الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
لذلك جعل الله الغضب من الشيطان، لأنه شر وحقد وضغينة يحيكها الشيطان للإنسان فهو عدو له مبين، يتصدى له بالإيقاع والتصدي والذلة والهوان والكيد، فهو يجري من النفس كمجرى الدم في العروق.
3-
يحدد الرسول صلى الله عليه وسلم ملامح الغضب وصفاته، فهو يحول جسد الإنسان ووجهه إلى جمرة من اللهب والنار، فكأنه يستمد ذلك من طبيعة خلق الشيطان، فهو من النار لا من الطين.
4-
لذلك حث الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يطفئ المؤمن من هذه الجمرة المتقدة من النار بالماء، فيقوم ليتوضأ به؛ فإن ذلك هو السبيل في تدمير الغضب وإطفائه، حتى تنصرف النفس عنه.
5-
ليس التحول عن الغضب بالماء فحسب، بل بتغيير الحال والوضع الذي عليه الغاضب، فيصلي إذا كان متوضئًا، أو يقوم إذا كان جالسًا، أو يجلس إذا كان قائمًا، أو يخرج من البيت، أو يدخل في مكان آخر، وبصفة عامة يغير الوضع الذي هو عليه، كما في أحاديث أخرى في مقامات أخرى.
حرية الرأي:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يكن أحدكم إمَّعَةٌ، يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطِّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم".
قضايا الحديث الشريف:
الإسلام يحذر من التقليد الأعمى والتبعية المطلقة: ينفر الإسلام من التقليد الأعمى، والتبعية المطلقة بدون وعي أو تقويم، بل يحث الإسلام على حرية الفكر في شئون الحياة المختلفة، يدرسها دراسة واعية ودقيقة،
ويبحث جوانبها المختلفة، ولا يكتفي بتقليد الآخرين في آرائهم، ولا يكون تابعًا لغيره في فكره ورأيه على إطلاقه، بل يكون له موقف من هذا، يهتدي إليه بعقله بإثبات الدليل، واستشارة الغير والموازة بين الآراء المختلفة حتى ينتهي إلى الرأي الصحيح، الذي يتجرد فيه من التقليد والتبعية المطلقة، لذلك حذر الحديث الشريف من الإمعة، الذي يقلد الناس بدون وعي في إحسانهم وإساءتهم، مستمدًا هذا التحذير من القرآن الكريم، الذي يذم ذلك قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ، وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} .
فالمقلد والتابع بلا شخصية ولا رأي، لا يقوم على التصديق والاعتقاد، بل هو كالناعق يهيم بكل صيحة، ويسمع كل ناعق، ويطير وراء كل هيعة.
الاعتداد بالرأي وحرية التفكير: يحث الإسلام في هذا الحديث الشريف على الاستقلال بالرأي والاعتداد بالنفس، ويدعو إلى حرية التفكير السديد، ويرغب في التأمل الصائب والروية والتثبت، بل لا يعتد إلا بالتصديق والاعتقاد الكامل، حتى تتحول الفكرة والآراء إلى عقيدة تقوم على التصديق والاعتقاد، وهذا هو معنى "وطنوا أنفسكم"، فيمعن الإنسان الفكر ويقلب الآراء، ويتثبت من الصحيح والخطأ والدليل الواضح، وباستشارة الآخرين وتفيند آرائهم، فيتتبع ما يحسنه الناس، ويطرح ما يخطئون فيه فلا يتبعهم في مساوئهم وفسادهم وغيهم وضلالهم، وهذا ما يتفق مع منهج القرآن الكريم في الحث على التأمل والنظر، والترغيب في البحث والدراسة في الحياة والكون وقضايا الإنسان،
ومقتضيات حياته، ليتعرف على الحق والحقيقة، ويكشف الباطل والزيف والضلال، ويقف على دلائل قدرة الله عز وجل وإبداعه في خلقه ومخلوقاته ليزداد إيمانًا وتصديقًا، ويعمل على الإصلاح والبناء القوي، ويرتقي بالمجتمع إلى مدارج الرقي والتقدم والحضارة، قال تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وقال أيضًا: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ
…
} ، وقال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} .
الشورى وحرية الرأي: لا تتعارض الشورى مع الحرية في الفكر والاعتداد بالرأي، لأن استشارة الآخرين، وتفنيد آرائهم، ودراستها وبحث فكرهم، والموازنة بين الآراء المختلفة، كل ذلك يعين على حرية التفكير الواعي المدروس، ويسدد الرأي الصائب، ويهدي إلى الفكرة الصحيحة، ويصل بكل ذلك إلى جوهر الحقيقة المدعومة بالأدلة، ووجهات النظر المختلفة، لأنها نبعت من خلال تجارب متنوعة، ومناظرة بين الآراء المختلفة، وتمييز بين الفكر الصالح والطالح، لذلك سميت سورة في القرآن الكريم بالشورى تحث عليها وترغب فيها، قال تعالى:{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} .
القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:
1-
يحرم الإسلام التقليد الأعمى بدون وعي أو إدراك، بل لا بد من التصديق والاعتقاد والقناعة والفهم.
2-
كما يحرم التبعية للغير، القائم على إعادة ما يجري على ألسنة الناس من العبارات المعتادة، وهي التبعية المطلقة، بأن يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، من غير اعتقاد واقتناع، أو تأمل ومشورة.