المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من خطبة الوداع: - التصوير النبوي للقيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف

[علي علي صبح]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: الإسلام والإيمان

- ‌الأعمال بالنيات:

- ‌حلاوة الإيمان:

- ‌كمال الإيمان:

- ‌الإيمان الكامل:

- ‌النخلة كالمسلم:

- ‌بين المسلم والمهاجر:

- ‌بين المؤمن والفاجر:

- ‌من أخطر صور النفاق: ذلاقة اللسان وحلاوة الحديث:

- ‌الفصل الثاني: الوضوء والصلاة

- ‌الوضوء يمحو الخطايا:

- ‌الغر المحجلون:

- ‌بعثتم ميسرين لا معسرين:

- ‌التيمم:

- ‌المؤمن لا ينجس:

- ‌الجمعة عيد المسلمين:

- ‌من بنى مسجدًا:

- ‌الصلاة أحب الأعمال إلى الله تعالى:

- ‌وجبت شفاعتي:

- ‌الركوع قبل الصف:

- ‌لا تخفروا الله في ذمته:

- ‌السكينة والوقار عند الصلاة:

- ‌إذا نعس أحدكم:

- ‌التجوز في الصلاة شفقة:

- ‌الفصل الثالث: الصوم والحج

- ‌شهر عظيم مبارك:

- ‌شهر الصبر والمواساة:

- ‌الصيام جُنة:

- ‌من لم يدع قول الزور:

- ‌من صام رمضان:

- ‌القرآن والصيام يشفعان:

- ‌النهي عن الوصال:

- ‌فمن رغب عن سنتي فليس مني:

- ‌الصيام كالجهاد:

- ‌الصيام والقيام كالحج:

- ‌اليد العليا:

- ‌الحج وفطرة الله تعالى:

- ‌العمرة إلى العمرة والحج المبرور:

- ‌الحج مرة واحدة:

- ‌الوقوف بعرفة:

- ‌قضاء الحج:

- ‌من خطبة الوداع:

- ‌أربع أعجبنني:

- ‌الحج من المال الطيب لا الخبيث:

- ‌الفصل الرابع: حسن المعاملة

- ‌الحلال والحرام والشبهات:

- ‌سفينة النجاة في الدنيا والآخرة:

- ‌الإسلام يسر لا عسر:

- ‌إن الخير لا يأتي إلا بالخير:

- ‌واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا:

- ‌الأمن والسلام:

- ‌بين البخل والإنفاق:

- ‌منابع الخير والحب في الإنسان:

- ‌حسن المعاملة في الإسلام:

- ‌التمتع بالطيبات بلا رياء.. ولا كبر.. ولا إسراف:

- ‌لا تغضب:

- ‌حرية الرأي:

- ‌بين الغبطة والحسد:

- ‌مجلس العلم:

- ‌ثبت الموضوعات:

الفصل: ‌من خطبة الوداع:

القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:

1-

بالإضافة إلى ما سبق من القيم في التصوير النبوي الشريف، نذكر ما يلي:

2-

وجوب أداء النذر ولو بعد الموت؛ فهو على الوريث.

3-

يصح أداء الحج عن الميت، الذي لم يؤد الفريضة؛ فتسقط عنه، وينال ثوابها الجزيل، فهو حج مبرور.

4-

قضاء الدين واجب الأداء، ولا يرفع عنه عذابه إلا بعفو الدائن عن المدين.

5-

دين الله عز وجل في العبادات وغيرها أحق بالأداء لأنه الخالق المبدع المتفضل.

6-

إن الإسلام كرم المرأة، ورفع مكانتها، وأعلى من شأنها، بما لا يقل عن شأن الرجل.

ص: 130

‌من خطبة الوداع:

وقف النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بين الحجيج في حجة الوداع؛ فبعد أن حمد الله وأثنى عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم قال:

"أما بعد فيا أيها الناس، اسمعوا مني أبين لكم؛ فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا، أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد".

بلاغة الخطبة من بلاغة القرآن الكريم، فقد صدرت عن أفصح العربية قاطبة، انتهت إليه قمة البلاغة بنزوله عليه، وقراءته على مكث، وهو المثل الأعلى في البلاغة، معجز في تصويره القرآني، وفي تشريعه وأخباره وقصصه، خصه ربه بالوحي، يستعجل قراءته لشغفه بسحره.

ص: 130

وانسجامه مع بلاغته، واتساقه مع فطرته، فينهاه ربه عن العجلة، لأن القرآن الكريم موصول بقلبه إيمانًا وحفظًا، قال تعالى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} .

لهذا لا ينفك أسلوب صفي الله وخليله في هذه الخطبة عن روح القرآن الكريم، وبلاغته في لفظ عذب رقيق جزل، واتساق نظم في أحسن موقع، وسلاسة فحوى وسهولة مخرج، في أسلوب صاف سهل ممتع، يحفل بالحكم البديعة والمعاني الغزيرة، التي لا تصدر إلا عن نفس شريفة عزيزة، حازت شرف القرآن، وعزت بخطاب الله عز وجل؛ لذلك تعجب منه أصحابه قائلين: ما وجدنا أفصح منك، قال:"وما يمنعني وإنما أنزل القرآن عليَّ بلسان عربي مبين، وأنا أفصح العرب بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد".

لذلك تجد في هذه الخطبة منهج القرآن الكريم، وروحه وقيمه الخلقية، فمعانيه شريفة وأخلاقه سامية في أسلوب عفيف بليغ، وعبارات رشيقة سامية، وتصوير أدبي أخاذ بالقلوب، تتفتح له منافذ التلقي في الإنسان انبهارًا وخضوعًا واقتناعًا؛ لأنه أوتي جوامع الكلم.

بلاغة الأسلوب في التعبير الإنشائي عن القيم الخلقية في هذه الفقرة، فقد خاطب بالأسلوب الإنشائي المتنوع المتلقي خطابًا مباشرًا، يثير انتباهه ويحرك عواطفه ويستثيره، فيتلقاه عن إيمان صادق وعاطفة حارة، ووجدان حي متيقظ، وعقل مفتوح مستوعب، فقد جمع بين النداء المقرون بأداة التنبيه فقال:"يا أيها الناس" مرات، مرة في صدر الفقرة، ومرة أخرى في وسطها "بالياء" لتأكيد الصورة البلاغية، وفي نهايتها

ص: 131

كان النداء بالهمزة مقرونًا بلا "ألا هل بلغت"؛ ليجمع بين النداء والحث على العمل بما يقول، ثم ختمها بالنداء الجليل بمخاطبة الله عز وجل على سبيل الدعاء، والإقرار بما يجب على النبي صلى الله عليه وسلم نحو أمته الإسلامية، فختمها بقوله:"اللهم اشهد"، ومن أساليب الإنشاء أيضًا الأمر في قوله:"اسمعوا"؛ ليثير به المستمع، فتتفتح فيه منافذ الإدراك من العاطفة والوجدان والمشاعر والخواطر، وخاطبهم بصيغة الأمر، للدلالة على وجوب السمع والعمل بما يسمعون، ليتحول الأمر إلى منهج وسلوك، فلا تسفك الدماء ولا تنتهك الأعراض، ولا يعتدى على الحقوق بالباطل ظلمًا وغصبًا؛ ليسود الحق والعدل والخير والأمن والحب، ثم ينتقل إلى الترجي في قوله:"لعلي لا ألقاكم"، في أسلوب لا يدل على طمع في استبقاء حياته وحرص عليها؛ فهو يحتمل اللقاء وعدمه؛ لأنه ربط الرجاء بعدم اللقاء، فعبرت الصورة الفنية عن رؤية الغيب بنور البصيرة، حتى شعر الصحابة رضي الله عنهم أيضًا برحيله؛ فبكوا وأطلقوا عليها:"خطبة الوداع".

بلاغة الأسلوب في التعبير الخبري عن القيم الخلقية على سبيل التقرير والثبات، فاستخدم الحديث الشريف عناصره، التي تقرر الحفاظ على الدين والنفس والعرض والمال على سبيل الوجوب والثبات، والتنفيذ والسلوك الإسلامي القويم؛ فجاء بموكدات كثيرة "إن -أبين لكم- فإني لا أدري"، ثم التأكيد بالواقع المحس دليلًا دامغًا، لا يقبل الجدل، في "يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا"، مع التأكيد على التعظيم في اسم الإشارة، التي تكرر تأكيدًا لتعظيم التقرير لهذه التشريعات المحرمة، مثل حرمة هذا اليوم والشهر والبلد الحرام في صورة فنية تقوم على التشريع البليغ، مستمدًا عناصره من الواقع المحس، والمشاهد الحية النافذة إمتاعًا

ص: 132

وتأثيرًا وإقناعًا، فهذا يوم عظيم الحرمة، وشهر عظيم الحرمة، وبلد عظيم الحرمة، وازداد تعظيمًا وتحريمًا وتقديسًا بإضافتها إلى المخاطبين، وهو يخاطبهم ويحرك مشاعرهم في "يومكم وشهركم وبلدكم"؛ ليحث المسلمين على تقديسها والحفاظ عليها، وأداء مناسكها والعمل بها والدفاع عنها، لأنه دفاع وحماية للعقيدة والنفس والحقوق وأوطان الأمة الإسلامية صلى الله عليه وسلم.

القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:

1-

بالإضافة إلى ما ذكر من القيم في التصوير النبوي الشريف نذكر ما يلي:

2-

مشروعية خطبة يوم عرفة للحجيج للوعظ والتذكير والتوجيه، وذكر المناسك والشكر لله عز وجل على مننه الكثيرة، وأعظمها في ذلك اليوم مشهد يوم عرفة.

3-

تهيئة نفوس المسلمين إلى تمام شريعة الإسلام، ونهاية الوحي، والتحاقه بالرفيق، حتى لا تأخذهم المفاجأة بتركهم.

4-

فظاعة سفك دماء المسلمين، والعدوان عليهم وظلمهم، وأكل أموالهم بالباطل.

5-

حرمة يوم عرفة، وأشهر الحج، والبلد الحرام مكة المكرمة، وعظيم علو منزلتها عند الله عز وجل والثواب الجزيل للعبادة فيها.

6-

إشهاد الناس جميعًا والمشاعر والمناسك ويوم عرفة ومواقيت الحج والبلد الحرام على تبليغهم شريعة الإسلام.

ص: 133