الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألّا تفاضل بين أفراد الأنواع.. فالحر لا يفضل الحرّ، سواء أكان قرشيا، أو غير قرشى.. وهكذا سائر الأنواع..
فإذا استقام ذلك، وزالت الفوارق بين الناس، فى النسب، والدم، والجاه، والسلطان، جمعهم جميعا- أحرارا وعبيدا، ذكورا وإناثا- نسب واحد.. هو الإسلام، الذي اصطبغوا بصبغته وحدها، وتعرّوا من كل نسبة إلا نسبته، وهنا تتكافأ دماؤهم.. الحر، والعبد، والأنثى.. سواء، كما فى الحديث الشريف:«المسلمون تتكافأ دماؤهم» .
وعلى هذا تقتل النفس بالنفس، أيّا كان جنسها، أو مكانها الاجتماعى..
إنسان بإنسان، وروح بروح.
الآيتان: (180- 181)[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 181]
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)
التفسير: ومما هو من البر أيضا، التزام هذا التشريع الذي كتب على المؤمنين، وهو الوصية للوالدين والأقربين.. وقد ذكر فى الآية (177) أن مما يقوم عليه البر هو إيتاء ذوى القربى، وإذ جاء ذلك مطلقا من غير أن يبيّن، أهو على سبيل الوجوب، أو التطوع، فقد جاء فى هذه الآية مبينا بأنه على سبيل الوجوب، إذ كان مما كتبه الله وفرضه على المؤمنين.
وقد اختلف فى وصف «الخير» الذي يتركه الذين يحضرهم الموت، من حيث الكثرة والقلة.. والرأى أنه يكون شيئا له وزنه واعتباره، بحيث يكون مما تطمح إليه الأنظار، وترصد مساره النفوس..
وقوله تعالى «الْوَصِيَّةُ» هو نائب فاعل للفعل: كتب عليكم، أي فرض عليكم الوصية للوالدين والأقربين إذا حضر أحدكم الموت.
وقوله تعالى «بِالْمَعْرُوفِ» هو ضبط للمعيار الذي تقوم عليه الوصية، فلا يتحكم فيها هوى، فتميل بجانب، وتخفّ بجانب، أو أن يراد بها الكيد لا البرّ..
وهذه الآية مما قيل إنها من المنسوخ، وأنها نسخت بآية المواريث! ونحن لا نقول بالنسخ، ولا نراه فى تلك الآية الكريمة..
فهى برّ خاص بالوالدين، اللّذين قد لا يقوم الميراث بحاجتهما، وخاصة إذا كانا قد تقدمت بهما السنّ، وخلا ظهرهما من الابن الذي كانا يأملانه لكفالة شيخوختهما! وإذا كان ما فرضه الله سبحانه وتعالى لهما من ميراث فيما ترك ابنهما هو القدر الذي قضت به الشريعة، كنصيب مفروض لهما، فإن ذلك لا يقضى بحرمانهما من برّ خاص يجىء من قبل الابن، أو الابنة، وهما فى حال الحياة، ومن قبل أن يصير ما فى أيديهما خارجا عن سلطانهما، ملكا لغيرهما..
وليس تأخير الوصية والبر الذي تحمله إلى ما بعد الوفاة- بالذي يخرجها عن كونها برّا خاصّا، جاء من عمل ابنهما أو ابنتهما، وعن إرادتهما.. فإذا عرفنا- مع هذا- أن الوصية محددة القدر، وأنّها، لا تتجاوز بحال ثلث التركة- كان القول بنسخها قطعا لآصرة المودة والبر بالوالدين، هذا البرّ الذي يرى فيه الولد- وقد أحسّ دنوّ أجله- شيئا من العوض عما فاته من برّ والديه، وقد قضى الموت قضاءه فيه قبلهما، ثم إن هذا البرّ قد يكون شيئا رمزيّا، لا يراد به إلا التعبير عمّا للوالدين من حقّ قبل ولدهما، إذ لم يكن ما يوصى به مقدورا بقدر معيّن من المال! هذا فى الوصية للوالدين..
أما الأقربون، فإن كانوا ورثة كالزوجة والابن وغيرهما، فشأنهم شأن الوالدين، فى إطلاق إرادة المورث، المشرف على الموت، أن يوصى لمن شاء منهم- فى حدود الثلث- بما يراه، ليسدّ حاجة يراها المورث فى ورثته، كأن تكون الزوجة مريضة، أو يكون أحد الأبناء ذا عاهة أو نحو هذا..
فإن كان الأقربون غير ورثة، فإطلاق إرادة المورث بالوصية لهما بشىء مما سيترك، أوجب وألزم.. إذ يرى أنهم- وهم ذوو رحمة- محرومون مما ترك للورثة من أقاربه! فالوصية- على هذا التقدير- ليست إلا استثناء من حكم عام هو الميراث، وبهذا الاستثناء تعالج الثغرات التي تظهر فى الحكم العام عند تطبيقه، الأمر الذي لا يخلو منه حكم عام! وفى قوله تعالى:«بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» حراسة مؤكدة على هذا الاستثناء من أن يجوز على الحكم العام أو يعطّله..! وبهذه الحراسة المؤكدة تكون الوصية دعامة قوية يقوم عليها الميراث، وتكمل بها جوانب النقص الذي قد يكون فيه، فى أحوال وظروف خاصة، يترك تقديرها للمورث، ولما فى قلبه من تقوى، خاصة وهو على مشارف الطريق إلى الله.
وقوله تعالى: «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» الضمير فى «بدّله» يعود إلى قوله تعالى «خَيْراً» أي فمن بدّل فى هذا الخير المسوق إلى الموصى إليهم من الموصى، بأن زاد أو نقص فيما سمع من الموصى، فإن إثم ذلك التحريف والتبديل واقع عليه.. فليحذر شاهد الوصية أن يشهد بغير ما سمع:«إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» قد سمع ما نطق به الموصى، وعلمه وشهد عليه.. ومخالفة شاهد الوصية لما أوصى به الموصى، هو مخالفة لما سمعه الله وعلمه، وشهد به.