الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يلزم عند الشافعية لاستحقاق النفقة الوطء حيث تجب مع عدمه لمرضها أو لكونها لا تحتمل الجماع منه لعبالته، (1) أو لوجود قروح في فرجها، أو لكونها مستحاضة أو نفساء ونحو ذلك (2)، وقد أوجبوا الإنفاق عليها أيام مرضها لأنها محبوسة للزوج (3) خاصة وأنهم يرون أن وطء الرجل للمرأة مستحب وليس بواجب (4)، وهذا يؤكد أن سبب وجوب النفقة للزوجة هو ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة.
(1) العبل الضخم من كل شيء، والمراد هنا كبر آلة الجماع بحيث لا تحتملها المرأة "مغني المحتاج 3/ 436".
(2)
انظر الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ج2 ص95 مطبعة الحلبي.
(3)
انظر نهاية المحتاج ج7 ص195 مطبعة الحلبي.
(4)
انظر المجموع في شرح المهذب ج15/ 287، 290 الناشر مكتبة الإرشاد بجدة.
الحالات التي يتحقق بها إلزام المرأة بالإنفاق على نفسها
ليس معنى إلزام القريب أو الزوج الإنفاق على المرأة جعله حقا ثابتا لها لا يتغير، ذلك أن وجوب تلك النفقة محكوم بضوابط معينة، عند انتفائها تلزم المرأة بالإنفاق على نفسها ولا يجب على الغير القيام بمئونتها، وهذه الضوابط تختلف باختلاف حال المرأة نفسها وبنوع القرابة المرتبطة بها على ما نوضحه فيما يلي:
و
المرأة باعتبار لزوم النفقة
على نوعين:
أحدهما:
كونها غير زوجة:
وذلك باعتبار كونها امرأة بالغة ويقوم بالإنفاق عليها أحد فروعها أو أصولها أو غيرهما حسب نوعية القرابة الموجبة للإنفاق.
وفي تحقيق بعض الأحوال يسقط عن القريب وجوب النفقة وتلزم
بالإنفاق على نفسها في الحالات التالية:
1 -
إذا كانت غنية سواء أكانت صغيرة أم كبيرة وسواء أكانت أما أم جدة وسواء أكانت بنتا أم أختا ونحو ذلك.
2 -
إذا كان من تلزمه نفقتها معسرا ولو كانت محتاجة خلافا
للحنفية والشافعية (1) في قول لهما: إن البنت الصغيرة الفقيرة تجب نفقتها على أبيها سواء أكان موسرا أو معسرا فتفرض عليه بقدر الكفاية.
3 -
إذا كان من تلزمه نفقتها أو العكس مرتدا أو حربيا إذ لا حرمة
(1) انظر مغني المحتاج ج3 ص447. طبع دار إحياء التراث العربي.
لهما لأنه مأمور بقتلهما واستحقاق النفقة إنما يكون بطريق الصلة، وبهذا لا يثبت لهما أي صلة مهما كانت (1).
وذهب الحنابلة إلى أبعد من ذلك فلم يوجبوا النفقة للأقارب مع اختلاف الدين- وهو المذهب- وهو قول للمالكية (2) والحنفية في غير الفروع (3) والأصول (4)، إذ يرون أن الاستحقاق إنما يثبت باسم الوارث، واختلاف الدين يمنع التوارث، فلا تجب نفقة النصراني على أخيه- من الرحم- المسلم ولا على عكسه وهو رواية عند الحنابلة.
(1) انظر المبسوط للسرخسي ج3 ص228 طبع دار المعرفة. وانظر تبيين الحقائق للزيلعي ج3 ص63 طبع دار المعرفة.
(2)
انظر شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني ج2 ص98 طبع سنة 1332هـ.
(3)
الأبناء وإن نزلوا.
(4)
الآباء وإن علوا.
ثانيهما: الزوجة:
وهذه نفقتها على الزوج في اليسار والإعسار وإن كانت الزوجة موسرة للإجماع على ذلك (1)، ولأن الزوج حبسها عن نكاح غيره بعقده عليها، وكل محبوس لمنفعة غيره تلزمه نفقته مما يدل على وجوب نفقة الزوجة على زوجها.
غير أنه في بعض الحالات تسقط نفقة الزوجة عن زوجها ولا يلزمه الإنفاق عليها حينئذ وتلزم بالإنفاق على نفسها إذا سقطت عن قريبها كما مضى آنفا وهي كما يلي:
1 -
إذا وقعت الفرقة بين الزوجين بسبب فعلها معصية راضية بها كالزنا، لأن حبس النكاح أوجب عليها صلة، فإذا وقعت الفرقة بفعل
(1) انظر تبيين الحقائق للزيلعي ج 3 ص 51 طبع دار المعرفة.
المعصية لم تستحق الصلة، إذ الجاني لا يستحق الصلة بل يستحق الزجر، خلافا للشافعية فإنها تستحق النفقة لأنه لا أثر لزناها وإن حبلت لأنه لا يمنع الاستمتاع بها ولعدم قدرتها على عصمة نفسها (1).
2 -
إذا ارتدت عن الإسلام، حيث يوجب بطلان النكاح، ولا يعود النكاح بعد إسلامها إلا بعقد جديد فتسقط النفقة لانتفاء حبس النكاح للزوج.
3 -
إذا أسلم الذمي وامرأته من غير أهل الكتاب كوثنية أو مجوسية وأبت الإسلام وفرق بينهما فلا نفقة لها في العدة، لأن الفرقة جاءت من قبلها بسبب هي عاصية فيه وهو إباء الإسلام بعد عرضه عليها،
(1) انظر حاشية الشرقاوي ج 2 ص 345 طبع دار المعرفة.
حيث تعد في حكم الناشزة لحبسها نفسها عن زوجها.
4 -
إذا أسلم الذمي وزوجته حربية أبت الإسلام فلا نفقة لها، لأن العصمة انقطعت فيما بينهما، ولأنه مأمور بقتلها (1).
5 -
إذا امتنعت المرأة من تسليم نفسها إلى الزوج بغير حق فتسقط نفقتها لعدم تمكنه من وطئها أو الاستمتاع بها.
6 -
إذا امتنعت من الانتقال معه إلى مسكنه- بغير وجه حق - سواء
(1) انظر حاشية الشرقاوي ج2 ص345 طبع دار المعرفة.
في بلدها أو غير بلدها سقطت نفقتها.
ويرى الشافعية في الجديد سقوط نفقتها ولو لم تمتنع إذا لم تعرض عليه وسكت عن طلبها الانتقال إلى منزله، وهو ما ذهب إليه الحنابلة لما روي عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع (1)» ، ولم يرو عنه صلى الله عليه وسلم أنه أنفق عليها إلا بعد دخوله ولم يلتزم نفقتها لما مضى.
ولأن النفقة تجب مجازاة لحبسه إياها عن نكاح غيره بشرط التمكين
(1) صحيح البخاري النكاح (5133)، صحيح مسلم النكاح (1422)، سنن أبو داود الأدب (4933)، سنن ابن ماجه النكاح (1876)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 211).
فإذا وجد استحقت النفقة، وإذا فقد لم تستحق شيئا.
وفي قول لأبي حنيفة لا يخرجها من بلدها إلى بلد غيره إلا برضاها لأن الغربة تؤذي إذا لم يكن لها فيها عشيرة (1).
(1) انظر تبيين الحقائق للزيلعي ج 2 ص156 الطبعة الأولى سنة 1313 هـ.
7 -
إذا حبست في دين قادرة على وفائه فلا نفقة لها، لأن استحقاقها للنفقة بحبس الزوج إياها على النكاح بطل بالعرض الطارئ وهو حبس الدين، خاصة وأن صاحب الدين أحق بحبسها لدينه لمماطلتها بوفائه فصارت كالناشزة، وكذا المحبوسة بحق، إذ لا تستحق بسببه النفقة (1).
8 -
إذا خرجت من منزل زوجها بغير وجه حق لغيبة أو سفر سقطت
(1) انظر المبسوط للسرخسي ج 5 ص205 طبع دار المعرفة.
نفقتها لفوات تسليم نفسها له ولعدم تمكنه من معاشرتها.
9 -
إذا خرجت معه في سفر بدون إذنه ولم يقدر على ردها فلا نفقة لها ما لم يستمتع بها.
10 -
إذا سافرت بإذن زوجها مع غيره لحاجتها سقطت نفقتها عند الحنابلة، وفي قول للشافعية لانتفاء التمكين فأشبه ما لو استنظرته قبل الدخول فأنظرها.
11 -
إذا كانت مريضة ولم تزف إلى بيت زوجها ولا تقدر على الانتقال معه لمرضها المانع من التسليم بالكلية فتسقط نفقتها.
12 -
إذا اعتكفت بغير إذن زوجها سقطت نفقتها لخروجها من منزله فيما ليس بواجب بأصل الشرع وهو مذهب الشافعية وقول للحنابلة (1).
13 -
إذا حبست زوجها بغير حق بادعاء باطل أو لدين وهو معسر فلا تستحق النفقة مدة حبسه (2).
14 -
إذا نكحت المرأة بنكاح فاسد فلا نفقة لها عند الحنفية والحنابلة والشافعية، وفي قول لهم تسقط عن الزوج أثناء عدة النكاح الفاسد (3) فإن فساده يمنع شرعا من تسليم نفسها له (4) فسبب الوجوب الذي هو حبس الزوج إياها عن نكاح غيره منعدم، فتسقط نفقتها حتى في العدة، لأن حق الحبس وإن ثبت فيها لكنه لتحصين الماء
(1) انظر المغني لابن قدامة ج 7 ص605 الناشر مكتبة الرياض الحديثة.
(2)
انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج 7 ص97 تصوير الطبعة الأولى سنة 1398 هـ.
(3)
انظر مغني المحتاج ج3 ص 441 طبع دار إحياء التراث العربي. وانظر قليوبي وعميرة ج 4 ص 81.
(4)
انظر المبسوط للسرخسي ج 5 ص 193 طبع دار المعرفة. وانظر المجموع شرح المهذب ج17 ص 124.
لا النكاح (1) وقياسا على البائع الذي لا يستحق ثمن المبيع في بيع فاسد (2).
15 -
إذا مات عنها زوجها قبل إعطاء النفقة سقطت، لأنه لا يجوز لها أن تأخذ من ماله للإجماع على ذلك (3)، ولأنها في أصلها تجري مجرى الصلة، والصلة تبطل بالموت قبل القبض كالهبة ولأن حبس الزوج لها عن النكاح وتفريغ نفسها لمصالحه قد زال قبل الاستيفاء فيسقط حقها كما إذا زال العيب قبل رد المشتري للسلعة فيسقط رده ولزمه المبيع فكذا هنا لا يلزم الزوج النفقة (4).
16 -
إذا كانت المرأة صغيرة لا يجامع مثلها (5) فلا نفقة لها عند
(1) انظر بدائع الصنائع ج 4 ص 18. وانظر حاشية ابن عابدين ج 3 ص 572.
(2)
انظر المجموع شرح المهذب ج 17 ص 124 الناشر مكتبة الإرشاد.
(3)
انظر صحيح مسلم بشرح النووي ج 10 ص 96 المطبعة المصرية.
(4)
انظر المبسوط للسرخسي ج 5 ص 195 طبع دار المعرفة.
(5)
يرى جمهور العلماء أن تحديد الصغيرة يختلف باختلاف البنية، فتح القدير لابن الهمام ج4 ص 196.
الحنفية والحنابلة والمالكية وقول للشافعية على الصحيح عندهم.
وذلك لأنه لم يدخل بها بعد (1) وبالتالي لم تسلم نفسها لزوجها في منزله فلا تستوجب النفقة عليه كالناشزة، وهذا لأن الصغيرة جدا لا تنتقل إلى بيت الزوج بل تنقل إليه ولا تنقل إليه للقرار في بيته أيضا فتكون كالمكرهة إذا حملت إلى بيت الزوج.
ولأن نفقتها باعتبار تفريغها نفسها لمصالحه، فإذا كانت لا تصلح لذلك لمعنى فيها كان ذلك بمنزلة منع جاء من قبلها فلا نفقة لها على الزوج (2) لأنها أيضا غير مشتهاة أصلا فلا يستمتع بها ولو دون الفرج، حتى إن كل عاقل يستنكر جماع الرضيعة فيما دون الفرج حيث تعد من الصغار (3).
(1) انظر بلغة السالك ج1 ص 518 مطبعة الحلبي. وانظر حاشية الدسوقي ج 2 ص 508 مطبعة الحلبي.
(2)
انظر المبسوط للسرخسي ج 5 ص 187. وانظر مجمع الأنهر ج1 ص 489. وانظر المغني لابن قدامة ج7 ص 601.
(3)
انظر فتح القدير لابن الهمام ج 4 ص 197.
17 -
إذا فارقها الزوج بملاعنة فلا نفقة لها في العدة، إن كانت غير حامل.
وكذا إن كانت حاملا عند المالكية لما روي من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «فرق بين المتلاعنين وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت (1)» .
وإن كانت حاملا فنفى حملها- وهو لا يلحقه نسبه- فلا نفقة لها لانتفاء الولد بزوال الفراش (2).
18 -
إذا خالفت زوجها وهي حائل فلا نفقة لها في العدة.
19 -
إذا احترفت المرأة وتكسبت بدون رضا من الزوج فلا نفقة لها، ذلك أن نفقة الزوجة واجبة على الزوج كما سبق فلا يصح لها
(1) انظر المغني لابن قدامة ج 7 ص 608، 607 الناشر مكتبة الرياض الحديثة.
(2)
انظر المرجع السابق ج 7 ص 608 وانظر قليوبي وعميرة ج 4 ص 80.
الاكتساب إلا إذا لم ينفق عليها فلها تحصيل النفقة بكسب أو تجارة أو سؤال وليس للزوج منعها سواء أكانت فقيرة أم غنية؛ لأن بقاءها في عصمته وطاعتها له يوجب لها النفقة، فإذا لم يوف ما عليه لم يستحق عليها حجرا، وعليها الرجوع إلى بيتها ليلا، لأنه وقت الإيواء دون العمل والاكتساب، ولها منعه من الاستمتاع بها نهارا.
والمرأة التي تحترف وتكتسب لم تفرغ نفسها لزوجها ولم تسلمها التسليم الكامل فلو منعها من ذلك وعصته وخرجت بلا إذنه كانت ناشزة ما دامت خارجة من بيته (1) وبالتالي لا تستحق النفقة منه.
ويرى الحنفية: أن المرأة إذا سلمت نفسها في النهار أو الليل فقط فلا نفقة لنقص التسليم كما لو تزوج من المحترفات التي تكون بالنهار في مصالحها وبالليل عند زوجها فلا نفقة لها؛ لأنها بالعمل تتعب والتعب يذهب جمالها وجمالها حق الزوج فكان له أن يمنعها، فلو لم تمتنع لم تلزمه نفقتها خاصة وأن نقص التسليم منسوب إليها لرغبتها بالاكتساب.
(1) انظر حاشية ابن عابدين ج 3 ص 578 الطبعة الثانية سنة 1386 هـ.
وعندهم أن للزوج منعها من الغزل وكل عمل ولو قابلة ومغسلة (1)، وروي عن المالكية منعها من الغزل وحكي أنه المذهب عندهم (2)، وجاء عند الحنفية أيضا أن للزوج منعها من كل عمل يؤدي إلى تنقيص حقه أو ضرره أو إلى خروجها من بيته، أما العمل الذي لا ضرر له فيه فلا وجه لمنعها عنه خصوصا في حال غيبتها عن بيته، فإن ترك المرأة بلا عمل في بيتها يؤدي إلى وساوس النفس والشيطان، أو الاشتغال بما لا يعني مع الأجانب والجيران، غير أن الخروج لا يكون إلا بإذنه؛ لأن حقه فرض عين وخروجها للعمل فرض كفاية، والأول مقدم على الثاني (3).
ويرى الشافعية والحنابلة أن المرأة لو نشزت نهارا دون الليل أو عكسه أو بعض أحدهما سقطت نفقة جميع اليوم، لأنها لا تتجزأ بدليل أنها تسلم دفعة واحدة ولا تفرق غدوة وعشية حيث لم تسلم نفسها التسليم الواجب.
ويرون أنه لا يحق له منع المرأة المستأجرة للإرضاع أو العمل قبل إنكاح الزوج لها غير أنه لا نفقة لها، لأن منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه فأشبه ما لو اشترى أمة مستأجرة أو دارا مشغولة (4).
(1) انظر حاشية ابن عابدين ج 3 ص 578.
(2)
انظر شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني ج 2 ص 98 طبع سنة 1332 هـ.
(3)
انظر حاشية ابن عابدين ج 3 ص 603، 604 الطبعة الثانية سنة 1386 هـ.
(4)
انظر المغني لابن قدامة ج 7 ص 626 الناشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض.
ويرى الشافعية: أنه لو نكح مستأجرة العين لم تجب نفقتها (1) بخلاف ما لو خرجت في البلدة بإذنه لصناعة لها لم تسقط نفقتها لوجود الإذن منه ولعدم فوات حقه من الاستمتاع متى ما طلبها (2).
ويرى الحنابلة: أن المرأة المزوجة إذا أجرت نفسها للرضاع بإذن زوجها جاز ولزم العقد، لأن الحق لهما، ولا يخرج عنهما، وأن أجرتها بغير إذن الزوج لم يصح لما يتضمن من عقد يفوت به حق من ثبت له الحق بعقد سابق وهو الزوج فلم يصح كتأجير المستأجر لما أجر له بدون إذن مالكه (3).
ويحق للزوج منع مزوجته من إرضاع ولدها من غيره إلا أن يضطر إليها. ولما مضى يعلم أن المرأة إذا احترفت بدون رضا زوجها سقطت نفقتها عنه خاصة وأن العلماء يرون أن المرأة إذا نشزت عن زوجها بأي نوع من أنواع النشوز لا تستحق النفقة، وعملها بدون إذنه يعد نشوزا فتسقط به النفقة.
(1) انظر مغني المحتاج ج 3 ص 439، 440 طبع دار إحياء التراث العربي.
(2)
انظر نهاية المحتاج ج 7 ص 222 مطبعة الحلبي.
(3)
انظر المغني لابن قدامة ج 7 ص 626 الناشر مكتبة الرياض الحديثة.
20 -
يرى الحنفية ورواية عند الحنابلة (1) أن نفقة الزوجة تسقط بمضي الزمان ولا ترجع بذلك على زوجها إلا إذا تراضيا، وكذا لو استدانت على الزوج بدون رضاه، أو بدون فرض القاضي لها فجميع ما أنفقته لا ترجع به على زوجها بل تكون متطوعة بالإنفاق سواء أكان الزوج غائبا أم حاضرا ولا تصير دينا في ذمته؛ لأنه إلزام للزوج بالدين بدون أمره أو أمر من له ولاية الأمر (2)، وهذا هو مذهب المالكية عندما يكون الزوج معسرا (3)؛ ولأن النفقة هذه صلة، والصلات لا تتأكد بنفس العقد ما لم ينضم إليها ما يؤكدها كالهبة والصدقة من حيث إنها لا تتم إلا بالقبض، والنفقة ليست بعوض عن البضع فإن المهر عوض عن البضع ولا تستوجب عوضين عن شيء واحد بعقد واحد، ولأن ما يكون عوضا عن البضع يجب جملة، لأن ملك البضع يحصل للزوج جملة ولا يجوز أن يكون عوضا عن الاستمتاع والقيام عليها، لأن ذلك تصرف منه في ملكه فلا يوجب عليه عوضا مما يؤكد أن طريق النفقة هي الصلة ولا تتأكد إلا بالقضاء أو التراضي، لأنها نفقة مشروعة للكفاية فلا تصير دينا بدون القضاء (4)، ولأنها نفقة مضت استغنى عنها بمضي وقتها فتسقط كنفقة الأقارب (5).
(1) انظر المغني لابن قدامة ج 7 ص 578 الناشر مكتبة الرياض الحديثة.
(2)
انظر بدائع الصنائع ج 4 ص 25، 26. وانظر الفتاوى الهندية ج1 ص 551.
(3)
انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج2 ص 517 مطبعة الحلبي.
(4)
انظر المبسوط للسرخسي ج 5 ص 184 طبع دار المعرفة.
(5)
انظر المغني لابن قدامة ج 7 ص 578 الناشر مكتبة الرياض الحديثة.
ويرى الشافعية والراجح عند الحنابلة والمالكية مع اليسار أنها لا تسقط بمضي الزمان بل تعد دينا عليه، لأنه مال يجب على سبيل البدل في عقدها معاوضة جزاء الاحتباس فلا تسقط بمضي الزمان.
وإيجابها يجعل الأزواج يدركون ملازمتها لهم فلا يتهاونوا في ترك الإنفاق على زوجاتهم وتركهن تحت عبء من يلزمه الإنفاق عليهم غيرها.
وتختلف عن نفقة الأقارب لأن نفقتهم إن سقطت بمضي الزمان فلأنها أصلا لا تجب إلا مع يسار المنفق وعسر المنفق عليه لتزجية الحال وتنمية الأبدان، فإذا مضي زمنها استغنى عنها فأشبهت ما لو استغنى بيسار المنفق عليه (1).
ولأن نفقة الأقارب لا تكون إلا لدفع حاجة، ولا لزوم للمطالبة بها بعد مضي وقتها، لأنها وجبت لدفع الحاجة الناجزة مواساة وقد زالت.
21 -
إذا طلقت المرأة طلاقا بائنا من غير حمل فلا نفقة لها ولا سكن
(1) انظر المغني لابن قدامة ج 7 ص 578 الناشر مكتبة الرياض الحديثة.
عند الحنابلة والظاهرية (1) وأبي ثور وإسحاق (2) وابن أبي ليلى (3) وغيرهم (4) وأوجب المالكية والشافعية لها السكن دون النفقة خلافا للحنفية الذين يرون أن لها السكن والنفقة (5)، واستدل بعموم قوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (6) وقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} (7) فالآية أمرت بوجوب الإسكان، والنفقة تابعة له؛ للتلازم بين الإسكان والنفقة في الشرع (8).
(1) انظر المحلى لابن حزم ج 11 ص 667 الناشر مكتبة الجمهورية سنة 1390 هـ.
(2)
انظر بداية المجتهد ج2 ص 95 الطبعة الرابعة سنة 1395 هـ.
(3)
انظر المبسوط للسرخسي ج1 ص 201 طبع دار المعرفة. وانظر المغني لابن قدامة ج 7 ص 606.
(4)
انظر المغني لابن قدامة ج 7 ص 606 الناشر مكتبة الرياض الحديثة.
(5)
انظر المبسوط للسرخسي ج 5 ص 202. وانظر تبيين الحقائق للزيلعي ج 3 ص 60.
(6)
سورة الطلاق الآية 6
(7)
سورة الطلاق الآية 1
(8)
انظر بداية المجتهد ج2 ص 95.
واستدل المالكية والشافعية بما روي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها (1) أن أبا عمرو بن حفص «طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك، فقال: ليس عليك نفقة (2)» .
ففي هذا الحديث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم سقوط النفقة، ولم يذكر فيه سقوط السكن، فبقي على عمومه في قوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (3).
واستدل الحنابلة ومن معهم القائلون بسقوط النفقة والسكنى بما روي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن «طلقها زوجها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنفق عليها نفقة دون، فلما رأت ذلك قالت: والله لأعلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان لي نفقة أخذت الذي يصلحني، وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ منه شيئا، قالت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه مالك في كتاب الطلاق باب ما جاء في نفقة المطلقة: موطأ مالك ص 397.
(2)
انظر بداية المجتهد ج2 ص 95 الطبعة الرابعة سنة 1395 هـ.
(3)
سورة الطلاق الآية 6
فقال: لا نفقة لك ولا سكني (1)»، ففي هذا الحديث دلالة صريحة على سقوط النفقة والسكنى للمطلقة.
والقائل بإسقاط النفقة والسكنى هو الأظهر؛ لأن حديث فاطمة بنت قيس الصحيح صرح بإسقاط تلك النفقة والسكنى معها، فيكون مخصصا للآيتين.
والتفريق بين إيجاب النفقة والسكنى غير مسلم، حيث إن مفهوم النفقة العام يدخل فيه السكنى خاصة حينما يكون السكنى عن طريق الاستئجار، أليس المال المدفوع للأجرة يكون نفقة؟، وترك ذكره في بعض روايات الحديث لا يعني عدم وجوبه خاصة وأن رواية مسلم صريحة بسقوط النفقة والسكنى.
قال ابن عبد البر: من طريق الحجة وما يلزم منها قول أحمد بن حنبل ومن تابعه أصح وأحج؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصا صريحا، فأي شيء يعارض هذه الأمثلة عن النبي صلى الله عليه وسلم والذي هو مبين عن الله تعالى ولا شيء يدفع ذلك (2).
(1) انظر المغني لابن قدامة ج7 ص 606 الناشر مكتبة الرياض. وانظر بداية المجتهد ج2 ص95 الطبعة الرابعة سنة 1395هـ.
(2)
انظر المغني لابن قدامة ج7 ص607 الناشر مكتبة الرياض الحديثة.
22 -
ما لا يجب على الزوج الالتزام به من أنواع النفقة غير الواجبة كأجرة القابلة إن استأجرتها هي بنفسها وكأجرة الطبيب ونحو ذلك
وفق ما ورد تفصيله في الكتب الفقهية، خلافا للمالكية في قول لهم (1)، ويظهر لي أن الفقهاء حينما جعلوا أجرة القابلة والأدوية والطبيب على المرأة باعتبار أن الزوج ملزم بجعل خادمة لها في البيت، ويحضر لها الطعام المهيأ للأكل، ويجعل لها مؤنسة (2)، هنا يكون في نظري محل تحمل المرأة لأجرة القابلة والدواء والطبيب، أما إذا قامت برعاية أطفالها وبخدمة زوجها في منزله فالأولى أن يتحمل كافة
(1) انظر الكافي في فقه أهل المدينة ج2 ص 559 الطبعة الأولى سنة 1398 هـ.
(2)
انظر منتهى الإرادات ج2 ص 371 طبع عالم الكتب.
نفقاتها فالغرم بالغنم، روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخراج بالضمان (1)» .
قال الترمذي: وتفسير الخراج بالضمان، هو الرجل يشتري العبد فيستعمله ثم يجد به عيبا فيرده على البائع. فالغلة للمشتري؛ لأن العبد لو هلك هلك من مال المشتري، ونحو هذا من المسائل يكون فيه الخراج بالضمان (2).
قلت: فالزوج إذا جعل المرأة في منزلة من يخدمه هو وأولاده فقد تتعرض للإعياء والمرض، وعليه مقابل ذلك العناية بها والقيام بعلاجها إن مرضت وتأمين ما تحتاجه بسبب ذلك.
23 -
يرى المالكية أن نفقة الزوجة تسقط عن الزوج لعسره، ولا ترجع عليه الزوجة بعد يسره، حيث لا تلزمه، ولا يحق لها مطالبته بها ما دام
(1) سنن الترمذي البيوع (1285)، سنن النسائي البيوع (4490)، سنن أبو داود البيوع (3508)، سنن ابن ماجه التجارات (2243).
(2)
انظر الجامع الصحيح للترمذي ج3 ص 582.
معسرا، ولها طلب الطلاق حال العسر بالرفع للحاكم وإثباته عنده (1).
24 -
إذا كانت المرأة معتدة من وفاة (2).
هذه مجمل للحالات التي تسقط فيها نفقة الزوجة عن زوجها، وكما قلت تحتاج المرأة إلى من ينفق عليها من أقاربها الأقرب فالأقرب، غير أنها تسقط عنهم أيضا نفقتها وتقوم بالإنفاق على نفسها إذا كانت غنية، أو من يلزم بالإنفاق عليها معسرا، أو من تلزمه نفقتها مرتدا، أو حربيا، أو يدين بغير الإسلام، على ما ورد تفصيله في نفقة غير الزوجة.
عبد الله بن عبد المحسن الطريقي
(1) انظر بلغة السالك ج1 ص 521.
(2)
انظر شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني ج 2 ص 93 طبع سنة 1332 هـ.
صفحة فارغة
التحذير من دفع الرشوة
سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه أو يسمعه من إخواني المسلمين، سلك الله بي وبهم صراطه المستقيم، ووقاني وإياهم عذاب الجحيم. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإن مما حرمه الإسلام، وغلظ في تحريمه: الرشوة، وهي دفع المال في مقابل قضاء مصلحة يجب على المسئول عنها قضاؤها بدونه. ويشتد التحريم إن كان الغرض من دفع هذا المال إبطال حق أو إحقاق باطل أو ظلما لأحد. وقد ذكر ابن عابدين رحمه الله في حاشيته أن الرشوة هي: ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره ليحكم له، أو يحمله على ما يريد. وواضح من هذا التعريف أن الرشوة أعم من أن تكون مالا أو منفعة يمكنه منها، أو يقضيها له.
والمراد بالحاكم القاضي، وبغيره كل من يرجى عنده قضاء مصلحة الراشي، سواء كان من ولاة الدولة وموظفيها، أو القائمين بأعمال خاصة، كوكلاء التجار، والشركات، وأصحاب العقارات، ونحوهم، والمراد بالحكم للراشي، وحمل المرتشي على ما يريده الراشي: تحقيق رغبة الراشي ومقصده، سواء كان ذلك حقا أو باطلا.
والرشوة -أيها الإخوة في الله- من كبائر الذنوب التي حرمها الله على عباده، ولعن رسوله صلى الله عليه وسلم من فعلها، فالواجب اجتنابها والحذر منها، وتحذير الناس من تعاطيها؛ لما فيها من الفساد العظيم، والإثم الكبير، والعواقب الوخيمة، وهي من الإثم والعدوان اللذين نهى الله
-سبحانه وتعالى عن التعاون عليهما في قوله عز من قائل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1).
وقد نهى الله عز وجل عن أكل أموال الناس بالباطل، فقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2)، وقال سبحانه:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (3)، والرشوة من أشد أنواع أكل الأموال بالباطل، لأنها دفع المال إلى الغير لقصد إحالته عن الحق، وقد شمل التحريم في الرشوة أركانها الثلاثة، وهم الراشي والمرتشي والرائش وهو الوسيط بينهما، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما (4)» ، رواه أحمد والطبراني.
واللعن من الله هو الطرد والإبعاد عن مظان رحمته، نعوذ بالله من ذلك، وهو لا يكون إلا في كبيرة كما أن الرشوة من أنواع السحت المحرم بالقرآن والسنة، فقد ذم الله اليهود وشنع عليهم لأكلهم السحت في قوله سبحانه:{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (5)، كما قال تعالى عنهم:{وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (6){لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (7)، وقال تعالى:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} (8){وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} (9).
(1) سورة المائدة الآية 2
(2)
سورة النساء الآية 29
(3)
سورة البقرة الآية 188
(4)
سنن الترمذي الأحكام (1337)، سنن أبو داود الأقضية (3580)، سنن ابن ماجه الأحكام (2313)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 190).
(5)
سورة المائدة الآية 42
(6)
سورة المائدة الآية 62
(7)
سورة المائدة الآية 63
(8)
سورة النساء الآية 160
(9)
سورة النساء الآية 161
وقد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من هذا المحرم وبيان عاقبة مرتكبيه. منها ما رواه ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به قيل: وما السحت؟ قال الرشوة في الحكم» ، وروى الإمام أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب (1)» ، وروى الطبراني عن ابن مسعود قال:"السحت الرشوة في الدين".
وقال أبو محمد موفق الدين ابن قدامة رحمه الله في المغني: قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْت} (2) هو الرشوة، وقال: إذا قبل القاضي الرشوة بلغت به الكفر، لأنه مستعد للحكم بغير ما أنزل الله {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (3).
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: وقال تعالى: ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له (6)» .
فاتقوا الله أيها المسلمون، واحذروا سخطه، وتجنبوا أسباب غضبه فإنه -جل وعلا- غيور إذا انتهكت محارمه، وقد ورد في الحديث الصحيح «لا أحد أغير من الله (7)» ، وجنبوا أنفسكم وأهليكم المال الحرام والأكل الحرام، نجاة بأنفسكم وأهليكم من النار التي جعلها الله أولى بكل لحم نبت من الحرام، كما أن المأكل الحرام سبب لحجب الدعاء وعدم
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/ 205).
(2)
سورة المائدة الآية 42
(3)
سورة المائدة الآية 44
(4)
صحيح مسلم الزكاة (1015)، سنن الترمذي تفسير القرآن (2989)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 328)، سنن الدارمي الرقاق (2717).
(5)
سورة المؤمنون الآية 51 (4){يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}
(6)
سورة البقرة الآية 172 (5){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}
(7)
صحيح البخاري تفسير القرآن (4634)، صحيح مسلم التوبة (2760)، سنن الترمذي الدعوات (3530)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 381)، سنن الدارمي النكاح (2225).
الإجابة لما مر من حديث أبي هريرة عند مسلم، ولما رواه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«تليت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} (1)، فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يقبل الله منه عملا أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به» ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم عن رواية الطبراني رحمه الله، فدل ذلك على أن عدم إطابة المطعم وحلية المأكل مانع من استجابة الدعاء، حاجب عن رفعه إلى الله، وكفى بذلك وبالا وخسرانا على صاحبه، نعوذ بالله من ذلك.
وقد دعاكم الله إلى وقاية أنفسكم وأهليكم من النار، والنجاة بها من عذاب الله وأليم عقابه، حيث قال سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (2)، فاستجيبوا أيها المسلمون لنداء ربكم وأطيعوا أمره، واجتنبوا نهيه، واحذروا أسباب غضبه، تسعدوا في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (3){واتقوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (4).
(1) سورة البقرة الآية 168
(2)
سورة التحريم الآية 6
(3)
سورة الأنفال الآية 24
(4)
سورة الأنفال الآية 25
والله المسئول أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ومن المتعاونين على البر والتقوى، الملتزمين بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد.
إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،،
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد