الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: والجواب على هذه الشبهة قد أصبح واضحا من الجواب عن الشبهة السابقة - يشير بذلك إلى الجواب عن قياس التأمين على القمار- فالمراهن معتمد على المصادفات والحظوظ كالمقامر، وقد يضيع في التلهي به أوقاته ويقتل فعاليته ونشاطه كالمقامر.
وأبرز المفارقات بين التأمين والرهان أن الرهان ليس فيه أية صلة بترميم أضرار الأخطار العارضة على النشاط الاقتصادي المنتج من ميدان الحياة الإنسانية، لا بطريق التعاون على تفتيت تلك الأضرار وتشتيتها ولا بطريق تحمل فردي غير تعاوني ولا يعطي أحدا من المتراهنين أي أمان أو طمأنينة كما هو الأثر المباشر في عقد التأمين، وفي هذا ما يكفي لهدم هذه الشبهة (1).
ونوقش هذا الجواب بأنه قد أصبح واضحا أيضا من الجواب عن مناقشة الاستدلال على تحريم التأمين بقياسه على القمار، وأيضا فالمتعاقدان في التأمين يعتمدان على المصادفات والحظوظ، وغاية ما يحتاط به من إحصاء وتنسيق ومقاصة ونحوها أن يخفف قدر الخطر شيئا ما، لكن لا يزال الخطر فاحشا بالنسبة للمتعاقدين، فإن شركات التأمين وإن احتاطت بعملياتها الفنية للكسب فالخطر لا يزال يساورها بشدة بالنسبة لكل مستأمن وحده، بل لا يزال يساورها بالنسبة لمجموع المستأمنين وإن كان أقل من سابقه، فلم يخرج التأمين بذلك عن شبهة الوثيق بالقمار، ثم ليس كل ما كان نافعا ومساعدا على ترميم الأخطار، ودفع الأضرار يكون جائزا حتى يغلب نفعه ضره، وخيره شره، وهيهات أن يتحقق ذلك في التأمين.
(1) عقد التأمين، ص 41 وما بعدها.
وو
قالوا: التأمين من أكل أموال الناس بالباطل، وأكل المال الباطل ممنوع
.
وفيما يلي دليل حكم أكل المال بالباطل، وبيان معناه ووجه اشتمال عقد التأمين على أكل أموال الناس بالباطل.
أما دليل الحكم فقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (1) الآية. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2) وأما معناه فقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز أكل مال الغير بالباطل، واختلفوا في تفسيره ففسره أحمد بن فارس بذهاب الشيء (3) وذكر معنى ذلك الفيروز أبادي (4).
وقال ابن جرير في تفسير آية النساء: لا يأكل بعضكم أموال بعض بما حرم عليه من الربا والقمار وغير ذلك من الأمور التي نهاكم الله عنها، ورجح هذا القول (5).
وقال أبو حيان في تفسير آية البقرة "بالباطل" قال الزجاج: بالظلم، وقال غيره: بالجهة التي لا تكون مشروعة فيدخل في ذلك الغصب والنهب والقمار وحلوان الكاهن والخيانة والرشا، وما يأخذه المنجمون، وكل ما لم يأذن في أخذه الشرع (6).
وقال في تفسير آية النساء: والباطل هو كل طريق لم تبحه الشريعة فيدخل فيه السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا وأثمان البياعات الفاسدة.
وقد اختلف السلف في تفسير قوله (بالباطل) فقال ابن عباس
(1) سورة البقرة الآية 188
(2)
سورة النساء الآية 29
(3)
معجم مقاييس اللغة 1/ 258.
(4)
القاموس المحيط 3/ 324 ويرجع أيضا إلى اللسان 13/ 95.
(5)
تفسير ابن جرير 5/ 20.
(6)
البحر المحيط 2/ 56.