الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمن والسلام:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" أخرجه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وزاد الطبراني:"ويلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، والذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة".
الوحدة العضوية في بلاغة التصوير الأدبي لهذا الحديث الشريف:
تظهر هذه الوحدة في بلاغة الترتيب بين هذه الصفات والأعمال البشرية ترتيبًا واقعيًا في تصاعد ونمو مطرد كالأحداث والمشاهد في القصة، يترتب فيها الحدث الثاني على الأول، والثالث على الثاني وهكذا، وهو ما يسمى في النقد الأدبي بالوحدة العضوية، فانظر إلى هذا الاضطراد والنمو المتصاعد حين بُدئ الحديث بالنهي عن التقاطع في "لا تقاطعوا"، وهو الجفاء والتفرق مما يشتت الوحدة ويمزق الترابط والتآخي، وهذا المشهد بدوره يؤدي إلى مشهد أعلى فيه وأشد وهو عدم التدابر في "ولا تدابروا" لأن فعل التدابر يزداد عن التقاطع بأفعال مذمومة ومحرمة أخرى؛ مِن الافتراء على الغير بالبهتان والغيبة والنميمة، وهذا المشهد الثاني يتنافى ويتصاعد ليترتب عليه المشهد الثالث، وهو عدم التباغض في "ولا
تباغضوا" فيتعاطى المرء زيادة على ما سبق أسباب البغض وهي الشتم والسباب والخصومة والضرب، ثم يترتب على المشهد الثالث -زيادة على ما سبق- المشهد الرابع وهو عدم التحاسد في "ولا تحاسدوا" وهو من أكبر الكبائر، فيزداد على التباغض بالحسد، وهو كراهية الخير للآخرين، وتمني زوال النعمة عن الغير، وهكذا تجد البلاغة النبوية في هذه الوحدة العضوية بين مشاهد الحديث الشريف حتى أصبحت هذه المشاهد في مواقعها، كمواقع الأعضاء في جسد الإنسان فالعين والسمع والأنف واليد وغيرها كل في مكان يكون وحدة عضوية في جسد الإنسان السوي في أحسن صورة؛ فتبارك الله أحسن الخالقين. روعة التصوير الفني في بلاغة التعبير بصيغ المفاعلة في الحديث الشريف وذلك في قوله: "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا" فعدم التقاطع والتدابر والتباغض والتحاسد وغيرها من الصيغ العربية على وزن التفاعل تدل على المشاركة والصراع والتفاعل بين الطرفين مما تصور حقيقة المنهي عنه والمحرم فيؤدي إلى تشتيت الأمة وتدمير قوتها، فلو كانت هذه الأفعال من جانب واحد لما حدث هذا الضرر، لأن الآخر قد لا يبادله الصنيع فيعفو عنه، ويتعامل معه بالحسنى؛ فلا يحدث الضرر والمحرم، قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وهو ما أشار إليه الحديث الشريف بأن يكونوا عباد الله إخوانًا، فلا يتمادوا في الخصومة فوق الثلاث، وأن خيرهما من يبدأ بالسلام والمحبة فيسبق غيره إلى الجنة، جاء في حديث آخر: "ولينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا إن كان ظالمًا فلينهه، فإنه له نصر، وإن كان مظلومًا فلينصره".
روعة التصوير الفني في بلاغة ختام الحديث؛ ليكون قرارًا نهائيًا لا مردَّ فيه، وحكمًا فاصلًا غير منقوص، وهذا القرار والحكم هو الأخوة بين
الناس، فهم جميعًا ينتسبون إلى مصدر واحد، يلتقون فيه على عبودية الله عز وجل:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وإذا كان ولا بد من المخاصمة؛ فلا يصح أن تتجاوز الثلاثة أيام في غير معصية الله سبحانه، وغير ذلك مما يدل عليه الحديث الشريف من القيم السامية والنافعة في تلك الصور البلاغية الرائعة التي وردت فيه، وفيما زاده الطبراني.
روعة التصوير الفني في بلاغة الحث على المسارعة بالصلح والسلام وتبادل المودة والمحبة، وجاء في تصوير فني درامي، فيه جذب وشد وإعراض وإقبال، ومقاومة وصراع نفسي بين الطرفين، فكلاهما قد أخذته العزة بالإثم بدعوة الكرامة والإباء، فقد يلتقيان، لكن كلا منهما يعرض بجانبه عن الآخر، وتلك هي الأزمة والعقدة، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضع البلسم الشافي ليبدد الأزمة ويحل العقدة، وهو أن خيرهما الذي يبدأ بالسلام؛ ليستحق الجائزة الكبرى؛ فيسبق غيره إلى الجة، وهو الفوز العظيم، تأمل ذلك فيما زاده الطبراني "يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام والذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة"، فما أروع بلاغة سيد البشر صلى الله عليه وسلم.
ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم هذه القيم في قوله عن أبي هريرة رضي الله عنه: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله، التقوى ها هنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، وكذلك قوله عن أبي هريرة أيضًا قال:"إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا".