الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقُلْتُ: خُذِ الْبَغْلَ بِمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: هُوَ لِي، وَإِنَّمَا أُرِيدُ قَتْلَكَ، فَخَوَّفْتُهُ اللَّهَ وَالْعُقُوبَةَ فَلَمْ يَقْبَلْ، فَاسْتَسْلَمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقُلْتُ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَتْرُكَنِي حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ: عجل فَقُمْتُ أُصَلِّي، فَأُرْتِجَ عَلَيَّ الْقُرْآنُ، فَلَمْ يَحْضُرْنِي مِنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ فَبَقِيتُ وَاقِفًا مُتَحَيِّرًا، وَهُوَ يَقُولُ: هِيهِ افْرُغْ، فَأَجْرَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِي قوله تعالى:{أَمْ من يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} فَإِذَا أَنَا بِفَارِسٍ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ فَمِ الْوَادِي وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ، فَرَمَى بِهَا الرَّجُلَ، فَمَا أَخْطَأَتْ فُؤَادَهُ فَخَرَّ صَرِيعًا، فَتَعَلَّقْتُ بِالْفَارِسِ، وَقُلْتُ: بِاللَّهِ من أنت؟ فقال: أنا رسول الَّذِي يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ، قال: فأخذت البغل والحمل ورجعت سالماً (أخرج القصة ابن عساكر وذكر قصة أخرى مشابهة تدل على إكرام الله لأوليائه وعباده الصالحين قال صاحب الجوهرة:
واثبتن للأولياء الكرامة * ومن نفاها فانبذن كلامه).
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الْأَرْضِ} أَيْ يُخْلِفُ قَرْنًا لِقَرْنٍ قَبْلَهُمْ وَخَلَفًا لِسَلَفٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بعض درجات} ، وَهَكَذَا هَذِهِ الْآيَةُ:{وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الْأَرْضِ} أَيْ أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ، وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَقَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ، وَلَوْ شَاءَ لَأَوْجَدَهُمْ كُلَّهُمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَعْضَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ بَعْضٍ، بَلْ لَوْ شَاءَ لَخَلَقَهُمْ كُلَّهُمْ أَجْمَعِينَ، كَمَا خَلَقَ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُمْ بَعْضَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ بَعْضٍ، وَلَكِنْ لَا يُمِيتُ أَحَدًا حَتَّى تَكُونَ وَفَاةُ الْجَمِيعِ في وقت واحد لكانت تضيق عنهم الْأَرْضُ وَتَضِيقُ عَلَيْهِمْ مَعَايِشُهُمْ وَأَكْسَابُهُمْ وَيَتَضَرَّرُ بَعْضُهُمْ ببعض، ولكت اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ وَقُدْرَتُهُ أَنْ يَخْلُقَهُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثم يكثرهم غاية الكثرة ويجعلهم أمماً بَعْدَ أُمَمٍ، حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ وَتَفْرُغَ الْبَرِيَّةُ كما قدر تبارك وتعالى، وَكَمَا أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا، ثُمَّ يُقِيمُ الْقِيَامَةَ وَيُوَفِّي كُلَّ عَامِلٍ عَمَلَهُ إِذَا بلغ الكتاب أجله، ولهذا قال تعالى:{أَمْ من يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} أَيْ يَقْدِرُ على ذلك، أو أإله مَّعَ الله بعد هذا! وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِفِعْلِ ذلك وحده لا شريك له؟ {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} أَيْ مَا أَقَلَّ تَذَكُّرَهُمْ فِيمَا يُرْشِدُهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى الصِّرَاطِ المستقيم.
- 63 - أم من يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ الله تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ
يقول تَعَالَى: {أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أَيْ بِمَا خَلَقَ مِنَ الدَّلَائِلِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ، كَمَا قال تعالى:{وَعَلامَاتٍ وبالنجم هم يهتدون} ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الْآيَةَ، {وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أَيْ بَيْنَ يَدَيِ السَّحَابِ الَّذِي فِيهِ مَطَرٌ يغيث الله به عباده المجدبين الْقَنِطِينَ {أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
- 64 - أم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَتْحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لما أَطَلَّ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى الثَّنِيَّةِ الَّتِي تَهْبِطُ به على قريش بركت ناقته، فزجرها فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، أَيْ حَرَنَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ» ، ثُمَّ قَالَ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي الْيَوْمَ خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَجَبْتُهُمْ إِلَيْهَا» ، ثُمَّ زَجَرَهَا فقامت (الحديث أخرجه الْبُخَارِيِّ). وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ:«إِنَّ اللَّهَ حَبْسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهُ قَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فيبلغ الشاهد الغائب» .
-
106 - سورة قريش
.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
- 1 - لإِيلَافِ قُرَيْشٍ
- 2 - إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ
- 3 - فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ
- 4 - الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِنْ خَوْفٍ
هَذِهِ السُّورَةُ مَفْصُولَةٌ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ، كَتَبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهَا، كما صرح بذلك محمد ابن إسحاق وعبد الرحمن بن يزيد، لِأَنَّ الْمَعْنَى عِنْدَهُمَا: حَبَسْنَا عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَأَهْلَكْنَا أَهْلَهُ {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} أَيْ لِائْتِلَافِهِمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ فِي بَلَدِهِمْ آمِنِينَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا كَانُوا يَأْلَفُونَهُ مِنَ الرِّحْلَةِ فِي الشِّتَاءِ إِلَى الْيَمَنِ، وَفِي الصَّيْفِ إِلَى الشَّامِ فِي الْمَتَاجِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى بَلَدِهِمْ آمِنِينَ فِي أَسْفَارِهِمْ، لِعَظَمَتِهِمْ عِنْدَ النَّاسِ لِكَوْنِهِمْ سُكَّانَ حرم الله، فمن عرفهم احترمهم ومن سار معهم آمن بهم، وهذا حَالُهُمْ فِي أَسْفَارِهِمْ وَرِحْلَتِهِمْ فِي شِتَائِهِمْ وَصَيْفِهِمْ، أما فِي حَالِ إِقَامَتِهِمْ فِي الْبَلَدِ فَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حولهم} ، ولهذا قال تعالى:{لإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ} بدل من