الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحج من المال الطيب لا الخبيث:
أخرج أحمد والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرج الحاج حاجًا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السما: لبيك وسعديك، زادك حلال وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة، فوضع رجله في الغرز، فنادى لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مأجور".
التصوير الأدبي في بلاغة التعبير عن الحج المبرور غير المأزور، وذلك في الصورة الكلية الأولى، فقد كانت ثرية بالعناصر البليغة، والتي نبعت عن الواقع المحس، في قصة مثيرة لعواطف الإنسانية، التي يعمر بها الوجدان الحي بالإيمان الصادق، والإخلاص في العمل ابتغاء مرضاة الله عز وجل، فالحاج بهذه الصفة يجاهد في إعداد نفقات الحج وزاده وراحلته من سعي حلال، ومصدر طيب، "فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا" حديث شريف، ويمضي في طريقه الآمن، حتى يؤدي مشاعر الحج المقدسة الطاهرة، يردد التلبية وهو محرم، فتتفتح له أبواب السموات بالرحمة والرضوان، من كل من فيها وما فيها بالدعاء له، والنداء ملبين معه، مبشرين له بالقبول والسعد، قائلين له: زادك حلال وراحلتك حلال، وحجك مبرور لا مأزور، كل ذلك تدل عليه عناصر التصوير البليغ، الذي عبر عن وصفه "بالحاج" ووصف عبادته ونسكه بكونه حاجًا، ووصف نفقاته وراحلته بالطيب لا الخبيث، ثم تصوير التلبية كاملة هنا "لبيك اللهم لبيك"، وقبولها بترديدها واقترانها "بالسعد" والرضا، ووصف الزاد والراحلة بالحلال، وتقرير الجائزة الكبرى:"حجك مبرور غير مأزور"، إنها قيم خلقية وتشريعية سامية، ترغب عباد الله عز وجل في نيل هذا الشرف العظيم للحصول على أعلى جائزة من أكرم الأكرمين، قال تعالى:{وبشر المحسنين} ، {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا
…
} إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .
التصوير الأدبي في بلاغة التعبير عن الحج المأزور غير المأجور، وذلك في الصورة الكلية المقابلة للصورة الأولى، في إيقاع موسيقي ناشز تنفر منه الأذواق والآذان، غنية بالعناصر الفنية البليغة، التي تثير الاشمئزاز في النفس، وينفر منها الوجدان العامر بالإيمان بالله الخالص، فكل عنصر هنا يدل على النقيض من الصورة الأولى؛ فقد أخْفِيَ الفاعل وأضمِرَ ذكره صراحة، وكذلك صفته وهي "الحاج وحاجًا" كما في الصورة الأولى؛ لأنه هنا لا يستحق الذكر تحقيرًا له وإنكارًا لصنيعه ولنفقته وسعيه للحج، فقال:"إذا خرج"، بلا ذكر لذاته ولا لصفته، ثم صور هنا النفقة والزاد والراحلة بالخبيث والحرام ترهيبًا وتنفيرًا، فهو يقابل الطيب الحلال هناك ترغيبًا وتبشيرًا، ثم جاءت صفة التلبية هنا غير كاملة لمجرد الرمز فقط، مجردة من شرف النداء ولفظ الجلالة، ومن شرف تكرارها ولذتها الروحية "لبيك" فقط، لأنه لا يستحق شرف طهارة النسك وسموه، كما لا يستحق ثوابه الجزيل، ومكافأته الكبرى، ثم تصوير الدعاء عليه لا له، بأن الله تعالى لم يجب حجته إجابة بعد إجابة، بل رفضها رفضًا بعد رفض؛ فهو لا يستحق الرحمة والرضوان في قوله:"لا لبيك ولا سعديك"، ثم صورة النقيض في الزاد والنفقة، فزاده حرام ونفقته حرام، ثم تصوير إعلان القرار الحاسم والنتيجة الحتمية للمقدمات السابقة في نهاية التصوير الأدبي الرائع:"وحجك مأزور غير مأجور" في إيقاع متوازن بين الصورتين، ونسق موسيقي ناشز في أصوات الحروف والكلمات، تتناقض آلاته وأوتاره، لتعزف لحنين متنافرين في لوحتين فنيتين متعارضتين، تحمل كل منهما قيمًا فنية جميلة ومثيرة، تثير في النفس عاطفة قوية متدفقة، تقبل على اللوحة الأولى حبًا وعشقًا ورغبة ومنهجًا وسلوكًا قويمًا، وتشمئز من الثانية نكرانًا ونفورًا وخوفًا ورهبة،
لتقيم على أنقاضها منهجًا وسلوكًا قويمًا، وما أعظم إعجاز القرآن حين يصورهما معًا في قوله تعالى:{فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} وقوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} إلى قوله تعالى: {إِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} .
القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:
1-
نفقات الحج من الزاد ووسائل السفر المختلفة والإقامة، أن تكون مالًا حلالًا طيبًا، لا حرامًا خبيثًا وفيه شبهة.
2-
من مناسك الحج ومفاتيحها: "لبيك اللهم لبيك..".
3-
مؤنة الحج الحلال ونفقاته الطيبة تجعله حجًا مبرورًا مقبولًا غير مأزور.
4-
نفقات الحج الحرام ومؤنته الخبيثة لا تتفتح له أبواب؛ فترتد عليه المناسك غير مقبولٍ وتجعله مأزورًا غير مقبول ولا مأجور.
5-
يحث الإسلام على الكسب الطيب والمال الحلال؛ فهو يطيب البدن والعمل، ويجلب الأجر والثواب.
6-
بالإضافة إلى ما ذكر من القيم في التصوير النبوي من الحديث الشريف.