الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس بالذي يؤثّر أثره تلقائيا، وإنما شأنه شأن كل قوة فى الوجود.. هو خاضع لأمر الله، ماض بحكمه وتقديره:«وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» فماهم إلا أدوات كأدوات السحر التي فى أيديهم، وما تلك الأدوات وأفعالها إلا محنة وبلاء عليهم، حيث تعلق آثامها بهم، وينسب شرها إليهم، وفى هذا يقول سبحانه:«وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ» فذلك هو محصّل القوم من هذا العلم الذي تعلموه: الشرّ المحض الذي لا نفع معه: «وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ» فهم وإن حققوا نفعا عاجلا فى هذه الدنيا بهذا السّحر الذي تعلموه، فإنهم لا يمسكون من هذا السحر فى الآخرة إلا بما يحزن ويسوء! «وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ» .
الآيتان (104- 105)[سورة البقرة (2) : الآيات 104 الى 105]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)
التفسير: الكلمة المنافقة على ألسنة المنافقين، هى سلاح من أسلحة العمل فى سبيل الغايات الخسيسة التي يعملون لها، ولهذا كان اليهود أبرع الناس فى هذه التجارة الخاسرة، تجارة النفاق، بالكلمة، وبالعمل.. معا.
سمعوا المسلمين يهتفون برسول الله، تقرّبا:«راعنا يا رسول الله» ، أي ضمّنا إليك، واجعلنا تحت رعايتك.. فحرفوا الكلم عن مواضعه، شأنهم فى ذلك مع كلام الله، ومع كل طيب من الكلم، تأبى نفوسهم إلا أن تمجّه،
وتأبى ألسنتهم إلا أن تلتوى به- فجعلوا «راعنا» «راعنا» بالتنوين، يريدون بها صفة ذم، من الرعونة والطيش، ينطقون بها فى خبث تلتوى به ألسنتهم، حتى لا ينفضح أمرهم، ولا يجد من يعلم خبيئة أنفسهم، وسوء مكرهم، السبيل إلى مؤاخذتهم.. هكذا المنافق، حريص حرص الغراب، حذر حذر الضبّ، ناعم نعومة الحية!.
ولإبطال هذا المكر السيّء، نبّه الله المؤمنين إلى أن يستبدلوا بكلمة «راعنا» كلمة «انظرنا» ، حيث لا يجد اليهود سبيلا إلى هذه الكلمة، بالتحريف الماكر! وقد ذكر القرآن الكريم هذا الموقف اللئيم الذي يقفه اليهود من الحديث مع رسول الله، وتعاملهم بالكلمة المنافقة معه، فقال تعالى:
وانظر كيف نفاقهم.. تصرح ألسنتهم بالكلمة الطيبة، ثم تخطفها قلوبهم، بالكلمة الخبيثة.. فإذا قالوا جهرا:«سمعنا» قالوا سرا: «وعصينا» ! وإذا قالوا وأسمعوا: «اسمع» قالوا ولم يسمعوا: «غير مسمع» ! يدعون على النبىّ بالصمم.. وإذا قالوا «راعنا» نطقوا بحروفها الأولى نطقا سليما، حتى إذا بلغوا مقطعها الأخير، اضطربت ألسنتهم بالنون فجاءت بين المدّ والتنوين! وقد كان الأولى باليهود، أهل الكتاب، أن يدعوا الناس إلى الله، وأن يسعدوا بهداية الناس إلى طريق الحق والهدى، ولكن الأثرة التي تملك