المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ 96 - سورة العلق - مختصر تفسير ابن كثير - جـ ٢

[محمد علي الصابوني]

فهرس الكتاب

- ‌ 8 - سورة الأنفال

- ‌ 9 - سورة التوبة

- ‌ 10 - سورة يونس

- ‌ 11 - سورة هود

- ‌ 12 - سورة يوسف

- ‌ 13 - سورة الرعد

- ‌ 14 - سورة إبراهيم

- ‌ 15 - سورة الحجر

- ‌ 16 - سورة النحل

- ‌ 17 - سورة الإسراء

- ‌ 18 - سورة الكهف

- ‌ 19 - سورة مريم

- ‌ 20 - سورة طه

- ‌ 21 - سورة الأنبياء

- ‌ 22 - سورة الحج

- ‌ 23 - سورة المؤمنون

- ‌ 24 - سورة النور

- ‌ 25 - سورة الفرقان

- ‌ 26 - سورة الشعراء، وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ مَالِكٍ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ تَسْمِيَتُهَا سورة (الجامعة)

- ‌ 27 - سورة النمل

- ‌ 28 - سورة القصص

- ‌ 29 - سورة العنكبوت

- ‌ 30 - سورة الروم

- ‌ 31 - سورة لقمان

- ‌ 32 - سورة السجدة

- ‌ 33 - سورة الأحزاب

- ‌ 34 - سورة سبأ

- ‌ 35 - سورة فاطر

- ‌ 36 - سورة يس

- ‌ 37 - سورة الصافات

- ‌ 38 - سورة ص

- ‌ 39 - سورة الزمر

- ‌ 40 - سورة غافر

- ‌ 41 - سورة فصلت

- ‌ 42 - سورة الشورى

- ‌ 43 - سورة الزخرف

- ‌ 44 - سورة الدخان

- ‌ 45 - سورة الجاثية

- ‌ 46 - سورة الأحقاف

- ‌ 47 - سورة محمد

- ‌ 48 - سورة الفتح

- ‌ 49 - سورة الحجرات

- ‌ 50 - سورة ق

- ‌ 51 - سورة الذاريات

- ‌ 52 - سورة الطور

- ‌ 53 - سورة النجم

- ‌ 54 - سورة القمر

- ‌ 55 - سورة الرحمن

- ‌ 56 - سورة الواقعة

- ‌ 57 - سورة الحديد

- ‌ 58 - سورة المجادلة

- ‌ 59 - سورة الحشر

- ‌ 60 - سورة الممتحنة

- ‌ 61 - سورة الصف

- ‌ 62 - سورة الجمعة

- ‌ 63 - سورة المنافقون

- ‌ 64 - سورة التغابن

- ‌ 65 - سورة الطلاق

- ‌ 66 - سورة التحريم

- ‌ 67 - سورة الملك

- ‌ 68 - سورة القلم

- ‌ 69 - سورة الحاقة

- ‌ 70 - سورة المعارج

- ‌ 71 - سورة نوح

- ‌ 72 - سورة الجن

- ‌ 73 - سورة المزمل

- ‌ 74 - سورة المدثر

- ‌ 75 - سورة القيامة

- ‌ 76 - سورة الإنسان

- ‌ 77 - سورة المرسلات

- ‌ 78 - سورة النبأ

- ‌ 79 - سورة النازعات

- ‌ 80 - سورة عبس

- ‌ 81 - سورة التكوير

- ‌ 82 - سورة الانفطار

- ‌ 83 - سورة المطففين

- ‌ 84 - سورة الانشقاق

- ‌ 85 - سورة البروج

- ‌ 86 - سورة الطارق

- ‌ 87 - سورة الأعلى

- ‌ 88 - سورة الغاشية

- ‌ 89 - سورة الفجر

- ‌ 90 - سورة البلد

- ‌ 91 - سورة الشمس

- ‌ 92 - سورة الليل

- ‌ 93 - سورة الضحى

- ‌ 94 - سورة الشرح

- ‌ 95 - سورة التين

- ‌ 96 - سورة العلق

- ‌ 97 - سورة القدر

- ‌ 98 - سورة البينة

- ‌ 99 - سورة الزلزلة

- ‌ 100 - سورة العاديات

- ‌ 101 - سورة القارعة

- ‌ 102 - سورة التكاثر

- ‌ 103 - سورة العصر

- ‌ 104 - سورة الهمزة

- ‌ 105 - سورة الفيل

- ‌ 106 - سورة قريش

- ‌ 107 - سورة الماعون

- ‌ 108 - سورة الكوثر

- ‌ 109 - سورة الكافرون

- ‌ 110 - سورة النصر

- ‌ 111 - سورة المسد

- ‌ 112 - سورة الإخلاص

- ‌ 113 - سورة الفلق

- ‌ 114 - سورة الناس

الفصل: ‌ 96 - سورة العلق

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ ثَمُودَ فِي جَوَابِهِمْ لِنَبِيِّهِمْ (صَالِحٍ) عليه السلام، حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى عبادة ربهم عز وجل أنهم {قَالُوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} قَالَ مُجَاهِدٌ وقتادة: يعنون من المسحورين، يَقُولُونَ: إِنَّمَا أَنْتَ فِي قَوْلِكَ هَذَا مَسْحُورٌ لَا عَقْلَ لَكَ، ثُمَّ قَالُوا {مَآ أَنتَ إِلَاّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} يَعْنِي فَكَيْفَ أُوحِيَ إِلَيْكَ دوننا، كما قالوا في الآية الأخرى {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا؟ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} ثُمَّ إِنَّهُمُ اقْتَرَحُوا عَلَيْهِ آيَةً يَأْتِيهِمْ بِهَا لِيَعْلَمُوا صِدْقَهُ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ، وقد اجتمع ملؤهم وطلبوا منه أَنْ يُخْرِجَ لَهُمُ الْآنَ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ ناقة عشراء، وأشاروا إلى صخرة عندهم، مِنْ صِفَتِهَا كَذَا وَكَذَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَالِحٌ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ لَئِنْ أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به وليتبعنه، فأعطوه ذلك، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَالِحٌ عليه السلام فَصَلَّى ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عز وجل أَنْ يُجِيبَهُمْ إِلَى سُؤَالِهِمْ، فَانْفَطَرَتْ تِلْكَ الصَّخْرَةُ الَّتِي أَشَارُوا إِلَيْهَا عَنْ نَاقَةٍ عُشَرَاءَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفُوهَا، فَآمَنَ بَعْضُهُمْ وَكَفَرَ أَكْثَرُهُمْ {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} يَعْنِي تَرِدُ مَاءَكُمْ يَوْمًا وَيَوْمًا تَرِدُونَهُ أَنْتُمْ، {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فَحَذَّرَهُمْ نِقْمَةَ اللَّهِ إِنْ أَصَابُوهَا بِسُوءٍ، فَمَكَثَتِ النَّاقَةُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ تَرِدُ الماء، وتأكل الورق والمرعى وينتفعون بلبنها يحلبون مِنْهَا مَا يَكْفِيهِمْ شُرْبًا وَرِيًّا؛ فَلَمَّا طَالَ عليهم الأمد وحضر أشقاهم تمالأوا عَلَى قَتْلِهَا وَعَقْرِهَا {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} وَهُوَ أَنَّ أَرْضَهُمْ زُلْزِلَتْ زِلْزَالًا شَدِيدًا، وجاءتهم صحية عظيمة اقتلعت القلوب من مَحَالِّهَا، وَأَتَاهُمْ مِنَ الْأَمْرِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يحتسبون، وأصبحوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} .

ص: 656

- 160 - كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ

- 161 - إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ

- 162 - إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

- 163 - فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

- 164 - وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَاّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ لوط عليه السلام، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَعَثَهُ إِلَى أُمَّةٍ عظيمة في حياة إبراهيم عليهما السلام، وكانوا يسكنون (سدوم) وأعمالها التي أهلكهم اللَّهُ بِهَا، وَجَعَلَ مَكَانَهَا بُحَيْرَةً مُنْتِنَةً خَبِيثَةً، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ بِبِلَادِ الْغَوْرِ مُتَاخِمَةٌ لِجِبَالِ الْبَيْتِ المقدس، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنْ يُطِيعُوا رَسُولَهُمُ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَةِ الله، وارتكاب ما كانوا قد ابتدعوه مما لم يسبقهم أحد من الخلائق إلى فعله من إتيان الذكور دُونَ الْإِنَاثِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:

ص: 656

- 165 - أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ

- 166 - وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ

- 167 - قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ

- 168 - قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ الْقَالِينَ

- 169 - رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ

- 170 - فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ

- 171 - إِلَاّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ

- 172 - ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ

- 173 - وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ

- 174 - إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ

- 175 - وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

لما نهاهم نبي الله عن ارتكاب الْفَوَاحِشَ وَغَشَيَانِهِمُ الذُّكُورَ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى إِتْيَانِ نِسَائِهِمُ اللاتي خلقهن الله

ص: 656

لهم ما كان جوابهم إِلَّا أَنْ قَالُوا {لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يَا لوط} أي عَمَّا جِئْتَنَا بِهِ {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} أَيْ نَنْفِيكَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُمْ لَا يَرْتَدِعُونَ عَمَّا هُمْ فِيهِ وَأَنَّهُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ تَبَرَّأَ مِنْهُمْ، وقال:{إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ الْقَالِينَ} أَيِ الْمُبْغِضِينَ لَا أحبه ولا أرضى به وإني بريء منكم، ثم دعا الله عليهم، فقال:{رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} أَيْ كُلَّهُمْ، {إِلَاّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ} وَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَكَانَتْ عَجُوزَ سُوءٍ، بَقِيَتْ فَهَلَكَتْ مَعَ مَنْ بَقِيَ مِنْ قومها، حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْرِيَ بِأَهْلِهِ إِلَّا امْرَأَتَهُ، وَأَنَّهُمْ لَا يَلْتَفِتُونَ إِذَا سَمِعُوا الصَّيْحَةَ حِينَ تَنْزِلُ عَلَى قَوْمِهِ، فَصَبَرُوا لِأَمْرِ اللَّهِ وَاسْتَمَرُّوا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى أُولَئِكَ الْعَذَابَ الَّذِي عَمَّ جَمِيعَهُمْ وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ منضود، ولهذا قال تعالى:{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً - إلى قوله - وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} .

ص: 657

- 176 - كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ

- 177 - إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ

- 178 - إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

- 179 - فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

- 180 - وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَاّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ

هؤلاء - يعني أَصْحَابَ الْأَيْكَةِ - هُمْ «أَهْلُ مَدْيَنَ» عَلَى الصَّحِيحِ، وكان نبي الله من أنفسهم، وإنما لم يقل ههنا أَخُوهُمْ شُعَيْبٌ، لِأَنَّهُمْ نُسِبُوا إِلَى عِبَادَةِ الْأَيْكَةِ، وَهِيَ شَجَرَةٌ، وَقِيلَ: شَجَرٌ مُلْتَفٌّ كَالْغَيْضَةِ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا، فَلِهَذَا لَمَّا قَالَ: كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ لَمْ يَقِلْ: إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ شُعَيْبٌ وَإِنَّمَا قَالَ: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} فقطع نسب الْأُخُوَّةِ بَيْنَهُمْ لِلْمَعْنَى الَّذِي نُسِبُوا إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُمْ نَسَبًا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَمْ يفطن لِهَذِهِ النُّكْتَةِ، فَظَنَّ أَنَّ أَصْحَابَ الْأَيْكَةِ غَيْرُ أهل مدين، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ وُصِفُوا فِي كُلِّ مَقَامٍ بِشَيْءٍ، وَلِهَذَا وَعَظَ هَؤُلَاءِ، وَأَمْرَهُمْ بِوَفَاءِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ كَمَا فِي قِصَّةِ مَدْيَنَ سَوَاءً بسواء، فدل ذلك على أنهما أمة واحدة.

ص: 657

- 181 - أَوْفُواْ الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ الْمُخْسِرِينَ

- 182 - وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ

- 183 - وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْاْ فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ

- 184 - وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ والجبلة الأولين

يأمرهم عليه السلام بِإِيفَاءِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ التَّطْفِيفِ فِيهِمَا فَقَالَ: {أَوْفُواْ الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ الْمُخْسِرِينَ} أي إذا دفعتم للناس فكملوا الكيل لهم، ولا تبخسوا الْكَيْلَ فَتُعْطُوهُ نَاقِصًا وَتَأْخُذُوهُ إِذَا كَانَ لَكُمْ تَامًّا وَافِيًا، وَلَكِنْ خُذُوا كَمَا تُعْطُونَ، وَأَعْطُوا كَمَا تَأْخُذُونَ {وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} وَالْقِسْطَاسُ هُوَ الميزان، قال مجاهد:{القسطاس المستقيم} هو الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْقِسْطَاسُ الْعَدْلُ، وَقَوْلُهُ:{وَلَا تبخسوا الناس أشياءهم} أي لا تُنْقِصُوهُمْ أَمْوَالَهُمْ {وَلَا تَعْثَوْاْ فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} يعني قطع الطريق كما قال فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَلَا تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ توعدون} ، وَقَوْلُهُ:{وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ} يُخَوِّفُهُمْ بَأْسَ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَخَلَقَ آبَاءَهُمُ الْأَوَائِلَ، كَمَا قَالَ مُوسَى عليه السلام {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبآئكم الأولين} قال ابن عباس ومجاهد:{وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ} يَقُولُ: خَلَقَ الْأَوَّلِينَ، وَقَرَأَ ابْنُ زيد {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جبلا كثيرا} .

ص: 657

-‌

‌ 96 - سورة العلق

.

ص: 656

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

- 1 - اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ

- 2 - خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ

- 3 - اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ

- 4 - الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ

- 5 - عَلَّمَ الْإِنْسَانَ ما لم يعلم

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِي ذَوَاتِ الْعَدَدِ، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها حتى فجأه الوحي، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ - قَالَ - فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي

فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ - حَتَّى بَلَغَ - مَا لَمْ يَعْلَمْ". قَالَ: فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ:«زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» ، فزمَّلوه حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الروع فقال: يا خديجة: «مالي» ؟! وأخبرها الخبر، وقال:«قد خشيت على نفسي» . فَقَالَتْ لَهُ: «كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبَ الْحَقِّ» ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ (وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ) بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان أمرأ قد تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، وَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ

أَنْ يُكْتَبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنَ أَخِي مَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا رَأَى فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنزل على موسى، ليتني فيها جذعاً، ليتني أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أو مخرجيّ هُمْ؟» فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي" (أخرجه الشيخان والإمام أحمد واللفظ له). فَأَوَّلُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَاتُ الْمُبَارَكَاتُ، وَهُنَّ أَوَّلُ رَحْمَةٍ رَحِمَ اللَّهُ بِهَا الْعِبَادَ، وَأَوَّلُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ

ص: 656

اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَفِيهَا التَّنْبِيهُ عَلَى ابْتِدَاءِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ عَلَقَةٍ، وَأَنَّ مِنْ كَرَمِهِ تَعَالَى أَنْ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ فَشَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ بِالْعِلْمِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي امْتَازَ بِهِ أَبُو الْبَرِيَّةِ آدَمُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ؛ وَالْعِلْمُ تَارَةً يَكُونُ فِي الْأَذْهَانِ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي اللسان، وتارة يكون في الكتابة بالبنان (وفي الأثر: قيدوا العلم بالكتابة)، ذهني، ولفظي، ورسمي، فَلِهَذَا قَالَ:{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ، وَفِي الآثر: من عمل بما علم ورثه اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمْ.

ص: 657

- 6 - كَلَاّ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى

- 7 - أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى

- 8 - إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى

- 9 - أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى

- 10 - عَبْداً إِذَا صَلَّى

- 11 - أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى

- 12 - أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى

- 13 - أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى

- 14 - أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى

- 15 - كَلَاّ لَئِن لَّمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ

- 16 - نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ

- 17 - فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ

- 18 - سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ

- 19 - كَلَاّ لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْإِنْسَانِ، أنه ذو أشر وَبَطَرٍ وَطُغْيَانٍ، إِذَا رَأَى نَفْسَهُ قَدِ اسْتَغْنَى وَكَثُرَ مَالُهُ، ثُمَّ تَهَدَّدَهُ وَتَوَعَّدَهُ وَوَعَظَهُ فَقَالَ:{إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} أَيْ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ وَالْمَرْجِعُ، وَسَيُحَاسِبُكَ

عَلَى مَالِكِ مِنْ أَيْنَ جمعته وفيم صرفته. عن عبد الله بن مسعود قال: مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: صَاحِبُ الْعِلْمِ وَصَاحِبُ الدُّنْيَا، ولا يستويان، فأما صاحب العلم فيزداد رضى الرَّحْمَنِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الدُّنْيَا فَيَتَمَادَى فِي الطُّغْيَانِ، قَالَ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} ، وَقَالَ لِلْآخَرِ:{إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: طالب علم، وطالب دنيا"(أخرجه ابن أبي حاتم)، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صلَّى} نَزَلَتْ فِي (أَبِي جَهْلٍ) لَعَنَهُ اللَّهُ، تَوَعَّدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت، فوعظه تَعَالَى بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَوَّلًا، فَقَالَ:{أَرَأَيْتَ إِن كَانَ على الهدى} أي فما أظنك إِن كَانَ هَذَا الَّذِي تَنْهَاهُ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمَةِ فِي فِعْلِهِ {أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} بِقَوْلِهِ وَأَنْتَ تَزْجُرُهُ وَتَتَوَعَّدُهُ عَلَى صِلَاتِهِ؟ وَلِهَذَا قَالَ: {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} ؟ أَيْ أَمَا عَلِمَ هَذَا النَّاهِي لِهَذَا الْمُهْتَدِي أَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ وَيَسْمَعُ كَلَامَهُ، وَسَيُجَازِيهِ عَلَى فِعْلِهِ أَتَمَّ الْجَزَاءِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا وَمُتَهَدِّدًا {كَلَاّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ} أَيْ لَئِنْ لَمْ يَرْجِعْ عما هو فيه من الشقاق والعناد {لنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} أَيْ لَنَسِمَنَّهَا سَوَادًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَالَ:{نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} يَعْنِي نَاصِيَةَ (أَبِي جهل) كاذبة في مقالها، خاطئة في أفعالها، {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} أَيْ قَوْمَهُ وَعَشِيرَتَهُ أَيْ لِيَدَعُهُمْ يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ، {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} وَهُمْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ حَتَّى يَعْلَمَ مَنْ يَغْلِبُ، أَحِزْبُنَا أَوْ حِزْبُهُ؟ روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«لئن فعل لأخذته الملائكة» (أخرجه البخاري). عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ، فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ وَتَوَعَّدَهُ فَأَغْلَظَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَانْتَهَرَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ بِأَيِّ شَيْءٍ تُهَدِّدُنِي؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَكْثَرُ هَذَا الْوَادِي نَادِيًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {فَلْيَدْعُ

ص: 657