المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1- أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي المعروف بالمتنبي - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ١٥

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس عشر]

- ‌[شعراء العباسيين]

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌1- أبو الطيّب أحمد بن الحسين الجعفي المعروف بالمتنبي

- ‌2- السريّ بن أحمد الكندي المعروف بالرّفاء الموصلي

- ‌3- أبو الفتح، ولقّب كشاجم

- ‌4- أبو الفرج محمد أحمد الغساني المعروف بالوأواء الدمشقي

- ‌5- الأخوان أبو بكر محمد، وأبو عثمان سعيد ابنا هاشم الخالديان

- ‌6- أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم الضّبي

- ‌7- أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد القرشي المخزومي المعروف بالسلامي

- ‌8- أبو سعيد محمد بن محمد بن الحسن الرستمي

- ‌9- أبو محمد، الحسن بن علي بن مطران

- ‌10- أبو الفتح البكتمري، يعرف بابن الشامي الكاتب

- ‌11- أبو محمد عبد الله بن محمد الفيّاض كاتب سيف الدولة، ونديمه

- ‌12- أبو طاهر سيدوك بن حبيب الواسطي

- ‌13- أبو الحسن علي بن الحسن اللحام

- ‌15- أبو بكر محمد بن أحمد بن حمدان المعروف الخبّاز البلدي

- ‌16- أبو القاسم عبد الصّمد بن بابك:

- ‌17- القاضي التنوخي، أبو القاسم علي بن محمد بن داود بن فهم

- ‌18- 240/ابنه أبو علي، المحسّن

- ‌19- القاضي أبو الحسن، علي بن عبد العزيز الجرجاني

- ‌20- أبو طالب، عبد السلام بن الحسين المأموني من أولاد المأمون

- ‌21- الأمير شمس المعالي قابوس بن وشمكير

- ‌22- الأمير أبو الفضل عبد الله بن أحمد الميكالي

- ‌23- أبو محمد، الحسن بن علي بن وكيع التنيسي

- ‌24- أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن الحجّاج

- ‌25- القاضي أبو أحمد، منصور بن محمد الأزدي الهروي

- ‌26- أبو بكر علي بن الحسن البلخي القهستاني

- ‌27- مهيار بن مرزويه الديلمي

- ‌28- أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري

- ‌29- أبو الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان

- ‌353/30- أبو الحسن، علي بن الدويّدة المعرّي

- ‌31- السابق أبو اليمن ابن أبي مهزول المعّري

- ‌32- الوامق المعري

- ‌34- الأمير أبو الفتيان مصطفى الدولة محمد بن حيّوس

- ‌35- عبد العزيز بن عمر بن نباتة السعدي

- ‌36- الوزير أبو نصر أحمد بن يوسف المنازي السليكي

- ‌37- الماهر الحلبي

- ‌38- أبو عبد الله بن السراج الصوري

- ‌39- أبو عبد الله، أحمد الخياط الدمشقي

- ‌40- أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي

- ‌41- الوزير شرف الدين، أبو الحسن علي بن الحسن بن علي البيهقي

- ‌42- سعد بن علي الحظيري الكتبي

- ‌43- القاضي ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد الأرّجاني

- ‌44- الأديب أبو اسحاق، ابراهيم بن عثمان الكلبي ثمّ الأشهبي المعروف بالغزّي

- ‌45- أفضل الدولة، أبو المظفّر، محمد بن أبي العباس أحمد الأبيوردي

- ‌46- أبو عبد الله، محمد بن نصر بن صغير المعروف بابن القيسراني

- ‌47- أبو الحسين أحمد بن منير الطرابلسي

- ‌48- أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي المعروف بحيص بيص

- ‌49- الشريف أبو يعلى، محمد بن صالح الهاشمي المعروف بابن الهبّارية

- ‌مصادر التحقيق ومراجعه

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌1- أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي المعروف بالمتنبي

‌1- أبو الطيّب أحمد بن الحسين الجعفي المعروف بالمتنبي

«1»

بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلّا بالله، ومنهم: حكيم الشعراء، وشاعر الحكماء، تكلّم على ألسنة الناس، وعاصر الشعراء فكانوا الذنابى وكان الراس، وافق قول أرسطاطاليس ليس، ووافى بأمثال تلك النواميس، وأثار دفائن تلك النواويس، وثار بما لا ينهض به تلك الأباليس، وأتى بديباج كأنّه أجنحة الطواويس، وتخييل كأنّه لعب الأماني بالمفاليس، وخرّج له الحاتمي «2» حين عاد عليه بوجه الإقبال، وكفّ عن مؤاخذاته رشق النبال جملة أبيات توارد هو وأرسطو على معناها، وتبادر هو وإيّاه إلى مجناها، وأراد أن يتّخذ بيوتا إلّا أنّ أرسطو ما بناها، والمتنبي بناها، فإن كان قد وقف منها على ما قاله أرسطو فقد أخذه تربا ثم أعاده تبرا «3» يدخر منه سبائك ذهب، وقطرا ثم علّق منه قرطا للؤلؤه جائل حبب، وإن كان ما وقف عليه فهو مفتّق نوره، ومفتّح ثمره، ومدفّق نهره، ومفترع عذاراه، ومفرّع دوحه بما يتلفت إليه على خدّ المليح عذاراه فيكون له بهذا الفضل الأكبر، ويكون هو الأصل الذي جلب الجوهر، أو ما هو به أخبر، لأنّه مخرج خبيّه، ومحوج أمّة الشعراء إلى الإيمان بنبيّه، وعلى هذه السجعة أقول إنّه تنبّأ

ص: 17

بالبادية، ونبا بإفراط ألمعيته وميض مخايله البادية ثم تاب، وبات لا يجد مسلكا إليه العتاب، وقد كان تبعه من بني كلب أهل بادية السماوة قوم أميّون لا يعلمون ما علم الكتاب وخدعه ضلال، ثم زال بحسن المآب، ونام لا يخشى أن يدخل هذا الباطل على 3/سمعه/ من طاقة، ولا على جفنه من باب، ولا يتهافت على ناره تهافت الفراش، ولا يقع على دناياه وقوع الذباب، وكان شمس سماء، وبدر مساء، ومبسم صباح، وموسم صباح، ونبعه زلال، وطلعه هلال، ومركز عوال، ومركب أهوال، ومكتّب خدود بدم لا بغوال ومصوّب أسنّة تمدّ لقبض أرواح لا نوال، وقارع بيض ببيض، وقارن خيل بخيل لها فى كلّ شارقة وميض، وقاري كلّ ذيب ونسر في كلّ أوج وحفيض، وقارض أعمار بظباة سيوف لا قريض، وهذا هو الذي قتله، وإنّما عجّل عليه قول قاله غلامه ليته لا قبله، وهو قوله:[البسيط]

والخيل والليل والبيداء تشهد لي

والطعن والضرب والقرطاس والقلم

وجال البلاد جول القداح، وجاب الآفاق جوب السحاب تقذفه الرياح، وتنقّل بين ملوكها تنقّل الظلّ وتوقّل في غاب مهالكها توقّل الأسد المدلّ حتى كان عندهم أحظى من الغنى وأحفى بالآمال من المنى، وتنافست الملوك على قربه، وعلى انتضاء سيفه المشرفيّ من قربه، واختصّ بسيف الدولة ابن حمدان، ثمّ كان يتجنّى عليه والذنب ذنبه، ويتمنى البعد عنه ولا يعجبه إلّا قربه []«1» ، وله مع كافور الاخشيدي ما كان الأليق به غيره في حكم الموافاة، والأجدر به الجميل لو عرفه أو كافاه، ثم اتصل بخدمة عضد الدولة بن بويه ومدحه فأثابه ما أوقر إبله ذهبا، وأوقد مصباحه لهى لا لهبا، ثم كانت هي آخر سفرته، وشدّ ركائبه إلى مقيل حضرته، وكان واسع الرواية، مطّلعا على اللغة إلى غاية، وقد حكي عن أبي علي الفارسي لمّا سأله تلك الحكاية وجده لا يقارب 4/ولا يساوى، ولا يقاوم ولا يقاوى/ ولا تترشفه المسامع إلّا عادت القلوب نشاوى، ولا تغاير به الكواكب إلّا ترامت

ص: 18

ساقطة تتهاوى وكان كثير الولوع بديوان أبي تمام حبيب بن أوس، والنزوع منه لسهام لا ترمى بها حنيّة قوس، ثمّ كان ولع أبي العلاء المعري به مثل ولعه بأبي تمام لا يسأم طرفه الطارق له من إلمام.

حكى ابن خلكان «1» أنّ المعري لما فرغ من تصنيف كتابه اللامع العزيزي في شرح شعر المتنبي، وقرئ عليه أخذ الجماعة في وصفه، فقال: كأنّما نظر المتنبي إليّ بلحظ الغيب حيث يقول: [البسيط]

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسمعت كلماتي من به صمم

وقد ذكره الثعالبي في اليتيمة «2» فقال: هو وإن كان كوفيّ المولد شامي المنشأ، وبها تخرّج، وفيها خرج. نادرة الفلك، وواسطة عقد الدهر في صناعة الشعر، ثم هو شاعر سيف الدولة المنسوب إليه المشهور به، إذ هو الذي جذب بضبعه، ورفع من قدره، ونفّق من شعره فألقى عليه شعاع سعادته حتى سار ذكره مسير الشمس والقمر، وسافر كلامه في البدو والحضر، وكادت [الليالي]«3» تنشده، والأيام تحفظه، كما قال وأحسن ما شاء:

[الطويل]

وما الدهر إلّا من رواة قصائدي

إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا

فسار به من لا يسير مشمّرا

وغنّى به من لا يغنّي مغرّدا

وكما قال: [المتقارب]

ولي فيك ما لم يقل قائل

وما لم يسر قمر حيث سارا

وعندي لك الشرّد السائرا

ت لا يختصصن من الأرض دارا

5/إذا سرن من مقولي مرّة

وثبن الجبال. وخضن البحارا

ص: 19

ثمّ قال، أعني الثعالبي «1» : وليس اليوم مجالس الدرس أعمر بشعر أبي الطيب من مجالس الأنس، ولا أقلام كتّاب الرسائل أشغل به من كتب المؤلفين والمصنفين، وقد ألّفت الكتب في تفسيره، وحلّ مشكله وعويصه، وكسرت الدفاتر على ذكر جيّده وردّيه، وتكلّم الأفاضل في الوساطة بينه وبين خصومه، والإفصاح عن أبكار كلامه وعونه «2» ، وتفرّقوا فرقا في مدحه، وذمّه، والقدح فيه والنصح عنه، والتعصّب له وعليه، وذلك أدلّ الدلائل على وفور فضله، وتقدّم قدمه، وتفرّده عن أهل زمانه بملك رقاب القوافي، ورقّ المعاني، والكامل من عدّت سقطاته، والسعيد من حسبت هفواته، وما زالت الأملاك تهجى وتمدح. وانتهى كلام الثعالبي.

ولعمري لقد أوردها مشتملا، وذاد لها مرعى خضلا، واستصحب الحال في إعجاب الناس به من ذلك الزمان وهلم جرا وإلى الآن حتى بلغت شروحه أربعين شرحا، فمن بين بان له صرحا، وبين مبالغ فيه جرحا، وإنّه لمنقطع القرين، وليث في عرين، ولولا خشية مستدرك لا يدري ما ضمير الشأن «3» لأضربنا عن انتقاء شعره في هذا الديوان اكتفاء بشهرته في الأذهان، وعملا على أنّه الشمس لا تخفى بكلّ مكان، وإذا كان لا بدّ من الذّكر فمن مخترعه البكر، وأبياتها التي ليس لأحد عليها حكر، قوله في الحكم والآداب والمواعظ:

[الكامل]

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أوّل وهي المحلّ الثاني «4»

6/فإذا هما اجتمعا لنفس مرّة

بلغت من العلياء كلّ مكان

ولربّما طعن الفتى أقرانه

بالرأي قبل تطاعن الأقران

ص: 20

لولا العقول لكان أدنى ضيغم

أدنى إلى شرف من الإنسان

ولما تفاضلت النفوس ودبّرت

أيدي الكماة عوالي المرّان «1»

وقوله: [الكامل]

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخو الجهالة في الشّقاوة ينعم «2»

والناس قد نبذوا الحفاظ فمطلق

ينسى الذي يولي وعاف يندم

لا يخد عنّك من عدوّ دمعه

وارحم شبابك من عدوّ ترحم

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

حتى يراق على جوانبه الدّم

والظّلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفّة فلعلّة لا يظلم

ومن البليّة عذل من لا يرعوي

عن جهله وخطاب من لا يفهم «3»

ومن العداوة ما ينالك نفعه

ومن الصّداقة ما يضرّ ويؤلم

وقوله: [الطويل]

يهون على مثلي إذا رام حاجة

وقوع العوالي دونها والقواضب «4»

كثير حياة المرء مثل قليلها

يزول وباقي عيشها مثل ذاهب

إليك فإنّي لست ممّن إذا اتّقى

عضاض الأفاعي نام فوق العقارب

ص: 21

إذا لم تكن نفس النسيب كأصله

فماذا الذي يغني كرام المناسب «1»

وقوله: [الوافر]

إذا غامرت في شرف مروم

فلا تقنع بما دون النجوم «2»

7/فطعم الموت في أمر حقير

كطعم الموت في أمر عظيم «3»

وكلّ شجاعة في المرء تغني

ولا مثل الشجاعة في الحكيم

وكم من عائب قولا صحيحا

وآفته من الفهم السقيم

ولكن تأخذ الآذان منه

على قدر القرائح والعلوم «4»

وقوله: [الطويل]

وما منزل اللّذات عندي بمنزل

إذا لم أبجّل عنده وأكرّم «5»

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

وصدّق ما يعتاده من توهّم

وعادى محبّيه بقول عداته

وأصبح في ليل من الشّك مظلم

أصادق نفس المرء من قبل جسمه

وأعرفها في فعله والتكلّم

وأحلم عن خلّي وأعلم أنّه

متى أجزه حلما على الجهل يندم

وما كلّ هاو للجميل بفاعل

ولا كلّ فعّال له بمتمّم

وأحسن وجه في الورى وجه محسن

وأيمن كف فيهم كفّ منعم

ص: 22

وأشرفهم من كان أشرف همّة

وأكبر إقداما على كلّ معظم

لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها

سرور محب أو مسآة مجرم «1»

وقوله: [الطويل]

وأتعب خلق الله من زاد همّه

وقصّر عمّا تشتهي النفس وجده «2»

فلا مجد في الدنيا لمن قلّ ماله

ولا مال في الدنيا لمن قلّ مجده

وقوله: [البسيط]

لا تلق دهرك إلّا غير مكترث

ما دام يصحب فيه روحك البدن «3»

فما يدوم سرور ما سررت به

ولا يردّ عليك الفائت الحزن «4»

8/ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه

تجرى الرياح بما لا تشتهي السّفن

وقوله: [الوافر]

فلا تغررك ألسنة موال

تقلبّهنّ أفئدة أعادي «5»

ص: 23

فإنّ الجرح ينخر بعد حين

إذا كان البناء على فساد

وإنّ الماء يجري من جماد

وإنّ النار تخرج من رماد «1»

وقوله: [الطويل]

وإنّي لنجم يهتدي صحبتي به

إذا حال من دون النجوم سحاب «2»

غنيّ عن الأوطان لا تستخفّني

إلى بلد سافرت عنه إياب «3»

وأصدى ولا أبدي إلى الماء حاجة

وللشمس فوق اليعملات لعاب «4»

وللسّر منّي موضع لا يناله

نديم ولا يفضي إليه شراب

وما العشق إلّا غرّة وطماعة

يعرّض قلب نفسه فتصاب

وغير فؤادي للغواني رمّية

وغير بناني للزجاج ركاب «5»

تركنا لأطراف القنا كلّ شهوة

فليس لنا إلّا بهنّ لعاب

أعزّ مكان في الدّنا سرج سابح

وخير جليس في الزمان كتاب

وقوله: [المنسرح]

إذا صديق نكرت جانبه

لم تعيني في فراقه الحيل «6»

ص: 24

في سعة الخافقين مضطرب

وفي بلاد من أختها بدل

أبلغ ما يطلب النجاح به الطّب

ع وعند التعمّق الزلل

وقوله: [الطويل]

ومن ينفق الساعات في جمع ماله

مخافة فقر فالذي فعل الفقر «1»

9/وإنّي رأيت الضرّ أحسن منظرا

وأهون من مرأى صغير به كبر

وقوله: [البسيط]

أبدو فيسجد من بالسوء يذكرني

ولا أعاتبه صفحا وإهوانا «2»

وهكذا كنت في أهلي وفي وطني

إنّ النفيس غريب حيثما كانا

محسّد الفضل مكذوب على أثري

ألقى الكميّ ويلقاني إذا حانا

لا أشرئبّ إلى ما لم يفت طمعا

ولا أبيت على ما فات حسرانا

ولا أسرّ بما غيري الحميد به

ولو حملت إليّ الدرّ ملآنا «3»

ص: 25

وقوله: [الخفيف]

كلّ حلم أتى بغير اقتدار

حجّة لا جئ إليها اللئام «1»

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميّت إيلام

واحتمال الأذى ورؤية جاني

هـ غذاء تضوى به الأجسام

وقوله: [الطويل]

إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى

فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا «2»

وللنفس اخلاق تدلّ على الفتى

أكان سخاء ما أتى أم تساخيا

وقوله: [الطويل]

وما قتل الأحرار كالعفو عنهم

ومن لك بالحرّ الذي يحفظ اليدا «3»

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا

ووضع النّدى في موضع السيف بالعلا

مضرّ كوضع السيف في موضع الندى

ومن يجعل الضرغام للصيد بازه

تصيّده الضرغام فيما تصيّدا «4»

ص: 26

وقوله: [الطويل]

وما الحسن في وجه الفتى شرفا له

إذا لم يكن في فعله والخلائق «1»

10/وجائزة دعوى المحبّة والهوى

وإن كان لا يخفى كلام المنافق

وما يوجع الحرمان من كفّ حارم

كما يوجع الحرمان من كفّ رازق

وقوله: [الطويل]

وما الخيل إلّا كالصديق قليلة

وإن كثرت في عين من لا يجرّب «2»

إذا لم يشاهد غير حسن شياتها

وأعضائها فالحسن عنك مغيّب «3»

وكلّ امرئ يولي الجميل محبّب

وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب

وقوله: [الخفيف]

وإذا ما خلا الجبان بأرض

طلب الطعن وحده والنزالا «4»

من أطاق التماس شئ غلابا

واغتصابا لم يلتمسه سؤالا

كلّ غاد لحاجة يتمنّى

أن يكون الغضنفر الرئبالا «5»

ص: 27

وقوله: [المتقارب]

وكلّ طريق أتاه الفتى

على قدر الرجل فيه الخطا «1»

ومن جهلت نفسه قدره

يرى غيره منه ما لا يرى «2»

وقوله: [الطويل]

ذريني أنل ما لا ينال من العلى

فصعب العلى للصعب والسهل للسهل «3»

تريدين لقيان المعالي رخيصة

ولا بدّ دون الشهد من إبر النّحل

وقوله: [البسيط]

لولا المشقّة ساد الناس كلّهم

الجود يفقر والإقدام قتّال «4»

وإنّما يبلغ الانسان طاقته

ما كلّ ماشية بالرّجل شملال «5»

إنّا لفي زمن ترك القبيح به

من أكثر الناس إحسان وإجمال

11/ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته

ما قاته وفضول العيش أشغال «6»

ص: 28

وقوله: [الكامل]

أنف الكريم من الدنيّة تارك

في عينه العدّ الكثير قليلا «1»

والعار مضّاض وليس بخائف

من حتفه من خاف ممّا قيلا

وقوله: [الوافر]

وفي الأحباب مختصّ بوجد

وآخر يدّعي معه اشتراكا «2»

إذا اشتبكت دموع في خدود

تبيّن من بكى ممّن تباكى

وقوله: [المنسرح]

يجني الغنى للّئام لو عقلوا

ما ليس يجنى عليهم العدم «3»

(هـ) م لأموالهم وليس لهم

والعار يبقى والجرح ملتئم «4»

ص: 29

وقوله: [الخفيف]

والغنى في يد اللئيم قبيح

مثل قبح الكريم في الإملاق «1»

إلف هذا الهواء أوقع في الأن

فس أنّ الحمام مرّ المذاق

والأسى قبل فرقة الروح عجز

والأسى لا يكون قبل الفراق «2»

وقوله: [الخفيف]

إنّما تنجح المقالة في المر

ء إذا وافقت هوى في الفؤاد «3»

وإذا الحلم لم يكن في طباع

لم يحلّم تقادم الميلاد «4»

وإذا كان في الأنابيب خلف

وقع الطّيش في صدور الصعاد «5»

وقوله: [الكامل]

إنّي لأجبن من فراق أحبّتي

وتحسّ نفسي بالحمام فتشجع «6»

ص: 30

ويزيدني غضب الأعادي قسوة

ويلمّ بي عتب الصديق فأجزع

تصفو الحياة لجاهل أو غافل

عمّا مضى فيها وما يتوقّع

12/ولمن يغالط في الحقائق نفسه

ويسومها طلب المحال فتطمع

أين الذي الهرمان من بنيانه

ما قومه؟ ما يومه؟ ما المصرع؟

تتخلّف الآثار عن أصحابها

حينا ويدركها الفناء فتتبع

وقوله: [الكامل]

نبكي على الدنيا وما من معشر

جمعتهم الدنيا فلم يتفرّقوا «1»

أين الأكاسرة الجبابرة الألى

كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا

من كلّ من ضاق الفضاء بجيشه

حتى ثوى فحواه لحد ضيّق

والموت آت والنفوس نفائس

والمستغرّ بما لديه الأحمق

وقوله: أبيات مفردة منتزعة من قصائده تليق بهذا الموضع، منها:[المتقارب]

تفانى الرجال على حبّها

وما يحصلون على طائل «2»

ومنها: [الخفيف]

وإذا كانت النفوس كبارا

تعبت في مرادها الأجسام «3»

ص: 31

ومنها: [الوافر]

إذا اعتاد الفتى خوض المنايا

فأهون ما يمرّ به الوحول «1»

ومنها: [الطويل]

بذا قضت الأيام ما بين أهلها

مصائب قوم عند قوم فوائد «2»

ومنها: [الوافر]

وليس يصحّ في الأفهام شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل «3»

ومنها: [الطويل]

وكلّ أنابيب القنا مدد له

وما تنكت الفرسان إلّا العوامل «4»

وفي شكوى الزمان وأهله والفخر، قوله:[الطويل]

ص: 32

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا

وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا «1»

تمنّيتها لما تمنّيت أن ترى

صديقا فأعيا أو عدوّا مداجيا

إذا كنت ترضى أن تعيش بذلّة

فلا تستعدّنّ الحسام اليمانيا

13/ولا تستطيلنّ الرماح لغارة

ولا تستجيدنّ العتاق المذاكيا «2»

فما ينفع الأسد الحياء من الطّوى

ولا تتّقى حتى تكون ضواريا

حببتك قلبي قبل حبّك من نأى

وقد كان غدّارا فكن لي موافيا «3»

وأعلم أنّ البين يشكيك بعده

فلست فؤادي إن رأيتك شاكيا

أقلّ اشتياقا أيّها القلب ربّما

رأيتك تصفي الودّ من ليس جازيا

وقوله: [الطويل]

أطاعن خيلا من فوارسها الدّهر

وحيدا وما قولي كذا ومعي الصبر «4»

وأشجع منّي كلّ يوم سلامتي

وما ثبتت إلّا وفي نفسها أمر

تمرّست بالآفات حتى تركتها

تقول: أمات الموت أم ذعر الذّعر

وأقدمت إقدام الأتيّ كأنّ لي

سوى مهجتي أو كان لي عندها وتر «5»

ذر النّفس تأخذ وسعها قبل بينها

فمفترق جاران دارهما العمر «6»

ص: 33

ولا تحسبنّ المجد زقّا وقينة

فما المجد إلّا السيف والفتكة البكر «1»

وقوله: [الوافر]

فؤاد ما تسلّيه المدام

وعمر مثل ما تهب اللئام «2»

ودهر ناسه ناس صغار

وإن كانت لهم جثث جسام «3»

وما أنا منهم بالعيش فيهم

ولكن معدن الذّهب الرّغام

أرانب غير أنّهم ملوك

مفتّحة عيونهم نيام

خليلك أنت لا من قلت خلّي

وإن كثر التّجمّل والكلام

ولو حيز الحفاظ بغير عقل

تجنّب عنق صيقله الحسام

14/وشبه الشيء منجذب إليه

وأشبهنا بدنيانا الطّغام

ولو لم يعل إلّا ذو محلّ

تعالى الجيش وانحطّ القتام «4»

وقوله: [الكامل]

كيف الرّجاء من الخطوب تخلّصا

من بعد ما أنشبن فيّ مخالبا «5»

ونصبنني غرض الرّماة تصيبني

محن أحد من السيوف مضاربا

أظمتني الدّنيا فلمّا جئتها

مستسقيا مطرت عليّ مصائبا

ص: 34

وقوله: [الوافر]

أرى المتشاعرين غروا بذمّي

ومن ذا يحمد الدّاء العضالا «1»

ومن يك ذا فم مرّ مريض

يجد مرّا به الماء الزلالا

وقوله: [الطويل]

ومن تكن الأسد الضواري جدوده

يكن ليله صبحا ومطعمه غصبا «2»

ولست أبالي بعد إدراكي العلا

أكان تراثا ما تناولت أم كسبا

أرى كلّنا يبغي الحياة بسعيه

حريصا عليها مستهاما بها صبّا «3»

فحبّ الجبان النّفس أورده البقا

وحبّ الشجاع الحرب أورده الحربا «4»

ويختلف الرّزقان والفعل واحد

إلى أن يرى إحسان هذا لذا ذنبا

وقوله: [الوافر]

أعزمي طال هذا الليل فانظر

أفيك الصبح يفرق أن يؤوبا «5»

15/كأنّ الفجر حبّ مستزار

يراعي من دجنّته رقيبا

ص: 35

كأن نجومه حلي عليه

وقد حذيت قوائمه الجبوبا «1»

كأنّ الجوّ قاسى ما أقاسي

فصار سواده فيه شحوبا

أقلّب فيه أجفاني كأنّي

أعدّ بها على الدّهر الذنوبا

وما ليل بأطول من نهار

يظلّ بلحظ حسّادي مشوبا

وما موت بأبغض من حياة

أرى لهم معي فيها نصيبا

عرفت نوائب الحدثان حتّى

لو [انتسبت] لكنت لها نسيبا»

وقوله: [الطويل]

من الحلم أن تستعمل الجهل دونه

إذا اتّسعت في الحلم طرق المظالم «3»

وإن ترد الماء الذي شطره دم

فتسقى إذا لم يسق من لم يزاحم

ومن عرف الأيام معرفتي بها

وبالناس روّى رمحه غير راحم

فليس بمرحوم إذا ظفروا به

ولا في الرّدى الجاري عليهم بآثم

إذا صلت لم أترك مصالا لصائل

وإن قلت لم أترك مقالا لعالم

وقوله: [البسيط]

غيري بأكثر هذا النّاس ينخدع

إن قاتلوا جبنوا أو حدّثوا شجعوا «4»

أهل الحفيظة إلّا أن تجرّبهم

وفي التجارب بعد الغيّ ما يزع

ص: 36

ليس الجمال بوجه صحّ مارنه

أنف العزيز بقطع العزّ ينجدع «1»

أأطرح المجد عن كتفي وأطلبه

وأترك الغيث في غمدي وأنتجع

والمشرفيّة لا زالت مشرّفة

دواء كلّ كريم أو هي الوجع

16/لقد أباحك غشّا في معاملة

من كنت منه بغير الصّدق تنتفع

وقوله: [الطويل]

ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى

عدّوا له ما من صداقته بدّ «2»

تلجّ دموعي بالجفون كأنّما

جفوني لعيني كلّ باكية خدّ

وإنّي لتغنيني من الماء نغبة

وأصبر عنه مثلما تصبر الرّبد «3»

وقوله: [الطويل]

ألحّ عليّ السقم حتى ألفته

وملّ طبيبي جانبي والعوائد «4»

أهمّ بشيء والليالي كأنّها

تطاردني عن كونه وأطارد

وحيد من الخلّان في كلّ بلدة

إذا عظم المطلوب قلّ المساعد

وأورد نفسي والمهنّد في يدي

موارد لا يصدرن من لا يجالد

ص: 37

ولكن إذا لم يحمل القلب كفّه

على حاله لم يحمل الكفّ ساعد

وقوله: [الطويل]

أعادي على ما يوجب الحبّ للفتى

وأهدأ والأفكار فيّ تجول «1»

سوى وجع الحسّاد داو فإنّه

إذا حلّ في قلب فليس يحول

ولا تطمعن من حاسد في مودّة

وإن كنت تبديها له وتنيل

وإنّا لنلقى الحادثات بأنفس

كثير الرزايا عندهنّ قليل

يهون علينا أن تصاب جسومنا

وتسلم أعراض لنا وعقول

وقوله: [الطويل]

وأسرع مفعول فعلت تغيّرا

تكلّف شيء في طباعك ضدّه «2»

17/وفي النّاس من يرضى بميسور عيشه

ومركوبه رجلاه والثوب جلده

ولكنّ قلبا بين جنبيّ ماله

مدى ينتهي بي في مراد أحدّه

وإنّي إذا باشرت أمرا أريده

تدانت أقاصيه وهان أشدّه

وقوله: [الطويل]

أما تغلط الأيام فيّ بأن أرى

صديقا تنآئى أو حبيبا تقرّب «3»

ص: 38

لحا الله ذي الدنيا مناخا لراكب

فكلّ بعيد الهمّ فيها معذّب

ألا ليت شعري هل أقول قصيدة

فلا أشتكي فيها ولا أتعتّب

وبي ما يذود الشعر عنّي أقلّه

ولكنّ قلبي يا ابنة القوم قلّب

أحنّ إلى أهلي وأهوى لقاءهم

وأين من المشتاق عنقاء مغرب «1»

وقوله: [البسيط]

بم التعلّل لا أهل ولا وطن

ولا نديم ولا كأس ولا سكن «2»

أريد من زمني ذا أن يبلّغني

ما ليس يبلغه من نفسه الزمن

ممّا أضرّ بأهل العشق أنّهم

هووا وما عرفوا الدنيا ولا فطنوا

تفنى عيونهم دمعا وأنفسهم

في إثر كلّ قبيح وجهه حسن

وقوله: [الطويل]

ولو أنّ ما بي من حبيب مقنّع

عذرت ولكن من حبيب معمّم «3»

رمى واتّقى رميي ومن دون ما اتقى

هوى كاسر كفّي وقوسي وأسهمي

وقوله: [الخفيف]

ص: 39

صحب النّاس قبلنا ذا الزّمانا

وعناهم من شأنه ما عنانا «1»

وتوفّوا بغصّة كلّهم من

هـ وإن سرّ بعضهم أحيانا «2»

18/ربّما تحسن الصّنيع ليالي

هـ ولكن تكدّر الإحسانا

وكأنّا لم يرض فينا بريب ال

دّهر حتى أعانه من أعانا

كلّما أنبت الزمان قناة

ركّب المرء في القناة سنانا

ومراد النفوس أصغر من أن

تتعادى فيه وأن تتفانى

غير أنّ الفتى يلاقي المنايا

كالحات ولا يلاقي الهوانا

ولو انّ الحياة تبقى لحيّ

لعددنا أضلّنا الشجعانا

وإذا لم يكن من الموت بدّ

فمن العجز أن تكون جبانا «3»

وقوله: [الوافر]

ولمّا صار حبّ الناس خبّا

جزيت عن ابتسام بابتسام «4»

وصرت أشكّ فيمن أصطفيه

لعلمي أنّه بعض الأنام

وآنف من أخي لأبي وأمّي

إذا ما لم أجده من الكرام

ص: 40

أرى الأجداد تغلبها كثيرا

على الأولاد أخلاق اللئام «1»

ولم أر في عيوب النّاسى شيئا

كنقص القادرين على التمام

أقمت بأرض مصر فلا ورائي

تخبّ بي الركاب ولا أمامي «2»

وملّني الفراش وكان جنبي

يملّ لقاءه في كلّ عام

قليل عائدي سقم فؤادي

كثير حاسدي صعب مرامي

منها يذكر الحمّى «3» :

وزائرتي كأنّ بها حياء

فليس تزور إلّا في الظلام

بذّلت لها المطارف والحشايا

فعافتها وباتت في عظامي

19/يضيق الجلد عن نفسي وعنها

فتوسعه بأنواع السّقام

إذا ما فارقتني غسّلتني

كأنّا عاكفان على حرام

كأنّ الصّبح يطردها فتجري

مدامعها بأربعة سجام

أراقب وقتها من غير شوق

مراقبة المشوق المستهام

ويصدق وعدها والصّدق شرّ

إذا ألقاك في الكرب العظام

أبنت الدّهر عندي كلّ بنت

فكيف وصلت أنت من الزحام

جرحت مجرّحا لم يبق فيه

مكان للسيوف ولا السهام

يقول لي الطّبيب أكلت شيئا

وداؤك في شرابك والطعام

وما في ظنّه أنّي جواد

أضرّ بجسمه طول الجمام «4»

ص: 41

فإن أمرض فما مرض اصطباري

وإن أجمم فما جمّ اعتزامي «1»

وإن أسلم فما أبقى ولكن

سلمت من الحمام إلى الحمام

تمتّع من سهاد أو رقاد

ولا تأمن كرى تحت الرّجام «2»

فإنّ لثالث الحالين معنى

سوى معنى انتباهك والمنام

وقوله: [الوافر]

وما أدري أذا داء حديث

أصاب النّاس أم داء قديم «3»

إذا أتت الإساءة من وضيع

ولم ألم المسيء فمن ألوم «4»

وقوله: [الوافر]

إذا ما الناس جرّبهم لبيب

فإنّي قد أكلتهم وذاقا «5»

فلم أر ودّهم إلّا خداعا

ولم أر دينهم إلّا نفاقا

وقوله: [البسيط]

لم يترك الدّهر من قلبي ولا كبدي

شيئا تتيّمه عين ولا جيد «6»

ص: 42

20/يا ساقييّ أخمر في كؤوسكما

أم في كؤوسكما همّ وتسهيد

أصخرة أنا مالي لا تغيّرني

هذي المدام ولا هذي الأغاريد «1»

إذا أردت كميت اللّون صافية

وجدتها وحبيب النّفس مفقود «2»

ماذا لقيت من الدنيا وأعجبها

أنّي بما أنا باك منه محسود

وقوله: [البسيط]

توهّم القوم أنّ العجز قرّبنا

وفي التقرّب ما يدعو إلى التّهم «3»

ولم تزل قلّة الإنصاف قاطعة

بين الرجال ولو كانوا ذوي رحم

هوّن على بصر ما شقّ منظره

فإنّما يقظات العين كالحلم

ولا تشكّ إلى خلق فتشمته

شكوى الجريح إلى العقبان والرخم «4»

وكن على حذر للناس تستره

ولا يغرك منهم ثغر مبتسم

غاض الوفاء فما تلقاه في عدة

وأعوز الصدق في الأخبار والقسم

أتى الزمان بنوه في شبيبته

فسرّهم وأتيناه على الهرم

وقوله: [الطويل]

ص: 43

وغيظ على الأيام كالنار في الحشا

ولكنّه غيظ الأسير على القدّ «1»

وليس حياء الوجه في الذئب شيمة

ولكنّه من شيمة الأسد الورد

إذا لم تجزهم دار قوم مودّة

أجاز القنا والخوف خير من الودّ

وقوله: [البسيط]

ليس التعلّل بالآمال من إربي

ولا القناعة بالإقلال من شيمي «2»

ولا أظنّ بنات الدهر تتركني

حتى تسدّ عليها طرقها هممي

21/لأتركنّ وجوه الخيل ساهمة

والحرب أقوم من ساق على قدم

ردي حياض الردى يا نفس واتّركي

حياض خوف الردى للشاء والنعم

إن لم أذرك على الأرماح سائلة

فلا دعيت ابن أمّ المجد والكرم

أيملك الملك والأسياف ظامئة

والطير جائعة لحم على وضم «3»

من لو رآني ماء مات من ظمأ

ولو مثلث له في النوم لم ينم

وقوله: [البسيط]

أذاقني زمني بلوى شرقت بها

لو ذاقها لبكى ما عاش وانتحبا «4»

ص: 44

وإن عمرت جعلت الحرب والدة

والسمهريّ أخا والمشرفيّ أبا

بكلّ أشعث يلقى الموت مبتسما

حتى كأنّ له في قتله إربا

الموت أعذر لي والصبر أجمل بي

والبرّ أوسع والدنيا لمن غلبا

وقوله: [الكامل]

أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت

وإذا نطقت فإنّني الجوزاء «1»

وإذا خفيت عن الغبيّ فعاذر

أن لا تراني مقلة عمياء

[وقوله]«2» : [الطويل]

وأتعب من ناداك من لا تجيبه

وأغيظ من عاداك من لا تشاكل «3»

وما التيه طبّي فيهم غير أنّه

بغيض إليّ الجاهل المتعاقل «4»

وقوله: [المنسرح]

كن أيها السجن كيف شئت فقد

وطنّت للموت نفس معترف «5»

لو كان سكناي فيك منقصة

لم يكن الدرّ ساكن الصدف

ص: 45

وقوله: [المنسرح]

إنّي وإن لمت حاسديّ فما

أنكر أنّي عقوبة لهم «1»

22/وكيف لا يحسد امرؤ علم

له على كلّ هامة قدم

كفاني الذمّ أنني رجل

أكرم مال ملكته الكرم

وقوله: [الخفيف]

ما بقومي شرفت بل شرفوا بي

وبنفسي فخرت لا بجدودي «2»

أنا ترب العلى وربّ القوافي

وسمام العدا وغيظ الحسود

وقوله: [الكامل]

أنكرت طارقة الليالي مرة

ثمّ اعترفت بها فصارت ديدنا «3»

وفي النسيب قوله: [الطويل]

تذكّرت ما بين العذيب وبارق

مجرّ عوالينا ومجرى السوابق «4»

ص: 46

وصحبة قوم يذبحون قنيصهم

بفضلات ما قد كسّروا في المفارق «1»

وليلا توسّدنا الثويّة تحته

كأنّ ثراها عنبر في المرافق

بلاد إذا زار الحسان بغيرها

حصى تربها ثقّبنه للمخانق

سقتني بها القطر بّليّ مليحة

على كاذب من وعدها ضوء صادق «2»

سهاد لأجفان وشمس لناظر

وسقم لأبدان ومسك لناشق

وقوله: [البسيط]

أحيا وأيسر ما قاسيت ما قتلا

والبين جار على ضعفي وما عدلا «3»

والوجد يقوى كما يقوى النوى أبدا

والصّبر ينحل في جسمي كما نحلا

لولا مفارقة الأحباب ما وجدت

لها المنايا إلى أرواحنا سبلا

وقوله: [الكامل]

إن كان أغناها السلوّ فإنّني

أمسيت من كبدي ومنها معدما «4»

غصني على نقوي فلاة نابت

شمس النهار تقلّ ليلا مظلما

23/وقوله: [البسيط]

أبلى الهوى أسفا يوم النّوى بدني

وفرّق الهجر بين الجفن والوسن «5»

ص: 47

روح تردّد في مثل الخلال إذا

أطارت الريح عنه الثوب لم يبن «1»

كفى بجسمي نحولا أنّني رجل

لولا مخاطبتي إيّاك لم ترني

وقوله: [الطويل]

حشاشة نفس ودّعت يوم ودّعوا

فلم أدر أيّ الظاعنين أشيّع «2»

أشاروا بتسليم فجدنا بأنفس

تسيل من الآماق والسقم أدمع

ولو حمّلت صمّ الجبال الذي بنا

غداة افترقنا أوشكت تتصدّع

حشاي على جمر ذكيّ من الهوى

وعيناي في روض من الحسن ترتع

فيا ليلة ما كان أطول بتّها

وسمّ الأفاعي عذب ما أتجرّع «3»

تذلّل لها واخضع على القرب والنوى

فما عاشق من لا يذلّ ويخضع

وقوله: [الكامل]

وأنا الذي اجتلب المنية طرفه

فمن المطالب والقتيل القاتل «4»

إنعم ولذّ فللأمور أواخر

أبدا إذا كانت لهنّ أوائل

ما دمت من أرب الحسان فإنّما

روق الشباب عليك ظلّ زائل

للهو آونة تمرّ كأنّها

قبل تزوّدها حبيب راحل

وقوله: [البسيط]

ص: 48

حاش الرقيب فخانته ضمائره

وغيّض الدمع فانهلّت بوادره «1»

وكاتم الحبّ يوم البين منهتك

وصاحب الدمع لا تخفى سرائره

أعارني سقم جفنيه وحمّلني

من الهوى ثقل ما تحوي مآزره «2»

24/من بعد ما كان ليلي لا صباح له

كأنّ أول يوم الحشر آخره

وقوله: [الطويل]

فمن شاء فلينظر إليّ فمنظري

نذير إلى من ظنّ أنّ الهوى سهل «3»

وما هي إلّا لحظة بعد لحظة

إذا نزلت في قلبه رحل العقل

جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي

فأصبح لي عن كلّ شغل بها شغل

ومن جسدي لم يترك السقم شعرة

فما فوقها إلّا وفيها له فعل

كأنّ رقيبا منك سدّ مسامعي

عن العذل حتى ليس يدخلها العذل

كأنّ سهاد الليل يعشق مقلتي

فبينهما في كلّ هجر لنا وصل

وقوله: [الكامل]

إنّ التي سفكت دمي بجفونها

لم تدر أنّ دمي الذي تتقلّد «4»

قالت وقد رأت اصفراري: من به

وتنهدت فاجبتها المتنهّد

ص: 49

فمضت وقد صبغ الحياء بياضها

لوني كما صبغ اللجين العسجد

فرأيت قرن الشمس في قمر الدجى

متأوّدا غصن به يتأوّد

أبلت مودّتها الليالي بعدنا

ومشى عليها الدهر وهو مقيّد

وقوله: [الطويل]

أريقك أم ماء الغمامة أم خمر

بفيّ برود وهو في كبدي جمر «1»

رأت وجه من أهوى بليل عواذلي

فقلن: نرى شمسا وما طلع الفجر

رأين التي للسّحر في لحظاتها

سيوف ظباها من دمي أبدا حمر

تناهى سكون الحبّ في حركاتها

فليس لراء وجهها لم يمت عذر «2»

25/وقوله: [الطويل]

نرى عظما بالصدّ والبين أعظم

ونتهم الواشين والدمع منهم «3»

ومن لبّه مع غيره كيف حاله

ومن سرّه في جفنه كيف يكتم

ولمّا التقينا والنوى ورقيبنا

غفولان عنا ظلت أبكي وتبسم

فلم أرّ بدرا ضاحكا قبل وجهها

ولم تر قبلي ميتا يتكلم

بفرع يعيد الليل والصبح نيّر

ووجه يعيد الصبح والليل مظلم

وقوله: [البسيط]

ما الشوق مقتنعا منّي بذا الكمد

حتى أكون بلا قلب ولا جسد «4»

ص: 50

وكلّما فاض دمعي غاض مصطبري

كأنّ ما سال من جفنيّ من جلدي

وقوله: [الوافر]

أيدري الربع أيّ دم أراقا

وأيّ قلوب هذا الركب شاقا «1»

لنا ولأهله أبدا قلوب

تلاقى في جسوم ما تلاقى

فليت هوى الأحبّة كان عدلا

فحمّل كلّ قلب ما أطاقا

نظرت إليهم والعين شكرى

فصارت كلّها للدمع ماقا «2»

وقد أخذ التمام البدر فيهم

وأعطاني من السّقم المحاقا

وخصر تثبت الأبصار فيه

كأن عليه من حدق نطاقا

وقوله: [الوافر]

تولّوا بغتة فكأنّ بينا

تهيبّني ففاجأني اغتيالا «3»

فكان مسير عيسهم ذميلا

وسير الدمع إثرهم انهمالا «4»

كأن العيس كانت فوق جفني

مناخات فلما ثرن سالا

بدت قمرا ومالت خوط بان

وفاحت عنبرا ورنت غزالا

26/لبسن الوشي لا متجمّلات

ولكن كي يصنّ به الجمالا

وضفّرن الغدائر لا لحسن

ولكن خفن في الشّعر الضلالا

ص: 51

وقوله: [الطويل]

أيا لائمي إن كنت وقت اللوائم

علمت بما بي بين تلك المعالم «1»

ولكننّي ممّا شدهت متيّم

كسال وقلبي بائح مثل كاتم

وقفنا كأنا كلّ وجد قلوبنا

تمكن من أذوادنا في القوائم «2»

ودسنا بأخفاف المطيّ ترابها

فلا زلت أستشفي بلثم المناسم

ديار اللواتي دارهنّ عزيزة

بطول القنا.. حفّظن لا بالتمائم

حسان التثني ينقش الوشي مثله

إذا مسّ في أجسادهنّ النواعم

ويبسمن عن درّ تقلّدن مثله

كأنّ التراقي وشحّت بالمباسم

وقوله: [الكامل]

في الخدّ إن عزم الخليط رحيلا

مطر تزيد به الخدود محولا «3»

يا نظرة نفت الرقاد وغادرت

في حدّ قلبي ما حييت فلولا

كانت من الكحلاء سؤلي إنّما

أحلي تمثّل في فؤادي سولا

أجد الجفاء على سواك مروءة

والصبر إلّا في نواك جميلا

حدق الحسان من الغواني هجن لي

يوم الفراق صبابة وعويلا «4»

وقوله: [الكامل]

القلب أعلم يا عذول بدائه

وأحقّ منك بجفنه وبمائه «5»

ص: 52

فومن أحبّ لأعصينّك في الهوى

قسما به وبحسنه وبهائه

27/أأحبّه وأحبّ فيه ملامة

إنّ الملامة فيه من أعدائه

ما الخلّ إلّا من أودّ بقلبه

وأرى بطرف لا يرى بسوائه

إنّ المعين على الصبابة بالأسى

أولى برحمة ربّها وإخائه

لا تعذل المشتاق في أشواقه

حتى تكون حشاك في أحشائه «1»

إنّ القتيل مضرّجا بدموعه

مثل القتيل مضرّجا بدمائه

والعشق كالمعشوق يعذب قربه

للمبتلي وينال من حوبائه

وقي الأمير هوى العيون فإنّه

ما لا يزول ببأسه وسخائه

يستأسر البطل الكميّ بنظرة

ويحول بين فؤاده وعزائه

وقوله: [الطويل]

لياليّ بعد الظاعنين شكول

طوال وليل العاشقين طويل «2»

يبنّ لي البدر الذي لا أريده

ويخفين بدرا ما إليه سبيل

وما عشت من بعد الأحبّة سلوة

ولكننّي للنائبات حمول

وما شرقي بالماء إلّا تذكّرا

لماء به أهل الحبيب نزول

يحرّمه لمع الأسنّة فوقه

فليس لظمآن إليه وصول

أما في النجوم السائرات وغيرها

لعيني على ضوء الصباح دليل

ألم ير هذا الليل عينيك رؤيتي

فتظهر فيه رقّة ونحول

لقيت بدرب القلّة الفجر لقية

شفت كبدي والليل فيه قتيل «3»

ص: 53

ويوما كأنّ الحسن فيه علامة

بعثت بها والشمس منك رسول

وما قبل سيف الدولة اثّار عاشق

ولا طلبت عند الظلام ذحول «1»

28/ولكنه يأتي بكلّ غريبة

تروق على استغرابها وتهول

وقوله: [الطويل]

لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي

وللحب ما لم يبق مني وما بقي «2»

وما كنت ممّن يدخل العشق قلبه

ولكنّ من يبصر جفونك يعشق

عشيّة يعدونا عن النظر البكا

وعن لذّة التوديع خوف التفرّق

وبين الرّضا والسخط والقرب والنوى

مجال لدمع المقلة المترقرق

وأحلى الهوى ما شكّ في الوصل ربّه

وفي الهجر فهو الدّهر يرجو ويتقي

وما كلّ من يهوى يعفّ إذا خلا

عفافي ويرضي الحبّ والخيل تلتقي

وقوله: [الطويل]

عدمت فؤادا لم تبت فيه فضلة

لغير الثنايا الغرّ والحدق البخّل «3»

وقوله: [الخفيف]

شيب رأسي وذلّتي ونحولي

ودموعي على هواك شهودي «4»

ص: 54

أيّ يوم سررتني بوصال

لم ترعني ثلاثة بصدود

وقوله: [الكامل]

وعذلت أهل العشق حتى ذقته

فعجبت كيف يموت من لا يعشق «1»

وعذرتهم وعرفت ذنبي أنّني

عيرّتهم فلقيت فيه ما لقوا

وقوله: [البسيط]

كتمت حبّك حتى منك تكرمة

ثمّ استوى فيك إسراري وإعلاني «2»

كأنّه زاد حتى فاض من جسدي

فصار سقمي به في حسم كتماني

وقوله: [الكامل]

إن كنت ظاعنة فإنّ مدامعي

تكفي مزادكم وتروى العيسا «3»

29/حاشا لمثلك أن تكون بخيلة

ولمثل وجهك أن يكون عبوسا

وقوله: [البسيط]

بحب قاتلتي والشيب تغذيتي

هواي طفلا وشيبي بالغ الحلم «4»

فما أمرّ برسم لا أسائله

ولا بذات خمار لا تريق دمي

ص: 55

تنفّست عن وفاء غير منصدع

يوم الرحيل وشعب غير ملتئم

قبّلتها ودموعي مزج أدمعها

وقبّلتني على خوف فما لفم

فذقت ماء حياة من مقبّلها

لو صاب تربا لأحيا سالف الأمم

ترنو إليّ بعين الظبي مجهشة

وتمسح الطلّ فوق الورد بالعنم

وقوله: [الكامل]

يمّمت شاسع دارهم عن نيّة

إنّ المحبّ على البعاد يزور «1»

وقنعت باللقيا وأوّل نظرة

إنّ القليل من المحبّ كثير

وقوله: [الطويل]

عواذل ذات الخال فيّ حواسد

وإنّ ضجيع الخود منّي لماجد «2»

يردّ يدا عن ثوبها وهو قادر

ويعصي الهوى في طيفها وهو راقد

متى يشتفي من لاعج الشوق في الحشا

محبّ لها في قربه متباعد

وقوله: [الوافر]

أقول لها اكشفي ضرّي وقولي

بأكثر من تدلّلها خضوعا «3»

أخفت الله من إحياء نفس

متى عصي الاله بأن أطيعا

ص: 56

غدا بك كلّ خلو مستهاما

وأصبح كلّ مستور خليعا

وقوله: [البسيط]

هام الفؤاد بأعرابية سكنت

بيتا من القلب لم تمدد له طنبا «1»

30/مظلومة القدّ في تشبيهه غصنا

مظلومة الريق في تشبيهه ضربا «2»

بيضاء تطمع فيما تحت حلّتها

وعزّ ذلك مطلوبا إذا طلبا

كأنّها الشمس يعيي كفّ قابضه

شعاعها وبراه الطرف مقتربا

وقوله: [الطويل]

أردّد ويلي لو قضى الويل حاجة

وأكثر لهفي لو شفى غلّة لهف «3»

ضنى في الهوى كالسّم في الشهد كامنا

لذذت به جهلا وفي اللّذة الحتف

وقوله: [الكامل]

كشفت ثلاث ذوائب من شعرها

في ليلة فأرت ليالي أربعا «4»

واستقبلت قمر السماء بوجهها

فأرتني القمرين في وقت معا

ص: 57

وقوله: [الكامل]

أسفي على أسفي الذي دلّهتني

عن علمه فبه عليّ خفاء «1»

وشكيّتي فقد السقام لأنّه

قد كان لمّا كان لي أعضاء

وقوله: [البسيط]

أمّلت ساعة ساروا كشف معصمها

ليلبث الحيّ دون السير حيرانا «2»

ولو بدت لأتاهتهم فحجبّها

صون عقولهم من لحظه صانا

منها:

أمّا الثياب فتعرى من محاسنه

إذا نضاها ويكسى الحسن عريانا

يضمّه المسك ضمّ المستهام به

حتى يصير على الأعكان أعكانا «3»

منها:

قد كنت أشفق من دمعي على بصري

فاليوم كلّ عزيز بعدكم هانا

تهدي البوارق أخلاف المياه لكم

وللمحبّ من التذكار نيرانا

وقوله: [الطويل]

أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب

وردّوا رقادي فهو لحظ الحبائب «4»

ص: 58

31/فإنّ نهاري ليلة مدلهمة

على مقلة من فقدكم في غياهب

بعيدة ما بين الجفون كأنّما

عقدتم أعالي كلّ هدب بحاجب

وأحسب أنّي لو هويت فراقكم

لفارقته والدهر أخبث صاحب

فياليت ما بيني وبين أحبّتي

من البعد ما بيني وبين المصائب

أراك ظننت السّلك جسمي فعفيه

عليك بدرّ عن لقاء الترائب

ولو قلم ألقيت في شقّ رأسه

من السقم ما غيّرت من خطّ كاتب

وقوله: [الطويل]

قفي تغرم الأولى من اللحظ مهجتي

بثانية والمتلف الشيء غارمه «1»

سقاك وحيّانا بك الله إنّما

على العيس نور والخدود كمائمه

وما حاجة الأظعان حولك في الدجى

إلى قمر ما واجد لك عادمه

حبيب كأنّ الحسن كان يحبّه

فآثره أو جار في الحسن قاسمه

وما استغربت عيني فراقا رأيته

ولا علّمتني غير ما القلب عالمه

وما خضب الناس البياض لأنّه

قبيح ولكن أحسن الشّعر فاحمه

وقوله: [المتقارب]

يراد من القلب نسيانكم

وتأبى الطباع على الناقل «2»

وإنّي لأعشق من عشقكم

نحولي وكلّ امرئ ناحل

ص: 59

ولو زلتم ثم لم أبككم

بكيت على حبّي الزائل

كأنّ الجفون على مقلتي

ثياب شققن على ثاكل

وقوله: [الطويل]

فديناك من ربع وإن زدتنا كربا

فإنّك كنت الشرق للشمس والغربا «1»

32/وكيف عرفنا رسم من لم يدع لنا

فؤادا لعرفان الديار ولا لبّا «2»

وكيف التذاذي بالأصائل والضحى

إذا لم يعد ذاك النسيم الذي هبّا

ومن صحب الدنيا طويلا تقلّبت

على عينه حتى يرى صدقها كذبا

نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة

لمن بان عنه أن نلمّ به ركبا

نذمّ السحاب الغرّ في فعلها به

ونعرض عنها كلّما طلعت عتبا

ذكرت به وصلا كأن لم أفز به

وعيشا كأنّي كنت أقطعه وثبا

لها بشر الدرّ الذي قلّدت به

ولم أر بدرا قبلها قلّد الشهبا

وقوله: [البسيط]

وما صبابة مشتاق على أمل

من اللقاء كمشتاق بلا أمل «3»

متى تزر قوم من تهوى زيارتها

لا يتحفوك بغير البيض والأسل

والهجر أقتل لي ممّا أراقبه

أنا الغريق فما خوفي من البلل

قد ذقت شدّة أيامي ولذّتها

فما حصلت على صاب ولا عسل «4»

ص: 60

وقد طرقت فتاة الحيّ مرتديا

بصاحب غير عزهاة ولا غزل «1»

فبات بين تراقينا ندفّعه

وليس يعلم بالشكوى ولا القبل

ثمّ انثنى وبه من طيبها أثر

على ذوائبه والجفن والخلل «2»

وقوله: [الطويل]

تفرّد بالأحكام في أهله الهوى

فأنت جميل الخلف مستحسن الكذب «3»

وإنّي لممنوع المقاتل في الوغي

وإن كنت مبذول المقاتل في الحبّ

ومن خلقت عيناك بين جفونه

أصاب الحدور السهل في المرتقى الصعب

33/وقوله: [البسيط]

من الجآذر في زيّ الأعاريب

حمر الحلى والمطايا والجلابيب «4»

أزورهم وسواد الليل يشفع لي

وأنثني وبياض الصبح يغري بي

ما أوجه الحضر المستحسنات به

كأوجه البدويات الرعابيب «5»

حسن الحضارة مجلوب بتطرية

وفي البداوة حسن غير مجلوب

وقوله: [الكامل]

ص: 61

ذكر الصّبا ومرابع الآرام

جلبت حمامي قبل وقت حمامي «1»

دمن تكاثرت الهموم عليّ في

عرصاتها كتكاثر اللوّام

فكأن كلّ سحابة وكفت بها

تبكي بعيني عروة بن حزام

قد كنت تهزأ بالفراق مجانة

وتجرّ ذيلي شرّة وعرام

ليس القباب على الركاب وإنّما

هنّ الحياة ترحّلت بسلام

ليت الذي خلق النوى جعل الحصى

لخفا فهنّ مفاصلي وعظامي

وقوله: [الخفيف]

وإذا خامر الهوى قلب صبّ

فعليه لكلّ عين دليل «2»

زوّدينا من حسن وجهك ما دا

م فحسن الوجوه حال تحول

إن تريني أدمت بعد بياض

فحميد من القناة الذبول «3»

وكثير من السؤال اشتياق

وكثير من ردّه تعليل

وقوله: [المنسرح]

شاميّة طالما خلوت بها

تبصر في ناظري محيّاها «4»

فقبّلت ناظري تغالطني

وإنّما قبّلت به فاها

ص: 62

34/كلّ جريح ترجى سلامته

إلّا فؤادا دهته عيناها

وقوله: [الطويل]

أسرّ بتجديد الهوى ذكر ما مضى

وإن كان لا يبقى له الحجر الصلد «1»

إذا غدرت حسناء أوفت بعهدها

ومن عهدها أن لا يدوم لها عهد

وإن عشقت كانت أشدّ صبابة

وإن فركت فاذهب فما فركها قصد «2»

وإن حقدت لم يبق في قلبها رضا

وإن رضيت لم يبق في قلبها حقد

كذلك أخلاق النساء وربّما

يضلّ بها الهادي ويخفى بها الرشد

ولكنّ حبّا خامر القلب في الصّبا

يزيد على مرّ الزمان ويشتدّ

وقوله: [الكامل]

الحبّ ما منع الكلام الألسنا

وألذّ شكوى عاشق ما أعلنا «3»

وقوله: [المقتضب]

ما بال هذي النجوم حائرة

كأنّها العمي ما لها قائد «4»

ومن المختار له في المديح في سيف الدولة ابن حمدان: [الطويل]

ص: 63

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكرام المكارم «1»

وتعظم في عين الصغير صغارها

وتصغر في عين العظيم العظائم

يكلّف سيف الدولة الجيش همّه

وقد عجزت عنه الملوك الخضارم

ويطلب عند الناس ما عند نفسه

وذلك ما لا تدّعيه الضراغم

يفدّى أتمّ الطير عمرا سلاحه

نسور الفلا أحداثها والقشاعم

وما ضرّها خلق بغير مخالب

وقد خلقت أسيافه والقوائم

هل الحدث الحمراء تعرف لونها

وتعرف أيّ الساقيين الغمائم

35/سقتها الغمام الغرّ قبل نزوله

فلمّا دنا منها سقتها الجماجم

بناها وعلّا والقنا يقرع القنا

وموج المنايا حولها متلاطم

وكان بها مثل الجنون فأصبحت

ومن جثث القتلى عليها تمائم

طريدة دهر ساقها فرددتها

على الدين بالخطيّ والدهر راغم

وكيف ترجيّ الروم والروس هدمها

وذا الطعن آساس لها ودعائم

تفيت الليالي كلّ شيء أخذته

وهنّ لما يأخذن منك غوارم

إذا كان ما تنويه فعلا مضارعا

مضى قبل أن تأتي عليه الجوازم

وقد حاكموها والمنايا حواكم

فما مات مظلوم ولا عاش ظالم

وقفت وما في الموت شكّ لواقف

كأنّك في جفن الردى وهو نائم

تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة

ووجهك وضّاح وثغرك باسم

ضممت جناحيهم على القلب ضمّة

تموت الخوافي تحته والقوادم «2»

بضرب أتى الهامات والنصر غائب

وصار إلى اللبّات والنصر قادم «3»

ص: 64

ومن طلب الفتح الجليل فانّما

مفاتيحه البيض الرقاق الصوارم «1»

مضى يشكر الأصحاب في فوته الظبا

لما شغلتها هامهم والمعاصم

ويفهم صوت المشرفية فيهم

على أنّ أصوات السيوف أعاجم

لك الحمد في الدرّ الذي أنا ناظم

فإنّك معطيه وإنّي ناظم «2»

وقوله: [البسيط]

أعلى الممالك ما يبنى على الأسل

والطعن عند محبيهنّ كالقبل «3»

وما تقرّ سيوف في ممالكها

حتى يقلقل دهرا قبل في القلل

36/مثل الأمير بغى أمرا فقرّ به

طول الرماح وأيدي الخيل والإبل

وعزمة بعثتها همّة زحل

من تحتها بمكان الترب من زحل «4»

تتلو أسنّته الكتب التي نفذت

وتجعل الخيل أبدالا من الرسل

تلقى الملوك ولا تلقى سوى جزر

وما أعدّوا فلا يلقى سوى نفل

منها:

والباعث الجيش قد غالت عجاجته

ضوء النهار فصار الظهر كالطّفل «5»

الجوّ أضيق ما لاقاه ساطعها

ومقلة الشمس فيه أحير المقل

ينال أبعد منها وهي ناظرة

فما تقابله إلّا على وجل

يعود من كلّ فتح غير مفتخر

وقد أغذّ إليه غير محتفل

ص: 65

ولا يجير عليه الدهر بغيته

ولا يحصّن درع مهجة البطل

إذا خلعت على عرض له حللا

وجدتها منه في أبهى من الحلل

إنّ السعادة فيما أنت فاعله

وفّقت مرتحلا أو غير مرتحل

بذي الغباوة من إنشادها ضرر

كما تضرّ رياح الورد بالجعل

أجر الجياد على ما كنت مجريها

وخذ بنفسك في أخلاقك الأول

فلا هجمت بها إلّا على ظفر

ولا وصلت بها إلّا إلى أمل

وقوله يمدحه: [البسيط]

بالجيش تمتنع السادات كلّهم

والجيش بابن أبي الهيجاء يمتنع «1»

لا تعتفي بلدا مسراه عن بلد

كالموت ليس به ريّ ولا شبع

للسبي ما نكحوا والقتل ما ولدوا

والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا

يطمّع الطير فيهم طول أكلهم

حتى يكاد على أحيائهم يقع

تغدو المنايا فلا تنفكّ واقفة

حتى يقول لها عودي فتندفع

37/لا تحسبوا من أسرتم كان ذا رمق

فليس يأكل إلّا الميّت الضبع

تمشي الكرام على آثار غيرهم

وأنت تخلق ما تأتي وتبتدع

منها:

من كان فوق محلّ الشمس موضعه

فليس يرفعه شيء ولا يضع

ليت الملوك على الأقدار معطية

فلم يكن لدنيّ عندها طمع

لقد أباحك غشّا في معاملة

من كنت منه بغير الصدق تنتفع

الدهر معتذر والسيف منتظر

وأرضهم لك مصطاف ومرتبع

ص: 66

وقد يظنّ شجاعا من به خرق

وقد يظنّ جبانا من به زمع «1»

إنّ السلاح جميع الناس تحمله

وليس كلّ ذوات المخلب السّبع

وقوله: [الطويل]

ولولاك لم تجر الدماء ولا اللهى

ولم يك للدنيا ولا أهلها معنى «2»

وما الخوف إلّا ما تخوّفه الفتى

وما الأمن إلّا ما رآه الفتى أمنا

وقوله: [الطويل]

تقبّل أفواه الملوك بساطه

ويكبر عنها كمّه وبراجمه «3»

له عسكرا خيل وطير إذا رمى

بها عسكرا لم تبق إلّا جماجمه

سحاب من العقبان يزحف تحتها

سحاب إذا استسقت سقتها صوارمه

تحاربه الأعداء وهي عباده

ويدخر الأموال وهي غنائمه

ويستكبرون الدّهر والدهر دونه

ويستعظمون الموت والموت خادمه

وما كلّ سيف يقطع الهام حدّه

ويقطع لزبات الزمان مكارمه «4»

ص: 67

منها:

فأبصرت بدرا لا يرى البدر مثله

وخاطبت بحرا لا يرى العبر عائمه

38/فقد ملّ ضوء الصبح ممّا تغيره

وملّ سواد الليل ممّا تزاحمه

وملّ القنا ممّا تدقّ صدوره

وملّ حديد الهند ممّا تلاطمه

وقوله: [المتقارب]

خذوا ما أتاكم به واعذروا

فإنّ الغنيمة في العاجل «1»

وإن كان أعجبكم عامكم

فعودوا إلى حمص من قابل

فإن الحسام الخضيب الذي

قتلتم به في يد القاتل

تفكّ العناة وتغني العفاة

وتغفر للمذنب الجاهل

وقوله: [الطويل]

إذا كان مدح فالنسيب المقدّم

أكلّ فصيح قال شعرا متيّم «2»

لحبّ ابن عبد الله أولى فإنّه

به يبدأ الذكر الجميل ويختم

أطعت الغواني قبل مطمح ناظري

إلى منظر يصغرن عنه ويعظم

تعرّض سيف الدولة الدهر كلّه

يطبّق في أوصاله ويصمّم

فجاز له حتى على الشمس حكمه

وبان له حتى على البدر ميسم

فلم يخل من نصر له من له يد

ولم يخل من شكر له من له فم

ولم يخل من أسمائه عود منبر

ولم يخل دينار ولم يخل درهم

ص: 68

يقرّ له بالفضل من لا يودّه

ويقضي له بالسعد من لا ينجّم

إذا نحن سمينّاك خلنا سيوفنا

من التّيه في أغمادها تتبسّم

أخذت على الأرواح كلّ ثنيّة

من العيش يعطي من يشاء ويحرم «1»

فلا موت إلّا من سنانك يتّقى

ولا رزق إلّا من يمينك يقسم

39/وقوله: [الطويل]

خليليّ إنّي لا أرى غير شاعر

فكم منهم الدعوى ومنّي القصائد «2»

فلا تعجبا إنّ السيوف كثيرة

ولكنّ سيف الدولة اليوم واحد

ولمّا رأيت الناس دون محلّه

تيقنّت أنّ الدهر للناس ناقد

أحقّهم بالسيف من ضرب الطّلى

وبالأمر من هانت عليه الشدائد

وإنّ دما أجريته بك فاخر

وإن فؤادا رعته لك حامد

وكلّ يرى طرق الشجاعة والندى

ولكنّ طبع النفس للنفس قائد

نهبت من الأعمار ما لو حويته

لهنّئت الدنيا بأنّك خالد

وتضحى الحصون المشمخراّت في الذرى

وخيلك في أعناقهنّ قلائد

فأنت حسام الملك والله ضارب

وأنت لواء الدين والله عاقد

وقوله: [الوافر]

رأيتك في الذين أرى ملوكا

كأنّك مستقيم في محال «3»

ص: 69

فإن تفق الأنام وأنت منهم

فإنّ المسك بعض دم الغزال

وقوله: [الطويل]

تهاب سيوف الهند وهي حدائد

فكيف إذا كانت نزارية عربا «1»

ويرهب ناب الليث والليث وحده

فكيف إذا كان الليوث له صحبا

ويخش عباب البحر وهو مكانه

فكيف بمن يغش البلاد إذا غبّا

هنيئا لأهل الثغر رأيك فيهم

وأنّك حزب الله جرت له حزبا

وأنك رعت الدهر فيها وريبه

فإن شكّ فليحدث بساحتها خطبا

فيوما بخيل تطرد الروم عنهم

ويوما بجود تطرد الفقر والجدبا

40/كأنّ نجوم الليل خافت مغاره

فمدّت عليها من عجاجته حجبا

وقوله: [البسيط]

قد زرته وسيوف الهند مغمدة

وقد نظرت إليه والسيوف دم «2»

فكان أحسن خلق الله كلّهم

وكان أحسن ما في الأحسن الشيم

فوت العدوّ الذي يممّته ظفر

في طيّه أسف في طيّه نعم

ص: 70

قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت

لك المهابة مالا تصنع البهم «1»

ألزمت نفسك شيئا ليس يلزمها

أن لا تواريهم أرض ولا علم

عليك هزمهم في كلّ معترك

وما عليك بهم عار إذا انهزموا

وقوله: [البسيط]

ضاق الزمان ووجه الأرض عن ملك

ملء الزمان وملء السهل والجبل «2»

فنحن في جذل والروم في وجل

والبرّ في شغل والبحر في خجل

إن كنت ترضى بأن يعطوا الجزى بذلوا

منها رضاك ومن للعور بالحول

والمدح لابن أبي الهيجاء ننجده

بالجاهلية عين الغيّ والخطل

ليت المدائح تستوفي مناقبه

فما كليب وأهل الأعصر الأول

خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به

في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل «3»

وقد وجدت مكان القول ذا سعة

فإن وجدت لسانا قائلا فقل

وما ثناك كلام الناس عن كرم

ومن يسدّ طريق العارض الهطل

لأنّ حلمك حلم لا تكلّفه

ليس التكحّل في العينين كالكحل

لا زلت تضرب من عاداك عن عرض

بعاجل النصر في مستأخر الأجل

41/وقوله: [الطويل]

لقد جدت حتى جدت في كلّ ملّة

وحتى أتاك الحمد من كلّ منطق «4»

ص: 71

فيا أيّها المطلوب جاوره تمتنع

ويا أيّها المحروم يمّمه ترزق

ويا أجبن الفرسان صاحبه تجترئ

ويا أشجع الشجعان فارقه تفرق

وقوله: [الطويل]

فلمّا رأوه وحده دون جيشه

دروا أنّ كلّ العالمين فضول «1»

وأنّ رماح الخطّ عنه قصيرة

وأنّ حديد الهند عنه كليل

فإن تكن الأيام أبصرن صولة

فقد علّم الأيام كيف تصول

فأوردهم صدر الحصان وسيفه

فتى بأسه مثل العطاء جزيل

شريك المنايا والنفوس غنيمة

فكلّ ممات لم يمته غلول «2»

وقوله: [الطويل]

لكلّ امرئ من دهره ما تعودّا

وعادات سيف الدولة الطعن في العدا «3»

ومستكبر لم يعرف الله ساعة

رأى سيفه في كفّه فتشهدّا

هو البحر غص فيه إذا كان ساكنا

على الدرّ واحذره إذا كان مزبدا «4»

ص: 72

تظلّ ملوك الأرض خاضعة له

تفارقه هلكى وتلقاه سجدّا «1»

وتحيي له المال الصوارم والقنا

ويقتل ما يحيي التبسّم والجدّا

ذكيّ تظنّيه طليعة عينه

يرى قلبه في يومه ما يرى غدا «2»

وصول إلى المستصعبات بخيله

فلو كان قرن الشمس ماء لأوردا

يدقّ على الأفكار ما أنت فاعل

فيترك ما يخفى ويؤخذ ما بدا

وقوله: [البسيط]

تشبيه جودك بالأمطار غادية

جود لكفّك ثان ناله المطر «3»

42/تكسّب الشمس منك النور طالعة

كما تكسب منها نوره القمر

وقوله: [الطويل]

أرى كلّ ذي ملك إليك مصيره

كأنّك بحر والملوك جداول «4»

إذا مطرت منهم ومنك سحائب

فوابلهم طلّ وطلّك وابل

وأسعد مشتاق وأظفر طالب

همام إلى تقبيل كفّك واصل

وقد زعموا أنّ النجوم خوالد

ولو حاربته ناح فيها الثواكل

وما كان أدناها له لو أرادها

وألطفها لو أنّها متناول «5»

ص: 73

يدبر شرق الأرض والغرب كفّه

وليس لها وقتا عن الجود شاغل

تتبّع هرّاب الرجال مراده

فمن فرّ حربا عارضته الغوائل

ومن فرّ من إحسانه حسدا له

تلقّاه منه حيثما سار نائل

وقوله: [الكامل]

إنّ السيوف مع الذين قلوبهم

كقلوبهنّ إذا التقى الجمعان «1»

تلقى الحسام على جراءة حدّه

مثل الجبان بكفّ كلّ جبان

وقوله: [المنسرح]

فاضح أعدائه كأنّهم

له يقلّون كلّما كثروا «2»

أعاذك الله من سهامهم

ومخطئ من رميّه القمر

وقوله: [الطويل]

جرى معك الجارون حتى إذا انتهوا

إلى الغاية القصوى جريت وناموا «3»

فليس لشمس مذ أنرت إنارة

وليس لبدر إذ تممت تمام «4»

ص: 74

وقوله: [الوافر]

وأضحى بالعواصم مستقرّا

وليس لبحر نائله قرار «1»

43/تخرّ له القبائل ساجدات

وتحمده الأسنّة والشّفار

وقوله: [الخفيف]

وإذا اهتزّ للندى كان بحرا

وإذا اهتزّ للوغى كان نصلا «2»

وإذا الأرض أظلمت كان شمسا

وإذا الأرض أمحلت كان وبلا

من تعاطى تشبّها بك أعيا

هـ ومن دلّ في طريقك ضلّا

فإذا ما اشتهى خلودك داع

قال لا زلت أو ترى لك مثلا

وقوله: [الكامل]

ملك زهت بمكانه أيامه

حتى افتخرن به على الأيام «3»

تالله ما علم امرؤ لولاكم

كيف السخاء وكيف ضرب الهام

وقوله: [البسيط]

ألقت إليك دماء الروم طاعتها

فلو دعوت بلا ضرب أجاب دم «4»

ص: 75

يسابق القتل فيهم كلّ حادثة

فما يصيبهم موت ولا هرم

وقد تمنّوا غداة الدرب في لجب

أن يبصروك فلمّا أبصروك عموا

فكان أثبت ما فيهم جسومهم

يسقطن حولك والأرواح تنهزم

والشمس يعنون إلّا أنّهم جهلوا

والموت يدعون إلّا أنّهم وهموا

لا تطلبنّ كريما بعد رؤيته

إنّ الكريم بأسخاهم يدا ختموا

ولا تبال بشعر بعد شاعره

قد أفسد القول حتى أحمد الصمم

وقوله يمدح كافورا الإخشيدي: [الطويل]

قواصد كافور توارك غيره

ومن قصد البحر استقلّ السواقيا «1»

فجاءت به انسان عين زمانه

وخلّت بياضا خلفها ومآقيا «2»

44/يبيد عداوات البغاء بلطفه

فإن لم تبد منهم أباد الأعاديا

يدلّ بمعنى واحد كلّ فاخر

وقد جمع الرحمن فيك المعانيا

إذا كسب الناس المعالي بالندى

فإنّك تعطي في نداك المعاليا

وتحتقر الدنيا احتقار مجرّب

يرى كلّ ما فيها- وحاشاك- فانيا

وما كنت ممّن أدرك الملك بالمنى

ولكن بأيام أشبن النواصيا

وقوله يمدحه: [الطويل]

إذا منعت منك السياسة نفسها «3»

فقف وقفة قدّامه تتعلّم

ص: 76

يضيق على من راءه العذر أن ترى

ضعيف المساعي أو ضعيف التكرّم

وقوله: [الطويل]

وأخلاق كافور إذا شئت مدحه

وإن لم أشأ تملى عليّ وأكتب «1»

إذا ترك الإنسان أهلا وراءه

ويممّ كافورا فما يتغرّب

فتى يملأ الأفعال رأيا وحكمة

ونادرة أيّان يرضى ويغضب

منها:

إذا طلبوا جدواك أعطوا وحكّموا

وإن طلبوا الفضل الذي فيك خيبّوا

ولو جاز أن يحووا علاك وهبتها

ولكن من الأشياء ما ليس يوهب

وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا

لمن بات في نعمائه يتقلّب

سللت سيوفا علّمت كلّ خاطب

على كلّ عود كيف يدعو ويخطب

ويغنيك عمّا ينسب الناس أنّه

إليك تناهى المكرمات وتنسب

وقوله: [الطويل]

عدوّك مذموم بكلّ لسان

ولو كان من أعدائك القمران «2»

45/ولله سرّ في علاك وإنّما

كلام العدى ضرب من الهذيان

أيلتمس الأعداء بعد الذي رأت

قيام دليل أو وضوح بيان

ص: 77

رأت كلّ من يبغي لك الغدر يبتلى

بغدر حياة أو بغدر زمان

قضى الله يا كافور أنّك أول

وليس بقاض أن يرى لك ثان

فمالك تختار القسيّ وإنّما

عن السعد يرمي دونك الثّقلان

ومالك تعنى بالأسنّة والقنا

وجدّك طعّان بغير سنان

ولم يحمل السيف الطويل نجاده

وأنت غنيّ عنه بالحدثان

وقوله: [الطويل]

تجاوز قدر المدح حتى كأنّه

بأحسن ما يثنى عليه يعاب «1»

وغالبه الأعداء ثمّ عنوا له

كما غالبت بيض السيوف رقاب

وقوله في مدح فاتك: [البسيط]

القاتل السيف في جسم القتيل به

وللسيوف كما للناس آجال «2»

يريك مخبره أضعاف منظره

بين الرجال وفيها الماء والآل

يروعهم منه دهر صرفه أبدا

مجاهر وصروف الدهر تغتال

وقوله: [الطويل]

عفيف يروق الشمس صورة وجهه

ولو نزلت شوقا لحاد إلى الظّل «3»

ص: 78

شجاع كأنّ الحرب عاشقة له

إذا زارها فدّته بالخيل والرجل

وريّان لا تصدى إلى الخمر نفسه

وعطشان لا تروى يداه من البذل

فتى لا يرجّى أن يتم طهارة

لمن لم يطهّر راحتيه من البخل

46/وفي مثل الثاني قلت من قصيدة وزدت المعنى وأحكمت للفظه بنيانا بأن جعلت الحرب تهوى بقاه، وهو بسيفه يحمي حوبّاه، وأبو الطيب حيث أطلق الفداء يجوز أن يكون غيره أنكى الأعداء، والذي قلته هذا:[البسيط]

يخفيه كالليل صونا رمح عسكره

وضوء صارمه كالصبح يبديه

تهوى البقاء له الهيجاء فهي بمن

ترديه أسيافه فى الحرب تفديه

وقوله: [الكامل]

أعطى الزمان فما قبلت عطاءه

وأراد لي فأردت أن أتخيّرا «1»

أرجان أيتّها الجياد فإنّه

عزمي الذي يذر الوشيج مكسّرا «2»

أمّي أبا الفضل المبّر أليّتي

لأيممّنّ أجلّ بحر جوهرا

يتكسّب القصب الضعيف بخطّه

شرفا على صمّ الرماح ومفخرا «3»

ويبين فيما مسّ منه بنانه

تيه المدلّ فلو مشى لتبخترا

يا من إذا ورد البلاد كتابه

قبل الجيوش ثنى الجيوش تحيّرا

أنت الوحيد إذا ارتكبت طريقة

ومن الرديف وقد ركبت غضنفرا

ص: 79

قطف الرجال القول وقت نباته

وقطفت أنت القول لمّا نوّرا

فهو المشيّع بالمسامع إن مضى

وهو المضاعف حسنه إن كرّرا

وإذا سكتّ فإن أبلغ خاطب

قلم لك اتخّذ الأصابع منبرا

خلفت صفاتك في العيون كلامه

كالخطّ يملأ مسمعي من أبصرا

منها في ذكر الناقة:

فأتتك دامية الأظّل كأنّما

حذيت قوائمها العقيق الأحمرا «1»

47/بدرت إليك يد الزمان كأنّما

وجدته مشغول اليدين مفكّرا

من مبلغ الأعراب أنّي بعدها

شاهدت رسطاليس والإسكندرا

ولقيت كلّ الفاضلين كأنّما

ردّ الإله نفوسهم والأعصرا

نسقوا لنا نسق الحساب مقدّما

وأتى فذلك إذ أتيت مؤخّرا

زحل على أنّ الكواكب قومه

لو كان منك لكان أكرم معشرا

وقوله: [الطويل]

ومن يصحب اسم ابن العميد محمّد

يسر بين أنياب الأساود والأسد «2»

كأنّا أرادت شكرنا الأرض عنده

فلم يخلنا جوّ هبطناه من رفد

إذا الشرفاء البيض قتّوا بقتوه

أتى نسب أعلى من الأب والجد «3»

حشت كلّ أرض تربة في غباره

فهنّ عليه كالطرائق في البرد

فجد لي بقلب إن رحلت فإنّني

مخلّف قلبي عند من فضله عندي

ص: 80

وقوله في عضد الدولة: [المنسرح]

وقد رأيت الملوك قاطبة

وسرت حتى رأيت مولاها «1»

ومن مناياهم براحته

يأمرها فيهم وينهاها

أبا شجاع بفارس عضد ال

دّولة فنّا خسرو وشهنشاها

أساميا لم تزده معرفة

وإنّما لذّة ذكرناها

مبتسم والوجوه عابسة

سلم العدى عنده كهيجاها

لا يجد الخمر في مكارمه

إذا انتشى خلّة تلافاها

تشرق تيجانه بغرّته

إشراق ألفاظه بمعناها

48/دان له شرقها ومغربها

ونفسه تستقلّ دنياها

تجمّعت في فؤاده همم

ملء فؤاد الزمان إحداها

لو كفر العالمون نعمته

لما عدت نفسه سجاياها

كالشمس لا تبتغي بما صنعت

منزلة عندهم ولا جاها

وقوله فيه: [الوافر]

يقول بشعب بوّان حصاني

أعن هذا يسار إلى الطعان «2»

أبوكم آدم سنّ المعاصي

وعلّمكم مفارقة الجنان

فقلت إذا رأيت أبا شجاع

سلوت عن العباد وذا المكان

ص: 81

فإنّ الناس والدنيا طريق

إلى من لا له في الناس ثاني «1»

ولا تحصى فضائله بظنّ

ولا الإخبار عنه ولا العيان

أروض الناس من ترب وخوف

وأرض أبي شجاع في أمان «2»

فلو طرحت قلوب العشق فيها

لما خافت من الحدق الحسان

ولم أر قبله شبلي هزبر

كشبليه ولا فرسي رهان

أشدّ تنازعا لكريم أصل

وأشبه منظرا بأب هجان

وأول لفظة فهما وقالا

إغاثة صارخ أوفكّ عاني

وكنت الشمس تبهر كلّ عين

فكيف وقد بدت معها اثنتان

فعاشا عيشة القمرين يحيا

بضوئهما ولا يتحاسدان

ولا ملكا سوى ملك الأعادي

ولا ورثا سوى من يقتلان

دعاء كالثناء بلا رياء

يؤدّيه الجنان إلى الجنان

49/فلولا كونكم في الناس كانوا

هذاء كالكلام بلا معاني «3»

وقوله فيه: [الكامل المرفل]

إن لم يكن من قبله عجزوا

عمّا يسوس به فقد غفلوا «4»

حتى أتى الدنيا ابن بجدتها

فشكا إليه السهل والجبل

شكوى العليل إلى الكفيل له

ألّا تمرّ بجسمه العلل

ص: 82

لا يستحي أحد يقال له

نضلوك آل بويه أو فضلوا «1»

فوق السماء وفوق ما طلبوا

فإذا أرادوا غاية نزلوا

وقوله: [الكامل]

كبّرت حول ديارهم لمّا بدت

منها الشموس وليس فيها المشرق «2»

وعجبت من أرض سحاب أكفّهم

من فوقها وصخورها لا تورق

ويفوح من طيب الثناء روائح

لهم بكلّ مكانة تستنشق

مسكّية النفحات إلّا أنّها

وحشية بسواهم لا تعبق

وقوله: [البسيط]

إذا خلت منك حمص لا خلت أبدا

فلا سقاها من الوسميّ باكره «3»

دخلتها وشعاع الشمس متّقد

ونور وجهك بين الخلق باهره

في فيلق من حديد لو قذفت به

صرف الزمان لما دارت دوائره

تمضي المواكب والأبصار شاخصة

منها إلى الملك الميمون طائره

قد حرن في بشر في تاجه قمر

في درعه أسد تدمى أظافره

حلو خلائقه شوس حقائقه

يحصى الحصا قبل أن تحصى مآثره

50/تضيق عن جيشه الدنيا ولو رحبت

كصدره لم تبن فيها عساكره

ص: 83

إذا تغلغل فكر المرء في طرق

من مجده غرقت فيه خواطره

تحمي السيوف على أعدائه معه

حتى كأنهنّ بنوه أو عشائره

إذا انتضاها لحرب لم تدع جسدا

إلّا وباطنه للعين ظاهره

فقد تيقّن أنّ الحقّ في يده

وقد وثقن بأنّ الله ناصره

من قال لست بخير الناس كلّهم

فجهله بك عند الناس عاذره

لا يجبر الناس عظما أنت كاسره

ولا يهيضون عظما أنت جابره

وقوله: [الطويل]

تباعدت الآمال عن كلّ مقصد

وضاق بها إلّا إلى بابك السّبل «1»

وحالت عطايا كفّه دون وعده

فليس له إنجاز وعد ولا مطل

وأقرب من تحديدها ردّ فائت

وأيسر من إحصائها القطر والرمل

إذا قيل رفقا قال للحلم موضع

وحلم الفتى في غير موضعه جهل

وما عزّه فيها مراد أراده

وإن عز إلا أن يكون له مثل

فويل لنفس حاولت منك غرّة

وطوبى لعين ساعة منك لا تخلو

فما بفقير شام برقك حاجة

ولا في بلاد أنت صيبّها محل «2»

وقوله: [الكامل]

أعطى فقلت لجوده ما يقتنى

وسطا فقلت لسيفه ما يولد «3»

ص: 84

وتحيّرت فيك الصفات لأنّها

ألفت طرائقه عليها تبعد

في شأنه ولسانه وبنانه

وجنانه عجب لمن يتفقّد

51/إنّ العطايا والرزايا والقنا

حلفاء طيّ غوّروا أو أنجدوا

يفنى الكلام ولا يحيط بفضلكم

أيحيط ما يفنى بما لا ينفد «1»

وقوله: [البسيط]

يفدي بنيك عبيد الله حاسدهم

بجبهة العير يفدى حافر الفرس «2»

أبا الغطارفة الحامين جارهم

وتاركي الليث كلبا غير مفترس

من كلّ أبيض وضّاح عمامته

كأنّما اشتملت نورا على قبس

لو كان فيض يديه ماء غادية

عزّ القطا في الفيافي موضع اليبس

أكارم حسد الأرض السماء بهم

وقصرّت كلّ مصر عن طرابلس

أيّ الملوك- وهم قصدي- أحاذره

وأيّ قرن وهم سيفي وهم ترسي

وقوله: [الطويل]

ولو ترك الدنيا على حكم كفّه

لأصبحت الدنيا وأكثرها نزر «3»

متى ما يشر نحو السماء بوجهه

تخرّ له الشّعرى وينكسف البدر

ص: 85

له منن تغني الثناء كأنّما

به أقسمت أن لا يؤدّى لها شكر

بمن تضرب الأمثال أم من أقيسه

إليك وأهل الدهر دونك والدهر «1»

وقوله: [البسيط]

لمّا وزنت بك الدنيا فملت بها

وبالورى قلّ عندي كثرة العدد «2»

ماضي الجنان يريه الحزم قبل غد

بقلبه ما ترى عيناه بعد غد

ماذا البهاء ولا ذا النور من بشر

ولا السماح الذي فيه سماح يد

أيّ الأكفّ يباري الغيث ما اتّفقا

حتى إذا افترقا عادت ولم يعد

52/لم أجر غاية فكري منك في صفة

إلّا وجدت مداها غاية الأبد

وقوله: [الطويل]

فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى

يرجّى الحيا منها وتخشى الصواعق «3»

ومن تقشعرّ الأرض خوفا إذا مشى

عليها وترتجّ الجبال الشواهق

كأنّك في الإعطاء للمال مبغض

وفي كلّ حرب للمنّية عاشق

وقوله: [المنسرح]

ص: 86

ويعرف الأمر قبل موقعه

فما له بعد فعله ندم «1»

قوم بلوغ الغلام عندهم

طعن نحور الكماة لا الحلم

كأنّما يولد الندى معهم

لا صغر عاذر ولا هرم

تظنّ من فقدك اعتدادهم

أنّهم أنعموا وما علموا

إن برقوا فالحتوف حاضرة

أو نطقوا فالصواب والحكم

تشرق أعراضهم وأوجههم

كأنّها في نفوسهم شيم

أعيذكم من صروف دهركم

فإنّه في الكرام متّهم

وقوله: [البسيط]

إذا بدا حجبت عينيك بهجته

وليس يحجبه ستر إذا احتجبا «2»

عمر العدوّ إذا لاقاه في رهج

أقلّ من عمر ما يحوي إذا وهبا «3»

53/تحلو مذاقته حتى إذا غضبا

حالت فلو قطرت في الماء ما شربا «4»

وتغبط الأرض منها حيث حلّ به

وتحسد الخيل منها أيّها ركبا

منها:

مبرقعي خيلهم بالبيض متّخذي

هام الكماة على أرماحهم عذبا

ص: 87

مراتب صعدت والفكر يتبعها

فجاز وهو على آثارها الشّهب

وقوله: [الوافر]

تلذّ له المروءة وهي تؤذي

ومن يعشق يلذّ له الغرام «1»

قبيل يحملون من المعالي

كما حملت من الجسد العظام «2»

فلو يممّتهم في الحشر تجدو

لأعطوك الذي صلّوا وصاموا

لقد حسنت بك الأيام حتى

كأنّك في فم الزمن ابتسام

وقوله: [الطويل]

يقوم مقام الجيش تقطيب وجهه

ويستغرق الألفاظ من لفظه حرف «3»

فإن نفد الإعطاء حنّت يمينه

إليه حنين الإلف فارقه الإلف «4»

وأضحى وبين الناس في كلّ سيّد

من الناس إلّا في سيادته خلف

ولم نر شيئا يحمل العبء حمله

ويستصغر الدنيا ويحمله طرف «5»

ولا حبس البحر المحيط لقاصد

ومن تحته فرش ومن فوقه سقف «6»

فواعجبا منّي أحاول نعته

وقد فنيت فيه القراطيس والصّحف

ص: 88

وقوله: [الكامل]

ملك سنان قناته وبنانه

يتباريان دما وعرفا ساكبا «1»

هذا الذي أفنى النّضار مواهبا

وعداه قتلا والزمان تجاربا

54/كالبدر من حيث التفتّ رأيته

يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا

كالبحر يقذف للقريب جواهرا

جودا ويبعث للبعيد سحائبا

كالشمس في كبد السماء وضوؤها

يغشى البلاد مشارقا ومغاربا

منها:

تدبير ذي حنك يفكّر في غد

وهجوم غرّ لا يخاف عواقبا

خذ من ثناي عليك ما أسطيعه

لا تلزمنيّ في الثناء الواجبا

فلقد دهشت لما فعلت ودونه

ما يدهش الملك الحفيظ الكاتبا

وقوله: [الطويل]

ألذّ من الصهباء بالماء ذكره

وأحسن من يسر تلقّاه معدم «2»

سنيّ العطايا لو رأى نوم عينه

من اللؤم آلى أنّها لا تهّوم

وقوله: [الكامل]

نظمت مواهبه عليه تمائما

فاعتادها فإذا سقطن تفزّعا «3»

ص: 89

نفس لها خلق الزمان لأنّه

مفني النفوس مفرّق ما جمعّا

ويد لها كرم الغمام لأنّه

يسقي العمارة والمكان البلقعا

وقوله:

من نفعه في أن يهاج وضرّه

في تركه لو يفطن الأعداء «1»

ونذيمهم وبهم عرفنا فضله

وبضدّها تتبيّن الأشياء «2»

والسّلم يكسر من جناحي ماله

بنواله ما تجبر الهيجاء

متفرّق الطّعمين مجتمع القوى

فكأنّه السّراء والضراء

في خطّه من كلّ قلب شهوة

حتى كأنّ مداده الأهواء

55/ولكلّ عين قرّة في قربه

حتى كأنّ مغيبه الأقذاء

وإذا مدحت فلا لتكسب رفعة

للشاكرين على الإله ثناء

لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا

إلا بوجه ليس فيه حياء

لم تحك نائلك السحاب وإنّما

حمّت به فصبيبها الرّحضاء

وقوله: [المتقارب]

تجلّى لنا فأضأنا به

كأنّا نجوم لقينا سعودا «3»

وهول كشفت ونصل قصفت

ورمح تركت مبادا مبيدا

ص: 90

ومال وهبت بلا موعد

وقرن سبقت إليه الوعيدا

بهجر سيوفك أغمادها

تمنى الطّلى أن يكون الغمودا

قتلت نفوس العدى بالحدي

د حتى قتلت بهنّ الحديدا

وقوله: [المنسرح]

تعرف في عينه حقائقه

كأنّه بالذكاء مكتحل «1»

أشفق عند اتّقاد فكرته

عليه منها أخاف يشتعل

أغرّ أعداؤه إذا سلموا

بالهرب استكثروا الذي فعلوا

إنّك من معشر إذا وهبوا

ما دون أعمارهم فقد بخلوا

وقوله: [الوافر]

أغرّ مغالب كفّا وسيفا

ومقدرة ومحمية وآلا «2»

وأشرف فاخر نفسا وقوما

وأكرم منتم عمّا وخالا

لقد أمنت بك الإعدام نفس

تعدّ رجاءها إيّاك مالا

56/سرورك أن تسرّ الناس طرّا

تعلّمهم عليك به الدلالا

إذا سألوا شكرتهم عليه

وإن سكتوا سألتهم السؤالا

ص: 91

وأسعد من رأينا مستميح

ينيل المستماح بأن ينالا

يفارق سهمك الرجل الملاقي

فراق القوس ما لاقى الرجالا

فما تقف السهام على قرار

كأنّ الريش تطّلب النصالا «1»

وقوله: [الكامل]

أعدى الزمان سخاؤه فسخا به

ولقد يكون به الزمان بخيلا «2»

ولقد عرفت وما عرفت حقيقة

ولقد جهلت وما جهلت خمولا

نطقت بسؤددك الحمام تغنّيا

وبما تجشّمها الجياد صهيلا

وقوله: [البسيط]

قاض إذا التبس الأمران عنّ له

رأي يفرّق بين الماء واللبن «3»

أفعاله نسب لو لم يقل معها

جدّي الخصيب عرفنا العرق بالغصن

ذا جود من ليس من دهر على ثقة

وزهد من ليس من دنياه في وطن

وهذه هيئة لم يؤتها بشر

وذا اقتدار لسان ليس في المنن «4»

وقوله: [الكامل]

ص: 92

علّامة العلماء واللجّ الذي

لا ينتهي ولكلّ لجّ ساحل «1»

متشابهي ورع النفوس: كبيرهم

وصغيرهم عفّ الإزار حلاحل

فافخر فإنّ الناس فيك ثلاثة

مستعظم أو حاسد أو جاهل

ولقد علوت فما تبالي بعدما

عرفوا أيحمد أم يذمّ القائل

57/ما دار في الحنك اللسان وقلّبت

قلما بأحسن من ثناك أنامل

وقوله: [البسيط]

خفّ الزمان على أطراف أنمله

حتى توهّمن للأزمان أزمانا «2»

يلقى الوغى والقنا والنازلات به

والسيف والضيف رحب الباع جذلانا

تخاله من ذكاء القلب محتميا

ومن تكرّمه والبشر نشوانا

ما شيّد الله من مجد لسالفهم

إلّا ونحن نراه فيهم الآنا

إن كوتبوا أو لقوا أو حوربوا وجدوا

في الخطّ واللفظ والهيجاء فرسانا

كأنّهم يردون الموت منتظمأ

أو ينشقون من الخطيّ ريحانا

يا صائد الجحفل المرهوب جانبه

إنّ الليوث تصيد الناس وحدانا «3»

أنت الذي سبك الأموال تكرمة

ثمّ اتخذت لها السؤال خزّانا

عليك منك إذا أخليت مرتقب

لم يأت في السر ما لم تأت إعلانا

ص: 93

لا أستزيدك فيما فيك من كرم

أنا الذي نمت إن نبّهت يقظانا «1»

قد شرّف الله أرضا أنت ساكنها

وشرّف الناس إذ سوّاك إنسانا

وقوله: [الكامل]

عجبا له حفظ العنان بأنمل

ما حفظها الأشياء من عاداتها «2»

كرم تبيّن في كلامك ماثلا

ويبين عتق الخيل في أصواتها

أعيا زوالك عن محلّ نلته

لا تخرج الأقمار عن هالاتها

منها:

ذكر الأنام لنا فكان قصيدة

كنت البديع الفرد من أبياتها

تلك النفوس الغالبات على العلى

والمجد يغلبها على شهواتها

58/وقوله: [الطويل]

وأستكبر الأخبار قبل لقائه

فلمّا التقينا صغّر الخبر الخبر «3»

ولا ينفع الإمكان لولا سخاؤه

وهل نافع لولا الأكفّ القنا السمر

أزالت بك الأيام عتبي كأنّما

بنوها لها ذنب وأنت لها عذر

وقوله: [الوافر]

ص: 94

أشدّ من الرماح الهوج بطشا

وأسرع في الندى منها هبوبا «1»

وقالوا ذاك أرمى من رأينا

فقلت رأيتم الغرض القريبا

وهل يهطي بأسهمه الرمايا

وما يخطي بما ظنّ الغيوبا

ألست ابن الأولى سعدوا وسادوا

ولم يلدوا امرءا إلّا نجيبا

ونالوا ما اشتهوا بالحزم هونا

وصادوا الوحش نملهم دبيبا

وما ريح الرياض لها ولكن

كساها دفنهم في الترب طيبا

فلا زالت ديارك مشرقات

ولا دانيت يا شمس الغروبا

لأصبح آمنا فيك الرزايا

كما أنا آمن فيك العيوبا

وقوله: [الطويل]

وذي لجب لا ذو الجناح أمامه

بناج ولا الوحش المثار بسالم «2»

تمرّ عليه الشمس وهي ضعيفة

تطالعه من بين ريش القشاعم

إذا ضؤوها لاقى من الطير فرجة

تدوّر فوق البيض مثل الدراهم

هم المحسنون الكرّ في حومة الوغى

وأحسن منه كرّهم في المكارم

ولولا احتقار الأسد شبهّتها بهم

ولكنّها معدودة في البهائم

سرى النوم مني في سراي إلى الذي

صنائعه تسري إلى كلّ نائم

59/إلى مطلق الأسرى ومخترم العدا

ومشكى ذوي الشكوى ورغم المراغم

ص: 95

وكان سروري لا يفي بندامتي

على تركه في عمري المتقادم «1»

وقوله يمدح أبا القاسم طاهر بن حسين العلوي: [الطويل]

كذا الفاطميون الندى في بنانهم

أعزّ امّحاء من خطوط الرواجب «2»

وما قربت أشباه قوم أباعد

ولا بعدت أشباه قوم أقارب

إذا علويّ لم يكن مثل طامة

فما هو إلّا حجّة للنواصب

يقولون تأثير الكواكب في الورى

فما باله تأثيره في الكواكب

وحقّ له أن يسبق الناس جالسا

ويدرك ما لم يدركوا غير طالب

ويحذى عرانين الملوك وإنّها

لمن قدميه في أجلّ المراتب

يد للزمان الجمع بيني وبينه

لتفريقه بيني وبين النوائب

ألا أيّها المال الذي قد أباده

تعزّ فهذا فعله بالكتائب

لعلّك في وقت شغلت فؤاده

عن الجود أو أكثرت جيش محارب

وقوله: [الخفيف]

بعثوا الرعب في قلوب الأعادي

فكأنّ القتال قبل التلاقي «3»

وتكاد الظّبا لما عوّدوها

تنتضي نفسها إلى الأعناق

ص: 96

كلّ ذمر يزيد في الموت حسنا

كبدور تمامها في المحاق «1»

كرم خشّن الجوانب منهم

فهو كالماء في الشّفار الرقاق

ومعال إذا دعاها سواهم

لزمته جناية السّرّاق

وقوله: [المنسرح]

الناس ما لم يروك أشباه

والدهر لفظ وأنت معناه «2»

60/والجود عين وفيك ناظرها

والناس باع وفيك يمناه «3»

سبحان من خار للكواكب في

البعد ولو نلن كنّ جدواه

لو كان ضوء الشموس في يده

أضاعه جوده وأفناه

وقوله: [الوافر]

متى أحصيت فضلك في كلام

فقد أحصيت حبّات الرمال «4»

وقوله: [الطويل]

فإن يك سيّار بن مكرم انقضى

فإنك ماء الورد إن ذهب الورد «5»

وقوله في شريف: [الخفيف]

ص: 97

قيل لي: لم تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمّعن فيه «1»

قلت: لا أهتدي لمدح إمام

كان جبريل خادما لأبيه

وقوله: [الكامل]

وشغلت مدحي بالذي أرجوهم

لا نال منهم بالمدائح نائلا «2»

وتركت مدحي للوصيّ تعمّدا

إذ كان نورا مستطيلا شاملا

وإذا استطال الشيء قام بذاته

وكذا صفات الشمس تذهب باطلا

وفي المراثي قوله يرثي أم سيف الدولة ابن حمدان: [الوافر]

نعدّ المشرفية والعوالي

وتقتلنا المنون بلا قتال «3»

ونرتبط السوابق مقربات

وما ينجين من خبب الليالي

نصيبك في حياتك من حبيب

نصيبك في منامك من خيال

رماني الدهر بالارزاء حتى

فؤادي في غشاء من نبال

فصرت إذا أصابتني سهام

تكسّرت النّصال على النّصال

61/صلاة الله خالقنا حنوط

على الوجه المكفّن بالجمال

على المدفون قبل الترب صونا

وقبل اللّحد في كرم الخلال

كأنّ الموت لم يفجع بنفس

ولم يخطر لمخلوق ببال

ولو كان النساء كمن فقدنا

لفضّلت النساء على الرجال

فما التأنيث لاسم الشمس عيب

ولا التذكير فخر للهلال

منها:

ص: 98

يدفّن بعضنا بعضا وتمشي

أواخرنا على هام الأوالي

وكم عين مقبّلة النّواحي

كحيل بالجنادل والرمال

وقوله يرثي أبا الهيجاء عبد الله بن سيف الدولة: [الطويل]

بنا منك فوق الرمل ما بك في الرّمل

وهذا الذي يضني كذاك الذي يبلي «1»

كأنّك أبصرت الذي بي وخفته

إذا عشت فاخترت الحمام على الثكل

فان تك في قبر فإنّك في الحشا

وإن تك طفلا فالأسى ليس بالطفل

ومثلك لا يبكى على قدر سنّه

ولكن على قدر المخيلة والأصل

ألست من القوم الذي من رماحهم

نداهم ومن قتلاهم مهجة البخل

تسلّيهم علياؤهم عن مصابهم

ويشغلهم كسب الثناء عن الشّغل

وما الموت إلّا سارق دقّ شخصه

يصول بلا كّف ويسعى بلا رجل

يردّ أبو الشّبل الخميس عن ابنه

ويسلمه عند الولادة للنمل

بنفس وليد عاد من بعد حمله

إلى بطن أمّ لا تطرّق بالحمل «2»

منها:

إذا ما تأملت الزمان وصرفه

تيقنّت أنّ الموت ضرب من القتل

هل الولد المحبوب إلّا تعلّة

وهل خلوة الحسناء إلّا لذي البعل

62/وما الدهر أهل أن يؤمّل عنده

حياة وأن يشتاق فيه إلى النّسل

وما تسع الأيام علمي بأمرها

ولا تحسن الأيام تكتب ما أملي

وقوله يرثي مملوك سيف الدولة: [الطويل]

ص: 99

ومن سرّ أهل الأرض ثم بكى أسى

بكى بعيون سرّها وقلوب «1»

وقد فارق الناس الأحبّة قبلنا

وأعيا دواء الموت كلّ طبيب

سبقنا إلى الدنيا فلو عاش أهلها

منعنا بها من جيئة وذهوب

ولا فضل فيها للشجاعة والندى

وصبر الفتى لولا لقاء شعوب «2»

وكنت إذا أبصرته لك قائما

نظرت إلى ذي لبدتين أديب «3»

وما كلّ وجه أبيض بمبارك

ولا كلّ جفن ضيّق بنجيب

لئن ظهرت فينا عليه كآبة

لقد ظهرت في حدّ كلّ قضيب

وفي كلّ قوس يوم كلّ تناضل

وفي كلّ طرف كلّ يوم ركوب «4»

كأنّ الردى عاد على كلّ ماجد

إذا لم يعوّد مجده بعيوب

ولولا أيادي الدهر في الجمع بيننا

غفلنا فلم نشعر له بذنوب

وقوله يرثي أخت سيف الدولة: [البسيط]

فإن تكن خلقت أنثى فقد خلقت

كريمة غير أنثى العقل والحسب «5»

وإن تكن تغلب الغلباء عنصرها

فإنّ في الخمر معنى ليس في العنب

ص: 100

فليت طالعة الشمسين غائبة

وليت غائبة الشمسين لم تغب

وليت عين التي آب النهار بها

فداء عين التي زالت ولم تؤب

63/فما ذكرت جميلا من صنائعها

إلّا بكيت ولا ودّ بلا سبب

قد كان كلّ حجاب دون رؤيتها

فما قنعت لها يا أرض بالحجب

ولا رأيت عيون الأنس تدركها

فهل حسدت عليها أعين الشهب

يا أحسن الصبر زر أولى القلوب بها

وقل لصاحبه يا أنفع السحب

وأكرم الناس لا مستثنيا احدا

من الكرام سوى آبائك النجب

قد كان قاسمك الشخصين دهرهما

وعاش درّهما المفديّ بالذهب

وعاد في طلب المتروك تاركه

إنّا لنغفل والأيام في الطلب

ما كان أقصر وقتا كان بينهما

كأنّه الوقت بين الورد والقرب «1»

منها:

تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم

إلّا على شجب والخلف في الشّجب

فقيل: تخلص نفس المرء سالمة

وقيل تشرك جسم المرء في العطب

ومن يفكّر في الدنيا ومهجته

أقامه الفكر بين العجز والعجب «2»

وقوله: [الطويل]

لأيّ صروف الدهر فيه نعاتب

وايّ رزاياه بوتر نطالب «3»

مضى من فقدنا صبرنا عند فقده

وقد كان يعطي الصبر والصبر عازب

ص: 101

يرون الأعادي في سماء عجاجه

أسنّتها في جانبيها الكواكب «1»

فتسفر عنه والسيوف كأنّما

مضاربها ممّا انفللن ضرائب

طلعن شموسا والغمود مشارق

لهنّ وهامات الرجال مغارب

مصائب شتى جمّعت في مصيبة

ولم يكفها حتى قفتها مصائب

ألا إنّما كانت وفاة محمد

دليلا على أن ليس لله غالب

64/وقوله: [الكامل]

إنّي لأعلم واللبيب خبير

أنّ الحياة وإن حرصت غرور «2»

ورأيت كلّا ما يعلّل نفسه

بتعلّة وإلى الفناء يصير

ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى

أنّ الكواكب في التراب تغور

ما كنت آمل قبل نفسك أن أرى

رضوى على أيدي الرجال تسير

منها:

والشمس في كبد السماء مريضة

والأرض واجفة تكاد تمور

حتى ثوى جدثا كأنّ ضريحه

في قلب كلّ موحّد محفور «3»

كفل الثناء له بردّ حياته

لما انطوى فكأنّه منشور

غاضت أنامله فهنّ بحور

وخبت مكائده فهنّ سعير

نفر إذا غابت غمود سيوفهم

عنها فآجال العباد حضور

تدمي خدودهم الدموع وتنقضي

ساعات ليلهم وهنّ دهور

أبناء عّم كلّ ذنب لا مرئ

إلّا السعاية بينهم مغفور

ص: 102

وقوله يرثي جدّته لأمّه وقد ماتت فرحا حين وصل كتابه إليها: [الطويل]

إلى مثل ما كان الفتى مرجع الفتى

يعود كما أبدى ويكري كما أرمى «1»

عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا

فلمّا دهتنا لم تزدني بها علما

وما الجمع بين الماء والنار في يدي

بأصعب من أن أجمع الجدّ والفهما

أحنّ إلى الكأس التي شربت بها

وأهوى لمثواها التراب وما ضمّا

بكيت عليها خيفة في حياتها

وذاق كلانا فقد صاحبه قدما

ولم يسلها إلّا المنايا وإنّما

أشدّ من السّقم الذي أذهب السّقما

وكنت قبيل الموت استعظم النوى

فقد صارت الصغرى التي كانت العظمى

65/وما انسدّت الدنيا عليّ لضيقها

ولكنّ طرفا لا أراك به أعمى

ولو لم تكوني بنت أكرم والد

لكان أباك الضخم كونك لي أمّا

لئن لذّ يوم الشامتين بيومها

لقد ولدت منّي لأنفهم رغما «2»

هبيني أخذت الثأر فيك من العدا

فكيف بأخذ الثأر فيك من الحمّى

وقوله: [الطويل]

فإن يك انسانا مضى لسبيله

فإنّ المنايا غاية الحيوان «3»

ص: 103

ولو سلكت طرق السلاح لردّها

بطول يمين واتساع جنان

وهل ينفع الجيش الكثير التفافه

على غير منصور وغير معان

وقوله في رثاء فاتك: [الكامل]

الحزن يقلق والتجمّل يردع

والدمع بينهما عصيّ طيّع «1»

يتنازعون دموع عين مسّهد

هذا يجيء بها وهذا يرجع «2»

النوم بعد أبي شجاع نافر

والليل معي والكواكب ظلّع

المجد أخسر والمكارم صفقة

من أن يعيش لها الهمام الأروع

برّد حشاي إن استطعت بلفظة

فلقد تضرّ إذا تشاء وتنفع

ما زلت تدفع كلّ أمر فادح

حتى أتى الأمر الذي لا يدفع

فظللت تنظر لا رماحك شرّع

فيما عراك ولا سيوفك قطّع

بأبي الوحيد وجيشه متكاثر

يبكي ومن شرّ السلاح الأدمع

واذا حصلت من السلاح على البكا

فحشاك رعت به وخدّك تقرع

من للمحافل والجحافل والسّرى

فقدت بفقدك نيّرا لا يطلع

66/ومن اتّخذت على الضيوف خليفة

ضاعوا ومثلك لا يكاد يضيّع

قد كان أسرع فارس في طعنة

فرسا ولكنّ المنية أسرع

لا قلّبت أيدي الفوارس بعده

رمحا ولا حملت جوادا أربع

وقوله يرثي عمّه عضد الدولة: [السريع]

لا بدّ للإنسان من ضجعة

لا تقلب المضجع عن جنبه «3»

ص: 104

ينسى بها ما كان من عجبه

وما أذاق الموت من كربه

نحن بنو الدنيا فما بالنا

نعاف ما لابدّ من شربه «1»

تبخل أيدينا بأرواحنا

على زمان هي من كسبه

فهذه الأرواح من جوّه

وهذه الأجسام من تربه

لو فكّر العاشق في منتهى

عشق الذي يسبيه لم يسبه «2»

لم ير قرن الشمس في شرقه

فشّكت الأنفس في غربه

يموت راعي الضأن في جهله

موتة جالينوس في طبّه

وربّما زاد على عمره

وزاد في الأمن على سربه

وغاية المفرط في سلمه

كغاية المفرط في حربه

فلا قضى حاجته طالب

فؤاده يخفق من رعبه

أستغفر الله لشخص مضى

كان نداه منتهى ذنبه

وكان من حدّد إحسانه

كأنّه أسرف في سبّه «3»

يريد من حبّ العلى عيشة

ولا يزيد العيش من حبّه

67/يحسبه دافنه وحده

ومجده في القبر من صحبه

وقوله: وليست من المراثي ولكنها تناسبها: [الطويل]

وقد صارت الأجفان قرحى من البكا

وصار بهارا في الخدود الشقائق «4»

ص: 105

على ذا مضى الناس اجتماع وفرقة

وميت ومولود وقال ووامق «1»

منها:

تخلّى من الدنيا لينسى فما خلت

مغاربها من ذكره والمشارق

وفي العتاب قوله: [البسيط]

واحرّ قلباه ممّن قلبه شبم

ومن بجسمي وحالي عنده سقم «2»

مالي أكتّم حبّا قد برى جسدي

ويدّعي حبّ سيف الدولة الأمم

إن كان يجمعنا حبّ لغرّته

فليت أنّا بقدر الحبّ نقتسم

يا أعدل الناس إلّا في معاملتي

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

أعيذها نظرات منك صادقة

أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

وما انتفاع أخي الدنيا بناظره

إذا استوت عنده الأنوار والظّلم

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسمعت كلماتي من به صمم

وجاهل مدّه في جهله ضحكي

حتى أتته يد فرّاسة وفم

إذا رأيت نيوب الليث بارزة

فلا تظنّن أنّ الليث مبتسم «3»

فالخيل والليل والبيداء تشهد لي

والحرب والضرب [والقرطاس والقلم]«4»

يا من يعزّ علينا أن نفارقهم

وجداننا كلّ شيء بعدكم عدم

ما كان أخلقنا منكم بتكرمة

لو انّ أمركم من أمرنا أمم

ص: 106

إن كان سرّكم ما قال حاسدنا

فما بجرح إذا ارضاكم ألم

68/وبيننا لو رعيتم ذاك معرفة

إنّ المعارف في أهل النّهى ذمم

كم تطلبون لنا عيبا فيعجزكم

ويكره الله ما تأتون والكرم

ما أبعد العيب والنقصان من شرفي

أنا الثريا وذان الشيب والهرم

ليت الغمام الذي عندي صواعقه

يزيلهنّ إلى من عنده الدّيم

إذا ترحّلت عن قوم وقد قدروا

أن لا تفارقهم فالراحلون هم

شرّ البلاد مكان لا صديق به

وشرّ ما يكسب الانسان ما يصم «1»

وشرّ ما قنصته راحتي قنص

شهب البزاة سواء فيه والرّخم

هذا عتابك إلّا أنّه مقة

قد ضمّن الدر إلّا أنّه كلم

وقوله يعاتبه: [البسيط]

فارقتكم فإذا ما كان عندكم

قبل الفراق اذى بعد الفراق يد «2»

إذا تذكّرت ما بيني وبينكم

أعان قلبي على الشوق الذي أجد

وقوله يعاتب أصحاب سيف الدولة: [البسيط]

يا من نعيت على بعد بمجلسه

كلّ بما زعم الناعون مرتهن «3»

ما في هوادجكم من مهجتي عوض

إن متّ شوقا ولا فيها لها ثمن

رأيتكم لا يصون العرض جاركم

ولا يدرّ على مرعاكم اللبن

جزاء كلّ قريب منكم ملل

وحظّ كلّ محبّ منكم ضغن

ص: 107

وتغضبون على من نال رفدكم

حتى يعاقبه التنغيص والمنن

سهرت بعد رحيلي وحشة لكم

ثم استمرّ مريدي وارعوى الوسن

وإن بليت بودّ مثل ودّكم

فإنّني بفراق مثله قمن

69/وقوله يخاطب كافورا: [الوافر]

إذا سرنا عن الفسطاط يوما

فلقّني الفوارس والرجالا «1»

لتعلم قدر ما فارقت منّي

وأنّك رمت من ضيمي محالا

وقوله حين وضع عليه غلمان أبي العشائر النشاب فلمّا كرّ عليهم انتسبوا إليه:

[الطويل]

ومنتسب عندي إلى من أحبّه

وللنّبل حولي من يديه حفيف «2»

فهيّج من شوقي وما من مذلّة

حننت ولكنّ الكريم ألوف

وكلّ وداد لا يدوم على الأذى

دوام ودادي للحسين ضعيف

فإن يكن الفعل الذي ساء واحدا

فأفعاله اللائي سررن ألوف

ونفسي له نفس الفداء لنفسه

ولكنّ بعض المالكين عنيف

وقوله: [الكامل]

يخفي العداوة وهي غير خفيّة

نظر العدوّ بما يسرّ يبوح «3»

وفي الاعتذار قوله يخاطب سيف الدولة: [الطويل]

ص: 108

وقد كان يدني مجلسي في سمائه

أحادث فيها بدرها والكواكبا «1»

حنانيك مسئولا ولبّيك داعيا

وحسبي موهوبا وحسبك واهبا

وإن كان ذنبي كلّ ذنب فإنّه

محا الذنب كلّ الذنب من جاء تائبا

وقوله: [البسيط]

يا أيها المحسن المشكور من جهتي

والشكر من قبل الإحسان لا قبلي «2»

ما كان يومي إلّا فوق معرفتي

بأنّ رأيك لا يؤتى من الزلل

لعلّ عتبك محمود عواقبه

وربّما صحّت الأجسام بالعلل

70/ولا سمعت ولا غيري بمقتدر

أذبّ منك لقول الزور عن رجل «3»

وقوله يخاطبه: [المتقارب]

أرى ذلك القرب صار ازورارا

وصار طويل الكلام اختصارا «4»

تركتني اليوم في خجلة

أموت مرارا وأحيا مرارا

أسارقك اللّحظ مستحييا

وأزجر في الخيل مهري سرارا

وأعلم أنّي إذا ما اعتذرت

أراد اعتذاري إليك اعتذارا

ص: 109

كفرت مكارمك الباهرا

ت إن كان ذلك منّي اختيارا

فلا تلزمنّي ذنوب الزمان

إليّ أساء وإيايّ ضارا

وعندي لك الشرّد السائرا

ت لا يختصصن من الأرض دارا «1»

فإنّي إذا سرن من مقولي

وثبن الجبال وخضن البحارا «2»

ولي فيك ما لم يقل قائل

وما لم يسر قمر حيث سارا

فلو خلق الناس من دهرهم

لكانوا الظلام وكنت النهارا

سما بك همّي فوق الهموم

فلست أعدّ يسارا يسارا

ومن كنت بحرا له يا عليّ

لم يقبل الدّرّ إلّا كبارا

وقوله يخاطبه: [الطويل]

بأدنى ابتسام منك تحيا القرائح

وتقوى من الجسم الضعيف الجوارح «3»

ومن ذا الذي يقضي حقوقك كلّها

ومن ذا الذي يرضى سوى من تسامح

وقد تقبل العذر الخفيّ تكرّما

فما بال عذري واقفا وهو واضح

وما كان ترك الشعر إلّا لأنّه

تقصّر عن وصف الأمير المدائح «4»

71/وقوله يخاطب ابن العميد: [الخفيف]

ربّ ما لا يعبّر اللفظ عنه

والذي يضمر الفؤاد اعتقاده «5»

إنّ في الموج للغريق لعذرا

واضحا أن يفوته تعداده

ص: 110

ما سمعنا بمن أحبّ العطايا

فاشتهى أن يكون فيها فؤاده

وهجي الحسين بن اسحاق التنوخي على لسانه فكتب إليه يعاتبه فأجابه أبو الطيب بقوله من أبيات: [الوافر]

أتنكر يا ابن اسحاق إخائي

وتحسب ماء غيري من إنائي «1»

أأنطق فيك هجرا بعد علمي

بأنّك خير من تحت السماء

وهبني قلت هذا الصبح ليل

أيعمى العالمون عن الضياء

وأنّ من العجائب أن تراني

فتعدل بي أقلّ من الهباء

وتنكر موتهم وأنا سهيل

طلعت بموت أولاد الزناء

وقوله يخاطب بدر بن عمّار حين تخلّف عنه: [الكامل]

فاغفر فديتك واحبني من بعدها

لتخّصني بعطيّة منها أنا «2»

وانه المشير عليك فيّ بضلّة

فالحرّ ممتحن بأولاد الزنا

ومكائد السفهاء واقعة بهم

وعداوة الشعراء بئس المقتنى

غضب الحسود إذا لقيتك راضيا

رزء أخفّ عليّ من أن يوزنا

في الاستعطاف قوله يخاطب سيف الدولة في بني كلاب: [الوافر]

بغيرك راعيا عبث الذئاب

وغيرك صارما ثلم الضّراب «3»

ص: 111

ترفّق أيّها المولى عليهم

فإنّ الرفق بالجاني عتاب

72/وأنّهم عبيدك حيث كانوا

إذا تدعو لحادثة أجابوا

وكيف يتمّ بأسك في أناس

تصيبهم فيؤلمك المصاب

وعين المخطئين هم وليسوا

بأوّل معشر خطئوا فتابوا

وأنت حياتهم غضبت عليهم

وهجر حياتهم لهم عقاب

وما جهلت أياديك البوادي

ولكن ربّما خفي الصواب

وكم ذنب مولّده دلال

وكم بعد مولّده اقتراب

وجرم جرّه سفهاء قوم

فحلّ بغير جانيه العقاب

وما تركوك معصية ولكن

يعاف الورد والموت الشراب

فإن هابوا بجرمهم عليّا

فقد يرجو عليّا من يهاب

ولو غير الأمير غزا كلابا

ثناه عن شموسهم الضباب «1»

ولكن ربّهم أسرى إليهم

فما نفع الوقوف ولا الذهاب

ولا ليل أجنّ ولا نهار

ولا خيل حملن ولا ركاب

فمسّاهم وبسطهم حرير

وصبّحهم وبسطهم تراب

ومن في كفهّ منهم قناة

كمن في كفّه منهم خضاب

إذا ما سرت في آثار قوم

تخاذلت الجماجم والرقاب

طلبتهم على الأمواه حتى

تخوّف أن تفتّشه السحاب

بنو قتلى أبيك بأرض نجد

ومن أبقى وأبقته الحراب

عفا عنهم وأعتقهم صغارا

وفي أعناق أكثرهم سخاب «2»

ص: 112

وكلّكم أتى مأتى أبيه

وكلّ فعال كلكّم عجاب

73/كذا فليسر من طلب الأعادي

ومثل سراك فليكن الطلاب

وقوله يخاطبه: [الطويل]

ودانت له الدنيا فأصبح جالسا

وأيّامها فيما يريد قيام «1»

فتى يتبع الأزمان في الناس خطوه

لكلّ زمان في يديه زمام

وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا

إذا لم يكن فوق الكرام كرام

فإن كنت لا تعطي الزمان طواعة

فعوذ الأعادي بالكريم ذمام «2»

وإنّ نفوسا يممّتك منيعة

وإنّ دماء يممّتك حرام «3»

إذا خاف ملك من مليك أجرته

وسيفك خافوا والجوار تسام

فلو كان صلحا لم يكن بشفاعة

ولكنّه ذلّ لهم وغرام

على وجهك الميمون في كلّ غارة

صلاة توالي منهم وسلام

وقوله يخاطبه: [الوافر]

طوال قنا تطاعنها قصار

وقطرك في ندى ووغى بحار «4»

وفيك إذا جنى الجاني أناة

تظنّ كرامة وهي احتقار

وما انقادت لغيرك في زمان

فتدري ما المقادة والصّغار

فلزّهم القتال إلى طراد

أحدّ سلاحهم فيه الفرار «5»

ص: 113

مضوا متسابقي الأعضاء فيهم

لأرؤسهم بأرجلهم عثار

إذا صرف النهار الضوء عنهم

دجا ليلان: ليل والغبار

وإن جنح الظلام انجاب عنهم

أضاء المشرفية والنهار

يرون الموت قدّاما وخلفا

فيختارون والموت اضطرار

74/فلو لم تبق لم تعش البقايا

وفي الماضي لمن بقي اعتبار

لعلّ بنيهم لبنيك جندّ

فأول قرّح الخيل المهار «1»

وما في سطوة الأرباب عيب

ولا في ذلّة العبدان عار

في الاستجداء، والتقاضي قوله:[البسيط]

شكر العفاة لما أوليت أوجدني

إلى نداك طريق العرف مسلوكا «2»

ما زلت تتبع ما تولي يدا بيد

حتى ظننت حياتي من حياتيكا «3»

وقوله: [الكامل]

يا ذا الذي يهب الكثير وعنده

أنّي عليه بأخذه أتصدّق «4»

أمطر عليّ سحاب جودك ثرّة

وانظر إليّ برحمة لا أغرق «5»

ص: 114

وقوله: [البسيط]

أنصر بجودك ألفاظا تركت بها

في الشرق والغرب من عاداك مبهوتا «1»

فقد نظرتك حتى عاد مرتحل

وذا الوداع فكن أهلا لما شيتا «2»

وقوله: [الطويل]

لك الخير غيري رام من غيرك الغنى

وغيري بغير اللاذقية لا حق «3»

هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى

ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق

وقوله: [الطويل]

وثقنا بأن تعطي فلو لم تجد لنا

لخلناك قد أعطيت من شدّة الوهم «4»

وأطمعتني في نيل ما لا أناله

فما زلت حتى صرت أطمع في النجم

وقوله: [الخفيف]

ومن البرّ بطء سيبك عنّي

أسرع السحب في المسير الجهام «5»

ص: 115

75/وقوله: [البسيط]

وربّما فارق الانسان مهجته

يوم الوغى غير قال خشية العار «1»

وقد منيت بحسّاد أحاربهم

فاجعل نداك عليهم بعض أنصاري

وقوله: [البسيط]

وجدت أنفع مال كنت أذخره

ما في السوابق من جري وتقريب «2»

وكيف أكفر يا كافور نعمتها

وقد بلغنك بي يا خير مطلوب

يا أيها الملك الغاني بتسمية

في الشرق والغرب عن وصف وتلقيب

أنت الحبيب ولكنّي ألوذ به

من أن أكون محبّا غير محبوب «3»

وقوله: [الطويل]

أزل حسد الحسّاد عنّي بكبتهم

فأنت الذي صيّرتهم لي حسّدا «4»

إذا شدّ أزري حسن رأيك في يدي

ضربت بنصل يقطع الهام مغمدا»

وما أنا إلّا سمهريّ حملته

فزيّن معروضا وراع مسدّدا «6»

ص: 116

وما الدهر إلّا من رواة قصائدي

إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا «1»

فسار به من لا يسير مشمّرا

وغنّى به من لا يغنّي مغرّدا

أجزني إذا أنشدت شعرا فإنّما

بشعري أتاك المادحون مردّدا

ودع كلّ صوت بعد صوتي فإنّني

أنا الصائح المحكيّ والآخر الصدى «2»

تركت السّرى خلفي لمن قلّ ماله

وأنعلت أفراسي بنعماك عسجدا

وقيّدت نفسي في ذراك محبّة

ومن وجد الإحسان قيدا تقيّدا

إذا سأل الإنسان أيّامه الغنى

وأنت على بعد جعلتك موعدا «3»

وقوله: [الطويل]

وأمضى سلاح قلّد المرء نفسه

رجاء أبي المسك الكريم وقصده «4»

76/هما ناصرا من خانه كلّ ناصر

وأسرة من لم يكثر النّسل جدّه

أنا اليوم من غلمانه في عشيرة

لنا والد منه يفدّيه ولده

فمن ماله مال الكبير ونفسه

ومن ماله درّ الصغير ومهده «5»

تولّى الصّبا عني فأخلفت طيبه

وما ضرّني لمّا رأيتك فقده

لقد شبّ في هذا الزمان كهوله

لديك وشابت عند غيرك مرده

ص: 117

فكن في اصطناعي محسنا كمجرّب

يبن لك تقريب الجواد وشدّه

إذا كنت في شك من السيف فابله

فاما تنفّيه وإما يقدّه

وما الصارم الهنديّ إلّا كغيره

إذا لم يفارقه النّجاد وغمده

وكلّ نوال كان أو هو كائن

فلحظة طرف منك عندي ندّه

وإنّي لفي بحر من الخير أصله

عطاياك أرجو مدّها وهي مدّه

وما رغبتي في عسجد أستفيده

ولكنّها في مفخر استجدّه

فإنّك ما مرّ النحوس بكوكب

وقابلته إلّا ووجهك سعده

وقوله: [الطويل]

رضيت بما ترضى به لي محبّة

وقدت إليك النّفس قود المسلّم «1»

ومثلك من كان الوسيط فؤاده

فكلّمه عنّي ولم أتكلّم

وقوله: [الطويل]

أبا المسك هل في الكأس فضل أنا له

فإنّي أغنّي منذ حين وتشرب «2»

وهبت على مقدار كفّي زماننا

ونفسي على مقدار كفّيك تطلب

إذا لم تنط بي ضيعة أو ولاية

فجودك يكسوني وشغلك يسلب

77/منها:

ولكنّه طال الطريق ولم أزل

أفتش عن هذا الكلام وينهب

فشرّق حتى ليس للشرق مشرق

وغرّب حتى ليس للغرب مغرب

ص: 118

إذا قلته لم يمتنع من وصوله

جدار معلّى أو خباء مطنّب

وقوله: [الخفيف]

يا رجاء العيون في كلّ أرض

لم يكن غير أن أراك رجائي «1»

فارم بي ما أردت منّي فإنّي

أسد القلب آدمي الرّواء

وفؤادي من الملوك وإن كان

لساني يرى من الشعراء

وقوله: [الطويل]

أرد لي جميلا جدت أو لم تجد به

فإنّك ما أحببت فيّ أتاني «2»

لو الفلك الدوّار أبغضت سعيه

لعوّقه شيء عن الدوران

وقوله: [الطويل]

أيا أسدا في جسمه روح ضيغم

وكم أسد أرواحهنّ كلاب «3»

ويا آخذا من دهره حقّ نفسه

ومثلك يعطى حقّه ويهاب

لنا عند هذا الدهر حقّ يلطّه

وقد قلّ إعتاب وطال عتاب

ص: 119

وقد تحدث الأيام عندك شيمة

وتنعمر الأوقات وهي يباب

أرى لي بقربي منك عينا قريرة

وإن كان قربا بالبعاد يشاب

وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا

ودون الذي أمّلت منك حجاب

أقلّ سلامي حبّ ما خفّ عنكم

وأسكت كيما لا يكون جواب

وفي النّفس حاجات وفيك فطانة

سكوتي بيان عندها وخطاب

وما أنا بالباغي على الحبّ رشوة

ضعيف هوى يبغى عليه ثواب

78/وما شئت إلّا أن أذلّ عواذلي

على أنّ رأيي في هواك صواب

وأعلم قوما خالفوني فشّرقوا

وغرّبت أنّي قد ظفرت وخابوا

إذا نلت منك الودّ فالمال هيّن

وكلّ الذي فوق التراب تراب

وما كنت لولا أنت إلّا مهاجرا

له كلّ يوم بلدة وصحاب

ولكنّك الدنيا إليّ حبيبة

فما عنك لي إلّا إليك ذهاب

وقوله: [المنسرح]

فعد بها لا عدمتها أبدا

خير صلات الكريم أعودها «1»

وقوله: [الطويل]

وأكثر تيهي أنّني بك واثق

وأكثر مالي أنّني لك آمل «2»

وفي الشكر قوله يخاطب فاتكا: [البسيط]

ص: 120

لا خيل عندك تهديها ولا مال

فليسعد النطق إن لم يسعد الحال «1»

وإن تكن محكمات الشّكل تمنعني

ظهور جري فلي فيهنّ تصهال

وما شكرت لأنّ المال فرّحني

سيّان عندي إكثار وإقلال «2»

لكن رأيت قبيحا أن يجادلنا

وأنّنا بقضاء الحقّ بخّال

فكنت منبت روض الحزن باكره

غيث بغير سباخ الأرض هطّال

غيث يبيّن للنّظار موقعه

إنّ الغيوث بما تأتيه جهّال

لا يدرك المجد إلّا سيّد فطن

لما يشقّ على السادات فعّال

كفاتك ودخول الكاف منقصة

كالشمس قلت وما للشمس أمثال

لطّفت رأيك في وصلي وتكرمتي

إنّ الكريم على العلياء يحتال

وقوله: [المنسرح]

له أياد إليّ سابغة

أعدّ منها ولا أعدّدها «3»

79/يعطي فلا مطله يكدّرها

بها ولا منّه ينكدّها

وقوله: [المنسرح]

تمثّلوا حاتما ولو عقلوا

لكنت في الجود غاية المثل «4»

كيف أكافئ على أجلّ يد

من لا يرى أنّها يد قبلي

ص: 121

وقوله: [الوافر]

وإنّي عنك بعد غد لغاد

وقلبي عن فنائك غير غاد «1»

محبّك حيثما اتجهت ركابي

وضيفك حيث كنت من البلاد

وقوله: [الوافر]

ومن إحدى فوائده العطايا

ومن إحدى عطاياه الدوام «2»

فقد خفي الزمان بها علينا

كسلك الدرّ يخفيه النّظام «3»

أقامت في الرّقاب له أياد

هي الأطواق والناس الحمام

وقوله: [الطويل]

مدحت أباه قبله فشفى يدي

من العدم من تشفى به الأعين الرمد «4»

حباني بأثمان السوابق دونها

مخافة سيري أنّها للنّوى جند

وأصبح شعري منهم في مكانه

وفي عنق الحسناء يستحسن العقد «5»

ص: 122

وقوله: [المنسرح]

تنشد أثوابنا مدائحه

بألسن ما لهن أفواه «1»

إن كان فيما نراه من كرم

فيك فريد فزادك الله

وقوله: [الطويل]

أحبّك يا شمس الزمان وبدره

وإن لا مني فيك السّها والفراقد «2»

فإنّ قليل الحبّ بالعقل صالح

وإنّ كثير الحبّ بالجهل فاسد

80/وقوله: [الكامل]

يا من يقتّل من أراد بسيفه

أصبحت من قتلاك بالإحسان «3»

فإذا رأيتك حار دونك ناظري

وإذا مدحتك حار فيك لساني

في التهاني والعيادات قوله: [البسيط]

المجد عوفي إذ عوفيت والكرم

وزال عنك إلى أعدائك الألم «4»

وراجع الشّمس نور كان فارقها

كأنّما فقده في جسمها سقم

ص: 123

وما أخصّك في برى بتهنئة

إذا سلمت فكلّ الناس قد سلموا

وقوله يهنئ بعيد الفطر: [البسيط]

الصوم والفطر والأعياد والعصر

منيرة بك حتى الشمس والقمر «1»

ما الدهر عندك إلّا روضة أنف

يا من شمائله في دهره زهر

ما ينتهي لك في أيّامه كرم

فلا انتهى لك في أعوامه عمر

وقوله يهنئ بعيد الأضحى: [الطويل]

هنيئا لك العيد الذي أنت عيده

وعيد لمن سمّى وضحّى وعيّدا»

ولا زالت الأيام لبسك بعده

تسلّم مخروقا وتعطى مجدّدا

فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى

كما كنت فيهم أوحدا كان أوحدا

هو الجدّ حتى تفضل العين أختها

وحتى يكون اليوم لليوم سيّدا «3»

وقوله: [الطويل]

تحاسدت البلدان حتى لو أنّها

نفوس لسار الشرق والغرب نحوكا «4»

وأصبح مصر لا تكون أميره

ولو أنّه ذو مقلة وفم بكى

وقوله: [البسيط]

ص: 124

غاب الأمير فغاب الخير عن بلد

كادت لفقد اسمه تبكي منابره «1»

81/حتى إذا عقدت فيه القباب له

أهلّ لله باديه وحاضره

وجدّدت فرحا لا الغمّ يطرده

ولا الصبابة في قلب تجاوره

وقوله: [الكامل]

ما منبج مذ غبت إلّا مقلة

سهرت ووجهك نومها والإثمد «2»

فالليل حين قدمت فيه أبيض

والصبح منذ رحلت عنها أسود

ما زلت تدنو وهي تعلو همّة

حتى توارى في ثراها الفرقد «3»

أبدى العداة بك السرور كأنّهم

فرحوا وعندهم المقيم المقعد

حتى انثنوا ولو أنّ حدّ قلوبهم

في قلب هاجرة لذاب الجلمد

وقوله: [البسيط]

إذا حللت مكانا بعد صاحبه

جعلت فيه على ما قبله تيها «4»

لا ينكر الحسن من دار تكون بها

فإنّ ريحك روح في مغانيها «5»

ص: 125

وقوله في الحمّى: [الكامل]

ومنازل الحمّى الجسوم فقل لها

ما عذرها في تركها خيراتها «1»

أعجبتها شرقا فطال وقوفها

لتأمّل الأعضاء لا لأذاتها

وبذلت ما عشقته نفسك كلّه

حتى بذلت لهذه صحّاتها

وقوله: [الوافر]

أيدري ما أرابك من يريب

وهل ترقى إلى الفلك الخطوب «2»

وجسمك فوق همّة كلّ داء

فقرب أقلّها منه عجيب

يجمّشك الزمان هوى وحبّا

وقد يؤذي من المقة الحبيب «3»

82/وكيف تعلّك الدنيا بشيء

وأنت بعلّة الدنيا طبيب

وفي التعازي قوله: [الطويل]

عزاؤك سيف الدولة المقتدى به

فانّك نصل والشدائد للنّصل «4»

ومن كان ذا نفس كنفسك حرّة

ففيه لها مغن وفيها له مسلي

ص: 126

وقوله يعزّيه بغلامه: [الطويل]

علينا لك الإسعاد إن كان نافعا

بشقّ قلوب لا بشقّ جيوب «1»

فرّب كئيب ليس تندى جفونه

وربّ غزير الدمع غير كئيب «2»

إذا استقبلت نفس الكريم مصابها

بخبث ثنت فاستدبرته بطيب

فدتك نفوس الحاسدين فإنّها

معذّبة في حضرة ومغيب

وفي تعب من يحسد الشّمس نورها

ويجهد أن يأتي لها بضريب

وقوله يعزّيه بأخته الصغرى ويسلّيه ببقاء الكبرى: [الخفيف]

أنت يا فوق أن تعزّى عن الأح

باب فوق الذي يعزّيك عقلا «3»

وبألفاظك اهتدى فإذا عز

زاك قال الذي له قلت قبلا

قد بلوت الخطوب مرّا وحلوا

وملكت الزمان حزنا وسهلا «4»

وقتلت الزمان علما فما يعر

رف قولا ولا يجدّد فعلا

فإذا قست ما أخذن بما أغ

درن سرّى عن الفواد وسلّى

وتيقنّت أنّ حظّك أوفى

وتبيّنت أنّ جدّك أعلى «5»

وإذا لم تجد من الناس كفؤا

ذات خدر أرادت الموت بعلا

ص: 127

وقوله يعزّي عضد الدولة بعمّته: [السريع]

83/ما كان عندي أنّ بدر الدجى

يوحشه المفقود من شهبه «1»

يدخل صبر المرء في مدحه

ويدخل الإشفاق في قلبه

مثلك يثني الحزن عن صوبه

ويستردّ الدّمع عن غربه

ولم أقل مثلك أعني به

سواك يا فردا بلا مشبه

وقوله: [الكامل]

صبرا بني اسحاق عنه تكرّما

إنّ العظيم على العظيم صبور «2»

فلكلّ مفجوع سواكم مشبه

ولكلّ مفقود سواه نظير

فأعيذ إخوته بربّ محمّد

أن يحزنوا ومحمّد مسرور

وفي الإخوانيات قوله: [الكامل]

شوقي إليك نفى لذيذ هجوعي

فارقتني فأقام بين ضلوعي «3»

أو ما وجدتم في الصّراة ملوحة

ممّا أرقرق فيه ماء دموعي «4»

ما زلت أحذر من وداعك جاهدا

حتى اغتدى أسفي على التوديع

ص: 128

رحل العزاء برحلتي فكأنّما

أتبعته الأنفاس للتّشييع

وقوله: [الخفيف]

كلّما رحّبت بنا الأرض قلنا

حلب قصدنا وأنت السبيل «1»

والمسمّون بالأمير كثير

والأمير الذي بها المأمول

الذي زلت عنه شرقا وغربا

ونداه مقابلي ما يزول

وإذا صحّ فالزمان صحيح

وإذا اعتلّ فالزمان عليل

وإذا غاب وجهه عن مكان

فبه من ثناه وجه جميل

ما الذي عنده تدار المنايا

كالذي عنده تدار الشمول «2»

84/نغّص البعد عنك قرب العطايا

مرتعي مخصب وجسمي نحيل

إن تبّوأت غير داري أرضا

وأتاني نيل فأنت المنيل «3»

من عبيدي إن عشت لي ألف كا

فور ولي من نداك ريف ونيل

ما أبالي إذا اتّقتك المنايا

من دهته خبولها والحبول «4»

وقوله: [الكامل المرفل]

إنّ الذين أممت وارتحلوا

أيّامهم كديارهم دول «5»

ص: 129

الحسن يرحل كلّما رحلوا

معهم وينزل حيثما نزلوا

وقوله: [الطويل]

رجونا الذي يرجون في كلّ جنّة

بأرجان حتى ما يئسنا من الخلد «1»

تفضّلت الأيام بالجمع بيننا

فلمّا حمدنا لم تدمنا على الحمد

وقد كنت أدركت المنى غير أنّني

يعيّرني قومي بإدراكها وحدي

ولو فارقت جسمي إليك حياته

لقلت أصابت غير مذمومة العهد «2»

وقوله: [الوافر]

تسايرك السواري والغوادي

مسايرة الأحبّاء الطراب «3»

تفيد الجود منك فتحتذيه

وتعجز عن خلائقك العذاب

وقوله: [الكامل]

يجد الحمام ولو كوجدي لا نبرى

شجر الأراك مع الحمام ينوح «4»

ص: 130

وقوله: [الخفيف]

وافترقنا حولا فلمّا التقينا

كان تسليمه عليّ وداعا «1»

وفي الهجاء قوله في هجاء كافور: [الطويل]

أريك الرّضا لو أخفت العين خافيا

وما أنا عن نفسي ولا عنك راضيا «2»

85/أمينا وإخلافا وغدرا وخسّة

وخبثا أشخصا لحت لي أم مخازيا

تظنّ ابتساماتي رجاء وغبطة

وما أنا إلّا ضاحك من رجائيا «3»

ولولا فضول الناس جئتك مادحا

بما كنت في سّري به لك هاجيا

وأصبحت مسرورا بما أنا منشد

وإن كان بالانشاد هجوك غاليا

ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة

ليضحك ربّات الحداد البواكيا

وقوله يهجوه: [البسيط]

إنّي نزلت بكذّابين ضيفهم

عن القرى وعن الترحال محدود «4»

جود الرجال من الأيدي وجودهم

من اللسان فلا كانوا ولا الجود

ما يقبض الموت نفسا من نفوسهم

إلّا وفي يده من نتنها عود

من كلّ رخو وكاء البطن منتفخ

لا في الرجال ولا النسوان معدود «5»

ص: 131

العبد ليس لحرّ صالح بأخ

لو أنّه في ثياب الحرّ مولود

لا تشتر العبد إلّا والعصا معه

إنّ العبيد لأنجاس مناكيد

ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن

يسىء بي فيه كلب وهو محمود

من علّم الأسود المخصيّ مكرمة

أقومه البيض أم آباؤه السود «1»

أم أذنه في يد النخّاس دامية

أم قدره وهو بالفلسين مردود

وذاك أنّ الفحول البيض عاجزة

عن الجميل فكيف الخصية السود

86/وقوله يهجوه: [المتقارب]

لقد كنت أحسب قبل الخصيّ

بأنّ الرءوس مقرّ النّهى «2»

فلمّا نظرت إلى عقله

رأيت النّهى كلّها في الخصى

وقوله يهجوه: [السريع]

العبد لا تفضل أخلاقه

عن فرجه المنتن أو ضرسه «3»

فلا ترجّ الخير عند امرئ

مرّت يد النخاس في رأسه

وإن عراك الشكّ في أمره

بحاله فانظر إلى جنسه

فقلّ ما يلؤم في ثوبه

إلّا الذي يلؤم في غرسه

وقوله يهجو إسحاق بن إبراهيم بن كيغلغ: [الكامل]

ص: 132

وارفق بنفسك إنّ خلقك ناقص

وارفق بنفسك إنّ أصلك مظلم «1»

واحذر مناواة الرجال فإنّما

تقوى على كمر العبيد وتقدم

وغناك مسألة وطيشك نفخة

ورضاك فيشلة وربّك درهم

يمشي باربعة على أعقابه

تحت العلوج ومن وراء تلجم

وجفونه ما تستقرّ كأنّها

مطروقة أوفتّ فيها حصرم

وإذا أشار محدّثا فكأنّه

قرد يقهقه أو عجوز تلطم

يقلي مفارقة الأكفّ قذاله

حتى يكاد على يد يتعمّم

وتراه أصغر ما تراه ناطقا

وتراه أكذب ما يكون ويقسم «2»

أرسلت تسألني المديح سفاهة

صفراء أضيق منك ماذا أزعم «3»

وأشدّ ما جاوزت قدرك صاعدا

وأشدّ ما قربت عليك الأنجم

87/وقوله يهجو الأعور بن كروس: [الوافر]

تعادينا لأنّا غير لكن

وتبغضنا لأنّا غير عور «4»

فلو كنت امرءا تهجى هجونا

ولكن ضاق فتر عن مسير

وقوله: [البسيط]

ص: 133

كريشة بمهبّ الريح ساقطة

لا تستقرّ على حال من القلق «1»

وقوله: [المجتث]

إن آنستك المخازي

فإنّها لك نسبه «2»

أو أوحشتك المعالي

فإنّها دار غربه

ومن المختار له في أشياء متفرّقة قوله: [الكامل]

سر حيث شئت يحلّه النّوار

وأراد فيك مرادك المقدار «3»

وإذا ارتحلت فشيعّتك سلامة

حيث اتّجهت وديمة مدرار

وأراك دهرك ما تحاول في العدا

حتى كأنّ صروفه انصار

وصدرت أغنم صادر عن مورد

مرفوعة لقدومك الأبصار

أنت الذي بجح الزمان بذكره

وتزيّنت بحديثه الأسمار «4»

وإذا تنكّر فالفناء عقابه

وإذا عفا فعطاؤه الأعمار

لله قلبك لا يخاف من الردى

ويخاف أن يدنو إليك العار

يا من يعزّ على الأعزّة جاره

ويذلّ في سطواته الجبّار

إنّ الذي خلّفت خلفي ضائع

مالي على قلقي عليه خيار

ص: 134

وإذا صحبت فكلّ ماء مشرب

لولا العيال وكلّ أرض دار

إذن الأمير بأن أعود إليهم

صلة تسير بذكرها الأشعار «1»

وقوله: [الوافر]

وصار أحبّ ما تهدي إلينا

لغير قلى وداعك والسّلاما «2»

88/ولكنّ الغيوث إذا توالت

بأرض مسافر كره المقاما

وقوله: [الطويل]

وكم لظلام الليل عندك من يد

تخبّر أنّ المانوية تكذب «3»

ويوم كليل العاشقين كمنته

أراقب فيه الشمس أيّان تغرب

وقوله وقد سقطت خيمة سيف الدولة: [المتقارب]

فلا تنكرنّ لها صرعة

فمن فرح النفس ما يقتل «4»

فلو بلّغ الناس ما بلّغت

لخانتهم حولك الأرجل

ولمّا أمرت بتطنيبها

أشيع بأنّك لا ترحل

فما اعتمد الله تقويضها

ولكن اشار بما تفعل

وقوله: [الوافر]

ص: 135

أعن إذني تهبّ الريح رهوا

ويسري كلّما سقت الغمام «1»

ولكنّ الغمام له طباع

تبجّسه بها وكذا الكرام «2»

وقوله: [الطويل]

نجوت بإحدى مهجتيك جريحة

وخلّفت إحدى مهجتيك تسيل «3»

أتسلم للخطّية ابنك هاربا

ويسكن في الدنيا إليك خليل

وقوله: [الكامل]

لمّا تحكّمت الأسنّة فيهم

جارت وهنّ يجرن في الأحكام «4»

فتركتهم خلل البيوت كأنّما

غضبت رؤوسهم على الأجسام

وقوله: [الطويل]

إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق

أراه غباري ثم قال له الحق «5»

وما كمد الحسّاد شيئا قصدته

ولكنّه من يزحم البحر يغرق

89/ويمتحن الناس الأمير برأيه

ويغضي على علم بكلّ ممخرق

ص: 136

وإطراق طرف العين ليس بنافع

إذا كان طرف القلب ليس بمطرق

وقوله: [الوافر]

وللحسّاد عذر أن يشحّوا

على نظري إليه وأن يذوبوا «1»

فإنّي قد وصلت إلى مكان

عليه تحسد الحدق القلوب

وقوله: [الطويل]

أسير إلى إقطاعه في ثيابه

على طرفه من داره بخيامه «2»

فلا زالت الشمس التي في سمائه

مطالعة الشمس الذي في لثامه

ولا زال تجتاز البدور لوجهه

تعجّب من نقصانها وتمامه «3»

وقوله: [الخفيف]

إنّما أحفظ المديح بعيني

لا بقلبي لما رأت في الأمير «4»

من خصال إذا نظرت إليها

نظمت لي غرائب المنثور

وقوله وقد استدعاه سيف الدولة إلى حضرته: [الطويل]

ولكنّ لي كفّا أعيش بفضلها

ولا أشتري إلّا بها وأبيع «5»

ص: 137

أأطرحها تحت الرّجا ثمّ أبتغي

لها مخلصا إنّي إذا لرقيع

وقوله: [الطويل]

فليس الذي يتّبّع الوبل رائدا

كمن جاءه في داره رائد الوبل «1»

وما أنا ممّن يدّعي الشوق قلبه

ويعتلّ في ترك الزيارة بالشغل «2»

وقوله: [الطويل]

رحلت فكم باك بأجفان شادن

عليّ وكم باك بأجفان ضيغم «3»

ومارّبة القرط المليح مكانه

بأجزع من ربّ الحسام المصمّم

90/وقوله: [الوافر]

أروح وقد ختمت على فؤادي

بحبّك أن يحلّ به سواكا «4»

لعلّ الله يجعله رحيلا

يعين على الإقامة في ذراكا

فلو أنّي استطعت خفضت طرفي

فلم أنظر به حتى أراكا

إذا التوديع أعرض قال قلبي

عليك الصمت لا صاحبت فاكا

ص: 138

ولولا أنّ أكثر ما تمنّى

معاودة لقلت ولا مناكا

قد استشفيت من داء بداء

وأقتل ما أعلّك ما شفاكا

وما أعتاض منك إذا افترقنا

وكلّ الناس زور ما خلاكا

وقوله: [الخفيف]

حسم الصلح ما اشتهته الأعادي

وأذاعته ألسن الحسّاد «1»

إنّما أنت والد والأب القا

طع أحنّ من واصل الأولاد

أنتما- ما اتّفقتما- الجسم والرو

ح فلا احتجتما إلى العوّاد

هذه دولة المكارم والرأ

فة والمجد والنّدى والأيادي

كسفت ساعة كما تكسف الشم

س وعادت ونورها في ازدياد

كيف لا تترك الطريق لسيل

ضيّق عن أتّيه كلّ واد

وقوله وقد نام أبو بكر الطائي: [الكامل]

إنّ القوافي لم تنمك وإنّما

محقتك حتى صرت ما لا يوجد «2»

فكأنّ أذنك فوك حين سمعتها

وكأنّها ممّا سكرت المرقد

وقوله: [الطويل]

أتاني وعيد الأدعياء وأنّهم

أعدّوا لي السودان في كفر عاقب «3»

ولو صدقوا في جدّهم لحذرتهم

فهل فيّ وحدي قولهم غير كاذب

ص: 139

91/وقوله: [البسيط]

عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم

ماذا يزيدك في إقدامك القسم «1»

وقي اليمين على ما أنت واعده

ما دلّ أنّك في الميعاد متّهم

وقوله: [الوافر]

وما ماضي الشباب بمستردّ

ولا يوم يمرّ بمستعاد «2»

متى لحظت بياض الشيب عيني

فقد وجدته منها في السواد «3»

متى ما ازددت من بعد التناهي

فقد وقع انتقاصي في ازدياد «4»

وقوله: [البسيط]

تسوّد الشمس منّا بيض أوجهنا

ولا تسوّد بيض العذر واللّمم «5»

وكان حالهما في الحكم واحدة

لو احتكمنا من الدنيا إلى حكم

وقوله: [الخفيف]

وإذا الشيخ قال أفّ فما م

لّ حياة وإنّما الضعف ملّا «6»

ص: 140

آلة العيش صحة وشباب

فإذا ولّيا عن المرء ولّى

أبدا تستردّ ما تهب الدّن

يا فياليت جودها كان بخلا

وهي معشوقة على الغدر لا تح

فظ عهدا ولا تتممّ وصلا

كلّ دمع يسيل منها عليها

وبفكّ اليدين منها تحلّى

وقوله: [البسيط]

ليت الحوادث باعتني الذي أخذت

منّي بحلمي الذي أعطت وتجريبي «1»

فما الحداثة من حلم بمانعة

قد يوجد الحلم في الشبّان والشّيب

وقوله يصف فرسا: [الرجز]

لو سابق الشمس من المشارق

جاء إلى الغرب مجيء السابق «2»

وقوله يصف شعره: [الطويل]

92/وما قلت من شعر تكاد بيوته

إذا كتبت يبيّض من نورها الحبر «3»

كأنّ المعاني في فصاحة لفظها

نجوم الثريا أو خلائقك الزّهر

وماذا الذي فيه من الحسن رونقا

ولكن بدا في وجهه نحوك البشر

ص: 141

وقوله يصف القلم: [الطويل]

نحيف الشوى يعدو على أمّ رأسه

ويخفى فيقوى عدوه حين يقطع «1»

يمجّ ظلاما في نهار لسانه

ويفهم عمّن قال ما ليس يسمع

ذباب حسام منه أنجى ضريبة

وأعصى لمولاه وذا منه أطوع

بكفّ جواد لو حكتها سحابة

لما فاتها في الشرق والغرب موضع

وقوله: [المقتضب]

أبلج لو عاذت الحمام به

ما خشيت راميا ولا صائد «2»

وقوله: [البسيط]

أما ترى ما أراه أيّها الملك

كأنّنا في سماء مالها حبك «3»

الفرقد ابنك والمصباح صاحبه

وأنت بدر الدجى والمجلس الفلك

وقوله يصف قلعة: [الطويل]

فأضحت كأنّ السور من فوق بدئه

إلى الأرض قد شقّ الكواكب والتّربا «4»

ص: 142

تصدّ الرياح الهوج عنها مخافة

ويفزع فيها الطير أن يلقظ الحبّا

وقوله: [الوافر]

ولو سرنا إليه في طريق

من النيران لم نخف احتراقا «1»

فابلغ حاسديّ عليه إنّي

كبا برق يحاول بي لحاقا

وهل تغني الرسائل في عدوّ

إذا ما لم يكنّ ظبا رقاقا

93/وقوله: [المجتث]

إذا امرؤ راعني بغدرته

أوردته الغاية التي خافا «2»

وقوله: [الكامل]

وتوهّموا اللّعب الوغى والطعن في ال

هيجاء غير الطعن في الميدان

وقوله: [المتقارب]

وجدت المدامة غلّابة

تهيجّ للقلب أشواقه «3»

وأنفس ما للفتى لبّه

وذو اللّبّ يكره إنفاقه

وقوله: [المقتضب]

ص: 143

ويظهر الجهل بي وأعرفه

والدرّ درّ برغم من جهله «1»

وصرت كالسيف حامدا يده

ما يحمد السّيف كلّ من حمله

وقوله: [الوافر]

أبا الغمرات توعدنا النّصارى

ونحن نجومها وهي البروج «2»

وقوله: [الوافر]

رضوا بك كالرضى بالشّيب قسرا

وقد وخط النّواصي والفروعا «3»

وقوله: [الخفيف]

إنّ بعضا من القريض هذاء

ليس شيئا وبعضه أحكام «4»

وقوله: [البسيط]

كلام أكثر من تلقى ومنظره

ممّا يشقّ على الآذان والحدق «5»

ص: 144

وقوله: [الطويل]

رأيت الحميّا في الزجاج بكفّه

فشبّهتها بالشمس في البدر في البحر «1»

وقوله: [الوافر]

كأنّ بنات نعش في دجاها

خرائد سافرات في حداد «2»

وقوله: [الخفيف]

خير أعضائنا الرءوس ولكن

فضّلتها بقصدك الأقدام «3»

وقوله: [الوافر]

فلا حطّت لك العلياء سرجا

ولا ذاقت لك الدّنيا فراقا «4»

وقوله: [الطويل]

وهذا دعاء لو سكتّ كفيته

لأنّي سألت الله فيك وقد فعل «5»

ص: 145

وقوله: [الطويل]

بقيت بقاء الدهر يا كهف أهله

وهذا دعاء للبريّة شامل «1»

ص: 146