الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:
1-
يحث الحديث الشريف على نشر المحبة ونشر الأمن والسلام بين الناس جميعًا.
2-
حرم الإسلام القطيعة والخصومة مما يعكر صفو القلب.
3-
وحرم التدابر والتفرق؛ فإنه يمزق الأمة، وتقطع التواصل بينها.
4-
وحرم التباغض الذي يشيع البغضاء بين الناس؛ فيقضي على التعاون على البر والتقوى.
5-
وحرم التحاسد، الذي يحمل الحاسد على الحقد، وتمني زوال النعم والخير عن الغير، وإيثار نفسه به أنانية وتفانيًا في حب ذاته.
6-
لا يجوز أن يهجر المسلم أخاه أكثر من ثلاثة أيام، فإن الخصومة تمزق وحدة الأخوة الإسلامية.
7-
يعتمد الحديث الشريف على الوحدة الفنية في تناسب الألفاظ والأساليب والصور مع المعاني، فتقوم على الوحدة العضوية بين القيم الخلقية والفنية في الحديث الشريف.
8-
بالإضافة إلى ما ذكر من القيم في التصوير النبوي للحديث الشريف.
بين البخل والإنفاق:
أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت، أو وفرت على جلده، حتى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها ولا تتسع".
حب المال والتملك غريزة إنسانية تزداد وتنمو كلما تعلق الإنسان
بالحياة وهام بها فالمال من ميل القلب إليه وحبه حبًا جمًا: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} ، {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} ، {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُورًا} ، {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} وفي الحديث الشريف:"منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال"، "ولو أعطي ابن آدم واديًا من مال لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" وغير ذلك كثير مما يجعل الإنسان حريصًا على إنفاقه، كما حث على اكتسابه من حلال، قال تعالى:{وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} ، {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .
التصوير الأدبي في بلاغة التعبير عن الإنفاق والبخل في هذا الحديث الشريف:
أولًا: شبه الإنفاق والبخل -وهما من المعاني المجردة- بصورة مادية محسوسة بالثوب أو الدرع من الحديد، قد يحمي صاحبه من الهلاك إذا كان منفقًا، أو يكون سببًا في هلاكه والقضاء عليه إذا كان بخيلًا، وفي هذه الصورة الأدبية القائمة على التمثيل المعنوي بالمحسوس، وتشبيه المتخيل بالمادي المحس، يضفي على المعاني الكثيرة فيه جمال المبالغة مع الإيجار، وروعة البيان وسحره مع التركيز والإيحاء؛ لأن النفس تتعلق بالمادي والمحسوس، وتفتتن به أكثر من المعنى المجرد لغموضه وإبهامه، فالمادي يدرك بجميع الحواس، وهي كثيرة مع العقل والعاطفة والوجدان، والمعنوي لا يدرك إلا بالعقل فقط، لذلك كان التجسيم للإنفاق والبخل في هذا الحديث الشريف أبلغ تصويرًا وأقوى بيانًا.
ثانيًا: عبر الحديث عن الإنفاق في صورة أدبية بليغة، تتكون من رجل لبس درعًا من الفولاذ أو الحديد، يحيط بصدره، كلما حرك نفسه بالجهاد وكثرة الإنفاق طال الدرع، حتى كان سابغًا على جميع بدنه، يشتمل عليه كله ليحفظه؛ وينجيه من الهلاك، ويزداد في حجمه كما وكيفًا؛ فيزداد خيرًا ووفرة وبركة؛ وطهرًا وعمرًا ونسلًا وأولادًا؛ مصداقًا لقوله تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} . {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ، {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} ، {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وينزل ملكان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الثاني: اللهم أعط ممسكًا تلفًا"، ويقول أيضًا:"حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع"، "من أراد أن ينسأ له في أجله؛ ويبارك له في عمره وولده وماله؛ فليصل رحمه" أي بالمال وغيره من القربات والهدايا.
ثالثًا: عبر عن البخل والشح في صورة أدبية محسة بليغة؛ تتكون من رجل لبس درعًا من الفولاذ أو الحديد يحيط بصدره، فكلما أمسك عن الإنفاق شحًا وبخلًا؛ أطبق بحلقاته وتلابيبه على صدره ممزقة؛ وعلى أنفاسه فأزهقها، وعلى روحه فخنقها، حتى يكاد أن يموت، فيحاول أن يوسعها فتزداد ضيقًا واختناقًا، حتى تزهق روحه، فيترتب على ذلك اكتناز المال وجموده، وهلاك النفس وتعذيبها، وحرمان الأولاد والناس، وقصر العمر والفقر في المال وقلة النسل والولد؛ والعزلة والبغض
والكراهية، ومثله كمثل من فقأ إحدى عينيه، وقال بأن النظر بهما في وقت واحد إسراف، ومثل قول ابن الرومي في وصف البخيل:
يقتر عيسى على نفسه
…
وليس بباق ولا خالد
فلو يستطيع لتقتيره
…
تنفس من منخر واحد
ومصداقًا لقول الله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقوله: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} ، {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} ، وفي الحديث الشريف:"خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق"، وقوله:"اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم"، وقوله في مال البخيل:"يمثل له يوم القيامة بشجاع أقرع يأخذ بلهزمتيه ويقول: "أنا مالك أنا كنزك"، "وتصفح له صفائح من نار تصب فوق رأسه"، {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} .
القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:
1-
حث الإسلام على الجود وأثنى على الجواد الكريم؛ لأن الكرم والصدقة تعود على المنفق بالخير في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة.
2-
حذر الإسلام من الشح والبخل وذم الشحيح والبخيل فإن الشح يهلك صاحبه، والبخل يقضي على البخيل في الدنيا، أما في الآخرة فهما محرومان من الثواب والرضوان، فلا يغني في الدنيا ولا ينفع في الآخرة.
3-
الصدقة تمحو الذنوب، والكرم يذهب بالخطايا، وتنقي المنفق من الدنس والحقارة والعار والخزي والعقاب.
4-
أن الله عز وجل سيزيد المنفق خيرًا وحسنًا في الدنيا والآخرة، ويمقت البخيل، ويفضح الشحيح، ويعذبهما في الدنيا بالذل والضعف والهوان والضيق والقلق، وفي الآخرة بالعقاب والعذاب والحرمان من رحمة الله تعالى ورضوانه.
5-
يحث الحديث الشريف على جواز ضرب الأمثال، وتجسيم المجردات وتشخيص المعاني، لتوضيحها ونفاذها إلى القلب والعقل والبصيرة.