الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6-
المال فتنة وزينة واختبار، لا ينجو صاحبه من بلائه وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة إلا إذا جمعه من حقه، وأنفقه في حقه ووجهه؛ فإن فعل ذلك ذهب عنه شره، وكرمه الله بخيره وثوابه؛ فأصبح من الشاكرين.
7-
هذا الحديث لوحة فنية رائعة اتخذت عناصرها من الطبيعة والواقع بخيال هادف، وفي هذا تشريع للأدباء أن يندمجوا مع الطبيعة والواقع بخيالهم في شعرهم وفنونهم الأدبية من قصة ومسرحية وغيرها مما يجمع بين القيم الخلقية والقيم الفنية.
8-
بالإضافة إلى ما ذكر في التصوير النبوي من القيم في الحديث الشريف.
واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا:
أخرج البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلُ المؤمنين في تراحمهم، وتوادهم وتعاطفهم مثلُ الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
الوحدة العضوية في بلاغة التصوير الأدبي لهذا الحديث الشريف:
تظهر بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم في ترتيبه بين الصفات والأعمال الإنسانية ترتيبًا واقعيًا في نمو وتصاعد مطرد، بحيث تترتب الصفات والأفعال بعضها على بعض مثل تسلسل المشاهد وتناميها في الرواية والقصة، فقد ترتب التواد على التراحم وتنامى عنه وزاد عليه في الصفات والأعمال، وترتب التعاطف على التواد وتنامى عنه وزاد عليه في الصفات والأعمال، فانظر إلى هذا التنامي والتصاعد في البنية الفنية للحديث الشريف، حين بُدئ بأدنى الصفات والأعمال وهو التراحم، فيرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإسلام ونسبه، لا بسبب آخر، فالتراحم هو المرحلة الأولى التي لا بد أن تتحقق قبل المرحلة الثانية، وهي التواد التي تترتب على التراحم، بل تزيد عليها بصفات وأعمال كثيرة هي صلة الرحم والتزاور والتهادي، وما أشبه
ذلك مما يدخل في التواد بعد التراحم، فإذا تحقق التواد بين الأسرة فيما بينها، وبين الأسر بعضها مع بعضها الآخر، تتنامى بعد تلك الصفات والأعمال والقيم الخلقية الأعلى من التراحم والتواد، وهي الغاية السامية التي ينشدها الإسلام من التعاطف والتعاون والوحدة والاعتصام بحبل الله جميعًا، وهي الصفات والأعمال الثالثة في قوله:"وتعاطفهم" وهذا التنامي بين القيم السامية في التصوير الفني والبلاغي يعد من أرقى أساليب البلاغة النبوية الشريفة.
روعة التصوير الفني في بلاغة التعبير بصيغ المفاعلة في هذا الحديث الشريف، التي تدل على المشاركة والإيجابية والتفاعل بين جميع المسلمين، بحيث يشترك الجميع في هذه الصفات وتلك الأعمال والقيم، فلا بد أن يحدث التراحم والتواد والتعاطف من الجميع دون اقتصار على فرد أو مجموعة دون الأخرى، وذلك في بلاغة التعبير والتصوير الفني بصيغة التفاعل، في قوله صلى الله عليه وسلم:"في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم"، متأثرًا ببلاغة القرآن الكريم وإعجازه البياني في قوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، كما في حديث آخر:"المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كلَّه، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله".
روعة التصوير الفني في بلاغة التشبيه التمثيلي، حين شبه المؤمنون على التمثيل في هذه الصفات، وتلك القيم الخلقية السامية في التراحم والتواد والتعاطف، فلا يستغني أحدهم عن الآخر، بل كل واحد منهم يكمل الآخر، ويحتاج إليه ولا يستغني عنه، حتى تستقيم الحياة فتقوى، وتتحقق لها العزة والكرامة والمجد، مثلهم في هذا البناء القوي الكامل الجميل مثل الجسد الواحد القوي الصحيح الجميل التي اتسقت فيه
الأعضاء وتكاملت، وأخذت موقعها من النسق الجميل والقوي في تحقيق غايته من الحياة الكريمة والقوية والعزيزة، فإذا كان عضو من أعضاء الجسد قد أصابه ضعف أو مرض أو اعتلال أو كسر، كان بالضرورة لبقيته أن يتألم فتشاركه التعب والسهر، مما يؤدي إلى تزايد المرض وسريان الحمى في الجسد كله، وما أروع تقديم السهر وعدم النوم قبل الحمى؛ لأنها مترتبة على الأرق، وهذا هو شأن المؤمنين إذا تراحموا وتودّوا وتعاطفوا واعتصموا بحبل الله جميعًا، فصاروا أمة قوية عزيزة الجانب، يهابها الناس، ويحسبون لها ألف حساب كالجسد القوي الصحيح، الذي يقوى على مقاومة المرض والضعف والهوان، وإن اختفت هذه القيم وانعدمت، تفرق المؤمنون واختلفوا، ومزقتهم العداوة والبغضاء، فانهارت قوتهم وضعفت شوكتهم، قال تعالى:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .
القيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف:
1-
إذا تحققت قيم التراحم والتواد والتعاطف في المسلم أصبح مؤمنًا فاستحق صفة الإيمان، وهو يزيد وينقص حتى يصل إلى درجة الإحسان.
2-
حث الحديث الشريف على التراحم بين المسلمين فيرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإسلام ونسبه.
3-
كما حث على المودة، وذلك بصلة الرحم بالتزاور والتهادي، والتواصل بين ذوي الرحم وبين الإخوة في الإسلام.
4-
كما حث على التعاطف والتعاون والتكافل بين المسلمين جميعًا؛ لأنهم أمة واحدة كالجسد الواحد.
5-
ويحث أيضًا على وحدة الأمة الإسلامية والاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فتتحطم أمامها التيارات المدمرة من التمزق والتفرق والتنازع.
6-
يقوم الحديث الشريف في تصويره النبوي وبلاغة تعبيره على وحدة فنية وموضوعية وعضوية، ترابطت فيها القيم الخلقية والفنية في نمو واطراد، بحيث لو قدمت قيمة على أخرى لاختل البناء الفني والعضوي من التراحم ثم التواد، ثم التعاطف، ولابد أن تكون الحمى نتيجة للتعب ومرض الجسم الذي اعتل بالأرق وعدم النوم ومسبباته المختلفة.
7-
بالإضافة إلى ما ذكر من القيم في التصوير النبوي للحديث الشريف