الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا نعس أحدكم:
أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم؛ فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه".
التصوير البلاغي في هذه الصورة الأدبية: "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب النوم" يرجع إلى أسرار بلاغية، تضفي جمالًا وسحرًا على الأساليب الفنية الآتية:
1-
فالصورة الفنية في عبارة "إذا نعس" تدل على تحقق النعاس، ولا يكفي فيه مجرد الشك أو الخوف أو الترقب أو الإحساس أو التخمين أو الفرض أو الاحتمال؛ فإن ذلك كله لا يكون سببًا في انصراف المصلي عن صلاته بل يجب أن يتيقن من تغشي النعاس على سبيل اليقين فعلًا، فلا يستطيع أن يقاومه أو يدفعه، وهذا ما يفيده التصوير "بإذا"، التي تدل على اليقين بخلاف التعبير "بإن" التي تفيد الشك والاحتمال فيما لو قيل:"إن نعس أحدكم".
2-
الصورة البليغة في قوله: "أحدكم وهو يصلي" تدل على أن هذا الحكم عام لا يختص بالرجال فحسب، فلم يقل: نعستم أو نعستنّ، وإنما عبر عن الجميع "بأحد" ليشمل الرجال والنساء والصغار والكبار والقوي والضعيف من باب التغليب، ثم انظر إلى الصورة الفنية الثالثة في قوله:"وهو يصلي"، جاءت في موقع الحال من الناعس؛ لتدل على أن هذا الحكم خاص بالمصلي وحده، لا ينطبق على كل ناعس، بل الحكم مقيد ومختص بالناعس في الصلاة.
وتدل أيضًا، على أن الدعاء أثناء الصلاة بالخير أو الشر يكون أكثر
قبولًا واستجابة من الدعاء خارج الصلاة، لأنها تنقل المصلي إلى الحضرة الربانية، ليخاطب ربه مباشرة، بعد أن انقطع عما حوله بقوله الله أكبر من كل كبير، وأولى من غيره، مهما كانت منزلة المصلي قبل الصلاة وبعدها.
3-
وكذلك الصورة الفنية في بلاغة التعبير بقوله: "فليرقد حتى يذهب عنه النوم" ترجع إلى أسرار جمالية نابعة من طرق الأسلوب العربي البليغ الذي يدل على التوازن، وترتب النتائج على المقدمات، في تصوير فني جذاب شيق غير جاف، بل يعتمد على إثارة العاطفة والشعور والوجدان بأسلوب الشرط في قوله:"إذا نعسك أحدكم" على سبيل التحقيق، وبين أسلوب الجزاء الذي صير النتيجة أمرًا حتميًا، فأصبح واجبًا لا بد من تنفيذه وتحقيقه وهو ألا يتم صلاته، بل يجب أن يتركها وينصرف عنها لوقت اليقظة، ليدل أسلوب الجزاء في قوله:"فليرقد" على الأمر والإلزام، ولا يكفي من النوم، غفوة أو غفوتان، بل لا بد من الراحة التامة، حتى يذهب عنه النوم وهذا ما يدل عليه التصوير الفني بقوله:"حتى" الغائية للصورة الفنية في قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يذهب عنه النوم" أي لتحقيق الغاية من النوم المريح.
وإنك لتعجب من هذا التصوير الأدبي الرائع في بلاغة التعبير عن عدم ضبط الإدراك؛ ليقطع المصلي الحضور الرباني مع الله سبحانه في الصلاة بسبب النعاس، وذلك في قوله:"فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر، فيسب نفسه" في تصوير فني تنوعت أساليبه البلاغية، التي تدل على سماحة الإسلام وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، ومحبته لهم ورحمته بهم، حتى لا يتعرضوا لما يضرهم، لذلك جاء التصوير الفني على سبيل التوكيد أولًا في قوله:"فإن أحدكم"؛ ليحثهم على اتباع ما أمرهم به بلا تردد أو إنكار، وثانيًا: تكرار التوكيد في صورة
فنية أخرى في التعبير "بإذا"، التي تدل على التحقيق واليقين، حتى لا يقطع المصلي الصلاة لمجرد احتمال، ثم جاءت الصورة الأدبية الثالثة، والبلاغية الرائعة، ليصدر عنها الحكم ويؤكد القرار والنتيجة على سبيل التصريح المباشر وهو أن المصلي الناعس لا يدري أيدعو لنفسه ويستغفر لها أم يدعو عليها؟ لأن دعاءه مقبول أثناء الحضور والمكاشفة مع الله عز وجل في الصلاة، فربما تكون لحظات إجابة، فينزل به الضرر، وهو لا يرضاه الله ورسوله لعباده المؤمنين القانتين إنها الرحمة بأمته، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} .
القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:
1-
الخشوع في الصلاة يقتضي اليقظة التامة، والوعي التام وحضور القلب مع الله تعالى.
2-
الأخذ بالحيطة ومراعاة الحذر في الصلاة، وفي كل أمور الحياة.
3-
إطلاق الدعاء في الصلاة دون تقييد برواتب معينة، ولو كان استغفارًا.
4-
التوقي من المكاره ومن فلتات اللسان، وغفلة الإدراك وقت العبادة للوقاية من الضرر.
5-
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، ورفع الضرر عنهم ورحمته بهم.
6-
بالإضافة إلى ما ذكر من القيم في التصوير النبوي من الحديث الشريف.