الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من يقيمه لإنصاف المظلوم وردع الظالم لأكل الناس بعضهم بعضا، إذ ليس كل أحد يقنع بحقه أو يقف عند حده ويرتدع عن غيه.
لو أنصف الناس استراح القاضي
…
وبات كل عن أخيه راضي
ولهذا جاءت الشرائع السماوية بناحية أخلاقية، لتهذب من طبع الإنسان، وتحد من جبروته وأنانيته وطمعه، وتجعل منه عضوا صالحا في المجتمع الذي يعيش فيه، وجاءت فيها الأحكام الملزمة، والعقوبات الرادعة، لتردع من لم تؤثر فيه الأحكام الأخلاقية، والمواعظ الدينية إلى جادة الحق والصواب.
وفيما يلي سنبحث مفهوم القضاء والحكم في اللغة، والقرآن، والحديث، ونبين الفرق بين القضاء والحكم، ثم نتتبع ذلك ببيان وجه الارتباط بين الشريعة والعقيدة، وأن القضاء بالشريعة من مستلزمات الإيمان بالمشرع -جل وعلا-، ومقتضى متابعة المصطفى صلى الله عليه وسلم رسول الله للبشرية جمعاء، المبلغ لشرع الله.
القضاء والحكم في اللغة:
أصل القضاء قضاي؛ لأنه من قضيت، إلا أن الياء لما جاءت بعد الألف الزائدة قلبت همزة، وأهل الحجاز يقولون: القاضي القاطع للأمور المحكم لها. قال ابن منظور (م سنة 711 هـ): (القضاء الحكم، والجمع الأقضية، والقضية مثله، والجمع القضايا، وقضى عليه يقضي قضاء وقضية - الأخيرة مصدر كالأولى - والاسم القضية فقط. واستقضى فلان: جعل قاضيا يقضي بين الناس، وقضى الأمير قاضيا كما تقول أمر أميرا. والقضايا الأحكام، واحدتها قضية. ورجل قضي: سريع القضاء أي الحكم.
وقال الزهري: القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء
وتمامه، كل ما أحكم عمله أو تم، أو ختم، أو أدى أداء، وأوجب، أو أعلم، أو أنفذ، أو أمضى فقد قضى. . . إلخ (1).
وفي تاج العروس شرح القاموس للزبيدي (ت 1205هـ) قضى عليه يقضي قضيا - بالفتح - واستقضاه السلطان: طلبه للقضاء، والمقاضة مفاعلة من القضاء بمعنى: الفصل والحكم، وقاضاه رافعه إلى القاضي، وعلى مال صالحه عليه. وتقاضيته حقي فقضاني أي طالبته فأعطاني، أو تجازيته فجازانيه. واقتضيت ما لي عليه أي: أخذته وقبضته، وقضى الرجل ساد القضاة وفاقهم، والقضيان كعثمان بمعنى القضاء لغة عامية (2). وفي المصباح المنير (3/ 166) للفيومي المتوفى سنة (770 هـ) استقضيته: طلبت قضاءه. ومما تقدم يظهر أن لفظ القضاء يأتي على معنيين.
1 -
الصفة الحكمية التي توجب لموصوفها نفوذ حكمه الشرعي في حدود اختصاصه أي الولاية والخطة والمنصب، كما في قولهم: ولي القضاء: أي حصلت له الصفة المذكورة.
2 -
أن القضاء اسم للحكم في الواقعة، كما في قولهم: قضى القاضي بكذا أي: حكم وفصل.
ففي قولهم: قضاء القاضي حق أو باطل أي حكمه فالمقصود المعنى الثاني. وفي قولهم: استقضى السلطان فلانا: أي جعله قاضيا يقضي بين
(1) لسان العرب، فصل اتفاق حرف الواو والياء (20/ 47) الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق.
(2)
تاج العروس، فصل القاف من باب الواو والياء (10/ 296ـ 297).
الناس يكون المقصود المعنى الأول، أي المنصب والولاية، أو الخطة في لغة أهل المغرب، يقول الشيخ أبو الحسن النباهي المولود سنة (713 هـ) في كتابه (تاريخ قضاة الأندلس): وخطة القضاء في نفسها عند الكافة من أسنى الخطط، أي من أعظم الولايات والمناصب شأنا.
أما لفظ الحكم في اللغة، فيقول ابن منظور في لسان العرب (1) الحاكم هو القاضي، والحكم العلم والفقه والقضاء بالعدل وهو مصدر حكم. والعرب تقول: حكمت وأحكمت وحكمت - بتشديد الكاف - بمعنى منعت ورددت.
ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكم: لأنه يمنع الظالم عن ظلمه، قال الأزهري: الحكم القضاء بالعدل، وجمعه: أحكام، لا يكسر على غير ذلك - أي: لا يجمع جمع تكسير خلاف ما ذكر - والحاكم منفذ الحكم، والجمع حكام وهو الحكم.
وحاكمه إلى الحكم: داعاه، والمحاكمة: المخاصمة إلى الحاكم. والحكمة: القضاة. وفي المصباح: الحكم: القضاء، وأصله المنع. يقال: حكمت عليه بكذا إذا منعته من خلافه فلم يقدر على الخروج من ذلك (2). فمعنى قولهم: حكم الحاكم أي: وضع الحق في أهله ومنع من ليس له بأهل (3)، وفي شرح مجلة الأحكام العدلية لـ (الأتاسي): الحاكمية مصدر، ولم أر من فرق بين الحكم والحاكمية، ولعل الفرق أن الحكم اسم للحدث من حيث هو والحاكمية اسم له مع ملاحظة ذات تتصف به.
(1) ص 30 المجلد الخامس عشر - النسخة المصورة عن طبعة بولاق.
(2)
المصباح المنير (1/ 157).
(3)
تبصرة الحكام لابن فرحون (1/ 12).