الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} ، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وقال النبي مقررًا قول سلمان الفارسي رضي الله عنه:"إن لربك عليك حقًا، وإن لنفسك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه".
القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:
1-
سماحة الإسلام ولينه فالدين يسر لا عسر.
2-
العمل بالرخص الشرعية لرفع الحرج عن النفس في وقت الحاجة والعذر.
3-
النهي عن المبالغة والتشدد في العبادة، فخير الأعمال أدومها وإن قل.
4-
كراهية الإسلام للملل والسأم.
5-
أداء الأعمال في أوقات النشاط، وتفضيل الراحة في أوقات القيلولة وإعطاء الجسم حقه من التمتع بنعم الله عز وجل.
6-
الحث على التبكير وقيام جزء من الليل للتهجد فيه.
7-
بالإضافة إلى ما ذكر في التصوير النبوي من الحديث الشريف.
إن الخير لا يأتي إلا بالخير:
جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال: "إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح من زهرة الدنيا وزينتها"، فقال رجل: أو يأتي الخير بالشر يا رسول الله؟ قال: فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: ما شأنك تكلم رسول الله لا يكلمك، قال: ورأينا أنه ينزل عليه، فأفاق يمسح عنه الرحضاء أي "العرق"، وقال: "أين السائل؟ - وكأنه حمده - إن الخير لا يأتي إلا بالخير، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا أو يلم - الحبط داء يصيب البطن من كثرة أكل الكلأ، أو يلم، أي: ما يقرب من هذا الداء - إلا آكلة الخضر،
فإنها إن أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها، استقبلت عين الشمس، فثلطت وبالت ثم رتعت، وإن هذا المال خضر حلو، ونعم صاحب المسلم، هو لمن أعطى منه المسكين وابن السبيل، وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شاهدًا يوم القيامة".
المعادلة الصعبة في الحديث الشريف: جاءت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح من زهرة الدنيا وزينتها" حين تقبل الدنيا على الناس بالخير والمال الوفير، والعقارات وأرصدة البنوك وغيرها من متاع الغرور وزينة الدنيا وفتنتها، لذلك تعجب السائل من خوف النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الخير لأمته، فقال معترضًا: أو يأتي الخير بالشر يا رسول الله؟ فسكت عن الإجابة، لأنها معادلة صعبة تحتاج إلى وحي من الله في ميزان دقيق، يكشف الغموض في هذا التناقض في الظاهر، ليكون مقياسًا إلهيًا، وميزانًا عادلًا في التعامل مع الخير وزينة الحياة الدنيا، ليأتي بالخير والثواب العظيم حتى لا يكون وبالًا على صاحبه يجلب له الشر والعقاب.
التصوير الأدبي في التعبير البلاغي عن ميزان المعادلة الصعبة وذلك على النحو التالي:
أولًا: لا بد للرسول أن يخرج المستمعين من حيرتهم التي أحاطت بهم، حتى قال بعضهم: ما شأنك تكلم رسول الله لا يكلمك، وانتظروا الإجابة حين علموا أن الوحي ينزل عليه، فكان أول شيء يبدد هذه الحيرة أن تكون الإجابة قاطعة بالحكم النهائي قبل أن يعرض المقدمات، فقال صلى الله عليه وسلم في بلاغة ونصاعة حجة مؤكدًا قوله بمؤكدات هي "إنّ"، وأسلوب القصر بالنفي والاستثناء فقال:"إن الخير لا يأتي إلا بالخير" وقبل ذلك سأل عن السائل بطريقة أوحت إلى الحاضرين بأنه يشكره على سؤاله، ويثني كثيرًا على مداخلته فقال:"أين السائل"؟ قال الراوي: وكأنه حمده.
ثانيًا: هذا المقياس قضية فكرية مجردة عميقة، يقف العقل أمامها في حيرة وطول نظر وروية، تحتاج من البليغ وخاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ العرب قاطبة -أن يعرضها في صورة أدبية تقربها من العقول، وتتفتح لها منافذ الإدراك في النفس من العقل والعاطفة والوجدان والإحساس والمشاعر لتستقر في وضوح بيان، وحجة دامغة، وبرهان حسي قاطع؛ لذلك اختار لها صورًا واقعية من البيئة المحسة، تجمع بين عناصر الربيع والبقل والنبات والحيوان والرعي والماشية والخضر والكلأ والشمس والحبط وما أشبه ذلك.
ثالثًا: صور الرسول صلى الله عليه وسلم المال الحرام، والكسب المنهي عنه سواء عن طريق تحصيله أو الإسراف فيه، أو كنزه أو عدم إخراج حق المجتمع فيه، صور ذلك في صورة محسة واقعية بليغة، وذلك حينما ينبت فصل الربيع نباتًا غير صالح للمرعى، يقتل الماشية أو يكاد، وهو الحبط وما يقرب من ذلك فإذا أكلته الماشية ماتت لساعتها أو مرضت، وكادت أن تموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا أو يلم".
رابعًا: صور الرسول صلى الله عليه وسلم المال الحلال والكسب المرغوب فيه، سواء بالتحصيل أو بالاعتدال في إنفاقه، واستخراج حقوق المجتمع منه، أو باستغلاله فيما يعود على الأمة بالخير، صور ذلك في صورة واقعية محسة بليغة، وذلك حينما ينبت الربيع كلًأ ومرعى خضرًا حلوًا، تأكل منه الماشية وترعى فيه، فتزداد نموًا وتربو الحما، فتنعم بالعافية وتستقبل الشمس، متمتعة، بحلاوة الأكل وجمال الطبيعة الساحرة، ودفء الشمس الواقي لها من المرض والعلل، فقال: "إلا آكلة الخضر فإنها إن أكلت امتدت خاصرتها واستقبلت عين الشمس
…
" إلخ.
خامسًا: ثم استنتج من تلك الصورة المحسة البليغة مقدمات الحكم والنتيجة الدامغة، حين مدح المال ومصادر الخير فقال:"ونعم صاحب المسلم"، موضحًا هذه النعم وتلك الخيرات، إذا أعطى منه للفقير حقه،
وابن السبيل ولكل ذي حق حقه، عند ذلك لا يأتي الخير إلا بالخير، ثم يقرر حقيقة أخرى عندما يأتي الشر من الخير، إذا حصل عليه صاحبه من حقه، وينفقه في غير حقه، فيستخدمه في غير حله، كالذي يأكل ولا يشبع، فيكون وبالأعلى صاحبه، ويأتي عليه شاهدًا يوم القيامة، مصداقًا لقوله تعالى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} إلخ السورة" وقوله تعالى: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من اكتسب فيها مالًا من حله وأنفقه في حقه أثابه الله عليه، وأورده جنته، ومن اكتسب فيها مالًا من غير حقه، وأنفقه في غير حقه أحله الله دار الهوان".
القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:
1-
تحذير الأمر من فتنة المال حين تقبل الدنيا عليها في تسخيره فيما أمر الله به، ولا يستخدم فيما نهى الله عنه.
2-
صدق ما تنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم من انتشار الإسلام في الشرق والغرب في الفرس وفي الروم: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} .
3-
النهي عن الكسب الحرام والاستيلاء على المال بغير وجه حق، فلابد أن يكون مصدره طيبًا لا خبيثًا.
4-
الحث على إنفاق المال الحلال والكسب الطيب في حقه وعلى من تجب نفقته، وما يجب عليه في ماله من حق السائل والمحروم، ثم يستخدم ما بقي منه في سبيل الله باستغلاله فيما يعود على الناس بالخير والاستغناء لا في التدمير ولا في الظلم والاعتداء.
5-
النهي عن الإسراف في المال وإنفاقه فيما ليس ضروريًا مما يغضب الله عز وجل، ويحاسب المسرف عليه مع أنه صاحبه، جمعه من حلال، لكنه أنفقه في غير حقه وهو الإسراف فيه:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} ، {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} .