الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدسة، ونفسه معلقة بها، وأشواقه نازعة إليها. وعزيز عليه أن تنقطع الصلة بينه وبينها.. إلا أنه من جهة أخرى يرى أنه أدّى الفريضة وقضى مناسكها، وربما لو أنى عملا آخر ولو كان برا لم يقع عند الله موقع القبول، لأنه جاء على غير شرع الله، فكان قوله تعالى:«لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ» إذنا بالدخول فى باب جديد من أبواب الخير، فيه طلب المزيد من فضل الله:«فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ» .
الآيتان: (159- 160)[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 160]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَاّعِنُونَ (159) إِلَاّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)
التفسير: مناسبة هذه الآية للآية التي قبلها- على ما يبدو فى ظاهر الأمر من بعد الصلة بينهما- هو أن الله سبحانه وتعالى يرسل رسله بالبينات والهدى ليكشفوا للناس طريقهم إلى الله، وما يتقربون به إليه، من عبادات ومعاملات، وقد بينت الآية السابقة منسكا من مناسك الحج، وفتحت للناس بابا من أبواب التقرب والزّلفى إلى الله.
وآيات الله هذه هى ميراث المؤمنين عن أنبيائه، والعلماء هم الأمناء على هذا الميراث الكريم.. وقد أخذ الله عليهم الميثاق أن يبينوه للناس ولا يكتموا شيئا منه.. كما قال تعالى:«وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ» .
وإذا كان أهل الكتاب- وخاصة علماءهم- قد نقضوا هذا الميثاق، فكتموا ما أنزل الله عليهم. وشوهوا معالم الحق فيه، فكان من المناسب أن يذكّروا فى تلك الحال بما هم متلبسون به، وأن يحذّروا، حتى ينتزعوا أنفسهم مما هم فيه، من خلال، إن كان لهم إلى أنفسهم عودة وإلى استنقاذها رغبة! والضمير فى قوله تعالى «مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ» يعود إلى الاسم الموصول فى قوله تعالى «ما أَنْزَلْنا» أي من بعد ما بينا هذا المنزل، وجعلناه فى كتاب، وهو التوراة والإنجيل.
وقوله تعالى: «أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ» وعيد شديد لهؤلاء الذين يكتمون ما يعرفون من الحق، الذي بيّنه الله لهم فى كتبه، واللعنة معناها المقت والطرد من رحمة الله.
وأما قوله سبحانه: «وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» فهو تشنيع عليهم، وتغليظ لجرمهم، وفضح لهم بعرضهم فى وجه كل مسبّة يتسابّ بها الناس، ورميهم بكل سوء يرمى به الناس فى دنيا الناس.. هكذا بكل لسان، وفى كل مكان وزمان!! وقوله تعالى:«إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا» هو يد رحيمة منعمة، يمدها الله سبحانه لهؤلاء الذين غرقت سفينتهم، وتدافعت بهم أمواج الضلال والفتنة، لتلقى بهم إلى حيث البلاء المبين، والعذاب الأليم، وتلك فرصتهم إن اهتبلوها ومدوا أيديهم إلى الله، وأخلصوا له القول والعمل، كان فى ذلك خلاصهم ونجاتهم، ففى رحمة الله متسع لهم، فعلى هؤلاء الذين مكروا بكتاب الله ان يتوبوا، وأن يعدلوا عن طريقهم المعوج الذين ركبوه، وأن يصلحوا ما أفسدوا وما أدخلوا على كتاب الله من تحريف وتبديل، وأن يبينوا ما فى كتاب الله من حق، فى شأن النبي ورسالته.. هنالك يستقيم طريقهم، وتقبل توبتهم:«فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» .