الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات (204- 205- 206)[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 206]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206)
التفسير: الكلمة لها معتبرها ولها حسابها فى سلوك الشخص، وفى توجيهه إلى الخير أو الشر، سواء أكانت تلك الكلمة مسموعة أو مقروءة، تدخل على الإنسان من العالم الخارجي.. أو ملفوظة، تتولد فى عالمه الداخلى، ثم تتصور كائنا مكتملا، يتحرك بها لسانه، وينطق بها فمه.
فالكلمة الواردة على الإنسان، لا تذهب هكذا صوتا ضائعا فى الهواء، بل إنها تتردد أصداؤها فى كيانه، وتثير فيه مشاعر بقدر ما تحمل من طاقات الحسن أو القبح، والحق أو الباطل، ثم سرعان ما تتحول تلك المشاعر إلى نزوع يتبعه عمل، ويلتزم به سلوك.
والكلمة الصادرة من الإنسان ليست مجرد صوت منطلق منه، بل هى مدركات تحولت إلى مشاعر، ومشاعر تصورت فى كلمات، وكلمات تشير إلى أعمال، وتهتف بمنجزات!.
لهذا كان ذلك الاهتمام العظيم من الإسلام، للكلمة، ينطق بها المسلم أو يستمع إليها.. وكان منهجه التربوى فى هذا أعدل منهج وأحكمه..
فهو من جهة، حرس سمع المسلم من أن يستمع إلى اللغو من القول، أو الزور من الكلام، وأعلى مقام أولئك الذين لا يشهدون الزور وإذا مرّوا باللغو
مرّوا كراما، ثم هو من جهة أخرى أقام على منطق المسلم حارسا لا يدع لكلمة السوء منطلقا تنطلق منه، بل وأكثر من هذا، فإنه نبّه إلى وساوس السوء التي تتحرك فى صدر الإنسان ليميتها قبل أن تتخلّق منها المشاعر والكلمات، فقال تعالى:«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» (16- 18 ق) .
وفى قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ» فضح للكلمة المنافقة تنطلق من فم المنافق، منمقة، مزوقة، مموهة ببريق لامع يضلل ويخدع.
فهناك طوائف من الناس تتخذ من الكلمة الخادعة المنافقة طريقا لترويج الباطل، فيضعون على ألسنتهم كلمات معسولة، تفيض رقة وتتناغم حنانا ومودة، ولو ذهبت تفتش فى ثناياها، وتنظر فى أطوائها لوجدتها تنغر قيحا وصديدا، وتفور زفيرا وفحيحا، بما تحمل فى كيانها من حسد وبغضاء.
هكذا كان موقف المنافقين من رسول الله، إذا لقوا الرسول هشّوا له وتخاضعوا بين يديه، وألانوا القول وزينوه، وأشهدوا الله أن علانيتهم مثل سرهم، وأن ما يجرى على ألسنتهم منطلق من صميم قلوبهم.. فالمنافق يستر نفاقه بهذا الدهان، ويغطى كذبه بالحلف بالله وبكل ما يحلف به، وفى هذا يقول الله تعالى لنبيه الكريم:«فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ» (8- 10: ن) وقوله تعالى: «وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ» بيان للوجه الآخر من وجهى المنافق،