الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} - فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهما فشهد هلال والنبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ اللَّهَ يعلم أن أحدكم كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فلما كان في الْخَامِسَةِ وَقَفُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ» فجاءت به كذلك، فقا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» (انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ). وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عَشِيَّةَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِنَّ أَحَدَنَا إِذَا رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا إن قتله قَتَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ على غيظ؟! والله لئن أصبحت صحيحاً لَأَسْأَلَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلاً إن قتله قَتَلْتُمُوهُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ على غيظ، اللهم احكم، قال: فنزلت آيَةُ اللِّعَانِ، فَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوَّلَ مَنِ ابتلي به. (وأخرجه مسلم من طرق عن سليمان بن مهراش الأعمش). وعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ عُوَيْمِرٌ إِلَى (عاصم بن عدي) فقال له: سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ فَقَتَلَهُ أَيُقَتَلُ بِهِ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسَائِلَ، قَالَ: فَلَقِيَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: مَا صَنَعْتُ إِنَّكَ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَابَ الْمَسَائِلَ، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلْأَسْأَلَنَّهُ؛ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ قد أُنْزِل عليه فيها، قال: فدعا بهما ولاعن بينهما، قال عويمر: إن انْطَلَقْتُ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ كَذَبْتُ عَلَيْهَا، قَالَ فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَارَتْ سُنَّةَ المتلاعنين، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلَا أَرَاهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلَا أَرَاهُ إِلَّا كَاذِبًا» ، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ (أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا الترمذي).
وروى الحافظ أبو يعلى عَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَأَوَّلُ لِعَانٍ كَانَ فِي الإِسلام أَنَّ شَرِيكَ بْنَ سَحْمَاءَ قَذَفَهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بِامْرَأَتِهِ، فَرَفَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَرْبَعَةَ شُهُودٍ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُبَرِّئُ بِهِ ظَهْرِي مِنَ الْجَلْدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آية اللعان:{والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، قَالَ: فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اشْهَدْ بِاللَّهِ إِنَّكَ لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتَهَا به من الزنا» فَشَهِدَ بِذَلِكَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الْخَامِسَةِ:«وَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ إِن كُنتَ مِنَ الكاذبين فيما رميتها به من الزنا» فَفَعَلَ، ثُمَّ دَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«قُومِي فَاشْهَدِي بِاللَّهِ إِنَّهُ لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا» فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي الْخَامِسَةِ:«وَغَضَبُ اللَّهِ عَلَيْكِ إِنْ كَانَ من الصادقين فيما رماك به من الزنا» قال: فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ أَوِ الْخَامِسَةُ سَكَتَتْ سَكْتَةً حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا سَتَعْتَرِفُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ عَلَى الْقَوْلِ، فَفَرَّقَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا وقال:«انظروا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقِينَ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سبطاً قصير الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ»
فجاءت به جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَوْلَا مَا نَزَلَ فِيهِمَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» (ذكر السيوطي الروايات في ذلك وقال، قال ابن حجر: اختلف الأئمة فمنهم من رجح أنها نزلت في هلال، ومنهم من رجح أنها في عويمر، ومنهم جمع بينهما، ويحتمل أن النزول سيق بسبب هلال ثم صادف مجيء عويمر ولم يكن له علم بما وقع لهلال، وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين، قال ابن حجر: ولا مانع من تعدد الأسباب).
- 11 - إن الذين جاؤوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ
هَذِهِ الْعَشْرُ الْآيَاتِ كُلُّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، حِينَ رَمَاهَا أَهْلُ الْإِفْكِ وَالْبُهْتَانِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِمَا قَالُوهُ مِنَ الْكَذِبِ البحت، والفرية التي غار الله عز وجل لَهَا وَلِنَبِيِّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ الله تعالى براءتها صيانة لعرض الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ} أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْكُمْ يَعْنِي مَا هُوَ وَاحِدٌ وَلَا اثْنَانِ بَلْ جَمَاعَةٌ؛ فَكَانَ الْمُقَدَّمُ فِي هَذِهِ اللَّعْنَةِ (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبي بْنِ سَلُولٍ) رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَجْمَعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ حَتَّى دَخَلَ ذَلِكَ فِي أَذْهَانِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، فَتَكَلَّمُوا بِهِ، وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ، وَبَقِيَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ؛ وبيان ذلك في الأحاديث الصحيحة.
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج لسفر أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم معه، قالت عائشة رضي الله عنها: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، وَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وذلك بعدما نزل الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ، فسرنا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من غزوته وَقَفَلَ، وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فقمت حين آذن بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شأني أقبلت إلى رحلي، فلمست صدري فإذا عقد لي مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يرحلونني، فاحتملوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ، قَالَتْ: وَكَانَ النِّسَاءُ إذ ذاك خفافاً لم يثقلن وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطعام؛ فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غلبتني عيناي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذكواني قد عرس من الْجَيْشِ، فَادَّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَقَدْ كان رآني قبل الْحِجَابُ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلَا سَمِعْتُ منه كلمة غير استرجاعه حين أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوْطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ (عبد الله بن أُبي بن سلول).
فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمناها شهراً والناس يفيضون في قول الْإِفْكِ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ،
وهو يريبني في وجعي أني لا أرى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللطف الذي أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يقول:«كيف تيكم؟» فذلك الذي يَرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ، وَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسطْحٍ قِبَل الْمَنَاصِعِ وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى ليل؛ وذلك قبل أن نتخذ الكنف القريب مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التنزه في البرية، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا فِي بُيُوتِنَا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بكر الصديق، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عبد المطلب بن عبد مناف، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم أم مسطح قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحُ، فقلت لها: بئسما قلت، تسبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت: أَيْ هَنْتَاهْ أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قُلْتُ: وماذا قال؟ قالت: فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ، ثم قال:«كيف تيكم؟» فقلت له: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ، قَالَتْ: وَأَنَا حينئذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فأذن لي رسول الله فجئت أبوي، فقلت لأمي: يا أمتاه لماذا يتحدث الناس به؟ فَقَالَتْ أَيْ بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ، فَقُلْتُ: سبحان الله وقد تحدث الناس بها؟ فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أبكي.
قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (علي بن أبي طالب) و (أسامة بن زيد) حين استلبث الوحي، يسألهما ويستشيرهما فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال أسامة: يا رسول الله أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ الْخَبَرَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ فَقَالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ؟» فَقَالَتْ لَهُ بِرَيْرَةُ: وَالَّذِي بعثك بالحق إن رأيت منها أمراً أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنَ فَتَأْكُلُهُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبي سلول، قالت: فقال رسول الله وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أهلي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا معي» ، فقام سعد بن معاذ الأنصاري رضي الله عنه فَقَالَ: أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سيد الخزرج وكان رجلاً صالحاً ولكن احتمله الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل، فَقَامَ أُسَيدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عن المنافق، فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتِ: وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقُ كَبِدِي، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وأنا أبكي إذا اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: وَلَمْ يجلس
عندي منذ قيل مَا قِيلَ، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ.
قَالَتْ: فَتَشْهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِن كُنتُ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأبي: أجب عني رسول الله، فقال: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ، فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أقرأ كثيراً من القرآن: والله لقد علمت، لقد سمعتم بهذا الحديث حتى اسستقر في أنفسكم وصدقتم به، فإن قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ - وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بريئة - لا تصدقونني، ولئن اعترفت بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتُصَدِّقُني، فوالله مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ على مَا تصفون} ، قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وأنا الله أعلم حينئذٍ أني بريئة، وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي، ولكن مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنَيْ وحيٌ يُتْلَى، ولَشأني كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، ولكن كنت أرجو من أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسِهِ، وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ، حتى أنزل الله تعالى عَلَى نبيَّه، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البرحاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شات مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَالَتْ: فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: «أَبْشِرِي يا عائشة، أما
الله عز وجل فقد برأك».
قالت: فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ عز وجل، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، وَأَنْزَلَ الله عز وجل:{إِنَّ الذين جاؤوا بالإفك عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ} العشر الآيات كلها، فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَكَانَ يُنْفِقُ على مسطح بن أثاثة لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يؤتوا أُوْلِي القربى - إِلَى قَوْلِهِ - إِلَاّ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، فقال أبو بكر: بلى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فرجَّع إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عليه، وقال: والله لَا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يسأل (زينب بنت جحش) زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أمري، فقال:«يا زينب ماذا علمت أو رأيت؟» فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بِالْوَرَعِ؛ وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا (حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ) تُحَارِبُ لَهَا فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حديث الزهري عن عائشة رضي الله عنها.
وروى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فذكر ذَلِكَ وَتَلَا الْقُرْآنَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وامرأة فضربوا حدَّهم (رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة وقال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ تَسْمِيَتُهُمْ وهم (حسان بن ثابت) و (مسطح بن أثاثة) و (حمنة بنت جحش))، وروى الإمام أحمد أيضاً عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ أُمِّ رُومَانَ قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ عَائِشَةَ
-
77 - سورة المرسلات
.
[مقدمة]
روى البخاري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ بِمِنًى، إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ:{وَالْمُرْسَلَاتِ} فَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا وَإِنِّي لِأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فاه لرطب بها، إذا وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اقْتُلُوهَا» فَابْتَدَرْنَاهَا، فَذَهَبَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وقيتم شرها» (أخرجه البخاري، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ بِهِ). وَقَالَ الإمام أحمد: ثّنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في المغرب بالمرسلات عُرفاً، وعن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ يَقْرَأُ:{والمرسلات عُرفاً} فقالت: يا بني أذكرتني بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، أَنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ من رسول الله يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ (أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من طريق مالك عن الزهري).
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
- 1 - وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا
- 2 - فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً
- 3 - وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً
- 4 - فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً
- 5 - فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً
- 6 - عُذْراً أَوْ نُذْراً
- 7 - إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ
- 8 - فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ
- 9 - وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ
- 10 - وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ
- 11 - وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ
- 12 - لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ
- 13 - لِيَوْمِ الْفَصْلِ
- 14 - وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل
- 15 - وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للمكذبين
روى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة {والرسلات عُرفاً} قال: هي الملائكة (وهو قول مسروق وأبي الضحى والسدي والربيع بن أنَس)، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ الرسل. وقال الثوري، عن أبي العبدين قال: سألت ابن مسعود عن المرسلات عُرفاً، قال: الريح: وكذا قال في: {العاصفات عَصْفاً وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً} إِنَّهَا الرِّيحُ، وَكَذَا قَالَ ابن عباس ومجاهد وقتادة، وتوقف ابن جرير في:{المرسلات عُرْفاً} هَلْ هِيَ الْمَلَائِكَةُ إِذَا أُرْسِلَتْ بِالْعُرْفِ، أَوْ كَعُرْفِ الْفَرَسِ يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَوْ هي
الرِّيَاحُ إِذَا هَبَّتْ شَيْئًا فَشَيْئًا؟ وَقَطَعَ بِأَنَّ {العاصفات عَصْفاً} الرياح، وتوقف في {الناشرات نَشْراً} هَلْ هِيَ الْمَلَائِكَةُ أَوِ الرِّيحُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ {النَّاشِرَاتِ نَشْراً} هي الْمَطَرُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ {الْمُرْسَلَاتِ} هِيَ الرِّيَاحُ، كَمَا قال تعالى:{وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} ، وهكذا {العاصفات} هي الرياح، يُقال: عصفت الرياح إِذَا هَبَّتْ بِتَصْوِيتٍ، وَكَذَا {النَّاشِرَاتُ} هِيَ الرِّيَاحُ الَّتِي تَنْشُرُ السَّحَابَ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ كَمَا يشاء الرب عز وجل. وقوله تعالى:{فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً} يعني الملائكة فَإِنَّهَا تَنْزِلَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى الرُّسُلِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالْغَيِّ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَتُلْقِي إِلَى الرُّسُلِ وَحْيًا فِيهِ إِعْذَارٌ إِلَى الْخَلْقِ، وَإِنْذَارٌ لَهُمْ عِقَابَ اللَّهِ إِنْ خَالَفُوا أمره، وقوله تعالى:{إِنَّمَآ تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ أَيْ مَا وُعِدْتُمْ بِهِ مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ وَالنَّفْخِ فِي الصُّوَرِ وَبَعْثِ الْأَجْسَادِ وَجَمْعِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَمُجَازَاةِ كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، إِنَّ هَذَا كُلَّهُ لَوَاقِعٌ أَيْ لَكَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ قَالَ تعالى:{فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ} أي ذهب ضوءها كقوله تعالى: {وَإِذَا النجوم انكدرت} ، وقوله:{وَإِذَا السمآء فُرِجَتْ} أي فطرت وَانْشَقَّتْ وَتَدَلَّتْ أَرْجَاؤُهَا وَوَهَتْ أَطْرَافُهَا، {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} أَيْ ذُهِبَ بِهَا فَلَا يَبْقَى لَهَا عين ولا أثر، كقوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} الآية، وَقَالَ تَعَالَى:{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فلم يغادر منهم أحداً} ، وقوله تعالى:{وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ} قال ابن عباس: جمعت، كقوله تعالى:{يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} وقال مجاهد: {أُقِّتَتْ} أجلت، ثم قال تعالى:{لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يومئِذ لِّلْمُكَذِّبِينَ} يَقُولُ تَعَالَى: لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتِ الرُّسُلُ وَأُرْجِئَ أَمْرُهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتقام} وذلك في يوم الفصل كما قال تعالى: {لِيَوْمِ الفصل} ثم قال تعالى مُعَظِّمًا لِشَأْنِهِ: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ} ؟ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} أَيْ وَيْلٌ لَهُمْ مِنْ عذاب الله غداً.
- 16 - أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ
- 17 - ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ
- 18 - كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ
- 19 - وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
- 20 - أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَاءٍ مَهِينٍ
- 21 - فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ
- 22 - إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ
- 23 - فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ
- 24 - وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
- 25 - أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً
- 26 - أَحْيَآءً وَأَمْواتاً
- 27 - وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً
- 28 - وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
يَقُولُ تَعَالَى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين} يعني الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ الْمُخَالِفِينَ لِمَا جَاءُوهُمْ بِهِ، {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ} أَيْ مِمَّنْ أَشْبَهَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى:{كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ، ثم قال تعالى مُمْتَنًّا عَلَى خَلْقِهِ وَمُحْتَجًّا عَلَى الْإِعَادَةِ بِالْبُدَاءَةِ:{أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ} أَيْ ضَعِيفٍ حقير بالنسبة إلى قدرة الباري عز وجل، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يس:«ابْنَ آدَمَ أنَّى تُعْجِزُنِي، وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مثل هذه؟» (أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه). {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ
مَّكِينٍ} يعني جمعناه في الرحم، وهو حَافِظٌ لِمَا أُوْدِعَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، وَقَوْلُهُ تعالى:{إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} يَعْنِي إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَلِهَذَا قال تعالى:{فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ، ثُمَّ قال تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَآءً وَأَمْواتاً} قَالَ مُجَاهِدٌ: يُكْفَتُ الْمَيِّتُ فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ، وقال الشعبي: بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم، {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ} يعني الجبال رسى بِهَا الْأَرْضَ لِئَلَّا تَمِيدَ وَتَضْطَرِبَ، {وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً} أي عَذْبًا زُلَالًا مِنَ السَّحَابِ، أَوْ مِمَّا أَنْبَعَهُ مِنْ عُيُونِ الْأَرْضِ، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} أَيْ وَيْلٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ، الدَّالَّةَ عَلَى عَظَمَةِ خَالِقِهَا، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا يَسْتَمِرُّ عَلَى تكذيبه وكفره.
- 29 - انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
- 30 - انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ
- 31 - لَاّ ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ
- 32 - إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ
- 33 - كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ
- 34 - وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
- 35 - هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ
- 36 - وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
- 37 - وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
- 38 - هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ
- 39 - فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ
- 40 - وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
يقول تعالى مخبراً عن الكفار المكذبين بالمعاد والجزاء أَنَّهُمْ يُقال لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} يَعْنِي لَهَبُ النَّارِ إِذَا ارْتَفَعَ وَصَعِدَ مَعَهُ دُخَانٌ، فَمِنْ شِدَّتِهِ وَقُوَّتِهِ أَنَّ لَهُ ثَلَاثِ شُعَبٍ، {لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} أَيْ ظِلُّ الدُّخَانِ الْمُقَابِلُ لِلَّهَبِ لَا ظَلِيلٌ هُوَ فِي نَفْسِهِ {وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} يَعْنِي وَلَا يَقِيهِمْ حَرَّ اللهب، وقوله تعالى:{إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} أَيْ يَتَطَايَرُ الشَّرَرُ مِنْ لَهَبِهَا كَالْقَصْرِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَالْحُصُونِ، وقال ابن عباس ومجاهد: يَعْنِي أُصول الشَّجَرِ {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} أَيْ كالإبل السود، قاله مجاهد والحسن واختاره ابن جرير، وعن ابن عباس {جمالة صُفْرٌ} يعني حبال السفن، وعنه {جمالة صُفْرٌ}: قطع نحاس، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ: قَالَ: سَمِعْتُ ابن عباس رضي الله عنهما: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} قَالَ: كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْخَشَبَةِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ، وَفَوْقَ ذَلِكَ فَنَرْفَعُهُ للبناء، فَنُسَمِّيهِ الْقَصَرَ {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} حِبَالُ السُّفُنِ تجمع حتى تكون كأوساط الرجال (أخرجه البخاري){وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:{هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ} أَيْ لَا يَتَكَلَّمُونَ، {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} أَيْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْكَلَامِ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِيهِ لِيَعْتَذِرُوا بَلْ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ، وَعَرَصَاتُ الْقِيَامَةِ حَالَاتٌ، وَالرَّبُّ تَعَالَى يُخْبِرُ عَنْ هَذِهِ الْحَالَةِ تارة وعن هذه الحال تَارَةً، لِيَدُلَّ عَلَى شِدَّةِ الْأَهْوَالِ وَالزَّلَازِلِ يومئذٍ، وَلِهَذَا يَقُولُ بَعْدَ كُلِّ فَصْلٍ مِنْ هَذَا الكلام {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ، وقوله تعالى:{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} وَهَذِهِ مُخَاطَبَةٌ مِنَ الْخَالِقِ تعالى لِعِبَادِهِ يَقُولُ لَهُمْ: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} يَعْنِي أَنَّهُ جَمَعَهُمْ بِقُدْرَتِهِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وقوله تعالى:
{فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} ، تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ أَيْ إِنْ قَدَرْتُمْ عَلَى أَنْ تَتَخَلَّصُوا مِنْ قَبْضَتِي، وَتَنْجُوا مِنْ حُكْمِي فَافْعَلُوا، فَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَاّ بِسُلْطَانٍ} . عن عبادة بن الصامت أنه قال: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ والآخرين في صعيد واحد ينفذهم وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَقُولُ اللَّهُ: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} الْيَوْمَ لَا يَنْجُو مِنِّي جَبَّارٌ عَنِيدٌ، وَلَا شيطان مريد (أخرجه ابن أبي حاتم).
- 41 - إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ
- 42 - وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ
- 43 - كُلُواْ وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
- 44 - إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
- 45 - وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
- 46 - كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ
- 47 - وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
- 48 - وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ
- 49 - وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
- 50 - فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
يقول تعالى مخبراً عن عبادة المتقين، إِنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُونَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ أَيْ بِخِلَافِ مَا أُولَئِكَ الْأَشْقِيَاءُ فِيهِ مِنْ ظل اليحموم وهو الدخان الأسود المنتن، وقوله تعالى:{وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ} أي ومن سَائِرِ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ مَهْمَا طَلَبُوا وَجَدُوا، {كُلُواْ وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ قال تعالى:{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} أي هذا جزاؤنا لِمَنْ أَحْسَنَ الْعَمَلَ، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ، وَقَوْلُهُ تعالى:{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} خِطَابٌ لِلْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَأَمَرَهُمْ أَمْرَ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ، فَقَالَ تَعَالَى {كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً} أَيْ مُدَّةً قَلِيلَةً قَرِيبَةً قَصِيرَةً، {إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} أَيْ ثُمَّ تُسَاقُونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} ، وقال تعالى:{ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} ، وقوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} أَيْ إِذَا أَمَرَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةَ مِنَ الْكُفَّارِ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمَصَلِّينِ مَعَ الْجَمَاعَةِ امْتَنَعُوا مِنْ ذلك واستكبروا عنه ولهذا قال تعالى: {ويل يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ، ثم قال تعالى:{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} ؟ أَيْ إِذَا لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَبِأَيِّ كَلَامٍ يُؤْمِنُونَ بِهِ؟ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} ؟ روي عن أبي هريرة: «إِذَا قَرَأَ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرفاً} فَقَرَأَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}؟ فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِمَا أَنْزَلَ» (أخرجه ابن أبي حاتم).