الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هنالك يكون لهم ذكر لله، ولهج بالثناء عليه، بما علّمهم من صيغ حمده وتمجيده، وإن كانوا من قبل هذا العلم لا يعرفون كيف يتصلون بالله، وكيف يجدونه فى قلوبهم، ويرطبون ألسنتهم بحمده وذكره.
الآيتان: (199- 200)[سورة البقرة (2) : الآيات 199 الى 202]
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202)
التفسير: ومن المزدلفة تكون الإفاضة والانتشار فى وجوه الأرض، حيث تتم أعمال الحج، وحيث يتوجه الحاج إلى الله أن يتقبل حجّه، ويغفر ذنبه، ويتجاوز عما كان قد وقع منه، مما نهى الله عنه من رفث أو فسوق أو جدال «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .
فإذا ختم الحاج حجّه باللّجأ إلى الله، والابتهال إليه أن يتجاوز عن سيئاته، ويتقبل حجّه، لم يكن له- وقد ذاق لذة الطاعة، ووجد ريح الرضوان- أن يتحول عن هذا الطريق الذي سلكه، وأن ينشئ له طرقا أخرى، تقطعه عن هذا الطريق، وتباعد بينه وبين الله.
لهذا جاء قول الله تعالى: «فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً» ملفتا إلى تلك المشاعر التي تترصد الإنسان على نهاية
الطريق، بعد التحلل من الإحرام، واسترداد الجسد ملابس الحلّ، وعندها يجد الإنسان ذاته التي كان عليها قبل أن يحج، فكان قوله تعالى هنا تنبيها إلى هذا الخطر الذي يقدم عليه الحاج، وأنه لن تنقطع صلته بالله بعد أداء هذه الفريضة، بل إن هذه الفريضة ستزيد تلك الصلة قوة وعمقا:«فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً» أي ليكن ذكركم الله، والتفاتكم إليه، ورجاؤكم فيه كذكر الابن أبويه، والتفاته إليهما ورجائه فيهما، بل وأكثر من هذا ذكرا والتفاتا ورجاء.. فالله سبحانه هو الذي يرعى الولد والوالدين جميعا! ثم إن الناس فى لجئهم إلى الله، وضرعهم إليه، فريقان: فريق يطلب الدنيا، ويقيم علاقته مع الله على طلب المزيد من أشياء الحياة الدنيا، دون أن يقيم وزنا للحياة الآخرة، وما ينبغى أن يعدّه لها من صالح الأعمال! فهذا فريق شغلته دنياه عن آخرته، إذ غلبت عليه شهوة المال وزينة الحياة، فلم تتسع نفسه لشىء غيرهما.. وفريق آخر. هدى إلى الحق، وإلى طريق مستقيم..
فأخذ من الدنيا بنصيب، ومن الآخرة بنصيب، يقول:«رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النَّارِ» .
وفى قوله تعالى: «أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا» إشارة إلى هؤلاء الذين هدوا إلى الحق، وأن ما كسبت أيديهم ليس لهم منه إلا هذا الذي كان لحساب الآخرة، فهو الباقي الذي يجدونه عند الله، وما سواه مما كان للدنيا فهو إلى زوال وإلى عدم، فإن قوله تعالى:«مِمَّا كَسَبُوا» يدل على أن ما كسبوه للدنيا لا معتبر له، وأن لهم بعض ما كسبوا، وهو ما كان للآخرة، لا كل ما كسبوا مما هو للدنيا وللآخرة، قال الله تعالى:«وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا» (46: الكهف) .