الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفسرين التي تعتمد فى هذا على الإسرائيليات، وعلى ما بقي من أساطير الأقدمين من قصة «الخلق» ومكان آدم فيها.
وسنعرض لهذا بعد قليل.
آية (34)[سورة البقرة (2) : آية 34]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَاّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34)
التفسير: أما وقد نجح آدم فى هذا الامتحان، وأظهر من العلم ما قصر علم الملائكة عنه، فقد استحق أن يكرم، وأن يكون هذا التكريم من الملائكة أنفسهم، لأنهم هم الذين أنكروا عليه تلك «الخلافة» التي جعلها الله له، ليكون ذلك بمثابة ردّ اعتبار لآدم عند من نقصوه، وثمنا يقتضيه منهم لقاء انتقاصهم له!! وقد تلقى الملائكة أمر الله بالقبول والرضا، فسجدوا لآدم سجود تعظيم وتكريم، لا سجود عبادة وتأليه، فلا عبادة إلا لله، ولا مألوه غير الله! [الجن.. إبليس.. الشيطان] سجد الملائكة كلهم أجمعون.. إلا إبليس! ومن إبليس هذا؟
ورد فى القرآن الكريم وفى أكثر من موضع ذكر إبليس، والشيطان، والجن، على أنها قوى خفية، تتحرك فى المجال الإنسانى، وتراه دون أن يراها.
وإبليس والشيطان، يذكران دائما فى معرض التحذير منهما، والتخويف
من إغرائهما وإغوائهما، إذ كان من شأنهما العداوة للإنسان، والنقمة عليه.
ويذكر «إبليس» وحده فى مقام دعوة الملائكة للسجود لآدم وامتناعه هو عن السجود، استكبارا لذاته، وعلوا على آدم الذي خلق من طين، على حين أنه خلق من نار.
وفى هذا يقول الله تعالى فى الآية السابقة: «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ، أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ» .
ويقول سبحانه فى سورة الأعراف: «ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ» (11: الأعراف) .
ويقول سبحانه فى سورة الإسراء: «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً» .
(61: الإسراء) ويقول جل شأنه فى سورة الكهف: «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» (50: الكهف) . ويقول فى سورة طه: «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى»
(116: طه) وفى سورة ص: «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ» (73- 74 ص) ويلاحظ أنه لم يذكر فى هذا الموقف «الشيطان» أو «الجن» .. وهذا ما يشعر بأن «إبليس» على صفة خاصة، غير صفة الشيطان، والجن، وإلا لما
التزم القرآن ذكر إبليس فى هذه الصور المتعددة لموقف واحد، الأمر الذي لا يلتزمه القرآن إلا حيث لم يكن من التزامه بد.
وننظر من جهة أخرى فنجد القرآن الكريم يتحدث عن «إبليس» بأنه كان من الجنّ ففسق عن أمر ربه.. كما جاء ذلك فى الآية الواردة فى سورة الكهف.. فإبليس- على هذا- من عالم الجن، وأنه وحده الذي خرج عن أمر ربه، وأعلن هذا العصيان الوقاح!.
ويتحدث القرآن فى ثمانية وستين موضعا عن الشيطان، بلفظ المفرد «الشيطان» وفى أحد عشر موضعا بلفظ الجمع:«الشياطين» .
وفى جميع هذه المواضع يجىء الحديث عن الشيطان أو الشياطين فى مقام التحذير من الضلال والغواية للإنسان من كيد الشيطان..
«إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً» (53: الإسراء) .
«إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا» (6: فاطر) وهذه العداوة التي بين الشيطان وآدم، وذرية آدم، هى امتداد لتلك العداوة التي حملها إبليس لآدم، حين امتنع عن السجود له مع الملائكة، كما أمره الله، وكان ذلك سببا فى أن لعنه الله وطرده من الجنة.
وفى هذا يقول الله تعالى: «يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ» (27: الأعراف)، ويقول سبحانه عن الشيطان وهو يوسوس لآدم ويغريه بالخروج عن أمر ربه:«فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى» .
(120: طه) ويقول سبحانه:
(20، 21: الأعراف) وهنا يبدو الشيطان وإبليس وكأنهما اسمان لذات واحدة، فما عرف إبليس إلا بهذا الوجه المنكر الملعون، وما عرض الشيطان إلا فى هذه الصورة الكريهة المخيفة..
ومن جهة أخرى فقد كان إبليس من عالم الجن، ففسق عن أمر ربه..
«فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» (5: الكهف) ومن جهة ثالثة تحدّث آيات القرآن عن إبليس وكأنه من عالم الملائكة، حيث توجّه الأمر للملائكة بالسجود، فامتثلوا جميعا أمر ربّهم إلا إبليس..
فهو استثناء متصل.. «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ، أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ» (31: الحجر)«وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» (5: الكهف) وعلى هذا نستطيع أن نقول:
أولا: إن إبليس كان من الملائكة..
ثانيا: أنه كان فى درجة دنيا، فى هذا العالم الروحي، هى درجة الجنّ الذين وإن أشبهوا عالم الملائكة فى أنهم خلقوا من شعلة مقدسة، إلا أن الملائكة كانوا من نور هذه الشعلة، على حين كان الجن من نارها، كما يقول تعالى:«وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ» .
ولهذا كان الملائكة صفاء خالصا، بينما كان الجن صفاء مشوبا بكدر..