الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذ يدفع بها فى مزدحم المنايا، أن يتقاضى الثمن المجزى لها، وأن يأخذ لها حقها الكامل فى القتال، بالنكاية فى العدو، فإن قتل بعدها فقد كتب بدمه الطهور حرفا من حروف النصر للجبهة المقاتل فيها، وللجماعة المحارب معها.
وفى قوله تعالى: «وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» دعوة إلى الإحسان المطلق، الإحسان فى كل أمر يقوم عليه الإنسان ويؤديه، لله أو لنفسه أو للناس.. وعن هذه الدعوة إلى الإحسان المطلق تتجه دعوة خاصة إلى الإحسان فى مواطن القتال، فيقاتل المسلم على بصيرة، ولا يكن من همّه الأول أن يقتل ويستشهد فى سبيل الله، بل أن يكون مقصده النيل من العدو، والنكاية به، إذ يقتل فرسانه وشجعانه، فذلك هو المطلوب أولا، فإن قتل وهو يسعى لتحقيق هذه الغاية لم يكن مجرد شهيد، بل كان بطلا يحمل شهادة أعداد من الشهداء.
آية: (196)[سورة البقرة (2) : آية 196]
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196)
التفسير: فى هذه الآية بعض أحكام الحج وأعماله، التي تولت السنّة النبوية القولية والعملية تفصيلها وترتيبها.. وهى مبسوطة فى كتب الفقه، وحسبنا هنا الوقوف على معنى الآية الكريمة فى حدود ما تنطق به ألفاظها.
هذا، ولأن أعمال الحج كثيرة، مختلفة الصور، متعددة المواقف، ولأنها من جهة أخرى تضم ألوفا مؤلفة من المسلمين، يجتمعون إليها من كل أفق، ويلتقون عندها من كل جنس- لهذا فقد اقتضت حكمة الحكيم الرحيم التوسعة على الناس فى هذه الفريضة، وتقبّل كل ما يؤدونه فيها من أعمال، ما دامت تلك الأعمال صادرة عن نية خالصة، وقلب سليم، فقد أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وقف فى حجة الوداع، على ناقة بمنى، والناس يسألونه.. فجاء رجل فقال: لم أشعر، فحلقت قبل أنحر، فقال:«انحر ولا حرج» ثم جاء آخر فقال: نحرت قبل أن أرمى، فقال:«ارم ولا حرج» ، ثم أتاه ثالث، فقال: أفضت إلى البيت قبل أن أرمى، فقال:«ارم ولا حرج» ..
قالوا.. فما سئل النبي عن شىء مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور على بعض، إلا قال:«افعلوا ولا حرج!» هذا، وقد توجه الأمر فى قوله تعالى:«وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» إلى الحج والعمرة معا، ولهذا رأى بعض الفقهاء أن العمرة واجبة، على حين رآها بعضهم سنة، حيث انفرد الحج وحده بالوجوب فى قوله تعالى «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» .
وقوله تعالى: «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ» إشارة إلى ما قد يعترض الحاج من معوقات وهو فى طريقه إلى الحج، فيحال بينه وبين أن يمضى فى طريقه إلى غايته، وذلك كأن يقطع الطريق على الحجيج عدو، أو ينزل بالحاج مرض مقعد، ونحو هذا.. والحصر معناه: الحبس والمنع.
وقوله سبحانه: «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» أي فقدموا وانحروا ما وقع لأيديكم من الهدى، مما قدرتم عليه من غير مشقة.
وقوله جلّ شأنه: «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» إشارة إلى التحلل من الإحرام، فحلق الرأس للحاج لا يكون إلا بعد أن يؤدى أعمال الحج، ثم ينحر، ويحلق! ومحلّ الهدى مكانه الذي ينحر فيه، وهو بالنسبة لمن أحصر وحبس- المكان الذي حصر فيه، أما من لم يحصر فمحل هديه هو البيت الحرام.
أما قوله تعالى: «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» فهو فى حكم الحاج الذي عرض له فى حجه عارض فى رأسه أو فى جسده، فحلق، أو خلع ملابس الإحرام ولبس المخيط.. فمثل هذا الحاج قد أبيح له ذلك، على أن يفدى الحرمة التي أحله الله منها بما يقدر عليه من ألوان الطاعات، من صيام يوم أو أكثر، أو من صدقة قليلة أو كثيرة، أو من فداء بشاة أو نحوها.. وقيد بعضهم الصوم بثلاثة أيام والصدقة باطعام ستة مساكين، والنسك بشاة.. ونحن لا نرى هذا القيد واردا على الآية، وقد يسّر الله بهذا الإطلاق، والقيد تضييق لما وسع الله فيه.
وقوله تعالى: «فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» فيه بيان حكم الحاج الذي لم يحصر، ولم يصب بأذى فى رأسه أو بدنه، فإن مما يسر الله به على الحاج فى هذه الحال أن يحج معتمرا، أي يدخل الحج فى العمرة، ويؤدى أعمال الحج محلّا بعد طواف العمرة وسعيها، وعليه فى تلك الحال أن يقدم فدية، هى ما تيسر من الهدى، من بدنة إلى شاة.
وقوله تعالى: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ