الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالقتال فرض لازم على المؤمنين، إن أرادوا أن يكون لهم وجود وأن تكون للحق راية!.
والقتال أيّا كان، وفى أي وجه يكون، هو مكروه، لا تقدم عليه النفوس إلا متكرهة له، ضائقة به. ولهذا كان قوله تعالى. «وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» عزاء للنفوس ومواساة فى لها فى حمل هذا المكروه، وإساغة ما فيه من مرارة، إذ ليس كل ما تستقبل النفوس من مكروه شرا لا خير فيه، وليس كل ما تستقبل من محبوب خيرا لا شرّ معه. فقد يركب المرء المكروه فيحمله إلى مواقع الخير، ويركب المحبوب فيسوقه إلى مهاوى الرّدى!. والأمور دائما بخواتيمها، المحجبة وراء الغيب، والكائنة فى علم الله، والمحكومة بقضائه وقدره.. وما فرضه الله علينا فالخير كلّه فيه، وإن اقتضانا جهدا، وحمّلنا أعباء، فإنه لا أجر بلا عمل، ولا عمل إلا ببذل، وعلى قدر المشقة يكون الجزاء:«وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» .
الآية: (217)[سورة البقرة (2) : آية 217]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217)
التفسير: شنّع المشركون على المسلمين لأن قاتلوهم فى الشهر الحرام، ووقع فى نفس المسلمين شىء من الحرج من القتال فى الأشهر الحرم، وجالت فى أنفسهم خواطر التساؤلات، فجاءت آيات الله تجلو هذا الموقف، وتكشف هذا الحرج.
وقد بيّن القرآن الكريم فى قوله تعالى: «الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ» موقف المسلمين من حرمة الأشهر الحرم إذا بدأ هم العدو بقتال فيها، وأنه لا حرمة لهذه الأشهر حينئذ، إذ كانت حرمة دمائهم فوق كل حرمة!.
وهنا جاء قوله تعالى: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ، قِتالٍ فِيهِ» تحريرا للسؤال الدائر فى شعور المسلمين وعلى ألسنتهم.. وقوله تعالى: «قِتالٍ فِيهِ» بدل من الشهر الحرام.. أي يسألونك عن الشهر الحرام.. أي يسألونك عن الشهر الحرام، عن قتال فيه.
وكان قوله تعالى: «قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ» - جوابا شافيا لهذا السؤال الحائر.
ومفهوم هذا الجواب: أن القتال فى الشهر الحرام إثم كبير.. ولكن الصدّ عن سبيل، والكفر بالله وبالمسجد الحرام بما استباح المعتدون من حرمته، وإخراج أهله المؤمنين به من جواره.. كل هذه الحرمات المستباحة أكبر فى استباحتها إثما من استباحة القتال فى الشهر الحرام.. إذ الفتنة أكبر من القتل، والمشركون يعرضون المؤمنين للفتنة فى دينهم بصدّهم عن سبيل الله، وإخراجهم من ديارهم بالبلد الحرام.
وفى قوله تعالى: «وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ، عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» ما يكشف للمسلمين عن نوايا العدوان التي يبيتها لهم المشركون، وأنهم مصرّون على قتالهم حتى يبلغوا منهم ما يريدون، وهو ارتدادهم عن دينهم، وعودتهم إلى ما كانوا عليه من شرك، ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، وما مكّن لهم ضعاف الإيمان من تحقيق ما أرادوا.
ثم يتوعد الله سبحانه وتعالى أولئك الذين دخلوا فى الإسلام، ثم لما أن مسّهم شىء من البأساء والضراء، ارتدوا على أدبارهم، وارتدوا لباس الشرك من جديد- توعدهم سبحانه بالبوار والخسران فى الدنيا، والعذاب الأليم فى الآخرة:«أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» .
وقوله تعالى «فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ» هو قيد وارد على الشرط فى قوله سبحانه:
«مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ» فالحكم الواقع على المرتد هنا- وهو خسران أعماله فى الدنيا وعذابه فى الآخرة- ليس على إطلاقه، وإنما هو لمن ارتد ثم ثبت على ردته إلى أن مات.. أما من نظر إلى نفسه، واستنقذها من الشرك، وعاد إلى الإيمان بقلب سليم، ونفس لوّامة، فقد غسل حوبته بتوبته، ومسح بنور إيمانه على ظلام شركه:«وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً»
(110: النساء) .
وأما قوله سبحانه: «فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ..»
فهو حكم على حياتهم وهم فى لباس الشرك، بالبوار والخسران فى الدنيا والآخرة..
أما فى الدنيا فلأنهم يعملون فى تجارة خاسرة، وإن خيّل إليهم أنهم قد ملئوا أيديهم من دنياهم، وضمنوا السلامة فى أنفسهم وأهليهم وأموالهم، فذلك كله إلى زوال. وأما فى الآخرة فلأنهم يساقون إليها وقد صفرت أيديهم من كل شىء يعود عليهم نفعه فى هذا اليوم، فضلا عما يثقل ظهورهم من أوزار الشرك والضلال..