية جاءت أيضًا في صورة الإيجاز الحاسم على سبيل الأمر للمرأة السائلة؛ بأن تحج عن أمها، بحيث إذا لم تفعل تعد آثمة، ما دامت قد تحققت شروط
الاستطاعة المشروعة، وذلك في الأمر الذي يدل على الوجوب "حجي عنها"، أي: حجي أنت عن أمك، ولقد أضفى الحوار القصصي بين الراوي وامرأة من جهينة التي وجهت السؤال وتلقت الإجابة، والنبي صلى الله عليه وسلم الشخصية الرئيسية في الحوار، أضفى ذلك على التصوير الأدبي الحيوية والحركة والجدة والتشويق مما يؤدي إلى مشاركة المتلقي الإيجابية في هذا الحوار القوي المثير.
روعة التصوير الأدبي في بلاغة التعبير عن صورة محسة من الواقع في قوله: "أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته"؟ تستنطق السائلة وتقتنع بها؛ لأن الدين لا بد من أدائه في الواقع على سبيل الوجوب، دون تقصير في أدائه كاملًا غير منقوص، وعند حلول الأجل بلا تسويف أو تأخير، وذلك من خلال صورتين؛ الأولى: تقوم على الاستفهام بالألف مرتين "أرأيت -أكنت" فهو يفيد غايتين: الاستفهام الإنكاري على السائلة، فكيف تنكر ذلك وهو أمر واضح مألوف لا يخفى على أحد في معاملة الناس، ولا يختلف مع الواقع المتعارف عليه، والغاية الثانية في الاستفهام التقريري، لأن قضاء الدين أمر مقرر وحقيقي، قررته العقول والفطرة المستقيمة، وقضت به الأحكام في المرافعات والقضايا، والصورة البليغة الثانية في التعبير بحرف "لو"، الذي يدل على عدم تحقيق الجواب لعدم تحقق الوقوع بمعنى النفي، لكن بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم استخدمتها على النقيض من معناها المتعارف عليها، وخاصة وهي تفتح باب الشيطان؛ فصارت "لو" تدل على الإيجاب وتحقق الوقوع، لتسلط الاستفهام الإنكاري عليها، لأن نفي النفي إثبات، فكان المراد نفي إنكار قضاء الدين، لأن الدين يجب قضاؤه، قال تعالى في أداء الدين قبل توزيع التركة:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} .
التصوير الأدبي في بلاغة التعبير بأحقية الله تعالى بوجوب القضاء له؛ لأن الله تعالى هو الخالق المبدع، والرازق المعطي، إليه يرجع كل شيء وله كل شيء، وذلك في قوله:"اقضوا الله فالله أحق بالقضاء"؛ فجاء القضاء بصيغة الأمر الجازم على سبيل الوجوب والإلزم مخاطبًا جميع المسلمين بواو الجماعة، لا المرأة السائلة فحسب، ليكون تشريعًا عامًا لا خاصًا بها، فقد روى ابن ماجه وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة، فقال:"أحججت عن نفسك"؟ قال: لا، قال:"فحج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة" هذه هي الصورة الأولى.
وأما الصورة الثانية جاءت بالتصريح بذكر لفظ الجلالة "الله" عز وجل لإفادة أمرين جليلين؛ أولهما: المهابة من الله عز وجل والخشية من ذاته العلية، والتقديس لجلالته بالألوهية والربوبية فيعبده حق عبادته، ويلبي أوامره طاعة وخشوعًا:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ، {وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} ، وثانيهما: الخوف من عقابه، وتوقي عذابه، فالله شديد العقاب، {وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} ، {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} لمن نذر أن يحج ومات لم يحج، أما أداء فريضة الحج، التي وجبت على المستطيع في حياته؛ فالأداء أولى، وتجب على الورثة في تركته، وإن لم يوص، لأنها دين الله عز وجل، أخرج الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال:"نعم".