الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحسن: هو أن يأكله بغير عوض، وعلى هذا التفسير قال ابن عباس: هي منسوخة إذ يجوز أكل المال بغير عوض إذا كان هبة أو صدقة أو تمليكا أو إرثا أو نحو ذلك مما أباحت الشريعة أخذه بغير عوض. وقال السدي: هو أن يأكل بالربا والقمار والبخس والظلم وغير ذلك مما لم يبح الله تعالى أكل المال به. وعلى هذا تكون الآية محكمة وهو قول ابن مسعود والجمهور، وقال بعضهم: الآية مجملة؛ لأن معنى قوله (بالباطل) بطريق غير مشروع، ولما لم تكن هذه الطريق المشروعة مذكورة هنا على التفصيل صارت الآية مجملة (1).
ويمكن أن يقال في وجه اشتمال عقد التأمين على أكل أموال الناس بالباطل: إن ما يدفعه المستأمن مبلغ محدود، وقد يأخذ أقل منه أو أكثر أو مثله أو لا يأخذ شيئا، ففي حالة ما إذا لم يأخذ المستأمن شيئا أو أخذ أقل مما دفع فبأي حق تستحق الشركة ما أخذته بدون مقابل شرعي، وبأي وجه يستحق ورثة المستأمن أو المستفيد مبلغ التأمين إذا توفي قبل أن يدفع كامل الأقساط.
وقد يستدل لدخول أخذه على ما وصف في عموم أكل المال بالباطل ما ثبت في صحيح مسلم وغيره من طريق أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو بعت من أخيك ثمر فأصابته عاهة فلا يحل لك أن تأخذ شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ (2)» .
كما يدل لدخوله في عموم الآية ما تقدم من أدلة التحريم.
(1) البحر المحيط 3/ 23.
(2)
صحيح مسلم المساقاة (1554)، سنن النسائي البيوع (4527)، سنن أبو داود البيوع (3470)، سنن ابن ماجه التجارات (2219)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 309)، سنن الدارمي البيوع (2556).
الرأي الثاني الجواز مطلقا:
نذكر فيما يلي كلام طائفة ممن قالوا بالجواز مطلقا، أو نسب إليهم القول بذلك، ثم نتبعه بأدلتهم مع المناقشة.
أولا- ما نقل عن بعضهم من القول بالجواز:
1 -
سئل الشيخ محمد عبده عن رجل يريد أن يتعاقد مع جماعة على أن يدفع لهم مالا من ماله الخاص على أقساط متساوية ليعملوا فيه بالتجارة، واشترط معهم أنه إذا قام بما ذكره، وانتهى الاتفاق بانتهاء الأقساط المعينة، وكانوا قد عملوا في ذلك المال، وكان حيا، فيأخذ ما يكون له من المال مع ما يخصه من الأرباح، وإذا مات في أثناء تلك المدة فيكون لورثته أو لمن يكون له حق الولاية في ماله أن يأخذ المبلغ، تعلق مورثهم مع الأرباح، فهل مثل هذا التعاقد الذي يكون مفيدا لأربابه بما ينتجه لهم من الربح جائزا شرعا؟
الجواب: إنه لو صدر مثل هذا التعاقد بين ذلك الرجل وهؤلاء الجماعة على الصفة المذكورة كان ذلك جائزا شرعا، ويجوز لذلك الرجل بعد انتهاء الأقساط، والعمل في المال، وحصول الربح أن يأخذ لو كان حيا ما يكون له من المال مع ما خصه من الربح، وكذا يجوز لمن يوجد بعد موته من ورثته، أو من له ولاية التصرف في ماله بعد موته أن يأخذ ما يكون له من المال مع ما أنتجه من الربح (1).
لقد نقلت اللجنة هذه الفتوى وجوابها نظرا إلى أن شركات التأمين تحتج بها على الجواز وبمطالعتها يتبين أنها ليست في موضوع التأمين.
2 -
وقال الحجوي: كأنها - يريد عقود التأمين - عندي جمعية اكتتابية خيرية لإعانة المنكوبين بنظام والتزام، تأخذ من مائة ألف رجل شيئا قليلا ما تعوض به نكبة رجل مثلا، واستنباطها من قاعدة القليل في الكثير كثير، لذلك يبقى لها ما يقوم بأجرة قيامها على ذلك، وربما ربحت أرباحا عظيمة إذا قلت نكبات المضمونين فيها (2).
(1) مجلة نور الإسلام سابقا وهي مجلة الأزهر الآن 1/ 679.
(2)
الفكر السامي 307.
3 -
قال عبد الرحمن عيسى: يجور شرعا التأمين لدى شركات التأمين ضد أخطار الملكية، وضد أخطار المسئولية المدنية، وكذلك التأمين على الحياة، وضد سائر الأخطار الشخصية في الصناعات والمهن الخطيرة، ويجوز في غير الصناعات والمهن الخطرة إذا كان تأمينا مختلطا (1).
4 -
وقال محمد يوسف موسى: إن التأمين بكل أنواعه ضرب من ضروب التعاون التي تفيد المجتمع، والتأمين على الحياة يفيد المؤمن كما يفيد الشركة التي تقوم بالتأمين أيضا، وأرى شرعا أنه لا بأس إذا خلا من الربا، بمعنى أن المؤمن عليه إذا عاش المدة المنصوص عليها في عقد التأمين استرد ما دفعه فقط دون زيادة، أما إذا لم يعش المدة المذكورة حق لورثته أن يأخذوا قيمة التأمين - أي التعويض - وهذا حلال شرعا (2).
5 -
وقال مصطفى الزرقا: الشرع الإسلامي لم يحصر الناس في الأنواع المعروفة قبلا من العقود، بل للناس أن يبتكروا أنواعا جديدة تدعوهم حاجتهم الزمنية إليها بعد أن تستوفي الشرائط العامة المشار إليها (3).
وقال أيضا: لا يوجد مانع من قواعد الشريعة الإسلامية يمنع جواز نظام التأمين في ذاته، وبهذا يثبت حله شرعا (4).
6 -
وقال عبد الوهاب خلاف: بجواز عقد التأمين على الحياة، وأنه عقد مضاربة وسيأتي توجيهه لهذا الدليل وبيان رأيه في كون عقد التأمين صار عقد مضاربة (5).
(1) أسبوع الفقه الإسلامي 479.
(2)
أسبوع الفقه الإسلامي 382.
(3)
أسبوع الفقه الإسلامي 388.
(4)
أسبوع الفقه الإسلامي 409.
(5)
أسبوع الفقه الإسلامي 454.