الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتحولوا بقبلتهم إلى بيت المقدس، استجابة لما يوسوس لهم به اليهود، إذ أن الحق طريق واحد، والتردد فيه يعمّى السبل إليه.
وقد عبّر القرآن عن اليهود هنا بكلمة «الناس» ليدخل معهم غيرهم، ممن تأثر بوسوستهم واستمع لضلالتهم.
الآيتان: (151- 152)[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]
كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152)
التفسير: من تمام النعمة على المسلمين، أن الله سبحانه أرسل فيهم رسولا من أنفسهم، يتلو عليهم آيات الله، ويطهرهم بالإيمان من أرجاس الوثنية والشرك، ويعلمهم ما فى كتاب الله من شرائع وآداب، وما فى سنة الرسول من أدب وحكمة، ويفتح لهم بذلك آفاق العلم والمعرفة.. وحقّ على المسلمين من أجل هذا أن يذكروا فضل الله عليهم، وأن يحمدوه ويمجدوه، ليزيدهم الله من فضله:«فاذكرونى أذكركم» أي اذكروني بالحمد والشكران، أذكركم بالمزيد من الفضل والإحسان.
الآيتان: (153- 154)[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 154]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154)
التفسير: الطاعات والاستقامة عليها، لها أعباؤها التي تحتاج إلى قوة احتمال ومجاهدة، ولكى يقوى الإنسان على حمل هذه الأعباء، كان لا بد له من زاد يعينه، ويمسك عليه عزمه ومضاءه..
والصبر والصلاة هما خير ما يتزود الإنسان به، لكى يجد من نفسه القدرة على الوفاء ببعض حق الله عليه.
والصبر قوة معنوية لا يحصل عليها الإنسان إلا بعد رياضة ومعاناة، وتلك الرياضة وهذه المعاناة يحتاجان إلى الصبر، والصبر يحتاج إليهما..
وإذن فالدعوة إلى الصبر دعوة إلى التمرس بالطاعات أولا، والتعود على أداء الواجبات، فذلك هو الذي يخلق فى الإنسان خلق الصبر.. وفى هذا يقول الله سبحانه للنبى الكريم:«وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها» ..
فأداء الصلاة والمداومة عليها يحتاج إلى الصبر والمصابرة، وبذلك توضع الخمائر الأولى للصبر فى كيان الإنسان، ومع الزمن ينمو الصبر، ويصبح قوة عاملة فى الإنسان.
هذا ويذهب بعض المفسّرين إلى أن معنى الصّبر فى قوله تعالى:
«وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ» هو «الصوم» إذ كان الصوم فى صميمه تجربة حية مباشرة لغرس بذرة الصبر وإرواء نبتته، ولهذا سمّى رمضان شهر الصبر.
ونحن نأخذ بهذا المعنى للصبر، ونرى فى التعبير القرآنى عن الصوم بالصبر إعجازا من إعجاز القرآن، حيث كان الصبر والصوم متلازمين، لا وجود لأحدهما بغير الآخر، فلا صوم إلا مع الصبر، ولا صبر إلا ومعه صوم وحرمان..
صوم عن مكروه، وحرمان من محبوب!.
ولأن الصوم لا يكون إلا ومن ورائه الصبر، كان التعبير عنه بالصبر أولى من التعبير عن الصبر بالصوم، إذ قد يكون الصبر ولا صوم، ولكن لا يكون
الصوم بغير الصبر!.
والجهاد فى سبيل الله، والانتظام فى صفوف المجاهدين، والإقدام على ملاقاة الأعداء، والتعرض لمواجهة الموت- ذلك كله يحتاج إلى رصيد عظيم من الصبر والإيمان.. ولهذا جاءت دعوة الله إلى الجهاد فى سبيل الله، بعد دعوته إلى الاستعانة بالصبر والصلاة، على المحن والشدائد.
والجهاد فى سبيل الله، محفوف دائما بالبذل والتضحية.. بذل المال، وتضحية النفس، والأهل والولد.
والابتلاء بفقد الأحباب- ولو كان فى سبيل الله- شاق على النفس، أليم وقعه على الأحياء، ولهذا لم يكن الفيء إلى الصبر والصلاة- مهما كان شأنهما- بالذي يقهر نوازع الحزن، ويذهب بلواعج الأسى فى هذا المقام..
ولهذا جاءت تلك المواساة الكريمة الرحيمة من رب العالمين، لتمسح بيد الرحمة على ما بقلوب المبتلين بفقد أحبابهم، والمصابين باستشهاد أهليهم، من آلام وأحزان، فهؤلاء الشهداء- كما يخبر رب العالمين- ليسوا بالأموات، وإنما هم أحياء. فى أطيب منزل، وعند أرحب جناب:«عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (179- 170: آل عمران) إن لهؤلاء الشهداء شأنا آخر عند الله غير شأن غيرهم ممن ينقلون من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة.. فهم أحياء عند ربّهم وإن كنا لا نشعر بحياتهم، هم فى عالم ونحن فى عالم، وبين العالمين حجاز.. وحسب المؤمن أن يتلقّى هذا الخبر عن الله تعالى فيعلم، عن يقين أن الشهداء أحياء، يلبسون صورة للحياة أكرم وأبقى من الحياة التي كانوا عليها.. وهم فى نعيم لا يقاس به أي نعيم ينعم به المنعمون فى هذه الدنيا.