المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آية: (143) [سورة البقرة (2) : آية 143] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌دراسات حول القرآن

- ‌أولا: المكىّ والمدنيّ

- ‌السور المدنية:

- ‌ثانيا: عدد آياته، وكلماته، وحروفه

- ‌عدد آيات القرآن:

- ‌عدد كلماته:

- ‌عدد حروفه:

- ‌1- فاتحة الكتاب

- ‌آية: (1) [سورة الفاتحة (1) : آية 1]

- ‌آية: (2) [سورة الفاتحة (1) : آية 2]

- ‌آية: (3) [سورة الفاتحة (1) : آية 3]

- ‌آية: (4) [سورة الفاتحة (1) : آية 4]

- ‌آية: (5) [سورة الفاتحة (1) : آية 5]

- ‌آية: (6) [سورة الفاتحة (1) : آية 6]

- ‌آية: (7) [سورة الفاتحة (1) : آية 7]

- ‌2- سورة البقرة

- ‌آية: (1) [سورة البقرة (2) : آية 1]

- ‌آية (2) [سورة البقرة (2) : آية 2]

- ‌(الآيات: (3- 4- 5) [سورة البقرة (2) : الآيات 3 الى 5]

- ‌الآيتان (6- 7) [سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 9- 10) [سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 10]

- ‌آية: (11) [سورة البقرة (2) : آية 11]

- ‌(آية 12) [سورة البقرة (2) : آية 12]

- ‌آية (13) [سورة البقرة (2) : آية 13]

- ‌الآيات (14- 15- 16) [سورة البقرة (2) : الآيات 14 الى 16]

- ‌الآيتان: (17- 18) [سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 18]

- ‌الآيتان (19- 20) [سورة البقرة (2) : الآيات 19 الى 20]

- ‌الآيتان: (21- 22) [سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌آية (23) [سورة البقرة (2) : آية 23]

- ‌آية: (24) [سورة البقرة (2) : آية 24]

- ‌آية: (25) [سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌الآيات: (26- 27- 28) [سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌آية (29) [سورة البقرة (2) : آية 28]

- ‌آية (30) [سورة البقرة (2) : آية 29]

- ‌آية (30) [سورة البقرة (2) : آية 30]

- ‌الآيات (31- 33) [سورة البقرة (2) : الآيات 31 الى 33]

- ‌آية (34) [سورة البقرة (2) : آية 34]

- ‌الآيات: (35- 39) [سورة البقرة (2) : الآيات 35 الى 39]

- ‌[آدم وجنته]

- ‌الشجرة التي أكل منها آدم

- ‌الجنة التي أهبط منها آدم

- ‌الآيات (40- 43) [سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 43]

- ‌الآية: (44) [سورة البقرة (2) : آية 44]

- ‌الآيتان: (45- 46) [سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 46]

- ‌الآيتان: (47- 48) [سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 48]

- ‌الآيات: (49- 61) [سورة البقرة (2) : الآيات 49 الى 61]

- ‌آية (62) [سورة البقرة (2) : آية 62]

- ‌(الآيات 63- 66) [سورة البقرة (2) : الآيات 63 الى 66]

- ‌الآيات (67- 74) [سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 77) [سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 77]

- ‌الآيتان (79- 80) [سورة البقرة (2) : الآيات 78 الى 79]

- ‌الآيات (80- 82) [سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82]

- ‌آية: (83) [سورة البقرة (2) : آية 83]

- ‌الآيات: (84- 86) [سورة البقرة (2) : الآيات 84 الى 86]

- ‌(الآيات: 87- 90) [سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 90]

- ‌الآيات: (91- 93) [سورة البقرة (2) : الآيات 91 الى 93]

- ‌الآيات (94- 96) [سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]

- ‌الآيات (97- 99) [سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 103) [سورة البقرة (2) : الآيات 100 الى 103]

- ‌الآيتان (104- 105) [سورة البقرة (2) : الآيات 104 الى 105]

- ‌الآيات (106- 110) [سورة البقرة (2) : الآيات 106 الى 107]

- ‌الآيات: (108) [سورة البقرة (2) : آية 108]

- ‌الآيات (109- 110) [سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 110]

- ‌الآيات: (111- 113) [سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 113]

- ‌الآيتان: (114- 115) [سورة البقرة (2) : الآيات 114 الى 115]

- ‌الآيتان: (116- 117) [سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌الآيتان: (118- 119) [سورة البقرة (2) : الآيات 118 الى 119]

- ‌الآيتان: (120- 121) [سورة البقرة (2) : الآيات 120 الى 121]

- ‌الآيتان: (122- 123) [سورة البقرة (2) : الآيات 122 الى 123]

- ‌آية: (124) [سورة البقرة (2) : آية 124]

- ‌آية (125) [سورة البقرة (2) : آية 125]

- ‌آية: (126) [سورة البقرة (2) : آية 126]

- ‌الآيات: (127- 129) [سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 129]

- ‌الآيات: (130- 132) [سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 132]

- ‌الآيتان: (133- 134) [سورة البقرة (2) : الآيات 133 الى 134]

- ‌الآيتان: (135- 136) [سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 136]

- ‌الآيات: (137- 139) [سورة البقرة (2) : الآيات 137 الى 139]

- ‌آية: (140) [سورة البقرة (2) : آية 140]

- ‌آية: (141) [سورة البقرة (2) : آية 141]

- ‌الآية: (142) [سورة البقرة (2) : آية 142]

- ‌آية: (143) [سورة البقرة (2) : آية 143]

- ‌آية: (144) [سورة البقرة (2) : آية 144]

- ‌آية: (145) [سورة البقرة (2) : آية 145]

- ‌الآيتان: (146- 147) [سورة البقرة (2) : الآيات 146 الى 147]

- ‌آية: (148) [سورة البقرة (2) : آية 148]

- ‌آية: (149) [سورة البقرة (2) : آية 149]

- ‌آية: (150) [سورة البقرة (2) : آية 150]

- ‌الآيتان: (151- 152) [سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]

- ‌الآيتان: (153- 154) [سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 154]

- ‌الآيات: (155- 156- 157) [سورة البقرة (2) : الآيات 155 الى 157]

- ‌آية: (158) [سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌الآيتان: (159- 160) [سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 160]

- ‌الآيتان: (161- 162) [سورة البقرة (2) : الآيات 161 الى 162]

- ‌الآيتان: (163- 164) [سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌آية: (165) [سورة البقرة (2) : آية 165]

- ‌الآيتان: (166- 167) [سورة البقرة (2) : الآيات 166 الى 167]

- ‌الآيتان: (168- 169) [سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]

- ‌الآيتان (170- 171) [سورة البقرة (2) : الآيات 170 الى 171]

- ‌الآيتان: (172- 173) [سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌الآيات: (174- 175- 176) [سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌الآية: (177) [سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌الآيتان: (178- 179) [سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌الآيتان: (180- 181) [سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 181]

- ‌آية: (182) [سورة البقرة (2) : آية 182]

- ‌الآيتان: (183- 184) [سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 184]

- ‌الآية: (185) [سورة البقرة (2) : آية 185]

- ‌الآية: (186) [سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌الآية: (187) [سورة البقرة (2) : آية 187]

- ‌الآية: (188) [سورة البقرة (2) : آية 188]

- ‌الآية: (189) [سورة البقرة (2) : آية 189]

- ‌الآيات: (190- 191- 192- 193) [سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 193]

- ‌(الآيتان: (194- 195) [سورة البقرة (2) : الآيات 194 الى 195]

- ‌آية: (196) [سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌الآية: (197) [سورة البقرة (2) : آية 197]

- ‌الآية: (198) [سورة البقرة (2) : آية 198]

- ‌الآيتان: (199- 200) [سورة البقرة (2) : الآيات 199 الى 202]

- ‌الآية: (203) [سورة البقرة (2) : آية 203]

- ‌الآيات (204- 205- 206) [سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 206]

- ‌الآية: (207) [سورة البقرة (2) : آية 207]

- ‌الآيتان: (208- 209) [سورة البقرة (2) : الآيات 208 الى 209]

- ‌الآية: (210) [سورة البقرة (2) : آية 210]

- ‌الآية: (211) [سورة البقرة (2) : آية 211]

- ‌الآية: (212) [سورة البقرة (2) : آية 212]

- ‌الآية: (273) [سورة البقرة (2) : آية 213]

- ‌الآية: (214) [سورة البقرة (2) : آية 214]

- ‌الآية: (215) [سورة البقرة (2) : آية 215]

- ‌الآية: (216) [سورة البقرة (2) : آية 216]

- ‌الآية: (217) [سورة البقرة (2) : آية 217]

- ‌الآية: (218) [سورة البقرة (2) : آية 218]

- ‌الآيتان: (219- 220) [سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌الآية: (221) [سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌الآية: (222) [سورة البقرة (2) : آية 222]

- ‌الآية: (223) [سورة البقرة (2) : آية 223]

- ‌الآية: (224) [سورة البقرة (2) : آية 224]

- ‌الآية: (225) [سورة البقرة (2) : آية 225]

- ‌الآيتان: (226- 227) [سورة البقرة (2) : الآيات 226 الى 227]

- ‌الآية: (228) [سورة البقرة (2) : آية 228]

- ‌الآية: (229) [سورة البقرة (2) : آية 229]

- ‌[الطّلاق وحكمته]

- ‌آية: (230) [سورة البقرة (2) : آية 230]

- ‌الآية: (231) [سورة البقرة (2) : آية 231]

- ‌الآية: (232) [سورة البقرة (2) : آية 232]

- ‌الآية: (233) [سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌الآية: (234) [سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌الآية: (235) [سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌الآية: (236) [سورة البقرة (2) : آية 236]

- ‌الآية: (237) [سورة البقرة (2) : آية 237]

- ‌الآية: (238) [سورة البقرة (2) : آية 238]

- ‌الآية (239) [سورة البقرة (2) : آية 239]

- ‌الآيات: (240- 241- 242) [سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌النفقة للمتوفّى عنها، زوجها

- ‌الطلاق مثلا

- ‌الطلاق قضية:

- ‌آية (243) [سورة البقرة (2) : آية 243]

- ‌آية: (244) [سورة البقرة (2) : آية 244]

- ‌آية: (245) [سورة البقرة (2) : آية 245]

- ‌آية: (246) [سورة البقرة (2) : آية 246]

- ‌الآية: (247) [سورة البقرة (2) : آية 247]

- ‌الآية: (248) [سورة البقرة (2) : آية 248]

- ‌الآية: (249) [سورة البقرة (2) : آية 249]

- ‌الآيتان: (250- 251) [سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 251]

- ‌الآية: (252) [سورة البقرة (2) : آية 252]

الفصل: ‌آية: (143) [سورة البقرة (2) : آية 143]

هذا، وفى قوله تعالى:«سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ» إخبار بما سيكون من هؤلاء السفهاء من سفاهة، قبل أن يقع منهم هذا السّفه عن تلك الواقعة، وفى هذا ما يكشف عن لؤم القوم وخبث طويتهم، وأنهم- بحكم ما هم عليه من خبث ولؤم- لن يتركوا هذا الحدث من غير أن يثيروا الغبار حوله، وأن يشعلوها فتنة عمياء، إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا! وفى قوله تعالى:«قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ردّ مفحم على تلك السفاهة المضلة، فإذا كانت العبادة لله وحده، وإذا كانت وجوه العابدين إنما قبلتها لله وحده، فإن أي متجه يتجه إليه المؤمن هو وجه قاصد إلى الله:«فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» ..

«قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»

وقد وجّه الله المسلمين وجهتهم الأولى، وهو الذي وجههم وجهتهم الثانية، وهم فى وجهتيهم على صراط مستقيم، إذ كانوا ملتزمين أمر الله، آخذين بهديه، عابدين له وحده!

‌آية: (143)[سورة البقرة (2) : آية 143]

وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَاّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143)

التفسير:

قوله تعالى: «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً» عطف على قوله سبحانه:

ص: 165

«وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» أي قد هديناكم إلى صراط مستقيم «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً» أي أمة قائمة على صراط مستقيم، هو الوسط بين التقصير والغلوّ. وهذا هو أعدل المناهج وأقومها، حيث أن التقصير يقعد بصاحبه عن اللحاق بالركب، كما أن الغلوّ يقطع صاحبه عن مواصلة الرحلة، بعد أن يكلّ حدّه، ويفتر عزمه.

وقوله تعالى: «لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» تعليل شارح للأمة الوسط ومكانها المحمود بين الأمم، فأهل هذه الأمة، هم بموقفهم الوسط، شهادة قائمة على الناس جميعا، إذ كان سيرهم على خط الحياة سيرا يحتمله جهد الأقوياء والضعفاء جميعا

إنه سير يحفز همّة الضعيف ويشحذ عزمه، على حين أنه يمسك زمام الشارد، ويردّ أنفاسه المبهورة.

وقوله تعالى: «وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» هو الميزان الذي يضبط الأمة الوسط، ويحكم قيامها على هذا الطريق السّوىّ، حيث كان الرسول الكريم هو المثل الأمثل لأمته، فهو فى الأمة الوسط شهادة قائمة عليها، يأخذ بقوله وعمله خطّ الوسط فيها، فيمسك بالضعاف أن ينزلوا عن المستوي الجامع للأمة الوسط، ويهتف بالمغالين ألّا يتفلتوا من خط هذه الأمة وينقطعوا عنه.

والوسط من كل شىء هو مركز الاعتدال منه، ونقطة التوازن فيه.

وطبيعى أن فوق الوسط منزلة أعلى منه، وأنه ليس غاية الكمال، ومع هذا، فإنه- فى مجموعه- خير مما فوقه، لأنه أثبت وأدوم، ولأنه أقرب إلى متناول الناس، إن لم يكن الناس جميعا، فالأغلب الأعم منهم.

إن الاعتدال فى أي شىء وفى كل شىء، هو مما يحتمله الناس ويقدرون

ص: 166

على الوفاء به، ويصبرون على ما يكرهون منه، أما ما فوق الوسط فهو أمر لا تحتمله أكثر النفوس، ولا تصبر عليه.. وقد يرتفع الإنسان إلى أكثر مما يحتمل، فيختل توازنه ويسقط.. ولا تكون السلامة والعافية إلا حيث الاعتدال، الذي يجد الإنسان فى مجاله القدرة على التحرك إلى فوق، وإلى تحت، وهو فى تلك الحركة- بحكم الوسط- لا يخرج عن المقام الكريم اللائق به، حيث يظل- بالوضع الذي هو فيه- مشرفا على الأرض، مستشرفا للسماء! وقد يقول بعض القائلين: إن الوسط لا طعم له، ولا ذاتية لوجوده..

إنه أشبه بالخط الوهمي بين شيئين.. إنه ليس شيئا، ولا ضد شىء.

إن القسمة فى الأمور، هى الشيء وما يقابله.. الخير والشر.. الأبيض والأسود.. الحلو والمر.. الجميل والقبيح.. اليمين والشمال..

أما الوسط الذي يفصل بين هذه المتقابلات فليس إلا خطا وهميا..

ونقول: إننا لا ننكر أن الوسط ليس هو الكمال كله، وأن فوق الوسط منازل كثيرة للفضل، وأنه غير محجور على الناس أن يرتفعوا إليها، وأن يتنافسوا فيها.. بل إن ذلك مندوب محمود..

ولكن هذا شىء، والتشريع العام شىء آخر.

التشريع إلزام لا انفكاك منه.. التشريع عقد بين صاحب الشريعة وأتباع هذه الشريعة.. فهم مطالبون بالوفاء بما شرع لهم، وهم ملومون مأخذون بالعقاب إذا قصروا.. وليس الأمر كذلك فيما كان عن تطوع واختيار.. إذ للإنسان أن يمضيه أو يعفى نفسه منه.. ولا لوم عليه! والتشريع حين يكون عاما.. لأمة، أو للإنسانية كلها- تقتضى الحكمة

ص: 167

فيه أن يكون قائما على معيار يسع الناس جميعا.. الأقوياء والضعفاء.. فى جميع الأزمان والأوطان.

لذلك اقتضت رحمة الخالق بعباده، فى دعوتهم إلى الإسلام، الذي أريد له أن يكون دين الإنسانية، ومختتم رسالات السماء- اقتضت هذه الرحمة الراحمة أن تكون شريعة هذا الدين مقدرة على قدر ما يحتمل الضعفاء لا الأقوياء، وأن يكون ما فى الأقوياء من قدرة على احتمال ما فوق هذا التشريع هو فضل من فضل الله عليهم، يزدادون به كمالا فوق الكمال الذي بلغوه بأداء ما كلّفوا.. فإنه ما على المحسنين من سبيل.

وقوله تعالى: «وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ» بيان للحكمة التي أرادها الله من وراء هذا الامتحان الذي امتحن المسلمين به، حين وجههم إلى بيت المقدس، ثم عدل وجههم عنه إلى البيت الحرام. ففى هذا الامتحان يختبر إيمان المؤمنين، وتظهر حقيقة ما عندهم من طاعة وامتثال لله ولرسوله، من غير أن تدور فى رءوسهم أسئلة التوقف، فيقول قائلهم: ما هذا؟ ولم؟ وكيف؟ إذ أن من شأن المؤمن أن يتلقى أمر الرسول بالقبول والتسليم، امتثالا لقوله تعالى:«وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» : (7: الحشر) وفى قوله تعالى: «وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ» إشارة إلى أن هذه المحنة التي امتحن بها المؤمنون كبيرة، لا يجوزها بقلب سليم، ونفس مطمئنة إلّا الذين هداهم الله وثبت أقدامهم على طريق الحق واليقين:

«وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» : (213: البقرة) .

وقوله تعالى: «وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ» تطمين لقلوب المؤمنين الذين وقع فى نفوسهم شىء من صلاتهم التي كانوا يصلّونها إلى بيت المقدس،

ص: 168