الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الجنة من ثمارها ليس هو كل طعام أهل الجنة، فهنالك ألوان من النعيم لا عدد لها ولا حصر، والثمار لون واحد من ألوان النعيم، وهى وإن جاءت إليهم متشابهة فى صورها، حتى ليحسب اللاحق منها أنه من صنف السابق- فإنها عند الطعم والمذاق تكشف عن أنها من جنس غير جنس ما سبقها، وفى هذا ما فيه من لذة المفاجأة، وإثارة الواقع غير المتوقع!
الآيات: (26- 27- 28)[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَاّ الْفاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27)
التفسير: الكائنات كلها- صغيرها وكبيرها- صنعة الله، خلقها بحكمته، وأبدعها بقدرته.. فهى فى معرض ملكه سواء فى الإعلان عن تلك الحكمة وهذه القدرة، ففى كل ذرة من ذرات هذا الكون العظيم آية تحدّث عن جلال الله وعظمته! فلله- سبحانه- أن يضرب المثل بأيّ من مخلوقاته، وأن يقيم منه شاهدا لما يريد.. فأما الذين آمنوا، فيجدون فى هذا المثل هدى إلى هدى، ونورا إلى نور، وأما الذين كفروا فلا تزيدهم الأمثال الكاشفة إلا ضلالا إلى ضلال، وإلا عمى إلى عمى.
وفى قوله تعالى: «وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ» نظرتان:
النظرة الأولى: إلى العدول عن الكافرين، والتعبير عنهم بالفاسقين، إذ سياق الكلام يقضى بأن يكون الإضلال للكافرين الذين وقفوا من المثل هذا الموقف اللئيم، فقالوا فى استهزاء واستنكار:«ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟» فكان المتوقع أن يكون الجواب هكذا: «يضلّ به كثيرا، ويهدى به كثيرا وما يضلّ به إلّا الكافرين» .. ولكن لكلام الله حساب غير هذا الحساب، وتقدير فوق هذا التقدير، فجاءت فاصلة الآية هكذا:«وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ» .
والفسق معناه فى اللغة: الخروج، يقال: فسق، وفسق أي خرج عن طريق الهدى والصلاح، وانفسق الرّطب عن قشره: أي خرج.
والكافر فاسق، لأنه خرج عن طريق الهدى والإيمان، وركب طريق الضّلال والكفر، خرج عن فطرته التي فطره الله عليها، ونقض الميثاق الذي واثقه الله عليه، فى قوله سبحانه:«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا» (172 الأعراف) والنظر الثانية: إلى قوله تعالى: «يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً.. الآية» فهى جواب عن سؤال أولئك الذين فى قلوبهم مرض، الذين استخفّوا بالأمثال التي يضربها الله، ويتخذ مادتها من مخلوقات ضئيلة من خلقه.. فيقولون فى عجب واستنكار: ماذا أراد الله بهذا مثلا؟ فكان جواب الحق جلّ وعلا: «يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً، وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً، وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ» ! والنظرة هنا إلى نسبة الإضلال إلى الله سبحانه وتعالى، بضرب
مثل هذا المثل.. فكيف يفتح الله لعباده بابا إلى الضلال، ويسوقهم إليه.
ثم يحاسبهم عن هذا الضلال، ويأخذهم بالعذاب الأليم؟.
والجواب على هذا، قد كثر حوله الخلاف، وتعددت فيه المذاهب..
هل الإنسان حرّ مختار فيما يأتى من خير وشر، فيكون حسابه جزاءا وفاقا لما عمل بحريته واختياره، أم هو مجبر مضطر، مسوق إلى قدره المقدور، فيكون عمله غير محسوب عليه، ويكون حسابه على ما عمل، ظلم له، وعدوان عليه؟ أم أن الإنسان مزيج من الجبر والاختيار، له إرادة، وله قدرة على فعل ما يريد، ولكنّ إرادته وقدرته مرتبطتان بإرادة فوق إرادته وبقدرة فوق قدرته؟ فهو يريد، ولكن وفق ما تريد تلك الإرادة العليا، ويفعل، ولكن داخل فعل تلك القدرة المهيمنة على قدرته.. فالإنسان فى هذا التصور أشبه بترس فى آلة (مكانيكية) .. يتحرك بحركة تلك الآلة، ويسكن بسكونها.
فهو متحرك، وغير متحرك معا!.
والرأى- عندنا- أن الإنسان صنعة الله، ولله سبحانه أن يضعه حيث يشاء، ليأخذ مكانه واتجاهه فى هذا الوجود. ومع هذا فإن الإنسان- بما أودع الله فيه من عقل- مطالب بأن يستعمل هذا العقل وما فيه من قوى، فى وزن الأمور وتقديرها.. فيتقدم أو يتأخر، ويقدم أو يحجم ويؤمن أو يكفر، ويهتدى أو يضل.. وهو فى كل هذا سائر فى الطريق المرسوم له، والذي هو مستور فى الغيب عنه، إلى أن يستوى عليه، وذلك هو قدره المقدور، يرى وكأنه من صنعة يده، وهو فى الحقيقة صنعة يد فوق يده.. يد القدرة القادرة الباهرة:«بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً» (31: الرعد)