الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمعنى قولنا: قضاء القاضي عدل أو جور - أي حكمه - يراد الأولى (الحكم)، وإذا قال السلطان: إذا جاء الشهر الفلاني فقد وليتك قضاء كذا، يراد الثاني (الحاكمية) أي جعلتك حاكما (1).
قوله: ولم أر من فرق بين الحكم والحاكمية. قلت: وقد أشار، إلى الفرق بين الولاية والحكم الخطاب من المالكية كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند الكلام على لفظ القضاء (2).
(1) شرح الأتاسي ص 3م 6 مطبعة السلام بحمص 1355 هـ.
(2)
انظر هامش الصفحة السابقة.
القضاء والحكم في القرآن
لم يرد لفظ القضاء في الكتاب العزيز وإنما وردت مشتقاته في مواضع مختلفة ومعان متعددة (1) منها: -
ا - الحكم، قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2).
2 -
الحتم واللزوم، ومن هذا قوله تعالى:{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} (3) الآية أي: حتمناه عليه وألزمناه به.
3 -
الأمر، ومن وروده بهذا المعنى قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) الآية والمعنى: أن الله تعالى أمر أمر إيجاب،
(1) انظر مختار الصحاح ص 540ـ 541 مواهب الجليل (6/ 86) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/ 385).
(2)
سورة النساء الآية 65
(3)
سورة سبأ الآية 14
(4)
سورة الإسراء الآية 23
وشرع ووصى بعدم عبادة غيره. وهذا من القضاء الشرعي الديني إذ لو كان قضاء كونيا لما عبد غيره تعالى.
4 -
الإنهاء والإبلاغ، كما في قوله تعالى:{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ} (1) الآية. وقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} (2) أي: أنهينا إليه ذلك وأبلغناه إياه لأن الخبر ينتهي إلى من يبلغه.
5 -
ويأتي بمعنى البيان، قال الله تعالى:{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} (3) الآية. أي يبن لك بيانه كقوله في سورة القيامة {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (4){إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (5){فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (6){ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (7) أي: ثم علينا أن نقرأه.
6 -
الخلق والصنع والتقدير، ومنه قوله تعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} (8) الآية. أي صنعهن وخلقهن ومنه القضاء والقدر.
7 -
الفراغ من الشيء والانتهاء منه، ومنه قوله تعالى:{قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} (9) أي: فرغ منه وانتهى.
8 -
والقضاء بمعنى العمل، قال تعالى:{فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (10) الآية. أي: اصنع ما أنت صانع واعمل ما أنت عامل. قال
(1) سورة الإسراء الآية 4
(2)
سورة الحجر الآية 66
(3)
سورة طه الآية 114
(4)
سورة القيامة الآية 16
(5)
سورة القيامة الآية 17
(6)
سورة القيامة الآية 18
(7)
سورة القيامة الآية 19
(8)
سورة فصلت الآية 12
(9)
سورة يوسف الآية 41
(10)
سورة طه الآية 72
أبو ذؤيب الهذلي:
وعليهما مسودتان قضاهما
…
داود أو صنع السوابغ تبع
الصنع الحاذق بالعمل، وتبع من ملوك حمير كانت تنسب إليه الدروع التبعية.
9 -
ويأتي القضاء في القرآن بمعنى القتل والهلاك، ومنه قوله تعالى:{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} (1) الآية، أي قتله، وقوله:{فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} (2) أي: هلك، وأصل النحب النذر واستعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان.
10 -
بلوغ الشيء ونيله: ومنه قوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (3) الآية، أي: نال منها حاجته.
11 -
ويأتي بمعنى المضي، كما في قوله تعالى:{ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} (4) أي: امضوا ما في أنفسكم ولا تؤخروه، ويمثل لذلك - أيضا - بقوله تعالى:{فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (5) أي امض ما أنت ممضيه.
12 -
ويكون بمعنى الإرادة كقوله تعالى: {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (6).
13 -
ويكون بمعنى العهد، كقوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} (7) مما تقدم يظهر أن هذه المعاني يمكن أن
(1) سورة القصص الآية 15
(2)
سورة الأحزاب الآية 23
(3)
سورة الأحزاب الآية 37
(4)
سورة يونس الآية 71
(5)
سورة طه الآية 72
(6)
سورة آل عمران الآية 47
(7)
سورة القصص الآية 44
يتصف بها القضاء فيكون اللفظ من قبيل المشترك المعنوي، فكلها ترجع إلى إتمام الشيء أو الفراغ منه قولا أو فعلا أي: إمضاؤه وإحكامه، وبيان ذلك:
- أن القضاء بمعنى الحكم في الواقعة بتقدير شيء أو تقريره وإثباته أو منعه ونفيه بما يفصل المنازعات وينهي الخصومات
- ولا بد في حقيقة القضاء من الإلزام بالحكم.
- يأمر به القاضي إذ القضاء أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
- وينهيه إلى المحكوم عليه، ويبلغه إياه مشافهة.
- بلفظ صريح ينطق به في مجلس الحكم ويبين بيانه أي: يقرأه.
- بأسلوب محكم إحكاما، ومتقن اتقانا يوضح فيه الأسباب والحيثيات والمستند في الحكم.
- وبهذا يكون الحكم قد انتهى وفرغ منه، لأن القاضي ينهي الأمر ويفرغ منه.
- وهذا كله عمل من القاضي، يبذل جهده، واستفراغ وسعه في بحث المسألة.
- واستقصاء المشكلة للوصول إلى الحق، ووضعه في نصابه لتنفيذه.
- وذلك برد الحقوق إلى أصحابها، ورد المظالم إلى أهلها؛ ذلك لأن الإلزام هو تنفيذ القول على المحكوم عليه رضي أو أبى، إذ لا خير في حق لا نفاذ له.
وبهذا يكون صاحب الحق قد بلغ مقصوده ونال غايته وحقق مطلبه.
- فيكون الحكم ماضيا لا يتعرض له القاضي اللاحق حسب القاعدة الفقهية (لا يحق لقاض لاحق النظر في حكم سابق). وهذه خاصية من خصوصيات الحكم القضائي. وهي حيلولته دون إثارة النزاع المحكوم فيه مرة أخرى أمام القضاء بين نفس الخصوم، وهذه الخاصية تسمى حجية الأحكام.