الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأن يعلموا أن الأسباب الظاهرة التي يتخذونها طريقا إلى المسببات، ليست هى العاملة فى النتائج التي يحصلون عليها، فقد يقدّر المرء أسبابا يراها منتجة لثمرة بعينها، فيقع الأمر على خلاف ما قدر.. فالتلازم بين الأسباب والمسببات مرهون بإرادة الله، وبقدرة الله.
والملاحظ فى هذه القصة- قصة البقرة- أن النظم القرآنى لها، قد قلب أحداثها، فقدّم ما حقه التأخير، وأخر ما من شأنه أن يقدم.. إذ أمر القوم بذبح البقرة بعد أن وقع حادث القتل، وبعد أن تراموا بالتهم فيه، ولكن- وكما يبدو من سياق النظم- أمروا بذبح البقرة أمرا يبدو كأنه لا لغاية يقصد لها، ثم أخذوا فى اللجاج والتخبط إلى أن عثروا على البقرة التي استكثروا من أوصافها، وذبحوها.. وهنا، ولأول مرة- تتضح الصلة بين ذبح البقرة وهذا القتيل الذي يؤمرون بضربه ببعضها! وهذا لون من ألوان النكال بالقوم، عقابا لعنادهم وكفرهم بآيات الله، إذ يرمون بهذا التيه، حتى وهم فى آية من آيات الله، لأنهم سيمكرون بها كما مكروا بغيرها مما سبقها، أو مما سيلحق بها، وهذا ما أخبر الله سبحانه وتعالى عنه، بعد تلك القصة مباشرة:«ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ، فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً» إنها قلوب لا تلتقى مع الخير أبدا، ولا تنتفع به إذا هو طاف بها وطرق بابها!!
الآيات: (75- 77)[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 77]
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (77)
التفسير: فيما عرض الله سبحانه وتعالى من النعم التي أنعم بها على بنى إسرائيل، ما قد يدخل منه على الشعور بأن القوم أهل لهذه النعم، وأن الله قد اصطفاهم دون عباده، إذ ساق إليهم تلك النعم وغمرهم بها، ولكن الأمر على خلاف هذا، فإنه ما ذكر القرآن نعمة أنعمها الله على بنى إسرائيل إلّا جاء بعدها التنديد بهم والوعيد لهم، واللعنة عليهم، بسبب مكرهم بآيات الله، وكفرهم بنعمه، وما زالت نعم الله تتوالى عليهم، وما زالت نقمه تنصبّ عليهم، حتى خرجوا من عالم الإنسان إلى عالم القردة والخنازير.. وهكذا، على قدر النعم يكون الابتلاء، فمن حفظها حفظه الله، ومن ضيعها ضيعه الله!! وفى أعقاب قصة البقرة ذكر الله ما فى قلوبهم من قسوة دونها قسوة الحجارة وبلادتها، وإنها لقسوة وبلادة أصبحت جبلّة وطبيعة فيهم، بحيث تنقلت فى أجيالهم إلى أن التقت بعض ذراريهم بالدعوة الإسلامية، وبصاحب الدعوة، النبىّ الأمىّ، الذي يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل.. وإذا هؤلاء الأبناء ليسوا خيرا من آبائهم، وإنه لا مطمع فى استجابتهم للدعوة الإسلامية، ولا رجاء فى انتفاعهم بها.. إنهم يمكرون بآيات الله كما مكر آباؤهم بها..
يسمعون كلام الله، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه، أي إنهم يحرفون عن عمد ويضلون على علم، وتلك هى قاصمة الظهر، فلو أنهم حرّفوا عن سهو أو أخطأوا عن جهل، لكان لهم وجه من العذر، ولكنهم عن عمد حرفوا، وعلى علم ضلّوا وأضلوا..
ثم إن لهم مكرا آخر مع الدعوة الإسلامية، عدا التحريف فيها،