الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من صام رمضان:
أخرج أحمد وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
التصوير الأدبي في بلاغة التعبير لقوله: "من صام رمضان" ترجع بلاغته إلى اختيار الكلمات، التي تؤدي المراد بدقة وشمول وعلى سبيل التحقيق، فعبر "بمن" دون غيرها لإفادة التكليف والتنويع؛ لأنها وضعت في اللغة العربية للعقلاء البالغين المكلفين، على العكس من "ما" فهي لغير العقلاء، لذلك وجب الصيام على الإنسان المكلف من بين المخلوقات، فقد خاطب الله تعالى المؤمنين بفرضية الصيام فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، وكذلك لإفادة الشمول والعموم، لأن "من" تشمل الرجل والمرأة والراعي والرعية، فهي تستوعب كل المكلفين من بني آدم، وكذلك لإفادة الالتزام والإلزام على سبيل الحتم والفرضية، فهي أداة شرط، يستوجب فعلها وهو "من صام رمضان" جواب الشرط وجزاؤه وهو:"غفر له ما تقدم من ذنبه"، وكذلك تجد بلاغة التصوير الفني في اختيار كلمتي "صوم رمضان"، للدلالة على أن شهر رمضان المعظم دون غيره هو المفضل من بين الشهور بالصيام، فقد ميزه الله تعالى بهذه الفضائل من بين غيره، منها الصيام ونزول القرآن الكريم، قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ، وفي الحديث الشريف حين استقبل هذا الشهر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لقد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل صيامه فريضة وقيام ليله تطوعًا".
التصوير البلاغي في قوله: "من صام رمضان إيمانًا"، فعبر الحديث الشريف عن صيام رمضان وقيده بالإيمان، ليشكل صورة أدبية بليغة في كلمة واحدة، تجمع بين حروف منتقاة تمتاز في إيقاعها الموسيقي والصوتي بالسلاسة والعذوبة، والرقة والسيولة في حرفي اللين، وهما الألف والياء؛ فلم يجتمع فيها من حروف الشدة والجهارة والغلظة وغيرها مما يوحي بشدة الإيقاع وعنف موسيقى الحروف، وللدلالة على أن الصيام لا يقبل من الكافر مطلقًا، ولا يثاب عليه الفاسق، وإن سقط عنه الفرض، إن الأساس في قبول الأعمال هو الإيمان بالله ورسوله والطاعة لهما:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} ، ولم يخاطب الله تعالى الناس ولا الكفار ولا الفسقة وإنما خاطب المؤمنين المتقين بالصيام فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
بلاغة التصوير الأدبي في قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان احتسابًا" ترجع إلى اختيار هذه الصيغة في حروفها ومبانيها الصوتية، وفي معاني الكلمة الوضعية في اللغة، لتنبني منها صورة أدبية رائعة على أكمل وجه، لتحقق الغاية منها في أجمل صورة، فتتلقاها الأذن؛ وتستقبلها الأحاسيس في إيقاع رتيب ونسق بديع، يجمع بين التآلف الموسيقي وبين أصوات الحروف الهامة الحاسبة التقديرية، فتستوعبها النفس وعيا وعمقًا، كما أن معاني الكلمة تدل على الحساب والتقدير والدقة والإخلاص، ولا تأتي فيها معاني العبثية ولا الأنانية ولا الذاتية ولا الرياء والمظهر، وتدل على أن الصيام يكون لحساب المرء عند الله ابتغاء مرضاته، لذلك كله كانت النتيجة في جواب الشرط لازمة وحتمية؛ ليستحق الصائم على هذين الأساسين -وهما الإيمان والاحتساب لله عز وجل الغفران والثواب المضاعف فيدخله جنات تجري من تحتها الأنهار، من باب يختص به الصائمون وحدهم، وهو باب الريان، فإذا دخلوا أغلق دونهم.
كما أفاد أسلوب الشرط أيضًا التوازن الموسيقي والتآلف الإيقاعي بين جملتي فعلي الشرط والجواب، ليثير انتباه القارئ، ويحرك عواطفه ومشاعره، فتستقر معاني الحديث وقيمه الخلقية، في أعماق النفس إيمانًا وتصديقًا وإخلاصًا، ابتغاء مرضاة الله عز وجل.
القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:
1-
صيام رمضان فريضة على العاقل البالغ المكلف.
2-
صيام رمضان الذي يغفر الذنوب يقتصر على المؤمن لا الفاسق؛ لأن الصدق في الصيام والإخلاص فيه يتفق مع حقيقة الإيمان من الصدق واليقين والإخلاص.
3-
إذا صام المؤمن شهر رمضان ابتغاء مرضاة الله عز وجل، وهو يحتسبه لوجه الله تعالى غفر الله سبحانه له ما تقدم من ذنبه.
4-
أن المؤمن الذي يحرص على صيام رمضان في حياته وطول عمره يكفر عنه سيئاته، ويرفع عنه أوزاره، ويلقى ربه عز وجل طاهرًا من الذنوب.
5-
تفضيل شهر رمضان على بقية الشهور جميعًا لما خصه الله عز وجل من نزول القرآن الكريم دستور الحياة الكريمة والعزيزة للمؤمن وللإسلام.
6-
بالإضافة إلى ما ذكر من القيم في التصوير النبوي في الحديث الشريف.