الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيتان: (17- 18)[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 18]
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18)
. التفسير: أكثر المفسرين على أن الكاف فى «كمثلهم» زائدة، باعتبار أن كلمة «مثل» أداة للتشبيه، والكاف أداة للتشبيه، ولا تجتمع الأداتان على مشبّه به واحد، وعلى هذا تكون الصورة هكذا:«مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً» أو «مثلهم كالذى استوقد نارا» .
وبلاغة القرآن أعظم وأسمى من أن تخضع لمقاييس النحو وتخريج النحاة! فليس فى كلمات الله ما يحتاج إلى علل النحاة، وو مما حكاتهم، ليستقيم على علمهم، ولينضبط مع قواعدهم- وحسب القرآن أن يقول قولا، أو ينهج أسلوبا، فيكون قوله الحق، وأسلوبه الفصل، ولا عليه أن تضطرب قواعد النحو، وتتبلبل عقول النحاة! والأمر هنا- فيما يتعلق بالكاف فى «كمثل» - يجرى على أسلوب القرآن كله، فى إعجازه، واستيلائه على أعنّة البلاغة وأزمّتها.
فقوله تعالى: «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً» هو تشبيه حال بحال، وشأن بشأن.. بمعنى أن شأن هؤلاء المنافقين وحالهم، كشأن أو حال من استوقد نارا.
فهؤلاء المنافقون مثل، وذاك الذي استوقد نارا مثل.. وبين المثلين تشابه وتطابق، فصح أن يكون كل منهما طرفا فى تشبيه واحد، وكاف التشبيه أداته.. فكأنه قيل: هذا المثل كهذا المثل! وننظر فيما بين المثلين من وجه شبه، فنرى:
فى المشبه، وهم المنافقون.. كانوا فى زمرة الكافرين، ثم إنهم أعلنوا إيمانهم، واتخذوا هذا الإيمان جنّة يتقون بها يد المؤمنين، إذا هى علت على الكافرين، وأنزلتهم على حكمهم، وذريعة يتوصلون بها إلى ما قد يفىء الله على المؤمنين من خير! .. فكان أن فضح الله نفاقهم، وجاءت آياته تنزع عنهم هذا الثوب الذي ستروا به هذا النفاق، فأصبحوا عراة لا يستطيعون أن يظهروا فى الناس، إلا كما تظهر الحيات برءوسها من وراء أجحارها! وفى المشبه به، وهو هذا الذي استوقد نارا..
هذا الإنسان، كان فى ظلمة الليل، وفى لفح زمهريره القارس، فاستوقد نارا، كى يجد فيها الدفء والنور! ثم جاء هؤلاء المنافقون فيمن جاء إلى هذا الضوء، ليجدوا عنده الأمن، والدفء..
ولكنّ هؤلاء المنافقين، وإن اختلطوا بالمجتمعين على هذا الضوء، وحسبوا- فى ظاهر الأمر- على ما عليه القوم، فإن الله سبحانه حجز عنهم النور، وأخذ على أبصارهم، فلم يروا ما حولهم، ولم يعرفوا وجه الطريق الذي يسلكون، فركبتهم الحيرة، وقيدهم العمى والضلال..!
ونقرأ الآية الكريمة: «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً، فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ» ، فنجد لمحة من لمحات الإعجاز القرآنى، فى هذا التخالف بين أجزاء الصورة فى المشبه به، حيث كان الظاهر أن يقال:«ذهب الله بنوره وترك فى ظلمات لا يبصر» .
ولكن هذا يفسد المعنى، حيث يقضى بهذا الحكم على موقد النار، فيذهب بنوره الذي رفعه لهداية الناس، وحيث يقع هذا الحكم على غير المنافقين، من طالبى الهدى عنده.