الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفقة المرأة الواجبة على نفسها
في الفقه الإسلامي
الدكتور: عبد الله بن عبد المحسن بن منصور الطريقي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فلقد كانت النفقة ولا تزال حاجة من الحاجات الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات والأفراد.
وبما أن الفرد تقع عليه مسئولية غيره فعليه أيضا تقع مسئولية نفسه لتقديم حقها على حق الغير.
والمرأة باعتبار أن الغير مسئول عن الإنفاق عليها أصلا، فإنه قد يطرأ على هذا الأصل بعض الأحوال الموجبة لسقوط النفقة عن من تلزمه مما يتعين بسببه إنفاق المرء على نفسه. لذا رأيت أن أعد بحثا بعنوان " نفقة المرأة الواجبة على نفسها ".
ولم أعلم فيما اطلعت عليه أن أحدا أفرده ببحث مستقل فآثرت جمع شتاته، ولم شعثه، وتقريب بعيده؛ ليتمكن الباحث والقارئ من الرجوع إلى الحكم الشرعي في سهولة ويسر، يسهل معهما عناء الرجوع إلى أمهات الكتب والبحث عن الحكم الشرعي في مظانه المختلفة.
ورأيت أن أقدم هذا البحث وفق رأي المذاهب الأربعة في أغلب
المسائل، وقد أذكر آراء بعض الأئمة الآخرين أحيانا ليتمكن القارئ من الاطلاع على الاتجاهات الفقهية في هذا البحث، ورجحت ما ظهر لي ترجيحه فإن يكن عملي صوابا فهو من الله، وإن يكن خطأ فمن نفسي، وأستغفر الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تعريف النفقة:
النفقة لغة: تأتي بمعنى الموت، يقال نفق الفرس والدابة وسائر البهائم، مات.
وتأتي نفق بمعنى راج، يقال نفقت السلعة إذا غلت ورغب فيها.
وتأتي بمعنى نقص يقال نفق ماله ودرهمه وطعامه إذا قل ونقص أو فني وذهب، وإنفاق المال صرفه، يقال رجل منفاق أي كثير النفقة.
والنفقة: ما أنفقت واستنفقت على العيال وعلى نفسك، والنفقة مأخوذة من النافقاء وهو موضع يرققه اليربوع من جحره، فإذا أتى به من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فخرج.
ومنه سمي المنافق حيث يشبه اليربوع بدخوله بالجحر وخروجه منه فالمنافق يدخل في الإسلام ثم يخرج منه (1).
وفي الاصطلاح:
قيل هي: ما يتوقف عليه بقاء شيء من مأكول وملبوس وسكنى (2)
(1) انظر لسان العرب مادة نفق ج 10 ص 357 فما بعدها طبعة دار صادر.
(2)
مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر ج 1 ص 484 طبع دار إحياء التراث العربي.
كوجوب بذل المنفق للماء، سواء أكان للشرب أم للاغتسال الواجب ونحو ذلك، كما لا يشمل نفقة الخادم لمن يتعين خدمته. كما أنه حصر الإنفاق على ما يتوقف عليه بقاء الشيء مع أن النفقة تختلف بالإيسار والإعسار.
والتعريف غير مانع لدخول غير المتعين عليه النفقة بسبب الزوجية أو القرابة أو الملك، كمنقذ المشرف على الهلاك من غير هؤلاء، والتعريف يشمل أوجه التكافل بين المسلمين من غير وجوب.
وقيل: هي الإدرار على الشيء بما به بقاؤه (1).
وهذا التعريف كسابقه حدد الإنفاق بما يتطلبه البقاء مع أنه يختلف باختلاف حال الزوجين يسارا وإعسارا، إذ أن بعض أوجه النفقة الواجبة لا تعني الإنفاق لأجل حفظ الحياة فقط بل تشمل الزيادة عن ذلك مع اليسار.
وقيل هي: ما به قوام معتاد حال الآدمي دون سرف.
وخرج بهذا التعريف قوام معتاد غير الآدمي كالتبن للبهائم، وأخرج أيضا ما ليس بمعتاد من قوت الآدمي كالحلوى والفواكه فإنه ليس بنفقة شرعية.
وأخرج بقوله دون سرف ما كان سرفا فإنه ليس بنفقة شرعية ولا يحكم به حاكم.
وقيل: هي الطعام والكسوة والسكنى.
(1) فتح القدير للكمال بن الهمام ج 4 ص 193 طبع دار إحياء التراث العربي
وهذا التعريف غير جامع لعدم شموله بعض أنواع النفقة الأخرى، وهذا التعريف لا يشمل جميع أنواع النفقة كنفقة الخادم لمن يلزمه ونفقة بعض المستلزمات الأخرى للطعام والكسوة والسكن.
ثم إن هذا التعريف غير مانع لشموله الإطعام على غير وجه الإنفاق اللازم كبذل الطعام والكسوة والسكنى على الغير بأجر وكالإطعام على وجه الضيافة لمن لا تلزمه نفقتهم.
وقيل: هي طعام مقدر لزوجة وخادمها على زوج ولغيرها من أصل وفرع ورقيق وحيوان وما يكفيه (1).
ويؤخذ على هذا بأنه لم يشمل إلا نفقة الإطعام دون الكسوة والسكنى ونحو ذلك مما يحتاج إليه.
وقيل هي: كفاية من يمونه خبزا أو أدما وكسوة وسكنى وتوابعها.
وهذا التعريف هو الأنسب لتعريف النفقة لسلامته من الملاحظات الواردة على التعاريف الأخرى، ولشموله لأنواع النفقة وما تحتاج إليه من غير الطعام والكسوة والسكن كثمن الماء وتكاليف الوقود وغير ذلك من النفقات الواجبة (2).
(1) حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب ج2 ص 345 طبع دار المعرفة.
(2)
انظر كشاف القناع عن متن الإقناع ج 5 ص 460 الناشر مكتبة النصر الحديثة.