الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات: (190- 191- 192- 193)[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 193]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَاّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193)
التفسير: نحن على رأينا من أنه ليس فى القرآن نسخ، وأن كتاب الله الذي فى أيدينا لا نسخ فيه، وأن آياته كلها عاملة أبد الدّهر.
وآيات القتال من الآيات التي أكثر المفسرون من القول بتوارد النسخ عليها! وهذا رأى- كما قلنا- لا نأخذ به ولا نقيم نظرنا عليه! فقوله تعالى: «وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ» ليس بالمنسوخ بالآية التي بعدها، كما يقول المفسّرون، ولا وجه لنسخه.. فالأمر بالقتال فى سبيل الله قائم ما قامت الحياة. وإذا كان القتال يقوم بين الناس فى وجوه كثيرة فى سبل غير سبيل الله، فالقتال فى سبيل الله أوجب القتال وأبرّه، وأعدله، وأكرمه، إذ كان ولا غاية له إلا الانتصار للحق، والتمكين له.. ثم إذا كان هذا القتال لم يكن مبادأة ولا هجوما، بل كان دفاعا وقصاصا، فهو القتال الذي لا بد منه، ولا بديل له، إن لم يطلبه الدين طلبته الدنيا.. ثم أيضا، إذا كان هذا القتال- مع مشروعيته دنيا وديانة، ومع حجزه عن المبادأة بالعدوان- غير متلبس بمجاوزة الحدّ فى القصاص، فهو القتال الذي لا يحسم الشر غيره، ولا يقيم الأمن والسلام سواه..
فهذه ثلاث دعائم من العدل، يقوم عليها هذا القتال: قتال فى سبيل الله، بين الإيمان والشرك، ودفع لعدوان المشركين على المؤمنين، ووقوف بالقتال عن مجاوزة إلى اعتداء المؤمنين على المشركين! تلك هى الدعائم التي يقوم عليها قتال المسلمين أبدا مع مقاتليهم على أية ملة، وفى أي زمان ومكان.. فماذا ينسخ من تلك الدعائم، وما داعية نسخها؟ لا نجد جوابا مقنعا.
هو من تمام البيان لهذه القضية، قضية القتال بين المسلمين ومشركى قريش، فحين يلتقى بهم المسلمون فى ميدان القتال، فلا يتحرج المسلمون من قتلهم حيث التقوا بهم، من غير أن تعطفهم عليهم عاطفة قرابة أو نسب، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم، أو إخوانهم، فلقد بدءوا هم المسلمين بالعدوان، وأخرجوهم من ديارهم، وفتنوا بعضهم عن دينهم، ولا يزالون يفتنون من قدروا عليه منهم، بما يسلطون عليه من عذاب ونكال «وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ» إذ المفتتن فى دينه قد أصيب بما هو أشد وأنكى من القتل، قد خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين!.
فإذا كان القتال فى المسجد الحرام، أي فى البلد الحرام مكة، فلا يبدؤهم المسلمون بقتال فيه حتى يكون المشركون هم الذين بدءوه، وعندئذ تحل حرمة الحرم، اقتصاصا ممن أحلوا حرمته:«وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ» .
وقوله تعالى: «فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» حسم لما بين هؤلاء المشركين وبين المسلمين من خلاف، وتصفية للشر الذي وقع بينهم، وذلك إذا انتهى هؤلاء المشركون عن شركهم، وأسلموا وجوههم لله..
عندئذ تنقطع أسباب القتال، وتزول آثاره، فلا ثارات، ولا ديات، ولا عداوة، بل يصبح الجميع إخوة، تجمعهم كلمة الإسلام، وتظللهم راية الإسلام!.
وفى قوله تعالى: «فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» تطيب لخاطر الفريقين جميعا، فليغفر بعضهم لبعض، وليرحم بعضهم بعضا من حمل البغضة والعداوة، ولهم عند الله المغفرة الواسعة والرحمة الشاملة، فإن الله غفور رحيم.
هذا وقد نظرنا فى تفسير قوله تعالى: «فَإِنِ انْتَهَوْا» وحملناه على الانتهاء مما كانوا عليه من شرك- نظرنا فى هذا إلى قوله تعالى «وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ» (275: البقرة) .
وهذا المعنى هو الذي يلتقى مع قوله تعالى: «فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» حيث يغتسل المشركون الذين دخلوا فى الإسلام من أدران شركهم بما يفضل الله عليهم به من مغفرته ورحمته.
وقوله تعالى: «وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ» أمر بمقاتلة من بقي على شركه من مشركى مكة الذين يفتنون المؤمنين والمؤمنات، لأنه ما دام المشركون قائمين فالفتنة قائمة، والفتنة هى قتل للمسلمين، وعلى هذا فلا مهادنة مع المشركين «حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ» .. «فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ» أي فإن انتهوا عماهم فيه من شرك ودخلوا فى