الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الجزء الاول]
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ بسم الله نستفتح خزائن علمه، ونطرق أبواب حكمته، وبحمد الله نستقبل مواطر فضله، ونرجو المزيد من غيوث رحمته.. وبالصلاة والسلام على رسول الله نتزود بخير زاد، فى صحبتنا لكتاب الله، الذي نزل به الروح الأمين على قلبه، هدى ورحمة للعالمين! فسبحانك اللهمّ وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدّك، والصلاة والسلام على النبي الأمى، الذي بعثته فى الأميين رسولا يتلو عليهم آياتك ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، فحمل الأمانة، وأدى الرسالة، وجاهد فى الله حقّ جهاده، حتى أجلى غواشى الشرك من القلوب، وقشع ضلالات الجهل عن العقول، وغزا بالقرآن أمة ركبها الضلال، واستبد بها العمى، فصابها بصوب حكمته، وأدبها بأدب نبوته، وصاغها صياغة جديدة، فإذا هى أمة غير الأمة، وناس غير الناس، حتى لقد استأهلت أن تلبس هذا الوصف الكريم الذي وصفها الله به فى كتابه الكريم إذ قال سبحانه:«كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» ! فالأمة الإسلامية هى أمة القرآن، إليه يردّ أصلها، وبه يعرف نسبها، ومنه نسجت وتنسج ما لبست وتلبس من حلل العزة والكرامة والسيادة،
ولن يمسك عليها وجودها فى هذا المقام الكريم إلا رعايتها للقرآن، وتمسكها به، واجتماعها عليه،. ويوم تفتر عزيمتها عن المضي معه، أو تسترخى يدها عن الشدّ عليه والتعلق به، يوم يكون- ولا كان- ردّتها إلى الجاهلية، وركسها فى الضلال، ورعيها فى الهمل مع السائمة والهائمة، من حواشى الأمم، ونفايات الشعوب! وتاريخ المسلمين مع القرآن الكريم يشهد لذلك شهادة قائمة على هذا الحساب، مقدرة بهذا التقدير، جارية معه.. طردا وعكسا!! فإنه على قدر ما كان يقترب المسلمون من كتابهم الكريم، وبقدر ما كانوا يرعون حقّه، ويؤدون أمانته- كان نصيبهم من الخير، وكان حظهم من السلامة فى أنفسهم، وأموالهم، وأوطانهم! والعكس صحيح.. فإنه على قدر ما كان يبعد المسلمون عن كتابهم، وبقدر ما يفرّطون فى حقه، ويستخفوّن بشأنه- بقدر ما كان بعدهم عن الخير، وكان دنوّهم من الخطر، وتعرّضهم لآفات التفكك والانحلال! وليس هذا شأن المسلمين وحدهم.. بل هو شأن كل من يدعى إلى الخير فيلقاه معرضا، أو يصحبه على دخل وجفاء! وفى واقع الحياة، وعلى مسرح أحداثها كثير من المثلات والعبر! بنو إسرائيل مثلا..
أطعمهم الله خير طعام، تشتهيه النفس، وتطيب معه الحياة، فأنزل عليهم المنّ والسّلوى.. مائدة من السماء.. يجدونها حيث يشاءون، حاضرة عتيدة بين أيديهم، لا يتكلفون لها جهدا، ولا يبذلون من أجلها دانقا أو درهما!! ومع هذا، فقد عافت نفوسهم هذا الطعام السماوي.. الطيب الكريم،
المحفوف بالرحمات والبركات، وأبت عليهم نفوسهم اللئيمة الخبيئة إلا أن تضع فمها فى التراب، وأن ترعى مع الأنعام، وتأكل مما يأكل الحيوان..!
وقد كشف القرآن عن هذا الموقف اللئيم، الذي وقفوه إزاء هذه النعمة الكريمة، فقال تعالى:
«وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ. وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ
…
»
(61: البقرة) .
فهذه مائدة كانت ممدودة لهم من السماء، وكان جديرا بالقوم أن يعيشوا فيها، وأن يهنئوا بها.. ولو أنهم فعلوا ما زايلهم هذا الخير أبدا، ولعاشت فيه أجيالهم جيلا بعد جيل، يطعمون من هذا الطعام الطيب الكريم، الذي تصفو عليه النفوس، وتنتعش الأرواح، كما تصح عليه الأبدان!! ومن يدرى؟ فلعله لو ذهب بنو إسرائيل بهذه التجربة إلى غايتها، لتغير وجه الحياة الإنسانية بهم، ولظهرت فى الحياة سلالات بشرية لا تحمل معدة الحيوان، ولا بهيمية البهائم.. ولكن الله بالغ أمره! «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً» (3: الطلاق) .
فبدّل الله نعمة القوم نقمة، وضربهم بالذّلة والمسكنة، فما استقام لهم بعدها وجه فى الحياة، ولا كان لهم فيها من زاد إلا السحت الخبيث من الطعام، يختلسونه اختلاسا، مما يأكل الناس والأنعام! «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ
فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ. وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ»
(175- 176: الأعراف) .
ونحن- المسلمين- ماذا كان منا اليوم فى شأن هذا الكتاب الكريم الذي بين أيدينا؟
لقد أنزله الله علينا مائدة من السماء، حافلة بالطيبات من الرزق، محملة بالكريم الغدق من النعم! فذالكم هو «القرآن الكريم» الذي وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله:
«وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» (82: الإسراء) ..
والذي يقول فيه النبىّ صلوات الله وسلامه عليه: «القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبته» .
ففى مأدبة الله هذه.. الشفاء والرحمة.. وإن المائدة التي أعدّها الله للمسلمين، ووضعها بين أيديهم ليست على شاكلة تلك المائدة التي أنزلها على بنى إسرائيل طعاما يغذّى الأجسام، ويشبع البطون.
إن المائدة الممدودة للمسلمين، مائدة يتغذى منها العقل والروح، فتتخلق منها ملكات علوية، ووجدانات ربانية. بها يسمو الإنسان ويعلو، وبها ينتصر على هذا الضعف الإنسانى، وينتصر على تلك النزعات الحيوانية، المندسّة فى كيانه.
ولهذا يقول الرسول الكريم عن تلك المأدبة: «فتعلموا من مأدبته» ولم يقل: «فكلوا من مأدبته» .. ذلك أن القرآن مأدبة علم وحكمة وخلق، وليس مأدبة معدة، ولا طعام بطون!!
وانظر كيف رفع الله قدر هذه الأمة، وأعلى شأنها، وكيف جعل غذاءها السماوىّ الذي أنزله عليها غذاء يتصل بالروح، ولم يجعله فيما يقدم إلى البطن والمعدة، وفى ذلك ما فيه من كرامة وتكريم لهذه الأمة، التي تتلو القرآن وتدين بالإسلام، وتتعبد بقول الحق جل وعلا فى شأنها:«كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» (111: آل عمران) .
فمن شأن القرآن أن يقيم المتصلين به على طريق الحق، فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله! إن الذي يستقيم على دعوة القرآن، لهو إنسان سليم فى كيانه، معافى فى نفسه، ثم هو مع ذلك قادر على أن يحمل الهدى إلى غيره، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويكون خليفة الله فى الأرض، وخليفة الرسول فى الدعوة إلى الله، وهداية الناس إليه.
ولكن صحبة المسلمين للقرآن لم تكن قائمة على العدل والإحسان فى جميع الأحوال.. فكثيرا ما أساء المسلمون تلك الصحبة، وأوسعوها جفاء وعقوقا، حيث يعيش القرآن فيهم غريبا.. لا يقفون عنده، ولا يلتفتون إليه، ولا يتدبرون آياته، ولا يتلقون بعض ما فيه من خير وهدى! والجفوة التي بين المسلمين وبين القرآن الكريم جفوة غليظة مستحكمة، قد تداعت عليها دواع كثيرة، أحكمت بنيانها، وثبتت دعائمها، فلم يعد بين المسلمين وبين القرآن طريق يصلهم به إلا تلك الطرق الدارسة الطامسة، التي تتصاعد منها أتربة وأدخنة، تعمّى على الناظر منهم فى كتاب الله، وجوه الحق والخير التي فيه.
وإن كل حظ المسلمين اليوم من القرآن هو حظهم من مخلّفات الآباء والأجداد، مما تضمه المتاحف ودور الآثار، يزورونها لماما، ويطرقونها حينا بعد حين.. قد تثير فيهم تلك الزّورة نشوة عارضة، أو تبعث فيهم عزّة كاذبة، ينفضونها عن نفوسهم قبل أن يجاوزوا المزارة، كما ينفضون ما قد يكون علق على ثيابهم من التراب، وهم يجوسون خلال الديار! فنحن نلمّ بالقرآن إلماما، ونلقاه حينا بعد حين، وقد نذكر به فى تلك اللقاءات، وهذه الإلمامات، ما نذكر من مواعظ وعظات، ثم لا نلبث حتى ننخلع عن هذه المشاعر قبل أن نضع المصحف من أيدينا، لنلقى الحياة ونختلط بها، كما نحن، على الوجه الذي كنا نصحبها به، ونعيش معها عليه! فما يحدّث به القرآن شىء، وحياتنا التي نحياها ونتقلب فيها شىء آخر، بعيد كل البعد عن القرآن، وما يحدثنا به القرآن! إن المسلم- منا- يعيش فى هذه الحياة بشخصية «مزدوجة» ويلقاها بنفس منقسمة على نفسها، ولهذا كان مسيره فيها مضطربا مختلجا، تتماوج أبعاضه بين مشرق ومغرب، وشمال وجنوب، فهو يتحرك فى مكانه، حركة متماوجة مضطربة، فلا يتقدم خطوة إلى الأمام، على كثرة هذا الضرب المضطرب فى الأرض! والسبب فى هذا يرجع- فى تقديرنا- إلى «تميّع» العقيدة الدينية فى نفس المسلم، وإلى اختلاط كثير من مسائلها فى تفكيره، وعدم وضوح المعالم والحدود لكثير من أمور الدين عنده! وذلك- فى تقديرنا أيضا- يرجع إلى أمور كثيرة.. منها:
أولا: هذه الخلافات السياسية والمذهبية التي وقعت بين المسلمين منذ أعقاب الخلافة الراشدة، فانعكست آثار هذه الخلافات السياسية والمذهبية
على المسائل الدينية، فجاءت تلك المسائل على وجوه كثيرة متناقضة متضاربة، يلطم بعضها وجه بعض، بحجج تسندها آية من كتاب الله، متأولة على غير وجهها، أو حديث ضعيف، أو أثر مكذوب.. فتجد كل هذه الأقوال منطقا يقيمها، أو ذكاء يدارى عوارها، بما دخل المسلمين من مذاهب الجدل والسفسطة، منذ قيام الدولة العباسية، واتصال العرب والمسلمين بالثقافات والديانات الأخرى، التي كانت تصبّ روافدها المتدفقة فى كيان الأمة العربية، وفى محيط العقل الإسلامى.
وكان من هذا أن تشعبت مسائل الدين بين الطوائف المختلفة، اختلافا دينيا سياسيا، والتي انقسمت كل طائفة منها على نفسها، فكانت فرقا تبلغ المئات عدا.. وقد ذهبت كل فرقة فى الدين مذهبا، وأقامت لمذهبها حجته من كتاب الله، وسنة رسول الله.. وهذا هو أفدح ما فى الأمر، وأشنع ما فى هذا الخلاف! فالمسألة الواحدة من مسائل الدين، تأخذ دورة طويلة لا تكاد تنتهى أبدا، فلا يكاد المسلم يمسك منها بطرف حتى تجره جرا إلى مسائل كثيرة، تتولد منها وتتفرع، وتبيض وتفرخ، وإذا هو أمام عشرات من الصور «المهزوزة» للأمر الواحد، والمسألة الواحدة.. تتراقص فى محيط تفكيره، كما يتراقص الشبح فى ضوء مصباح، عبثت بذبالته الريح.. فى يوم عاصف! وهذا ما نجده فى كل أمر من أمر ديننا نرجع فيه إلى الفقه الإسلامى، الذي صادف تدوينه، تلك الفترة التي تمزقت فيها الوحدة الإسلامية، وتمزق معها العقل الإسلامى! وثانيا: التعويل على هذا الفقه تعويلا كاملا، وربط المسلمين به ربطا محكما، حتى لقد أصبح عند كثير من علماء المسلمين، وفقهائهم- على امتداد العصور
التي تلت هذا العصر- أصبح دستور الشريعة الإسلامية، وترجمان كتابها الكريم.. وكان من هذا أن أصبح تعلّق أكثر العلماء والفقهاء بهذا الفقه أكثر من تعلقهم بكتاب الله نفسه.. فهم يرجعون فى كل أمر يعرض لهم إلى مقولات المذهب أو المذاهب الفقهية، فى هذا الأمر أو ذاك، وفى كل داعية من دواعى الحياة، يراد للدين أن يزنها بميزانه، ويقيسها بأحكامه! وطبيعى أنه إذا جاء رأى دينى من محصّل هذا النظر القائم على مقولات المذاهب الفقهية المتضاربة المتخالفة- جاء مذعورا قلقا، يموج فى أخلاط من الآراء المتناقضة، والأقوال المتخالفة، لا يكاد المرء يعرف منها وجها من ظهر.
من أجل هذا «تميّعت» مسائل الدين، وغامت فى أنظار المسلمين، فهم إنما يطوفون بها فى إجلال وتقديس، أشبه بإجلال المجهول وتقديسه، لا يقوم فى النفس مقاما ثابتا مطمئنا أبدا، بل سرعان ما يذهب ذلك الشبح الباهت إذا طلع عليه بصيص من نور، أو لمعة من سراب! والقرآن- من غير شك أو جدال- هو مصدر الشريعة الإسلامية، وهو دستورها القائم أبد الدهر..
وقد استغنى به المسلمون فى الصدر الأول للإسلام، فأغناهم عن كل شىء..
لا يمدون أبصارهم إلى غيره، ولا يأخذون لدينهم ودنياهم إلا بما توحى به إليهم كلماته، وتومىء به إليهم آياته! وطبيعى أن هذا الذي نقوله عن كتاب الله، نقوله كذلك فيما ثبت من سنة رسول الله، القولية والفعلية، إذ كانت السنة المطهرة تطبيقا شارحا لكتاب الله، وفى هذا يقول الله تعالى:«وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (7: الحشر) .
ولا يستقيم هذا القول، الذي نقوله فى القرآن- بأنه مصدر التشريع الإسلامى- إلّا بفهم سليم صحيح لكتاب الله، ولا يكون هذا الفهم السليم الصحيح إلا عن طول تأمل وتدبر لكتاب الله، وتذوق لأساليب بيانه، ووقوف على بعض أسراره.
وبهذا الفهم لكتاب الله، يتحقق لنا أمران:
أولهما: اتصالنا بكتاب الله اتصالا وثيقا، قائما على معرفة به، وتذوق لجنى طعومه الطيبة، وهذا مما يجعل لتلاوتنا للقرآن، أو استماعنا لتلاوته أثرا فى نفوسنا، ووقعا على قلوبنا، وتجاوبا مع آدابه، واستجابة لنداءته.. فيما يدعو إليه، من أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر! وثانيهما: تصور مسائل الدين تصورا واضحا محددا، بلا ذيول، ولا معلقات..
وبهذا يعرف المسلم الحكم قاطعا، فيما أحل الله، وفيما حرم، فيكون على بينة من أمره، فيما يأخذ أو يدع من أمر دينه! ومن أجل هذا كانت صحبتنا هذه لكتاب الله، على هذا الوجه، الذي لا ننظر فيه إلى غير كتاب الله، وإلى تدبر آياته، بعيدا عن طنين المقولات الكثيرة التي جاءت إلى القرآن من كل صوب، وكادت تخفت صوته، وتغيم على الأضواء السماوية المنبعثة منه! إننا فى صحبتنا هذه للقرآن، لا نقيم نظرنا على غير كلماته وآياته، ولا نخط على هذه الصفحات غير ما يسمح لنا به النظر فى كلماته وآياته.
إننا لا نفسر القرآن بالمعنى المعروف للتفسير، فى هذه الصحبة التي نصحب فيها كتاب الله.. وإنما نحن نرتل آيات الله ترتيلا.. آية آية، أو آيات آيات.. ثم نقف لحظات نلتقط فيها أنفاسنا المبهورة، لما تطالعنا به الآية أو الآيات، من عجب ودهش وروعة، ثم نمسك القلم، لنمسك به على الورق بعض
ما وقع فى مشاعرنا من صور العجب والدهش والروعة.. وإنها لصور باهتة بالنسبة للواقع الذي حملته تلك المشاعر.. فما أبعد الفرق بين الشعور المشتمل علينا ونحن بين يدى كلمات الله، وبين الكلمة التي تنقل هذا الشعور!! ولكنها- على أي حال- معلم من معالم الطريق إلى كتاب الله، يمكن أن يجد فيه السالك نورا، ويزداد به المهتدى هدى.. «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ» «وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ..
وسلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين.
المؤلف القاهرة فى الثاني والعشرين من ذى القعدة 1386 هـ فى الثالث من مارس 1967 م