الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى قوله تعالى: «وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ» توكيد لما نزل على النبىّ من قرآن، وآيات بينات، منزلة من الله..
وفى قوله سبحانه: «وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ» تهديد لليهود، ووعيد لهم، على كفرهم وفسقهم.. فهم الكافرون الفاسقون.. كفروا بمحمد، وفسقوا عن دينهم الذي كانوا عليه، أي خرجوا عن دينهم، حين أنكروا ما فيه من أمر محمد ورسالته.
الآيات: (100- 103)[سورة البقرة (2) : الآيات 100 الى 103]
أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103)
التفسير: نبذ العهود ونقض المواثيق، هو الطبيعة الغالبة على بنى إسرائيل، لا فرق فى موقفهم هذا مع الناس، أو مع الله! ذلك لأنهم لا يؤمنون بالمبادىء
والقيم، ولا يتقيدون بقيد الفضيلة والشرف، لما يغلب عليهم من أثرة قاتلة، وأنانية متحكمة، يستبيحون بها كل شىء، وينزلون بها عن كل شىء، من خلق أو دين.
وفى قوله تعالى: «نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ..» حيث عدل عن التعميم إلى التخصيص، فى قوله «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» بدلا من «منهم» - فى هذا ما يشير بأن علماء القوم وأهل الذكر فيهم، هم الذين يتولّون هذا الإثم العظيم، وينبذون كتاب الله وراء ظهورهم، بالخلاف عليه، والتحريف فيه، عن علم، و «كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ» ! ولو أن هؤلاء العلماء من بنى إسرائيل قد انتهت جريمتهم عند هذا المكر بكتاب الله والخلاف عليه، مع ما فى هذا العمل الآثم من شناعة وفظاعة لكانت مصيبتهم مصيبة واحدة، وإن غلظت وعظمت، ولكنهم إذ وقفوا من كتاب الله الذي بين أيديهم هذا الموقف، راحوا يتعاملون مع الأباطيل والتّرهات، مما كانت تلقيه الشياطين على ملك سليمان، وهى خاضعة لسلطانه، من صور الأعمال الخارجة عن قوة البشر.. فلقد تعلق القوم بها، وتمسّحوا بما يرجف به المرجفون عنها، من شعوذات، ابتغاء الوصول إلى شىء من تلك القوى التي تملكها الشياطين، ليتسلطوا بها على العباد، وليجنوا من ورائها الربح المادىّ الذي يحلمون به! ولهذا كثر فى بنى إسرائيل الأنبياء الكذبة، الذين طلعوا فيهم من كل ناحية، والذين حدّثت التوراة عنهم، وحذّرت منهم، ولكن القوم اتبعوا هؤلاء المتنبئين الأدعياء، وكفروا بأنبياء الله وبهتوهم.
وفى قوله تعالى: «وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا» احتراز عن فهم خاطئ لاستخدام الشياطين، التي لا يحمد لها قول أو عمل، وذلك أن سليمان كان يضبط أعمالها على الوجه المحمود، الذي لا يخرج بها عن طريق الحق
والخير!! أما هؤلاء القوم فإنما يبتغون من وراء تسخيرها التسلط على الناس، ووضع مقدّراتهم تحت أيديهم، حيث يتعلمون منهم أبوابا من الحيل، وأشتاتا من المكايد.
والقوم إنما يلتمسون الباطل من كل وجه، ويصيدون الضلال من كل أفق، فهناك غير ما ألقت به الشياطين على ملك سليمان، وما تركته من آثار أفعالها- هناك كان لملكيين أو ملكيين- بكسر اللام- اسمهما هاروت وماروت، حديث إلى الناس فى بابل، وفى هذا الحديث ضروب من السحر والحيل، كانا يكشفان أمرها للناس، على سبيل الابتلاء والاختبار، حيث يقولان لكل من يستمع إليهما:«إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ» ! ولله سبحانه وتعالى أن يبتلى عباده بما يشاء من الشر والخير، كما يقول سبحانه. «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» :(35: الأنبياء) ، ولقد ابتلى الله سليمان عليه السلام بتلك القوى القاهرة التي وضعها بين يديه، لينظر كيف يكون أمره معها، وفى هذا يقول الله سبحانه على لسان سليمان:«هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ» (40: النمل) فهذا الذي كان من فعل الملكين- بفتح اللام أو بكسرها- إنما هو من قبيل الابتلاء. وقد عمد القوم إلى تلك الآثار التي خلّفها الملكين من ضروب السحر والحيل فجعلوها أسلحة فتك ودمار، وأدوات تهديد وتبديد للناس، لم يتعلموا منها إلّا ما هو بلاء ونقمة، كما يقول تعالى:«فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ» أي ما يشيع الفرقة والتفكك فى المجتمع، وما يفصم أواصر المودة والأخوة بين الناس! حتى بين ألصق الناس بعضهم ببعض..
المرء وزوجه! وهذا الذي يتلقاه هؤلاء العلماء من بنى إسرائيل، من قوى السحر،