الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القضاء بالشريعة بين التوحيد والمتابعة:
ومما سبق يتأكد لنا أن هناك صلة وثيقة، وارتباطا متينا بين العقيدة والشريعة، ذلكم أن الإيمان عقيدة يلتزم المسلم بمقتضاها أن يتبع حكم الله في كل شأن من شئون حياته، وإلا فإن إيمانه خداج، لا يصح ولا يغني عنه شيئا، قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (1).
هذه واحدة، والثانية أن المسلم ملزم بمتابعة رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام فيما أمر به، واجتناب ما عنه نهى وزجر {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) وهذا عام في الأمر والنهي، والوعظ والإرشاد، والحلال والحرام، وكذلك في الحكم والاحتكام، وقد أقسم الله -جل وعلا- في كتابه العزيز بنفسه المقدسة قسما عظيما على نفي الإيمان عمن لا يحتكم إلى الرسول وإلى شرعه بقوله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3)، والأمر بتحكيم الرسول في كل شاردة وواردة يقتضي الاحتكام إلى شرعه، كما أن الإيمان بالرسول يقتضي متابعته فيما بلغ به عن الله من شرعه، وما أوضحه وبينه في أمره ونهيه. وهذه الآية من الآيات الأخرى التي تجعل من أساسيات الإيمان التحاكم إلى شريعة الله سبحانه وتعالى، تلكم الشريعة التي تكفل العدل والخير للبشرية جميعا.
(1) سورة الأحزاب الآية 36
(2)
سورة الحشر الآية 7
(3)
سورة النساء الآية 65
وهذه النقطة الثانية تستلزم البحث في نقطة ثالثة، وهي في مجال الأدلة، في مسألة تعارض النقل مع العقل، فإنه يقدم النقل، مع أن النقل الصحيح، أي النصوص الثابتة في مجال التشريع لا تتعارض مع العقل السليم الصريح. ومن الترهات في ذلك قول بعض المارقين عن تحكيم الشريعة الإسلامية: إن القوانين الوضعية من صنع العقل البشري، والعقل من صنع الله سبحانه، وإذن في النتيجة أن هذه القوانين من صنع الله، ما دامت ثمرة العقل الذي خلقه.
وتأسيسا على قاعدة درء التعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح، يكفي في رد هذه الترهة ما تحمله هذه القوانين الوضعية، وما تنطوي عليه من مخالفة صريحة لما هو ثابت بالضرورة من أمر الدين، ولما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين.
وبعد:
فقد بات واضحا أن التحاكم إلى الشريعة الإسلامية من مقتضيات عقيدة توحيد الله سبحانه وتعالى، الحكيم في تشريعاته، الخبير بمصالح عباده، ومن مستلزمات الإيمان والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم. ولقد ظل العالم الإسلامي مع اتساع رقعته القرون الطويلة يحكمون الشريعة الإسلامية، وما صار التحول عن التحاكم إليها إلا بعد سيطرة الاستعمار الصليبي على بلاد المسلمين، في المشارق والمغارب، ومن قبله التتار، وهكذا كان مسلك أعداء الإسلام دائما، فقد عمل الغرب مثل ما عمل التتار حينما احتلوا أرض المسلمين قدموا لهم [الياسة]، وهو عبارة عن كتاب مجموع من الأحكام مقتبسة عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية، والملة الإسلامية، وغيرها من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان، ولكن المسلمين وقت التتار المشرقي يختلفون عن المسلمين وقت الغزو الصليبي الغربي، فأولئك طعنوا في تلك القوانين ورفضوها بالإجماع، وأفتوا
بكفر من قبلها أو تحاكم إليها، وهؤلاء استكانوا لها، وتحاكموا إليها. والآن وبعد أن زال هذا الاستعمار البغيض، واستعادت الأمة الإسلامية حريتها واستقلالها ألا يجدر بهذه الأمة أن تستعيد هويتها الإسلامية فهل إلى مرد من سبيل؟!.
سعود بن سعد الدريب
صفحة فارغة
البرهان في بيان القرآن
للعلامة الموفق أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة الحنبلي
المتوفى سنة 630 هـ
تحقيق
الدكتور / سعود بن عبد الله الفنيسان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
وبعد:
فقد اطلعت على مخطوطة (البرهان في بيان القرآن) للموفق أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، فوجدتها اسما طابق المسمى، ولفظا وافق المعنى، وجدتها صغيرة الحجم، كثيرة الفائدة، كتبت بأسلوب جزل سهل.
ومما شجعني على القيام بتحقيقها: أنها من تأليف أحد أعلام الحنابلة، وأنها من آخر ما كتبه ابن قدامة؛ فقد كتبها قبل وفاته رحمه الله بأربع سنوات فقط.
وأيضا: أنها نسخة فريدة، فقد بحثت في فهارس المخطوطات في الجامعات والمؤسسات العلمية داخل المملكة فلم أجد أي إشارة إليها، بحثت - أيضا - خارج المملكة في قوائم المخطوطات في كل من تركيا وسوريا ومصر وتونس والمغرب، فلم أجد نسخة أخرى.
ومما دفعني أنه لا يكاد يعرف للحنابلة مؤلفات في التفسير وعلوم القرآن إلا ما ندر وإنما عرفوا بمؤلفات في الفقه والعقيدة؛ وتراثهم في التفسير وعلوم القرآن لا يقل عن ذلك، غير أنه لم يحظ بالعناية والنشر، بقدر ما عنيت به سائر كتبهم.
وإن المطلع على كتب التراجم وقوائم المخطوطات ليذهل جدا من وفرة إنتاج الحنابلة في هذا المجال، وجهل الكثيرين له.
وقد اتخذ الموفق ابن قدامة في كتابه الذي بين أيدينا طريقة واضحة في الرد على دعاوى الخصوم وأوهام المتخرصين ببيان القرآن بالقرآن أو بالسنة النبوية، وهما أصح طرق تفسير القرآن.
ومن ميزة كتابة ابن قدامة؛ وبالأخص في كتابه (البرهان في بيان القرآن) أنه بعد ذكر الخلاف والاستدلال، يذكر ملخصا لما سبق بعبارة موجزة وواضحة.
وبعملي في تحقيق هذا الكتاب، لا أدعي أنني أوفيته حقه، ولكن أحسب عملي فيه وضح غامضه، وأوضح مشكله، وقبل هذا كله: إخراجه إلى النور لتعم به الفائدة.
والنية متجهة - إن شاء الله - في المستقبل إلى تتبع مؤلفات الحنابلة في التفسير وعلوم القرآن، وجمعها في كتاب، ليستفيد منه الدارسون والباحثون.
والله أسأل الهداية والتوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وسلم.
سعود بن عبد الله الفنيسان