الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِمَّا هُمْ فِيهِ، أَهَذَا خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وَعَدَهَا اللَّهُ الْمُتَّقِينَ مِنْ عِبَادِهِ، التي أعدها لهم جزاء ومصيراً عَلَى مَا أَطَاعُوهُ فِي الدُّنْيَا وَجَعَلَ مَآلَهُمْ إليها؟! {لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ} مِنَ الْمَلَاذِّ مِنْ مَآكِلَ وَمَشَارِبَ، وَمَلَابِسَ وَمَسَاكِنَ، وَمَرَاكِبَ وَمَنَاظِرَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أذن سمعت ولا خطر على قَلْبِ أَحَدٍ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ خَالِدُونَ أَبَدًا دَائِمًا سَرْمَدًا، بِلَا انْقِطَاعٍ وَلَا زَوَالٍ وَلَا انقضاء، ولا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، وَهَذَا مِنْ وَعْدِ اللَّهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَأَحْسَنَ بِهِ إِلَيْهِمْ، ولهذا قال:{كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مسؤولا} أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ وَأَنْ يَكُونَ أي وعداً واجباً، وقال محمد بن كعب القرظي: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْأَلُ لَهُمْ ذَلِكَ {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ} ، وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: رَبَّنَا عَمِلْنَا لَكَ بِالَّذِي أَمَرْتَنَا فَأَنْجِزْ لَنَا مَا وَعَدْتَنَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَعْداً مسؤولا} وهذا المقام في هذه السورة كَمَا ذَكَرَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ حَالَ أهل الجنة وما فيها منن النَّضْرَةِ وَالْحُبُورِ، ثُمَّ قَالَ:{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقزم * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً للظالمين} الآيات.
- 17 - وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ
- 18 - قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَكِنْ مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً
- 19 - فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا نَصْرًا وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّا يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ تَقْرِيعِ الْكُفَّارِ فِي عِبَادَتِهِمْ مَنْ عَبَدُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الملائكة وغيرهم فقال: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} ، قال مجاهد: هو عِيسَى وَالْعُزَيْرُ وَالْمَلَائِكَةُ، {فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ} الآية، أي فيقول تبارك وتعالى لِلْمَعْبُودِينَ: أَأَنْتُمْ دَعَوْتُمْ هَؤُلَاءِ إِلَى عِبَادَتِكُمْ مِنْ دُونِي، أَمْ هُمْ عَبَدُوكُمْ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ مِنْكُمْ لَهُمْ؟ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِذِ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بحق} الآية. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّا يُجيِبُ بِهِ الْمَعْبُودُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: {قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ ينبغي لنا أن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ} ، أَيْ لَيْسَ لِلْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ أَنْ يَعْبُدُوا أَحَدًا سِوَاكَ لَا نَحْنُ وَلَا هُمْ، فَنَحْنُ ما دعوناهم إلى ذلك بل هم فعلوا ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَمْرِنَا وَلَا رِضَانَا، وَنَحْنُ بُرَآءُ مِنْهُمْ وَمِنْ عِبَادَتِهِمْ، {وَلَكِنْ مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ} أَيْ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ، أَيْ نَسُوا مَا أَنْزَلْتَهُ إِلَيْهِمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِكَ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى عِبَادَتِكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، {وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ هَلْكَى، وَقَالَ الحسن البصري: أي لا خير فيهم. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} أي فقد كذبكم الذين عبدتم من دون الله، فيما زعمتم أنهم لكم أولياء وأنهم يقربونكم إلى الله زلفى، كقوله تَعَالَى:{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بعبادتهم كافرين} . وقوله: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا نَصْراً} أَيْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى صَرْفِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ وَلَا الِانْتِصَارِ لِأَنْفُسِهِمْ، {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ} أَيْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ {نُذِقْهُ عَذَاباً كبيرا} .
- 20 - وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ جَمِيعِ مَنْ بَعَثَهُ مِنَ الرُّسُلِ الْمُتَقَدِّمِينَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ
فِي الأسواق لِلتَّكَسُّبِ وَالتِّجَارَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُنَافٍ لِحَالِهِمْ وَمَنْصِبِهِمْ، فإن الله تعالى جَعَلَ لَهُمْ مِنَ السِّمَاتِ الْحَسَنَةِ، وَالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ، والأقوال الفاضلة، والأعمال الكاملة، والخوارق الباهرة، مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ كُلُّ ذِي لُبٍّ سَلِيمٍ عَلَى صِدْقِ مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ اللَّهِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَاّ يَأْكُلُونَ الطعام} الآية، وقوله تعالى:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} ؟ أَيْ اخْتَبَرْنَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ، وَبَلَوْنَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ لِنَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُ مِمَّنْ يَعْصِي، وَلِهَذَا قَالَ {أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} أَيْ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسالته} ومن يستحق أن يهديه الله وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} ؟ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَجْعَلَ الدُّنْيَا مَعَ رُسُلِي فَلَا يُخَالَفُونَ لَفَعَلْتُ، وَلَكِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَلِيَ الْعِبَادَ بِهِمْ وأبتليكم بهم، وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ:«يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِنِّي مُبْتَلِيكَ ومبتل بك» (أخرجه مسلم عن عياض بن حماد مرفوعاً)، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ خيَّر بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ عَبْدًا رَسُولًا، فَاخْتَارَ أَن يَكُونَ عَبْداً رَسُولًا.
- 21 - وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيرًا
- 22 - يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا
- 23 - وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً
- 24 - أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلًا
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ تَعَنُّتِ الْكَفَّارِ فِي كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ} أَيْ بِالرِّسَالَةِ كَمَا تنزل على الأنبياء، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ الله} ، ويحتمل أن يكون مرادهم ههنا {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ} فَنَرَاهُمْ عَيَانًا فَيُخْبِرُونَا أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، كَقَوْلِهِمْ:{أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قبيلا} ، ولهذا قالوا:{أَوْ نَرَى رَبَّنَا} ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً} ، وقوله تَعَالَى:{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ ويقولون حجرا مَّحْجُوراً} أي هم يوم يرونهم لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لَهُمْ، وَذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى وقت الاحتضار، حين تبشرهم الملائكة بالنار، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ لِلْكَافِرِ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي إِلَى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ، فَتَأْبَى الْخُرُوجَ وَتَتَفَرَّقُ فِي الْبَدَنِ فَيَضْرِبُونَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} الآية. وقال تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ والملائكة باسطو أَيْدِيهِمْ} أي بالضرب، وَلِهَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} وَهَذَا بخلاف حال المؤمنين حال احْتِضَارِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُبَشَّرُونَ بِالْخَيْرَاتِ، وَحُصُولِ الْمَسَرَّاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أن لا تَخَافُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ توعدون} ، وفي الصَّحِيحِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ لِرُوحِ الْمُؤْمِنِ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ في الجسد الطيب إن كنت تعمرينه،
-
86 - سورة الطارق
.
[مقدمة]
روى النسائي عن جابر بن عبد الله قَالَ: صَلَّى مُعَاذٌ الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَالنِّسَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَفَتَّانٌ أنت يَا مُعَاذُ؟ مَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقْرَأَ بالسماء والطارق، والشمس وضحاها ونحوها؟» (أخرجه النسائي).
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
- 1 - وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ
- 2 - وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ
- 3 - النَّجْمُ الثَّاقِبُ
- 4 - إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ
- 5 - فَلْيَنظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ
- 6 - خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ
- 7 - يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ
- 8 - إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ
- 9 - يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ
- 10 - فَمَا له من قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ
يقسم تبارك وتعالى بِالسَّمَاءِ، وَمَا جَعَلَ فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ النَّيِّرَةِ، ولهذا قال تعالى:{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ، ثُمَّ قَالَ:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} ، ثُمَّ فسَّره بِقَوْلِهِ:{النَّجْمُ الثَّاقِبُ} . قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا سُمِّيَ النَّجْمُ طَارِقًا لِأَنَّهُ يُرَى بِاللَّيْلِ وَيَخْتَفِي بِالنَّهَارِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا جَاءَ في الحديث:«إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ» . وَقَوْلُهُ تعالى: {الثَّاقِبُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُضِيءُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَثْقُبُ الشَّيَاطِينَ إِذَا أُرْسِلَ عَلَيْهَا، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هو مضيء ومحرق للشيطان، وقوله تعالى:{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} أَيْ كُلُّ نَفْسٍ عَلَيْهَا مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ يَحْرُسُهَا مِنَ الْآفَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ، وقوله تعالى:{فَلْيَنظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} تَنْبِيهٌ لِلْإِنْسَانِ عَلَى ضَعْفِ أَصْلِهِ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ، وَإِرْشَادٌ لَهُ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْمَعَادِ، لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْبَدَاءَةِ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عليه} ، وقوله تعالى:{خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ} يَعْنِي الْمَنِيُّ يَخْرُجُ دَفْقًا مِنَ الرَّجُلِ وَمِنَ الْمَرْأَةِ، فَيَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا الْوَلَدُ بِإِذْنِ اللَّهِ عز وجل، وَلِهَذَا قَالَ:{يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} يَعْنِي صُلْبَ الرجل وترائب المرأة وهو (صدرها)، وقال ابن عباس: صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ أَصْفَرَ رَقِيقٍ لَا يكون الولد إلاّ منهما، وعنه قال: هذه
الترائب ووضع يده على صدره، وَعَنْ مُجَاهِدٍ: التَّرَائِبُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ إِلَى الصَّدْرِ، وَعَنْهُ أَيْضًا: التَّرَائِبُ أَسْفَلُ مِنَ التَّرَاقِي، وقال الثوري: فوق الثديين، وقال قَتَادَةَ:{يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} مِنْ بين صلبه ونحره، وقوله تعالى:{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} فِيهِ قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا): عَلَى رَجْعِ هَذَا الْمَاءِ الدَّافِقِ إِلَى مَقَرِّهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ لَقَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، قَالَهُ مجاهد وعكرمة وغيرهما. (الثَّانِي): إِنَّهُ عَلَى رَجْعِ هَذَا الْإِنْسَانِ الْمَخْلُوقِ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ، أَيْ إِعَادَتُهُ وَبَعْثُهُ إِلَى الدار الآخرة لقادر، قال الضحّاك واختاره ابن جرير، ولهذا قال تعالى:{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ أَيْ تَظْهَرُ وَتَبْدُو، وَيَبْقَى السِّرُّ علانية والمكنون مشهوراً، وقوله تعالى:{فماله} أَيِ الْإِنْسَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {مِن قُوَّةٍ} أَيْ فِي نَفْسِهِ، {وَلَا نَاصِرٍ} أَيْ مِنْ خَارِجٍ مِنْهُ، أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْقِذَ نَفْسَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ لَهُ أحد ذلك.
- 11 - وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ
- 12 - وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ
- 13 - إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ
- 14 - وَمَا هوَ بِالْهَزْلِ
- 15 - إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً
- 16 - وَأَكِيدُ كَيْدًا
- 17 - فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرَّجْعُ الْمَطَرُ، وَعَنْهُ: هُوَ السحاب فيه المطر، وَقَالَ قَتَادَةُ: تُرْجِعُ رِزْقَ الْعِبَادِ كُلَّ عَامٍ، ولولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم، {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ انصداعها عن النبات (وهو قول ابن جرير وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة والسدي وغيرهم)، وقوله تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَقٌّ، وقال غيره: حُكْمٌ عَدْلٌ، {وَمَا هوَ بِالْهَزْلِ} أَيْ بَلْ هو جد حق، ثم أخبر الْكَافِرِينَ بِأَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ بِهِ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِهِ فَقَالَ:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً} أَيْ يَمْكُرُونَ بِالنَّاسِ، فِي دَعْوَتِهِمْ إِلَى خِلَافِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ تعالى:{فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} أَيْ أَنْظِرْهُمْ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ، {أمهلهم رويداً} أي قليلاً وسترى مَاذَا أُحِلَّ بِهِمْ، مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، وَالْعُقُوبَةِ والهلاك كَمَا قَالَ تَعَالَى:{نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} .