المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تدمر حياة صاحبها، وتفسد الحياة على من يصحبه، وسنعرض لقضية - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌دراسات حول القرآن

- ‌أولا: المكىّ والمدنيّ

- ‌السور المدنية:

- ‌ثانيا: عدد آياته، وكلماته، وحروفه

- ‌عدد آيات القرآن:

- ‌عدد كلماته:

- ‌عدد حروفه:

- ‌1- فاتحة الكتاب

- ‌آية: (1) [سورة الفاتحة (1) : آية 1]

- ‌آية: (2) [سورة الفاتحة (1) : آية 2]

- ‌آية: (3) [سورة الفاتحة (1) : آية 3]

- ‌آية: (4) [سورة الفاتحة (1) : آية 4]

- ‌آية: (5) [سورة الفاتحة (1) : آية 5]

- ‌آية: (6) [سورة الفاتحة (1) : آية 6]

- ‌آية: (7) [سورة الفاتحة (1) : آية 7]

- ‌2- سورة البقرة

- ‌آية: (1) [سورة البقرة (2) : آية 1]

- ‌آية (2) [سورة البقرة (2) : آية 2]

- ‌(الآيات: (3- 4- 5) [سورة البقرة (2) : الآيات 3 الى 5]

- ‌الآيتان (6- 7) [سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 9- 10) [سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 10]

- ‌آية: (11) [سورة البقرة (2) : آية 11]

- ‌(آية 12) [سورة البقرة (2) : آية 12]

- ‌آية (13) [سورة البقرة (2) : آية 13]

- ‌الآيات (14- 15- 16) [سورة البقرة (2) : الآيات 14 الى 16]

- ‌الآيتان: (17- 18) [سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 18]

- ‌الآيتان (19- 20) [سورة البقرة (2) : الآيات 19 الى 20]

- ‌الآيتان: (21- 22) [سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌آية (23) [سورة البقرة (2) : آية 23]

- ‌آية: (24) [سورة البقرة (2) : آية 24]

- ‌آية: (25) [سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌الآيات: (26- 27- 28) [سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌آية (29) [سورة البقرة (2) : آية 28]

- ‌آية (30) [سورة البقرة (2) : آية 29]

- ‌آية (30) [سورة البقرة (2) : آية 30]

- ‌الآيات (31- 33) [سورة البقرة (2) : الآيات 31 الى 33]

- ‌آية (34) [سورة البقرة (2) : آية 34]

- ‌الآيات: (35- 39) [سورة البقرة (2) : الآيات 35 الى 39]

- ‌[آدم وجنته]

- ‌الشجرة التي أكل منها آدم

- ‌الجنة التي أهبط منها آدم

- ‌الآيات (40- 43) [سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 43]

- ‌الآية: (44) [سورة البقرة (2) : آية 44]

- ‌الآيتان: (45- 46) [سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 46]

- ‌الآيتان: (47- 48) [سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 48]

- ‌الآيات: (49- 61) [سورة البقرة (2) : الآيات 49 الى 61]

- ‌آية (62) [سورة البقرة (2) : آية 62]

- ‌(الآيات 63- 66) [سورة البقرة (2) : الآيات 63 الى 66]

- ‌الآيات (67- 74) [سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 77) [سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 77]

- ‌الآيتان (79- 80) [سورة البقرة (2) : الآيات 78 الى 79]

- ‌الآيات (80- 82) [سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82]

- ‌آية: (83) [سورة البقرة (2) : آية 83]

- ‌الآيات: (84- 86) [سورة البقرة (2) : الآيات 84 الى 86]

- ‌(الآيات: 87- 90) [سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 90]

- ‌الآيات: (91- 93) [سورة البقرة (2) : الآيات 91 الى 93]

- ‌الآيات (94- 96) [سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]

- ‌الآيات (97- 99) [سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 103) [سورة البقرة (2) : الآيات 100 الى 103]

- ‌الآيتان (104- 105) [سورة البقرة (2) : الآيات 104 الى 105]

- ‌الآيات (106- 110) [سورة البقرة (2) : الآيات 106 الى 107]

- ‌الآيات: (108) [سورة البقرة (2) : آية 108]

- ‌الآيات (109- 110) [سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 110]

- ‌الآيات: (111- 113) [سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 113]

- ‌الآيتان: (114- 115) [سورة البقرة (2) : الآيات 114 الى 115]

- ‌الآيتان: (116- 117) [سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌الآيتان: (118- 119) [سورة البقرة (2) : الآيات 118 الى 119]

- ‌الآيتان: (120- 121) [سورة البقرة (2) : الآيات 120 الى 121]

- ‌الآيتان: (122- 123) [سورة البقرة (2) : الآيات 122 الى 123]

- ‌آية: (124) [سورة البقرة (2) : آية 124]

- ‌آية (125) [سورة البقرة (2) : آية 125]

- ‌آية: (126) [سورة البقرة (2) : آية 126]

- ‌الآيات: (127- 129) [سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 129]

- ‌الآيات: (130- 132) [سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 132]

- ‌الآيتان: (133- 134) [سورة البقرة (2) : الآيات 133 الى 134]

- ‌الآيتان: (135- 136) [سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 136]

- ‌الآيات: (137- 139) [سورة البقرة (2) : الآيات 137 الى 139]

- ‌آية: (140) [سورة البقرة (2) : آية 140]

- ‌آية: (141) [سورة البقرة (2) : آية 141]

- ‌الآية: (142) [سورة البقرة (2) : آية 142]

- ‌آية: (143) [سورة البقرة (2) : آية 143]

- ‌آية: (144) [سورة البقرة (2) : آية 144]

- ‌آية: (145) [سورة البقرة (2) : آية 145]

- ‌الآيتان: (146- 147) [سورة البقرة (2) : الآيات 146 الى 147]

- ‌آية: (148) [سورة البقرة (2) : آية 148]

- ‌آية: (149) [سورة البقرة (2) : آية 149]

- ‌آية: (150) [سورة البقرة (2) : آية 150]

- ‌الآيتان: (151- 152) [سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]

- ‌الآيتان: (153- 154) [سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 154]

- ‌الآيات: (155- 156- 157) [سورة البقرة (2) : الآيات 155 الى 157]

- ‌آية: (158) [سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌الآيتان: (159- 160) [سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 160]

- ‌الآيتان: (161- 162) [سورة البقرة (2) : الآيات 161 الى 162]

- ‌الآيتان: (163- 164) [سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌آية: (165) [سورة البقرة (2) : آية 165]

- ‌الآيتان: (166- 167) [سورة البقرة (2) : الآيات 166 الى 167]

- ‌الآيتان: (168- 169) [سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]

- ‌الآيتان (170- 171) [سورة البقرة (2) : الآيات 170 الى 171]

- ‌الآيتان: (172- 173) [سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌الآيات: (174- 175- 176) [سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌الآية: (177) [سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌الآيتان: (178- 179) [سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌الآيتان: (180- 181) [سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 181]

- ‌آية: (182) [سورة البقرة (2) : آية 182]

- ‌الآيتان: (183- 184) [سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 184]

- ‌الآية: (185) [سورة البقرة (2) : آية 185]

- ‌الآية: (186) [سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌الآية: (187) [سورة البقرة (2) : آية 187]

- ‌الآية: (188) [سورة البقرة (2) : آية 188]

- ‌الآية: (189) [سورة البقرة (2) : آية 189]

- ‌الآيات: (190- 191- 192- 193) [سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 193]

- ‌(الآيتان: (194- 195) [سورة البقرة (2) : الآيات 194 الى 195]

- ‌آية: (196) [سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌الآية: (197) [سورة البقرة (2) : آية 197]

- ‌الآية: (198) [سورة البقرة (2) : آية 198]

- ‌الآيتان: (199- 200) [سورة البقرة (2) : الآيات 199 الى 202]

- ‌الآية: (203) [سورة البقرة (2) : آية 203]

- ‌الآيات (204- 205- 206) [سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 206]

- ‌الآية: (207) [سورة البقرة (2) : آية 207]

- ‌الآيتان: (208- 209) [سورة البقرة (2) : الآيات 208 الى 209]

- ‌الآية: (210) [سورة البقرة (2) : آية 210]

- ‌الآية: (211) [سورة البقرة (2) : آية 211]

- ‌الآية: (212) [سورة البقرة (2) : آية 212]

- ‌الآية: (273) [سورة البقرة (2) : آية 213]

- ‌الآية: (214) [سورة البقرة (2) : آية 214]

- ‌الآية: (215) [سورة البقرة (2) : آية 215]

- ‌الآية: (216) [سورة البقرة (2) : آية 216]

- ‌الآية: (217) [سورة البقرة (2) : آية 217]

- ‌الآية: (218) [سورة البقرة (2) : آية 218]

- ‌الآيتان: (219- 220) [سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌الآية: (221) [سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌الآية: (222) [سورة البقرة (2) : آية 222]

- ‌الآية: (223) [سورة البقرة (2) : آية 223]

- ‌الآية: (224) [سورة البقرة (2) : آية 224]

- ‌الآية: (225) [سورة البقرة (2) : آية 225]

- ‌الآيتان: (226- 227) [سورة البقرة (2) : الآيات 226 الى 227]

- ‌الآية: (228) [سورة البقرة (2) : آية 228]

- ‌الآية: (229) [سورة البقرة (2) : آية 229]

- ‌[الطّلاق وحكمته]

- ‌آية: (230) [سورة البقرة (2) : آية 230]

- ‌الآية: (231) [سورة البقرة (2) : آية 231]

- ‌الآية: (232) [سورة البقرة (2) : آية 232]

- ‌الآية: (233) [سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌الآية: (234) [سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌الآية: (235) [سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌الآية: (236) [سورة البقرة (2) : آية 236]

- ‌الآية: (237) [سورة البقرة (2) : آية 237]

- ‌الآية: (238) [سورة البقرة (2) : آية 238]

- ‌الآية (239) [سورة البقرة (2) : آية 239]

- ‌الآيات: (240- 241- 242) [سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌النفقة للمتوفّى عنها، زوجها

- ‌الطلاق مثلا

- ‌الطلاق قضية:

- ‌آية (243) [سورة البقرة (2) : آية 243]

- ‌آية: (244) [سورة البقرة (2) : آية 244]

- ‌آية: (245) [سورة البقرة (2) : آية 245]

- ‌آية: (246) [سورة البقرة (2) : آية 246]

- ‌الآية: (247) [سورة البقرة (2) : آية 247]

- ‌الآية: (248) [سورة البقرة (2) : آية 248]

- ‌الآية: (249) [سورة البقرة (2) : آية 249]

- ‌الآيتان: (250- 251) [سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 251]

- ‌الآية: (252) [سورة البقرة (2) : آية 252]

الفصل: تدمر حياة صاحبها، وتفسد الحياة على من يصحبه، وسنعرض لقضية

تدمر حياة صاحبها، وتفسد الحياة على من يصحبه، وسنعرض لقضية المرأة والرجل عند تفسير قوله تعالى:«الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ» (34: النساء) إن شاء الله.

‌الآية: (229)[سورة البقرة (2) : آية 229]

الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَاّ أَنْ يَخافا أَلَاّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)

[الطّلاق وحكمته]

فى هذه الآية يبين الله سبحانه وتعالى الأسلوب الذي يتم به الانفصال بين الزوجين، وإنهاء الحياة الزوجية بينهما! إنه كان لا بد أن يشرّع الإسلام لهذه العلاقة التي كانت قائمة بين الزوجين، ثم طرأ عليها ما يجعل بقاءها غير ممكن، لسبب أو لأكثر من سبب! وذلك ما تسميه الشريعة الإسلامية «الطلاق» .

«والطلاق» مشتق من الإطلاق، وهو ضد الإمساك والحبس..!

وهذا يعنى أنه عمل فيه خلاص وفكاك من ضيق، ونجاة وعافية من بلاء.. وذلك حين تصبح الحياة الزوجية- لسبب أو لأكثر، من جهة الزوج أو الزوجة أو منهما معا- ثقيلة ثقل العلة القاتلة، بغيضة بغض العدو المقيم!

ص: 262

وعجيب أن ينكر بعض السفهاء على شريعة الإسلام هذا التدبير الحكيم، ويرميها- زورا بهتانا- أنها تحمل للناس هذا السلاح الذي يفصم عرى الزوجية، ويقطع أوصالها.. وذلك قطع لما أمر الله به أن يوصل! وبمفهوم هذا السفه الجهول علا صراخ بعض المتهوسين من الرجال والنساء- فى المجتمع الإسلامى- ممن يحملون- كذبا وادعاء- رايات الإصلاح، ويدّعون- زورا وبهتانا- أنهم صوت العصر، ووجه المدنية والحضارة! نعم، علا صراخ هؤلاء المتهوسين من الرجال والنساء، يتهمون الشريعة الإسلامية، بأنها تفرض على المرأة فى القرن العشرين، أسلوب الحياة البادية فى عصر الجاهلية الأولى، إذ تعطى الرجل هذا الحق الذي يتحكم به فى حياة المرأة بكلمة واحدة، يرسلها من فمه فإذا هى بالعراء، منبوذة نبذ النواة، وإذا هذا العش الذي كانت تأوى إليه، وتجد فيه السكن والاستقرار قد عصفت به عاصفة مدمرة، فذهبت به، وبددت شمله الجميع! وكذبوا وضلّوا! فما جاءت شريعة الإسلام هنا إلا بالدواء الناجع، والرحمة الراحمة لحياة مريضة، وداء عضال، لا يجد أصحابه للحياة طعما، ولا للراحة سبيلا..!

إن الشريعة الإسلامية لم تفرض الطلاق فرضا، ولم تجعله واجبا يؤديه الرجال ابتغاء المثوبة والرضوان.. بل هو فى شريعة الإسلام أمر كريه مبغّض، لا يجيئه المرء إلا مكرها، ولا يلجأ إليه إلا مضطرا.. وحسبه شناعة وضلالا أن يقول فيه النبي الكريم:«أبغض الحلال إلى الله الطلاق» .

فالأصل فى شريعة الإسلام أن تقوم الحياة الزوجية بين الزوجين على

ص: 263

أساس الاستمرار والدوام إلى آخر العمر المقدّر لها.. ما دامت الحياة تجرى بهما فى مجراها الطبيعي، وما دام الوفاق والإلف بينهما قائما.. وليس يعقل- والأمر كذلك- أن تجىء شريعة- سماوية أو وضعية- فتدعو إلى الفرقة بين الزوجين، ولو فعلت- ولن تفعل- لما وجدت من يسمع أو يجيب! ولكن هل من طبيعة الحياة أن تلزم الأزواج- فى جميع الأحوال، وعلى امتداد الأزمان- أن يجمعهما الوفاق وألا يقع بينهما خلاف، وألا يتحول هذا الخلاف إلى عداوة، ثم لا تكون هذه العداوة جحيما يحترق به الزوج والزوجة معا؟

وإذا كانت الحياة بين الأزواج والزوجات- فى غالبيتها وعمومها- تسير فى مجرى طبيعى من مبدئها إلى نهايتها، فهل يمنع هذا من أن تكون هناك- وفى أعداد غير قليلة- علاقات زوجية مفككة الأوصال، واهية العرى، تنعقد على سمائها سحابات ممطرة دائما بشتى الآلام وصنوف العذاب؟

إن ذلك أمر واقع لا ينكره أحد، حتى أولئك الذين يصرخون فى وجه الشريعة الإسلامية، من غير المسلمين أو المحسوبين على الإسلام، وينددون بأحكام الطلاق فيها.. وإن كثيرا منهم- من رجال ونساء- عاشوا فى هذه التجربة، أو هم يعيشون فيها، ولكنهم مع هذا يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم! ونسأل: ماذا يكون الرأى والتدبير فى أمر هذا الخلاف الذي يقع بين زوجين، فيحيل حياتهما على هذا النحو الذي رأيناه؟ أيتركان هكذا يكيد كل منهما كيده لصاحبه؟ أيقطعان الحياة معا فى هذا الصراع الظاهر والخفي، حتى يقضى أحدهما على صاحبه؟ وماذا يظن بأخوين استحكم بينهما الشر

ص: 264

فالتقيا بسيفيهما، يريد كل منهما أن يقتل الآخر، وهما فى مكان مطبق عليهما وليس لهما من منفذ ينفذان منه؟ إنه لا بد أن تقع الجريمة، وتزهق روح أو روحان! وشواهد هذا كثيرة فى محيط الجماعات التي حرّمت الطلاق.. فما أكثر المآسى والفواجع، وما أكثر الويلات والمصائب التي امتدت آثارها فجاوزت الأزواج إلى المجتمع كله، وأشاعت فيه الفساد والانحلال، وأقامت الحياة الزوجية على دخل وفساد ونفاق!! وما كان لشريعة الإسلام- وقد جاءت لتسع الحياة الإنسانية كلها، فى امتداد أزمانها- ما كان لشريعة الإسلام- وتلك رسالتها- أن تغمض العين عن هذا الواقع من الحياة، وأن تدع داء كهذ الداء يأكل الناس فى غير مرحمة، ويقيم فى المجتمع صداعا حادا تتصدع به الأخلاق، وتفسد معه الضمائر، وتروج به سوق الكذب والنفاق! فكان عن تدبير الشريعة الإسلامية الحكيم أن رصدت لهذا الداء الذي يدخل على الحياة الزوجية ويفسد المشاعر التي بين الزوجين- الدواء الناجع، وهو فصم تلك الحياة بالطلاق، وإطلاق كل من الزوجين من هذا الوثاق الذي يشدّهما، والذي كان يوما ما داعية بهجة ومسرة، فأصبح سبب عذاب وبلاء! إن «الطلاق» شرّ.. ولكنه شر لا بد منه، إذ يدفع به ما هو أكثر منه شرا.. والشرّ حين يدفع به شر أعظم منه يكون رحمة، ونعمة!

وبعض السمّ ترياق لبعض

وقد يشفى العضال من العضال

ص: 265

هكذا ينظر الإسلام إلى الطلاق.. إنه أمر مكروه، ولكنه مع كراهيته قد يركبه المرء مضطرا ليسلم، ولو بفقد عضو عزيز عليه من أعضائه! يقول نبىّ الإسلام صلوات الله وسلامه عليه:«أبغض الحلال إلى الله الطلاق» فهو- مع أنه رخصة- بغيض كريه، لا يقدم عليه المرء إلا مضطرا، ولا يتناوله إلا مكرها، شأنه فى هذا شأن المحرمات التي أباحتها الشريعة فى أحوال الاضطرار، كالخمر، والميتة والدم، ولحم الخنزير، وغير ذلك مما تتقذره النفس وتعافه- فإنه عند المخمصة، وتعرض الإنسان للهلاك، قد أبيح أكلها، والأخذ منها بالقدر الذي يحفظ الحياة، ويدفع التلف.. والله سبحانه وتعالى يقول:«فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ذلك هو «الطلاق» فى شريعة الإسلام، دواء مرّ، يطبّ به لداء موجع، وطعام خبيث، يدفع به جوع قاتل! وإذا كان بعض الجاهلين والحمقى، وذوى الجرأة على دين الله، قد ترخّصوا فى هذه الرخصة، واستخفوا بأمر الله فيها، فجاوزوا الحدود، واستباحوا الحرام فى غير اضطرار، فليس ذلك بالذي يحسب على الإسلام ولا بالذي يشوّه من جلال أحكامه، وينال من حكمة شريعته.. فالتشريع شىء، والمشرّع له شىء آخر إذ ليس هناك من قوة تحجز الناس عن مخالفة الشرع، ومجاوزة حدوده! «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ» (29: الكهف) إنّ أكثر الذين ينظرون إلى «الطلاق» وتعلوا صيحاتهم فى وجهه، لا ينظرون إليه فى الشريعة التي حملته وحددت حدوده، ورسمت معالمه، وإنما ينظرون إلى من جهلوه، أو تجاهلوه، فعبثوا به، واتخذوا دينهم لهوا

ص: 266

ولعبا، فطلقوا فى غير حرج أو تأثم، وفى غير اضطرار لدفع بلاء، والتماس نجاة وعافية!.

وقد نبهت الشريعة فى أكثر من موضع إلى قداسة الحياة الزوجية وحرمتها، وعملت على تغذية المشاعر الإنسانية بين الزوجين، بآدابها وأحكامها، وجعلت من الزوجين كيانا واحدا، يغتذى من نبع واحد، هو المودة والرحمة.. فقال تعالى:«وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» (21: الروم) وقال سبحانه: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها» (1: النساء) .

ويتجه الإسلام إلى الأزواج الذين فى أيديهم عقدة النكاح فيدعوهم إلى الصبر والأناة، واحتمال ما يقع من مكروه فى الحياة الزوجية، رجاء أن ينجلى هذا المكروه، وتنقشع سحبه، ويعود إلى الحياة الزوجية صفاؤها، وجمالها، بل ربما كان هذا المكروه هو ضرورة لازمة لتلك الحياة، حيث تنصر فيه الآلام، وتشتد العزائم، وينكشف لكلا الزوجين معدن صاحبه، وربما تكشف عن جوهر نفيس، كان خافيا فى ظلال هذه الحياة الساكنة، فلما ماجت أمواجها بين مد وجزر، ظهر ما كان يكمن فى أطواء النفس من خير كثير.. وفى هذا يقول الله تعالى مخاطبا الأزواج فى شأن النساء:

«وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» (19: النساء) .

فأى عدل بعد هذا العدل؟ وأي رحمة بعد تلك الرحمة؟ فى هذا التشريع السماوي الذي لا تقوم الحياة الزوجية على دعائم سليمة إلا إذا كانت تلك

ص: 267

الشريعة شأنا من شئونها، وحالا من أحوالها، ودواء عتيدا، يستطبّ به عند الحاجة، ويؤخذ منه بالقدر المطلوب.. جرعة، جرعة، فإن ذهب هذا الدواء بالداء فى المرة الأولى، لزم التوقف والإمساك، وإلا كانت الجرعة الثانية، فإن كان فيها الشفاء، وإلا فالثالثة، ولا بعدها! فقد عظم الداء ولا أمل فى الشفاء! وقوله تعالى:«الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» بيان لإجراء عملية الطلاق.

وكلمة الطلاق: لفظ ينطق به الزوج فى مواجهة الزوجة أو بعلمها به علما متيقنا نافيا للظن، مرادا به فصم عرا الزوجية.. وكل لفظ يؤدى هذا المعنى هو طلاق.. أما إذا وقع على غير تلك الصورة فلا يعتدّ به، ولا يحمل على محمل الجدّ فى فصم علاقة أراد الله لها الاستقرار والتمكين.

ثم هو «مرّتان» أي عمليتان، أو عملية على مرحلتين.. ومن هنا كان القول بالطلاق جملة فى لفظة واحدة، قولا بعيدا عن منطوق الآية، مجانبا الصواب والحكمة اللذين هما مناط كل حكم من أحكام الشريعة.

ولفظ «مرّتان» دال دلالة صريحة فى منطوقه ومفهومه على التكرار، مرّة ثم مرة.. وإذا طلق الرجل للمرّة الأولى، فإنه يدخل فى تجربة نفسية وروحية وجسدية لأول مرة فى حياته مع المرأة التي اتخذ هذا القرار بشأنها.

وفى هذه التجربة تعرض له خواطر وصور، وربما امتد نظره فرأى طريقه موحشا مقفرا بغير هذا الرفيق الذي كان يصحبه، وهنا كان من حكمة التشريع أن أعفاه من مغبة هذه التجربة، فجعلها له، يتعرف بها على ما هو مقدم عليه، فيقدم أو يحجم، بعد اختبار وتجربة..

ص: 268

وللمرأة ما للرجل فى هذه التجربة، إذ تعرف حالها بعد هذا الموقف، وتدبر أمرها على ضوئه، وربما كان فى سلوكها وعنادها ما حمل الزوج على أن يقدم على هذا الذي أقدم عليه، فتراجع نفسها، وتصلح من أمرها، وتسترضى زوجها.. فيكون الوفاق والوئام!.

وللمرأة والرجل معا خير كثير فى هذه المهلة. ذلك أنه إذا لم يكن عندهما من الرأى والحكمة ما يجمعهما على الوفاق، كان فى نصح الناصحين لهما من الأهل والأقارب والأصدقاء، ما يبصرهما بالخير، ويكشف لهما ما غاب عنهما من رشد، وما عزب من رأى.

هذه مرحلة أولى، من مراحل الطلاق، وللرجل أن يراجع زوجه خلال فترة العدة، فإذا انتهت العدة دون مراجعة بانت منه زوجه بينونة صغرى، وصارت المرأة أجنبية عنه، لا تحلّ له إلا بعقد ومهر جديدين، برضاها أو رضى وليّها.

وسواء أعاد الرجل زوجه إليه بالمراجعة، أو بعقد ومهر جديدين، فقد حسبت عليه تطليقة.. فإذا عاد الرجل وطلق هذه الزوجة مرة أخرى.. كان له أن يراجعها ما دامت فى العدة، فإذا انتهت العدة دون مراجعة صارت المرأة أجنبية عنه، وكان له أن يعيدها إليه بعقد ومهر جديدين، وبرضاها أو رضا وليها أيضا.. وحسبت عليه تطليقة أخرى.. أي أنه يكون فى تلك الحال قد أوقع على زوجه تلك، تطليقتين! وهنا تصبح الحياة الزوجية بينهما واقعة تحت الحكم الوارد فى قوله تعالى:

«فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» .. حيث كان ما جرى بين الزوجين غاية ما يمكن أن يصلح به شأنهما، إن كان هناك سبيل للإصلاح والاستقرار! بمعنى أنه إذا طلق الزوج زوجه هذه، بعد ذلك، كان هذا الطلاق خاتمة المطاف فى تلك الدورة للحياة الزوجية بينهما، وتصبح المرأة بمجرد وقوع هذا الطلاق

ص: 269

محرّمة عليه، بائنة بينونة كبرى، فلا تحل له، حتى تنكح زوجا غيره ثم يطلقها ذلك الزوج، أو يموت عنها، وتنتهى عدتها وهذا ما يقرره قوله تعالى:

«فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.. الآية» والمراد بالطلقة هنا، الطلقة الثالثة.

وقوله سبحانه: «وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» .

بعد أن بيّن الله سبحانه وتعالى الطريق الذي يسلكه أولئك الذين تنتهى حياتهم الزوجية بالطلاق- بيّن أسلوب العمل فى تسوية ما بين الزوجين من علاقات مادية، كانت قائمة بحكم الرابطة الزوجية بينهما.

فهناك المهر الذي قدّمه الرجل للمرأة، وهو ملك خالص للمرأة للدخول بها، ولا يحق للرجل أن يسألها شيئا منه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى «وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً» ولكن قد تكون المرأة متضررة بالحياة الزوجية، كارهة لها، غير محتملة أعباءها، والرجل حريص عليها، محبّ لها.. هو يريدها وهى لا تريده.

وأما وقد أصبحت الحياة الزوجية على هذا الوضع المضطرب القلق، وأما والمرأة هى صاحبة المصلحة المحققة فى قطع هذه الحياة الزوجية، فإنه لا بأس من أن تفتدى نفسها بشىء مما فى يدها من المهر الذي قدمه الزوج لها.. وفى هذا الذي يأخذه الرجل منها، تعويض له عن بعض ما ذهب منه، على حين تنال المرأة خلاصها، وتدير وجهها على الوجه الذي تحب.. وهذا ما يشير إليه الاستثناء الوارد على الحكم فى قوله تعالى:«تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً.. إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» .

والحياة الزوجية المضطربة لا يمكن أن تظل هكذا وتقام فيها حدود الله.

ص: 270