الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من جديد.. ثم سيقوا إلى الموقف.. ثم أحضروا للحساب بين يدى الله..
ثم أخذ بهم إلى مصيرهم المشئوم!.
وإذا هم على مشارف الهاوية فى هذه الرحلة المثيرة، قد أوقظوا من هذا الكابوس المزعج الخانق، وما كادوا يفتحون أعينهم، ويستشعرون وجودهم حتى رأوا أنفسهم أمام هذه المواجهة بهذا الاتهام:«سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ؟» والسؤال وإن كان مطلوبا من النبىّ أن يوجهه إلى بنى إسرائيل فى هذا الإعلان العام، فإنه سؤال مطلوب من كل إسرائيلى أن يوجهه إلى نفسه، وأن يعطى الجواب عليه فيما بينه وبين نفسه!.
وقد يسأل بنو إسرائيل أنفسهم هذا السؤال، وقد يجيبون عليه، ولكنهم لا يقعون على الحق، ولا يهتدون إليه، وخاصة فيما بيّنه الله تعالى لهم من دلائل النبوة المحمديّة، الناطقة به، الكاشفة عنه، لأنهم بدّلوا آيات الله وحرّفوا كلماته، فكان انحرافهم عن الحق، وتخبطهم فى الضلال، هو مما صنعته أيديهم، والتوت به ألسنتهم:«وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» فإنه ليس نعمة أتم وأعظم من نعمة العلم الذي يهدى إلى الحق، ويكشف الطريق إلى الله، فمن جحد هذه النعمة، ومكر بها، فقد وقع تحت غضب الله واستحق شديد عذابه.
الآية: (212)[سورة البقرة (2) : آية 212]
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212)
التفسير: هذا معرض آخر للذين كفروا من اليهود ومن على شاكلتهم..
فقد زيّن لهم سوء عملهم فرأوه حسنا، وبدا لهم أنهم فى صفقة رابحة مع
ما فى أيديهم من هذه الدنيا التي آثروها على كل شىء، وباعوا لها أنفسهم، ولبسوا من أجلها أثواب الرياء والنفاق، ثم هم مع هذا ينظرون إلى الذين آمنوا نظرا ساخرا هازئا، إذ يرونهم على غير ما هم فيه من حرص على الدنيا، ومن استجلاب شره لما فيها من لذات وشهوات، فتلك هى نظرة أصحاب الدنيا إلى أهل الإيمان والتقوى، وذلك هو الميزان الذي يضعون أنفسهم فيه مع المؤمنين، فيرون أنهم أرجح ميزانا، وأعلى مقاما!.
ولكن هذه النظرة ستتغير، وهذا الميزان سوف يتبدل، وذلك يوم الحساب الأكبر، يوم يوضع الميزان الحق بين الناس، فإذا أهل الدنيا فى بلاء وضنك، وإذا المؤمنون فى نعيم مقيم ورضوان دائم.. «فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ» .
وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» معدول به عن أن يقال: «والذين آمنوا فوقاهم يوم القيامة» الذي كان يقتضيه سياق النظم، حيث كان الموقف بين الذين كفروا والذين آمنوا.
وفى وضع الذين اتقوا مكان الذين آمنوا إشارة إلى أن الإيمان مجردا من العمل الذي يلبس به صاحبه ملابس التقوى- هذا الإيمان لا يؤهل صاحبه لرضوان الله، ولا يرفعه إلى تلك المنزلة الرفيعة، وهذا المقام المحمود.