الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
2- السريّ بن أحمد الكندي المعروف بالرّفاء الموصلي
«1» .
توفي سنة ستين وثلثمائة. كان معيديا تسمع به لا أن تراه، 94/جريريا أدبه لا مرآه.
وكان فى أول/ صباه يرفو ويطرّز فى دكان بالموصل وهو يجتهد فى مواد الأدب ويحصّل، ثمّ ما زال يطرّز حتى ظهر بهذا الطّرز، وأسلم أجيرا للخياط فجاء تاجرا بمثل هذا البزّ، واتّخذ نسخ ديوان كشاجم ديدنه، ونسف ترابه وأدبه حتى استثار معدنه بحدّة ذهن حلّ به مرموزه، وشدّة تتبّع أخرج به مكنوزه، ثم كانت بينه وبين الخالديّين هنات «2» أراد بها التغطية على محاسنهم، والتعمية على ما لا يصطاد شوارده إلّا من مكامنهم، وكان يأخذ نوادرهم البديعة (وبوادرهم)«3» ممّا لا يجي به إلّا الفكرة السريعة فيخلطه فى ديوان كشاجم لينسب إليه وينسي من لم تنتجها قريحة ولود إلّا بين جنبيه «4» .
قال ابن خلكان «5» ما معناه: ولهذا اختلفت نسخ هذا الديوان، واختلّت إلى هذا
الأوان. وكان السريّ معجبا بشعر كشاجم يقفو أثره، ويغفى وطيف خياله لا يفارق نظره فحظي بالافتنان فى التشبيه، وحبي بما لا يؤمن الافتتان منه بما ليس له شبيه.
ومنه قوله فى أبيات أجاب بها صديقا له كتب يسأله عن حاله: [السريع]
وكانت الإبرة فيما مضى
…
صائنة وجهي وأشعاري
فأصبح الرّزق بها ضيّقا
…
كأنّه من ثقبها جاري «1»
ومنه قوله فى سيف الدولة: [الوافر]
طلعت على الديار وهم نبات
…
فأغمدت السيوف وهم حصيد
فما أبقيت إلّا مخطّفات
…
حمى الأعطاف منها والنهود «2»
ومنه قوله: [الكامل]
حيّيت من طلل أجاب دثوره
…
يوم العقيق سؤال دمع سائل
95/نحفى وننزل وهو أعظم حرمة
…
من أن يذال براكب أو نازل «3»
ومنه قوله: [الطويل]
عليلة أنفاس الرياح كأنّما
…
يعلّ بماء الورد نرجسها النّدي «4»
يشقّ جيوب الورد فى شجراتها
…
نسيم متى ينظر إلى الماء يبرد
ومنه قوله، وذكر الخيال:[الكامل]
وفى فحّقق لي الوفاء ولم يزل
…
خدن الصبابة بالوفاء حقيقا «1»
ومضى وقد منع الجفون خفوقها
…
قلب لذكرك لا يقرّ خفوقا
ومنه قوله: [الكامل]
نضت البراقع عن محاسن روضة
…
ريضت بمحتفل الحيا أنوارها «2»
فمن الثغور المشرقات لجينها
…
ومن الخدود المذهبات نضارها
أغصان بان أغربت في حملها
…
فغرائب الورد الجنيّ ثمارها
ومنه قوله: [الكامل]
تلك المكارم لا أرى متأخرا
…
أولى بها منه ولا متقدّما «3»
عفو أظلّ ذوي الجرائم كلّهم
…
حتى لقد حسد المطيع المجرما
ومنه قوله: [الوافر]
تحنّ جمالنا هونا إليها
…
فأحسبها ترى منها جمالا «4»
ويسأل من معالمها محيلا
…
فنطلب من إجابتها محالا
ومنه قوله يتشوّق بني فهد: [الطويل]
فشرّق منهم سيد ذو حفيظة
…
وغرّب منهم سيد فتشأما «5»
كأنّ نواحي الجو تنثر منهم
…
على كلّ فّج قاتم اللون أنجما
96/ومنه قوله: [الطويل]
وأغيد مهتزّ على صحن خدّه
…
غلائل من صبغ الحياء رقاق «1»
أحاطت عيون العاشقين بخصره
…
فهنّ له دون النّطاق نطاق
ومنه قوله: [مجزوء البسيط]
ترتع حولي الظّبا آنسة
…
نظائرا فى الجمال أشباها «2»
رقّت عن الوشي نعمة فإذا
…
صافح منها الجسوم وشّاها
ومنه قوله من أبيات كتبها إلى صديق أهدى إليه ماء ورد فى قارورة بيضاء مذهبة مزينة كالروضة المعشبة: [الطويل]
بعثت بها عذراء حالية النّحر
…
مشهّرة الجلباب حوريّة النّشر «3»
مضمّنة ماء صفا مثل صفوها
…
فجاءت كذوب الدرّ في جامد الدرّ «4»
ينوب بكفّي عن أبيه وقد مضى
…
كما نبت عن آبائك السادة الغرّ
ومنه قوله:
لمّا تراءى لك الجمع الذي نزحت
…
أقطاره ونأت بعدا جوانبه «5»
تركتهم بين مصبوغ ترائبه
…
من الدماء ومخضوب ذوائبه
فحائد وشهاب الرمح لاحقه
…
وهارب وذباب السيف طالبه
يهوي إليه بمثل النجم طاعنه
…
وينتحيه بمثل البرق ضاربه
يكسوه من دمه ثوبا ويلبسه
…
ثيابه فهو كاسيه وسالبه
ومنه قوله: [الكامل]
يلقى الندى برقيق وجه مسفر
…
فإذا التقى الجمعان عاد صفيقا «1»
97/رحب المنازل ما أقام فإن سرى
…
في جحفل ترك الفضاء مضيقا
ومنه قوله: [الكامل]
ألبستني نعما رأيت بها الدجى
…
صبحا وكنت أرى الصباح بهيما «2»
فغدوت يحسدني الصديق وقبلها
…
قد كان يلقاني العدوّ رحيما
وقوله: [الوافر]
بنفسي من أجود له بنفسي
…
ويبخل بالتحيّة والسلام «3»
وحتفي كامن فى مقلتيه
…
كمون الموت فى حدّ الحسام
ومنه قوله فى سيف الدولة وذكر العدوّ: [البسيط]
تروع أحشاءه بالكتب وهو لها
…
خوف الدّوى ورجاء السّلم مستلم «4»
لا يشرب الماء إلّا غصّ من حذر
…
ولا يهوّم إلّا راعه الحلم
وقوله: [الوافر]
وقفنا نحمد العبرات لمّا
…
رأينا البين مذموم السجايا «5»
كأنّ خدودهنّ إذا استقلّت
…
شقيق فيه من طلّ بقايا
ومنه قوله فى رثاء امرأة: [الطويل]
تذال مصونات الدموع إزاءها
…
وتمشي حفاة حولها الرّجل والركب «1»
تساوت قلوب الناس فى الحزن إذ ثوت
…
كأنّ قلوب الناس في موتها قلب
ومنه قوله وكتب به إلى صديق له اتّهمه بغلام بعثه إليه فى حاجة: [الوافر]
وخفت عليه فى الخلوات منّى
…
ولم يك بيننا حال يخاف «2»
فلو أنّي هممت بقبح فعل
…
لدى الإغفاء أيقظني العفاف
وقوله: [البسيط]
أيام لي فى الهوى العذريّ مأربة
…
وليس لي فى هوى العذّال من أرب «3»
سقى الغمام رباها دمع مبتسم
…
فكم سقاها التصابي دمع مكتئب
98/ومنه قوله: [الطويل]
ولمّا اعتنقنا خلت أنّ قلوبنا
…
تناجي بأفعال الهوى وهي تخفق «4»
هي الدار لم يخل الغمام ولا الهوى
…
معالمها من عبرة تترقرق
منها:
وطوّقت قوما فى الرقاب صنائعا
…
كأنّهم منها الحمام المطّوق «5»
ومنه قوله فى سيف الدولة: [الطويل]
تبسّم برق الغيم فاختال لامعا
…
وحلّ عقود الغيث فارفضّ هاملا «1»
فقلت: عليّ منك أعلى صنائعا
…
إذا ما رجوناه وأرجى مخايلا
ومنه قوله: [الكامل]
قامت تميّل للعناق مقوّما
…
كالخوط أبدع في الثمار وأغربا «2»
حملت ذراه الأقحوان مفضضّا
…
يسقي المدامة والشقيق مذهّبا
وأبت وقد أخذ النقاب جمالها
…
حركات غصن البان أن تتنقّبا
وقوله يذكر جراحا نالته فى بعض أسفاره: [الخفيف]
نوب لو علت شماريخ رضوى
…
أو شكت أن تخرّ منهنّ هدّا «3»
عرضتني على الحسام فأضحى
…
كلّ عضو منّي لحدّيه غمدا
وكست مفرقي عمامة ضرب
…
أرجوانية الذوائب تندى
ومنه قوله: [الكامل]
وأرى العدوّ نقيصة في عمره
…
وأرى الصديق زيادة في ماله «4»
بوقائع للبأس فى أعدائه
…
ووقائع للجود في أمواله
عذلوه في الجدوى ومن يثني الحيا
…
أم من يسدّ عليه طرق سجاله
99/وقوله في وصف طير الماء: [الطويل]
وآمنة لا الوحش يذعر سربها
…
ولا الطير منها داميات المخالب «1»
هي الروض لم تنش الخمائل زهره
…
ولا اخضلّ عن دمع من المزن ساكب «2»
إذا انبعثت بين الملاعب خلتها
…
زرابيّ كسرى بثّها في الملاعب
وإن آنست شخصا من الناس صرصرت
…
كما صرصرت فى الطرس أقلام كاتب
ومنه قوله: [الكامل]
وأنا الفداء لمرغم فيّ العدى
…
إذ زارني وهنا على عدوائه «3»
قمر إذا ما الوشي حين أذاله
…
كيما يصون بهاءه ببهائه
ضعفت معاقد خصره وعقوده
…
فكأنّ عقد الخصر عقد وفائه
ومنه قوله: [البسيط]
حليّه وثناياه وعنبره
…
كلّ ينمّ عليه أو يراقبه «4»
فلست أدرى إذا ما سار في أفق
…
شمائل الأفق أذكى أم جنائبه
ومنه قوله فى القلم يخاطب الصابي «5» : [الكامل]
وفتى إذا هزّ اليراع حسبته
…
لمضاء عزمته يهزّ مناصلا «6»
من كلّ ضافي البرد ينطق راكبا
…
بلسان حامله ويصمت راجلا
وقوله: [المنسرح]
والغيث والليث والهلال إذا
…
أقمر بأسا وبهجة وندى «1»
ناس عن الجود ما يجود به
…
وذاكر منه كلّ ما وعدا
ومنه قوله فى وصف أشعاره: [الخفيف]
خلع غضّة النسيم غذاها
…
صفو ماء العلوم والآداب «2»
100/فهى كالخرّد العرائس يخلط
…
ن شماس الصّبا بأنس التصابي «3»
رقّة فوق رقّة الخصر تبدي
…
فطنة فوق فطنة الأعراب
ومنه قوله: [الطويل]
ألست ترى ركب الغمام يساق
…
فأدمعه بين الرياض تراق «4»
ورقّت جلابيب النسيم على الثرى
…
ولكن جلابيب الغيوم صفاق «5»
ومنه قوله: [الكامل]
فلتشكرنّك دولة جددتها
…
فتجددّت أعلامها ومنارها «6»
حلّيتها وحميت بيضة ملكها
…
فغرار سيفك سورها وسوارها
وقوله: [الكامل]
نشر الثناء فكان من أعلامه
…
وطوى الوداد فكان من إضماره «1»
كالنخل يبدي الطّلع من إثماره
…
حسنا ويخفي الغضّ من جمّاره «2»
وقوله فى الشمع: [الرجز]
1-
أعددت للّيل إذا الليل غسق «3»
…
2- وقيّد الألحاظ من دون الطرق
3-
قضبان تبر عريت من الورق «4»
…
4- شفاؤها إن مرضت ضرب العنق
ومنه قوله: [المنسرح]
وانظر إلى الليل كيف تصدعه
…
راية صبح مبيضّة العذب «5»
كراهب خرّ للهوى طربا
…
فشقّ جلبابه من الطّرب «6»
وقوله: [البسيط]
وفتية زهر الآداب بينهم
…
أبهى وأنضر من زهر الرياحين «7»
مشوا إلى الراح مشي الرّخ وانصرفوا
…
والراح تمشي بهم مشي الفرازين
101/وقوله يصف الشطرنج: [الكامل]
يبدي لعينيك كلّما عاينته
…
قرنين جالا: مقدما ومخاتلا «8»
فكأن ذا صاح يسير مقوّما
…
وكأنّ ذا نشوان يخطر مائلا
وقوله يصف كانون نار: [المتقارب]
وذي أربع لا يطيق النهوض
…
ولا يألف السير فيمن سرى
نحمّله سبجا أسودا
…
فيجعله ذهبا أحمرا»
وقوله: [الوافر]
وكم خرق الحجاب إلى مقام
…
توارى الشمس فيه بالحجاب «2»
كأنّ سيوفه بين العوالي
…
جداول يطّردن خلال غاب
وقوله يصف شعره: [الوافر]
إليك رفعتها عذراء تأوي
…
حجاب القلب لا حجب القباب «3»
أذبت لصوغها ذهب القوافي
…
فأدّت رونق الذّهب المذاب
وقوله: [الوافر]
وما زالت رياح الشعر شتّى
…
فمن ريّا الهبوب ومن سموم «4»
منحتك من محاسنها بديعا
…
مقيم الزهر سيّار النسيم «5»
وقوله: [البسيط]
والشعر كالرّوض ذا ظام وذا خضل
…
أو كالصوارم ذا ناب وذا خذم «6»
أو كالعرانين هذا حظّه خنس
…
مزر عليه وهذا حظّه شمم
وقوله: [المنسرح]
وخلعة للثّناء دبّجها ال
…
فكر ففاقت بحسنها البدعا «1»
وقرّب الحذق لفظها فغدا
…
من قربه مطمعا وممتنعا
وقوله: [البسيط]
إنّ المدائح لا تهدى لناقدها
…
إلّا وألفاظها أصفى من الذّهب «2»
102/كم رضت بالفكر منها روضة أنفا
…
تفتّح الزهر فيها عن جنى الأدب
لفظ يروح له الريحان مطرّحا
…
إذا جعلناه ريحانا على النّخب
وقوله: [الوافر]
أتتك يجول ماء الطّبع فيها
…
مجال الماء في السيف الصقيل «3»
قواف إن ثنت للمرء عطفا
…
ثنى الأعطاف فى برد جميل
وقوله: [الكامل]
شرقت بماء الطّبع حتى خلتها
…
شرقت لرونقها بتبر ذائب «4»
ويقول سامعها إذا ما أنشدت
…
أعقود حمد أم عقود كواكب
وقوله: [الكامل]
والبس غرائب مدحة دبجّتها
…
فكأنّما دبّجت منها مطرفا «5»
من كل بيت لو تجسّم لفظه
…
لرأيته وشيا عليك مفوّفا
وقوله: [الكامل]
ألفاظه كالدّر في أصدافه
…
لا بل يزيد عليه في لألآئه «1»
من كلّ ريّقة الجمال كأنّما
…
جاد الشباب لها بريّق مائه
والشعر بحر نلت أنفس درّه
…
وتنافس الشعراء في حصبائه
وقوله: [الكامل]
وغرائب مثل السيوف إضاءة
…
وجدت من الفكر الدّقاق صياقلا «2»
فلو استعار الشيب بعض جمالها
…
أضحى إلى البيض الحسان وسائلا
جاءتك بين رصينة ورقيقة
…
تهدي إليك مطارفا وغلائلا
وقوله يتظلّم من الخالديين «3»
إلى ابن فهد: [الطويل]
تحيّف شعري يا ابن فهد مصالت
…
عليه فقد أعدمت منه وقد أثرى «4»
103/وفي كلّ يوم للغبييّن غارة
…
تروّع ألفاظي المحجّلة الغرّا
إذا عنّ لي معنى تضاحك لفظه
…
كما ضاحك النّوار في روضه الغدرا
غريب كسطر البرق لمّا تبسّمت
…
مخائله للفكر أودعته سطرا
فوجه من الفتيان يمسح وجهه
…
وصدر من الأقوام يسكنه صدرا
تناوله مثر من الجهل معدم
…
من الحلم معذور متى خلع العذرا
فبعّد ما قرّبت منه غباوة
…
وأورد ما سهلّت من لفظه وعرا
لأطفأتما تلك النجوم بأسرها
…
ودنّستما تلك المطارف والأزرا
فويحكما هلّا بشطر قنعتما
…
وأبقيتما لي من محاسنها شطرا
وقوله يتظلّم منهما إلى ابن ناصر الدولة: [البسيط]
يا أكرم الناس إلّا أن يعدّ أبا
…
فات الكرام بآباء وآثار «1»
أشكو إليك حليفي غارة شهرا
…
سيف الشّقاق على ديباج أشعاري
ذئبين لو ظفرا بالشّعر في حرم
…
لمزّقاه بأنياب وأظفار
وكلّ مسفرة الألفاظ تحسبها
…
صفيحة بين إشراق وإسفار
أرقت ماء شبابي في محاسنها
…
حتى ترقرق فيها ماؤها الجاري
كأنّها أنفس الريحان تمزجه
…
صبا الأصائل من أنفاس نوّار «2»
إن قلّداك بدرّ فهو من لججي
…
أو ختّماك بياقوت فأحجاري «3»
منها:
هذا وعندي من لفظ أشعشعه
…
سلافة ذات أضواء وأنوار
ينشا خلال شغاف القلب إن نشأت
…
ذات الحباب خلال الطين والقار «4»
لم يبق لي من قريض كان لي وزرا
…
على الشدائد إلّا ثقل أوزاري
104/وقوله في مثله: [الطويل]
ولا بّد أن أشكو إليك ظلامة
…
وغارة مغوار سجيّته الغصب «1»
تخيّل شعري أنّه قوم صالح
…
هلاكا وأنّ الخالديّ له سقب «2»
وكان رياضا غضّة فتكدّرت
…
مواردها وأصفّر في تربها العشب
غصبت على ديباجه وعقوده
…
فديباجه غصب وجوهره نهب
وأبكاره شتّى أذيل مصونها
…
وريعت عذاراها كما روّع السّرب
وقوله يخاطب أبا الخطّاب في أمر الخالديين عند رجوعهما إلى العراق: [الكامل]
بكرت عليك مغيرة الأعراب
…
فاحفظ ثيابك يا أبا الخطّاب «3»
ورد العراق ربيعة بن مكدّم
…
وعيينة بن الحارث بن شهاب
أفعندنا شكّ بأنّهما هما
…
في الفتك لا في صحّة الأنساب
وبدائع الشعراء فيما جهّزا
…
مقرونة بغرائب الكتّاب
شنّا على الآداب أقبح غارة
…
جرحت قلوب محاسن الآداب
فحذار من حركات صلّي قفرة
…
وحذار من حركات ليثي غاب
لا يسلبان أخا الثراء وإنما
…
يتناهبان نتائج الألباب
كم حاولا أمدي فطال عليهما
…
أن يدركا إلّا مثار ترابي
ولقد حميت الشعر وهو لمعشر
…
رمم سوى الأسماء والألقاب
وضربت عنه المدّعين وإنّما
…
عن حوزة الآداب كان ضرابي «4»
فغدت نبيط الخالديّة تدّعي
…
شعري وترفل في حبير ثيابي
قوم إذا قصدوا الملوك لمطلب
…
نفضت عمائمهم على الأبواب
105/من كلّ كهل يستطيل سباله
…
لونين بين أنامل البوّاب «1»
مغض على ذلّ الحجاب بردّه
…
دامي الجبين، تجهّم الحجّاب
نظرا إلى شعري يروق فترّبا
…
منه خدود كواعب أتراب
شرباه فاعترفا له بعذوبة
…
ولربّ عذب عاد سوط عذاب
فى غارة لم تنثلم فيها الظّبا
…
ضربا، ولم تند القنا بخضاب
تركت غرائب منطقي في غربة
…
مسبيّة لا تهتدي لإياب
جرحى وما ضربت بحدّ مهنّد
…
أسرى وما حملت على الأقتاب
لفظ صقلت متونه فكأنّه
…
في مشرقات النظم درّ سخاب «2»
وإذا ترقوق في الصحيفة ماؤه
…
عبق النسيم فذاك ماء شبابي
جدّ يطير شراره وفكاهة
…
تستعطف الأحباب للأحباب
وقوله في أبي إسحاق الصابي وقد ورد عليه كتابهما بانحدار هما إلى بغداد: [الخفيف]
قد أظلّتك يا أبا اسحاق
…
غارة اللفظ والمعاني الدّقاق «3»
فاتّخذ معقلا لشعرك يحمي
…
هـ مروق الخوارج المرّاق
قبل رقراقة الحديد يريق الس
…
م في صفو مائه الرقراق
كان شرّ الغارات في البلد ال
…
قفر فأضحى على سرير العراق «4»
غارة لم تكن بسمر العوالي
…
حيث شنّت ولا السيوف الرقاق
بدع كالسيوف أرهفن حسنا
…
وسقاهنّ رونق الطّبع ساقي
مشرقات تريك لفظا ومعنى
…
حمرة الحلي في بياض التراقي
يالها غارة تفرّق في الحو
…
مة بين الحمام والأطواق
106/والوجوه الرّقاق دامية الأب
…
شار في معرك الوجوه الصّفاق
منها:
لتنفّست رحمة للخدود ال
…
حمر منهنّ والخدود الرّشاق
والرياض التى ألحّ عليها
…
كاذب الوبل صادق الإحراق
والنجوم التى تظلّ نجوم ال
…
أرض حسّادها على الإشراق «1»
بعد ما لحن في سماء المعالي
…
طلّعا أو نثرن في الآفاق «2»
وتخيّرت حليهنّ فلم تع
…
د خيار النحور والأعناق
فهو مثل المدام بين صفاء
…
وبهاء ونفحة ومذاق «3»
منطق يخجل الرّبيع إذا حل
…
ل عليه السحاب عقد النطاق
يا هلال الآداب يا ابن هلال
…
صرف الله عنك صرف المحاق
سوف أهدي إليك من خدم المج
…
د إماء تعاف قبح الإباق
كلّ مطبوعة على اسمك باد
…
وسمها في الجباه والآفاق
وقوله يهجو النامي «4» وكان جزارا: [الوافر]
ورقّع شعره بعيون شعري
…
فشاب الشهد بالسمّ الزعاف «1»
لقد شقيت بمديتك الأضاحي
…
كما شقيت بغارتك القوافي
لها أرج السوالف حين تجلى
…
على الأسماع أو أرج السّلاف
جمعن الحسنيين فمن رياح
…
معنبرة وأرواح خفاف
وما عدمت مغيرا منك يرمي
…
رقيق طباعها بطباع جافي
معان تستعار من الدّياجي
…
وألفاظ تعدّ من الأثافي
كأنّك قاطف منها ثمارا
…
سبقت إليه إبّان القطاف
107/وشرّ الشعر ما أدّاه فكر
…
تعثّر بين كدّ واعتساف
سأشفي الشعر منك بنظم شعر
…
تبيت له على مثل الأثافي
وأبعد بالمودّة عنك عهدى
…
فقف لي بالمودّة خلف قاف»
وقوله يعرض بالتلعفري المؤدب: [الطويل]
وكلّ غبيّ لو يباشر برده
…
لظى النار أضحى حرّها وهو بارد «3»
أفيقوا فلن يعطى القريض معلّم
…
وهل يتولى الأغبياء عطارد
ولا تمنحوا منه الكرام قلائدا
…
فليس من الحصباء تهدى القلائد
وقوله في مثله: [الكامل]
وعلمت إذ كلّفت نفسك غايتي
…
أنّ الرياح بعيدة الأشواط «4»
أترومني وعلى السّماك محلّتي
…
شرفا وبين الفرقدين صراطي
وقوله في رجل «1» يتعصّب للخالديين ورماه بالقيادة: [الطويل]
وعندي له لو كان كفؤ قوارضي
…
قوارض ينثرن الدّلاص المسرّدا «2»
ومغموسة في الشّري والأري هذه
…
ليردى بها باغ وتلك لترتدى «3»
لك الويل إن أطلقت بيض سيوفها
…
وأطلقتها خرز النواظر شرّدا
ولست لجدّ القول أهلا فإنما
…
أطير سهام الهزل مثنى وموحدا
نصبت لفتيان البطالة قبّة
…
لتدخلها الفتيان كهلا وأمردا
وكم لذّة لا منّ فيها ولا أذى
…
هديت لها خدن الضلالة فاهتدى
منها في ذكر المائدة وسمكة مشوية:
نثرت عليها البقل غضّا كأنما
…
نثرت على حرّ اللجين الزبرجدا
108/ومصبوغة بالزعفران عريضة
…
كأنّ على أعطافها منه مجسدا «4»
تريك وقد غطّت بياضا بصفرة
…
مثالا عن الكافور ألبس عسجدا «5»
تحفّ بها منهم كهول وفتية
…
كأنّهم عقد يحفّ مقلّدا
وملت بهم من غير فضل عليهم
…
إلى الورد غضّا والشراب مورّدا
إذا وصلوا أضحى الخوان مدبّجا
…
وإن هجروا أضحى سليبا مجرّدا «6»
لك القبّة البيضاء أوضحت نهجها
…
فأطلعت فيها للفتّوة فرقدا «7»
يصادف منها الزّور جيبا مزرّرا
…
وباطية ملأى وظبيا مغرّدا
ومنه قوله فيه وكان يعرف بالملحي: [الطويل]
دعاني فغدّاني بإنشاد شعره
…
فلولا انصرافي عنه متّ من الطّوى «1»
وناولني مسودّة لو قرنتها
…
إلى القار كانا فى سوادهما سوا
وقال: أرى هذا الشراب لصفوه
…
ورقته كالنجم قلت: إذا هوى
وفضّل في الشعر امرأ غير فاضل
…
فقلت له أمسك نطقت عن الهوى
ومنه قوله فيه: [الوافر]
وشيخ طاب أخلاقا فأضحى
…
أحبّ إلى الشباب من الشباب «2»
له قفص إذا استخفيت فيه
…
أمنت فلم تنلك يد الطّلاب «3»
طرقناه وقنديل الثريا
…
يحطّ وفارس الظلماء كابي
فرحبّ واستمال وقال: حطّت
…
رحالكم بأفنية رحاب
وحضّ على المناهدة الندامى
…
بألفاظ مهذّبة عذاب
وقال: تيمّموا الأبواب منها
…
فكلّ جاء من تلقاء باب
109/فهذا قال: قدر من طعام
…
وهذا قال: دنّ من شراب
وهذا قال: ريحان ونقل
…
وثلج مثل رقرقة السّراب
وسمح القوم من سمحت يداه
…
بخدّ غريرة بكر كعاب
فتمّ لهم بذلك يوم لهو
…
غريب الحسن عذب مستطاب
إذا العبء الثقيل توزّعته
…
أكفّ القوم خفّ على الرقاب «1»
ومنه قوله فيه: [مجزوء الرمل]
مجلس فيه لأربا
…
ب الخنا قال وقيل «2»
وضراط مثلما انشق
…
ق الدّبيقي الصقيل «3»
فإذا اختالت خلال الش
…
شرب عذراء شمول
لعبت أيد لها أق
…
فية القوم طبول
ومنه قوله فيه: [المنسرح]
تطنّ تحت الأكفّ هامته
…
إذا علتها طنين فولاذ «4»
وخير ما فيه أنّه رجل
…
يخدمني الدّهر وهو أستاذي
إذا انتشى أقبلت أنامله
…
تنشر ميتا خلال أفخاذي «5»
وقوله فيه وقد دعاه في يوم حار وأطعمه هريسة وسقاه نبيذ الدّبس: [الطويل]
دعانا ليستوفي الثناء فأظلمت
…
خلائق تستوفي لصاحبها السّبا «6»
وأحضرنا محبوسة طول ليلها
…
معذّبة بالنار مسعرة كربا
تخيّر من رطب الذؤابة لحمها
…
ومن يابس الحبّ الثقيل لها حبّا «7»
وساهرها ليلا يضيّق سجنها
…
فلما أضاء الصبح أوسعها ضربا
إذا مسحتها الريح راحت كأنّها
…
تمسّح موتى كشّفت عنهم التّربا
وداذيّة تنهى الصباح إذا بدا
…
وتفسد أنفاس النسيم إذا هبّا
110/شراب يفضّ الطين عنه وعمره
…
ثلاثة أيام وقد شبّ لا شبّا
يمدّ بأطراف النهار وما افترى
…
ولا كان خدنا للزناة ولا تربا
فلمّا ترايت الجميع إزاءنا
…
عجبت لمضروبين ما جنيا ذنبا «1»
ومنه قوله: [الخفيف]
فاغد سرّا بنا إلى قفص المل
…
حيّ فالعيش فيه نضير «2»
نتوارى من الحوادث والده
…
ر خبير بمن توارى بصير
مجلس في فناء دجلة ير
…
تاح إليه الخليع والمستور «3»
طائر فى الهواء فالبرق يسري
…
دون أعلاه والحمام يطير
وإذا الغيم سار أسبل منه
…
كلل دون جدره وستور
وإذا غارت الكواكب صبحا
…
فهو الكواكب الذي لا يغور
ليس فيه إلّا خمار وخمر
…
وممات من سكره ونشور
وحديث كأنّه زهر المنث
…
ور حسنا ولؤلؤ منثور «4»
وجريح من الدّنان يسيل الر
…
راح من جرحه وقدر تفور
ولك الظّبية الغريرة إن شئ
…
ت وإن عفتها فظبي غرير
فتمتّع بما تشاء نهارا
…
ثم بت معرسا وأنت أمير «1»
كلّ هذا بدر همين فإن زد
…
دت فأنت المبجّل الموفور
ومنه قوله في الغزل وهو ممّا غنّي به: [البسيط]
ورحت في الحسن أشكالا مقسّمة
…
بين الهلال وبين الغصن والعقد «2»
111/أريتني مطرا ينهلّ ساكبه
…
من الجفون وبرقا لاح من برد
ووجنة لا يروّي ماؤها ظمأ
…
نجلّا وقد لذعت نيرانها كبدي
فكيف أبقي على ماء الشؤون وما
…
أبقى الغرام على صبري ولا جلدي
ومنه قوله: [الوافر]
أبيت الليل مرتفقا أنادي
…
بصدق الوجد كاذبة الأماني «3»
فتشهد لي على الأرض الثريا
…
ويعلم ما أجنّ الفرقدان «4»
إذا دنت الخيام بهم فأهلا
…
بذاك الخيم والخيم الدواني
فبين سجوفها أقمار تمّ
…
وبين عمادها أغصان بان
ومذهبة الخدود بجلنار
…
مفضضة الثغور بأقحوان
سقانا الله من ريّاك ريّا
…
وحيّانا بأوجهك الحسان
ستصرف طاعتي عمن نهاني
…
دموع فيك تلحي من لحاني
ولم أجهل نصيحته ولكن
…
جنون الحبّ أحلى من جناني
فياولع العواذل خلّ عنيّ
…
ويا إلف الغرام خذي عناني «5»
وقوله: [البسيط]
ومن وراء سجوف الرّقم شمس ضحى
…
تجول في جنح ليل مظلم داجي «1»
مقدودة خطرت أيدي الشباب لها
…
حقّين دون مجال العقد من عاج
وقوله: [الخفيف]
لطمت خدّها بحمر لطاف
…
نال منها عذاب بيض عذاب «2»
فتشكّى العنّاب نور الأقاحي
…
واشتكى الورد ناضر العنّاب
وقوله: [مجزوء الكامل]
قامت وخوط البانة ال
…
ميّاس في أثوابها «3»
112/ويهزّها سكران: سك
…
ر شرابها وشبابها
تسعى بصهباوين
…
من ألحاظها وشرابها
فكأنّ كأس مدامها
…
لما ارتدت بحبابها
توريد وجنتها إذا ما
…
لاح تحت نقابها
وقوله: [الكامل]
لبست مصندلة الثياب فمن رأى
…
صنما تسربل قبلها أثوابا»
وحكت عن الظبي الغرير ثلاثة
…
جيدا وطرفا فاتنا وإهابا «5»
وقوله: [الكامل]
أسلاسل البرق الذي لحظ الثرى
…
وهنا فوشّح روضه بسلاسل «1»
أذكرتنا النشوات في عهد الصّبا
…
والعيش في سنة الزمان الغافل «2»
أيام أستر صبوتي من كاشح
…
عمدا وأسرق لذّتي من عاذل
وقوله: [الوافر]
تثنّى البرق يذكرني الثنايا
…
على أثناء دجلة والشعابا «3»
وأياما عهدت بها التّصابي
…
وأوطانا صحبت بها الشبابا
وقوله: [الطويل]
فكم ليلة شمّرت للراح رائحا
…
وبتّ لغزلان الصّريم مغازلا «4»
وحلّيت كأسي والسماء بحليها
…
فما عطّلت حتى بدا الأفق عاطلا
وقوله فى قصيدة يتشوّق بها إلى الموصل وهو بحلب: [الكامل]
أم هل أرى القصر المنيف معمّما
…
برداء غيم كالرداء رقيق
وقلالي الدّير التي لولا النّوى
…
لم أرمها بقلى ولا بعقوق «5»
محمّرة الجدران ينفح طيبها
…
فكأنها مبنيّة بخلوق
113/منها:
يتنازعون على الرحيق غرائبا
…
يحسبن زاهرة كؤوس رحيق
صدرت عن الأفكار وهي كأنها
…
رقراق صادرة عن الراووق
منها:
دهر ترفّق بي فوافى صرفه
…
وسطا عليّ فكان غير رفيق «1»
فمتى أزور قباب مشرفة الذّرى
…
فأرود بين النّسر والعيّوق
وأرى الصوامع في غوارب أكمها
…
مثل الهوادج في غوارب نوق
حمرا يلوح خلالها بيض كما
…
فصّلت بالكافور سمط عقيق
وقوله فى حسن التخلّص «2» : [الكامل]
عصر مزجت شمائلي بشموله
…
وظلاله ممزوجة بشماله «3»
حتى حسبت الورد من أشجاره
…
يجنى أو الريحان من آصاله «4»
وكأنّني لمّا ارتديت ظلاله
…
جار الوزير المرتدي بظلاله
وقوله: [الكامل]
أكني عن البلد البعيد بغيره
…
وأردّ عنه عنان قلب مائل «5»
وأودّ لو فعل الحيا بسهوله
…
وحزونه فعل الأمير بآمل
وقوله: [الكامل]
وركائب يخرجن من غلس الدّجى
…
مثل السهام مرقن منه مروقا «6»
والفجر مصقول الرداء كأنّه
…
جلباب خود أشربته خلوقا «7»
أغمامة بالشام شمن بروقها
…
أم شمن من شيم الأمير بروقا «1»
وقوله: [المتقارب]
ترى البرق يبسم سرّا بها
…
إذا انتحب الرّعد فيها جهارا «2»
إذا ما تنمّر وسمّيها
…
تعصفر بارقها فاستطارا
114/يعارضها في الهواء النّسيم
…
فينثر في الأرض درّا صغارا
فطورا يشقّ جيوب الحياء
…
وطورا يسحّ الدموع الغزارا
كأنّ الأمير أعار الرّبا
…
شمائله فاشتملن المعارا
وقوله: [البسيط]
أقول للمبتغي إدراك سؤدده
…
خفّض عليك فليس النّجم مطلوبا «3»
كم من جبين أزار السيف صفحته
…
فعاد طرسا بحدّ السيف مكتوبا «4»
وكم له في الوغي من طعنة نظمت
…
عداه أو نثرت رمحا أنابيبا
وقوله: [الكامل]
كالغيث يحيي إن همى والسّيل ير
…
وي إن طمى والدهر يصمي إن رمى «5»
شتّى الخلال يروح إمّا سالبا
…
نقم العدى قسرا وإما منعما
مثل الشهاب أصاب فجّا معشبا
…
بحريقه وأصاب فجّا مظلما
أو كالغمام الجود إن بعث الحيا
…
أحيا وإن بعث الصواعق ضرّما «1»
أو كالحسام إذا تبسّم متنه
…
عبس الرّدى في حدّه فتجّهما
ويلمّ من شعث العلى بشمائل
…
أحلى من اللّعس الممنّع واللّمى «2»
وقوله: [الكامل]
نسب أضاء عموده في رفعة
…
كالصّبح فيه ترفّع وضياء «3»
وشمائل شهد العداة بفضلها
…
والفضل ما شهدت به الأعداء
وقوله: [البسيط]
والبيض ظلّ عليك الدّهر منتشر
…
والنقع جيب عليك الدّهر مزرور «4»
115/والشرك قد هتكت أستار بيضته
…
بحدّ سيفك والإسلام منشور
كم وقعة لك شبّت في ديارهم
…
نارا وأشرق منها في الهدى نور
وقوله: [البسيط]
وعاشق خيلاء الخيل مبتذل
…
نفسا تصان المعالي حين تبتذل «5»
أشمّ تبدي الحصون الشمّ طاعته
…
خوفا فيسلم من فيها ويرتحل
تشوقه ورماح الخطّ مشرعة
…
نجل الجراح بها لا الأعين النجل
كأنّه وهجير الروع يلفحه
…
نشوان مدّ عليه ظلّه الأسل «6»
فالصافنات حشاياه وإن قلقت
…
والسابغات وإن أوهت له حلل
لمّا تمزّقت الأغماد عن شغل
…
تمزّقت عن سنا أقمارها الكلل
أكرم بسيفك فيها صائلا غزلا
…
يفري الشؤون ويثني غربه المقل «1»
وقوله: [الكامل]
ولربّ يوم لا تزال جياده
…
تطأ الوشيج مخضّبا ومحطّما «2»
معقودة غرر الجياد بنقعه
…
وحجولها ممّا تخوض من الدّما
يلقاك من وضح الحديد موضّحا
…
طورا ومن رهج السنابك أدهما
أقدمت تفترس الفوارس جرأة
…
فيه وقد هاب الردّى أن يقدما
والنّدب من لقي الأسنّة سافرا
…
وثنى الأعنّة بالعجاج معمّما «3»
وقوله: [الوافر]
وأغلب عامه في السّلم يوم
…
ولكن يومه في الحرب عام «4»
يهجّر والرماح عليه ظل
…
ويسفر والعجاج له لثام
116/وقوله: [الكامل]
جيش إذا لاقى العدوّ صدوره
…
لم يلق للأعجاز منه لحوقا «5»
حجبت له شمس النهار وأشرقت
…
شمس الحديد بجانبيه شروقا
وقوله: [الكامل]
كم معرك عرك القنا أبطاله
…
فسقاهم في النّقع سمّا ناقعا «1»
هبّت رياحك في ذراه سمائما
…
وغدت سماؤك تستهلّ فجائعا
فتركت من حرّ الحديد مصائغا
…
فيه ومن فيض الدّماء مراتعا
وقوله: [الرمل]
والضّحى أدهم بالنّقع فإن
…
ضحكت فيه الظّبا كان أغر «2»
موقف لو لم يكن نارا إذا
…
لم يكن زرق عواليه شرر
وقوله في العتاب: [المتقارب]
أتسلمني بعد أن رحت لي
…
على نوب الدّهر جارا مجيرا»
وأسفر حظّي لما رآ
…
ك بيني وبين الليالي سفيرا
سأهدي إليك نسيم العتاب
…
وأضمر من حرّ عتب سعيرا
وقوله يعاتب صديقا أفشى له سرّا: [الطويل]
رأيتك تبري للصدّيق نوافذا
…
عدوّك من أمثالها الدّهر آمن «4»
وتكشف أسرار الأخلّاء مازحا
…
ويا ربّ مزح راح وهو ضغائن «5»
سأحفظ ما بيني وبينك صائنا
…
عهودك إنّ الحرّ للعهد صائن
وألقاك بالبشر الجميل مداهنا
…
فلي منك خلّ ما علمت مداهن
أنمّ بما استودعته من زجاجة
…
ترى الشيء فيها ظاهرا وهو باطن
117/وقوله في مثله: [الوافر]
ثنتني عنك فاستشعرت هجرا
…
خلال فيك لست لها براضي «1»
وأنّك كلّما استودعت سرّا
…
أنمّ من النسيم على الرياض
وقوله: [البسيط]
أمانك السيف لا يبقى له أثر
…
وأنت كالصّلّ لا تبقي ولا تذر «2»
سرّي إليك كأسرار الزجاجة لا
…
يخفى على العين منها الصّفو والكدر
فاحذر من الشّعر كسرا لا انجبار له
…
فللزجاجة كسر ليس ينجبر
وقوله: [البسيط]
أستودع الله خلّا منك أوسعه
…
ودّا فيوسعني غشّا وتمويها «3»
كأنّ سرّي في أحشائه لهب
…
فما تطيق له طيّا حواشيها
قد كان صدرك للأسرار جندلة
…
ضنينة بالذي تخفي نواحيها
فعاد من بثّ ما استودعت جوهرة
…
رقيقة تستشفّ العين ما فيها «4»
وقوله: [الكامل]
لا تأنفنّ من العتاب وقرصه
…
فالمسك يسحق كي يزيد فضائلا «5»
ما أحرق العود الذي أشبهته
…
خطأ ولا غمّ البنفسج باطلا
وقوله في الربيع وآثاره ونواّره وأزهاره: [البسيط]
أما ترى الجوّ يجلى في ممسّكة
…
والأرض تختال في أبرادها القشب «1»
إذا ألحّ حسام البرق مؤتلقا
…
في الومض جدّ خطيب الرّعد في الخطب «2»
والريح وسنى خلال الروض وانية
…
فما يراع لها مستيقظ التّرب «3»
وقوله: [الرمل]
شاقني مستشرف الدّير وقد
…
راح صوب المزن فيه وبكر «4»
118/أهواء رقّ في جانبه
…
أم هوى راق فما فيه كدر «5»
وخدود سفرت عن وردها
…
أم ربيع عن جنى الورد سفر
مجلس ينصرف الشّرب وما
…
طويت من بسطة تلك الحبر
وكأنّ الشمس فيه نثرت
…
ورقا ما بين أوراق الشجر «6»
بين غدر يقع الطير بها
…
فتراهنّ رياضا في غدر
ونسيم وكره الروّض فإن
…
طار في الصّبح ارتديناه عطر «7»
وثرى يشهد بالطيب له
…
عبق حالف أطراف الأزر
وغيوم نشرت أعلامها
…
فلها ظلّ علينا منتشر
وقوله: [الكامل]
وحدائق يسبيك وشي برودها
…
حتى تشبّهها سبائب عبقر «1»
يجري النسيم خلالها وكأنّما
…
غمست فضول ردائه في العنبر
باتت قلوب المحل تخفق بينها
…
بخفوق رايات السحاب الممطر «2»
من كلّ نائي الحجرتين مولّع
…
بالبرق داني الظلّتين مشهّر «3»
تحدى بألسنة الرّعود عشاره
…
فتسير بين مغرّد ومزمجر
طارت عقيقة برقه فكأنّما
…
صدعت ممسّك غيمه بمعصفر
وقوله من أرجوزة في روض وغدير وطير الماء: [الرجز]
وضاحك الروض محلّى المنزل «4»
…
سبط هبوب الريح جعد المنهل
موشّح بالنور أو مكلّل
…
مفروجة حلّته عن جدول
أقبل قد غصّ بمدّ مقبل
…
والطير تنقضّ عليه من عل
119/تساقط الوشي على المصندل
وقوله: [السريع]
لو رحّبت كأس بذي زورة
…
لرحّبت بالورد إذ زارها «5»
جاء فخلناه خدودا بدت
…
مضرمة من خجل نارها
وعطّر الدنيا فطابت به
…
لا عدمت دنياك عطّارها
وقوله: [الرجز]
وصاحب يقدح لي
…
نار السرور في القدح «1»
في روضة قد لبست
…
من لؤلؤ الطلّ سبح
والجوّ في ممسّك
…
طرازه قوس قزح
يبكي بلا حزن كما
…
يضحك من غير فرح
وقوله: [المتقارب]
غيوم تمسّك أفق السّما
…
وبرق يكتّبها بالذّهب «2»
وخضراء ننثر فيها الندى
…
فريد ندى ماله من ثقب
وأنوارها مثل نظم الحلي
…
وأنهارها مثل بيض القضب
حللت بها في ندامى سلوا
…
عن الجدّ واشتهروا باللّعب «3»
وأغنتهم عن بديع السّماع
…
بدائع ما ضمنّته الكتب «4»
وأحسن شيء ربيع الحيا
…
أضيف إليه ربيع الأدب
وقوله في البرد: [مجزوء الوافر]
يوم خلعت به عذاري
…
فعريت من حلل الوقار «5»
وضحكت فيه إلى الصبّا
…
والشيب يضحك في عذاري «6»
120/متلوّنا يبدي لنا
…
طرفا بأطراف النهار
فهواؤه سكب الرّدا
…
ء وغيمه صافي الإزار
يبكي فيجمد دمعه
…
والبرق يكحله بنار «1»
وقوله في الخمر: [الطويل]
إذا ما مضى يوم من العيش صالح
…
فصله بيوم صالح العيش مرغد «2»
وحالية من حسنها وجمالها
…
وإن برزت عطل الشّوى والمقلّد
تعاطيك كأسا غير ملأى كأنّما
…
فواقعها أحداق درع مزرّد
كأنّ أعاليها بياض سوالف
…
تلوح على توريد خدّ مورّد «3»
وقوله في مثله: [الطويل]
وصفراء من ماء الكروم شربتها
…
على وجه صفراء الغلائل غضّة «4»
تبدّت وفضل الكأس يلمع فوقها
…
كأترجة زينت بإكليل فضّة
وقوله في مثله: [المتقارب]
دعانا إلى اللهو داعي السّرور
…
فبتنا نبوح بما في الصدور «5»
وطافت علينا بشمس الدّنا
…
ن في غسق الليل شمس الخدور «6»
كأنّ الكؤوس وقد كلّلت
…
بفضلاتهنّ أكاليل نور
جيوب من الوشي مزرورة
…
يلوح عليها بياض النّحور
وقوله: [المنسرح]
وفتية دارت السّعود بهم
…
فدار للراح بينهم فلك»
بتنا وضوء الكؤوس يهتك بال
…
إشراق ستر الدّجي فينهتك
121/يدني الثريا والبدر في قرن
…
كما يحيّا بنرجس ملك «2»
وقوله: [المنسرح]
قم فاسقني والخليج مضطرب
…
والريح تثني ذوائب القضب «3»
كأنّها والرياح تعطفها
…
صفّ قنى سندسيّة العذب
والجوّ في حلّة ممسّكة
…
قد طرّزتها البروق بالذّهب
وقوله: [البسيط]
أما ترى الليل قد ولّت عساكره
…
وأقبل الصبح في جيش له لجب «4»
وجدّ في أثر الجوزاء يطلبها
…
في الجوّ ركض هلال دائم الطّلب
كصولجان لجين في يدي ملك
…
أدناه من كرة صيغت من الذّهب
فقم بنا نصطبح صفراء صافية
…
كالنار لكنّها نار بلا لهب
عروس كرم أتت تختال في حلل
…
صفر على رأسها تاج من الحبب
وقوله: [الخفيف]
وسحاب إذ همى الماء فيه
…
ألهب الرعد في حشاه البروقا «5»
مثل ماء العيون لم يجر إلّا
…
ظلّ يذكي على القلوب حريقا
وقوله: [الخفيف]
جوهريّ الأوصاف يقصر عنه
…
كلّ وصف لكلّ ذهن رقيق «1»
شارب من زبرجد وثنايا
…
لؤلؤ فوقها فم من عقيق
وقوله: [السريع]
صوّره خالقه جامعا
…
لكلّ شيء حسن جامع «2»
فكلّ حسن في جميع الورى
…
مختصر من ذلك الجامع
122/وقوله: [المنسرح]
عشقت من لا ألام فيه ولا
…
يخلو من اللّوم كلّ من عشقا «3»
رأي الورى في سواه مختلف
…
وأنت تلقاه فيه متّفقا
فكلّ قلب إليه منصرف
…
كأنّه من جميعها خلقا
وقوله: [الخفيف]
زارني في دجى الظلام البهيم
…
قمر بات مؤنسي ونديمي «4»
بحديث كأنّه عودة الصحّة
…
في الجسم بعد يأس السقيم
يتلّقى القلوب منه قبول
…
كتلقّي المخمور برد النسيم
وقوله: [مجزوء الكامل]
لا تلفينّ مقارنا
…
من لا يزين من الصّحاب «5»
فالثوب ينفض صبغه
…
فيما يليه من الثياب
وقوله: [السريع]
ريق إذا ما ازددت من شربه
…
ريّا ثناني الريّ ظمآنا «1»
كالخمر أروى ما يكون الفتى
…
من شربها أعطش ما كانا
وقوله: [الخفيف]
حملت كفّه إلى شفتيه
…
كأسه والظلام مرخيّ الإزار «2»
فالتقى لؤلؤا حباب وثغر
…
وعقيقان من فم وعقار
وفيه: [الطويل]
وصفراء من ماء الكروم كأنّها
…
فراق عدوّ أو لقاء صديق «3»
كأنّ الحباب المستدير بطوقها
…
كواكب درّ في سماء عقيق
صببت عليها الماء حتى تعوضّت
…
قميص بهار في قميص شقيق
وقوله وقد شرب ليلة في زورق: [الطويل]
ومعتدل يسعى إليّ بكأسه
…
وقد كاد ضوء الصّبح بالليل يفتك «4»
123/وقد حجب الغيم السماء كأنّما
…
يزرّ عليها منه ثوب ممسّك
ظللنا نبثّ الوجد والكأس دائر
…
ونهتك أستار الهوى فتهتّك
ومجلسنا في الماء يهوي ويرتقي
…
وإبريقنا في الكأس يبكي ويضحك
وقوله: [المتقارب]
وساق يقابل إبريقه
…
كما قابل الظبي ظبيا ربيبا «1»
يطوف علينا بشمسّية
…
يروع لها الشمس حتى تغيبا
وقوله: [المتقارب]
وملآن من عبرات الكروم
…
كأنّ على فمه عصفرا «2»
إذا قرّبته أكفّ السّقاة
…
من الكأس قهقه واستعبرا
تروّحه عذبات الغرام
…
بريّا النسيم إذا ما جرى
وريم إذا رام حثّ الكؤو
…
س قطّب للتيه واستكبرا
وجرّد من طرفه خنجرا
…
ومن نون طرّته خنجرا
ترى ورد وجنته أحمرا
…
وريحان شاربه أخضرا
وقوله يذكر ليلة قطعها، وبالشمع لمّعها، وهى قطعة اطّردت كعوبها، وخلت من حشو يعيبها، فأثبتناها لا تّساقها وتناسب مساقها:[المتقارب]
كستك الشبية ريعانها
…
وأهدت لك الراح ريحانها «3»
فدم للنّديم على عهده
…
وغاد المدام وندمانها
فقد خلع الأفق ثوب الدّجى
…
كما نضت البيض أجفانها
124/وساق يواجهني وجهه
…
فتجعله العين إنسانها «4»
يتّوج بالكأس كفّ النديم
…
إذا نظم الماء تيجانها
فطورا يوشّح ياقوتها
…
وطورا يرصّع عقيانها
رميت بأفراسيها حلبة
…
من اللهو ترهج ميدانها
ودير شغفت بغزلانه
…
فكدت أقبّل صلبانها
ولمّا دجا الليل فرّجته
…
بروح تحيّف جثمانها
بشمع أعير قدود الرّماح
…
وسرج ذراها وألوانها
غصون من التّبر قد أزهرت
…
لهيبا يزيّن أفنانها
فيا حسن أرواحها في الدّجى
…
وقد أكلت فيه أبدانها
سكرت بقطربّل ليلة
…
لهوت فغازلت غزلانها «1»
وأيّ ليالي الهوى أحسنت
…
إليّ فأنكرت إحسانها
وقوله: [البسيط]
أما ترى الصّبح قد قامت عساكره
…
في الشرق تنشر أعلاما من الذّهب «2»
والجوّ يختال في حجب ممسّكة
…
كأنّما البرق فيها قلب ذي رعب
تجنّبتك صروف الدهر فانصرفت
…
وقابلتك سعود العيش عن كثب
فاخلع عذارك واشرب قهوة مزجت
…
بقهوة الفلج المعشوق والشنب «3»
فالعيش في ظلّ أيام الصّبا فإذا
…
ودّعت طيب الشباب الغضّ لم يطب
جريت في حلبة الأهواء مجتهدا
…
وكيف أقصر والأيام في طلبي
توّج بكأسك قبل النائبات يدي
…
فالكأس تاج يد المثري من الأدب
125/وقوله: [البسيط]
في حامل الكأس من بدر الدّجى خلف
…
وفى المدامة من شمس الضّحى عوض «1»
كأن نجم الثريّا كفّ ذي كرم
…
مبسوطة للعطايا ليس تنقبض
دارت علينا كؤوس الراح مترعة
…
وللدّجى عارض في الجوّ معترض «2»
حتى رأيت نجوم الليل غائرة
…
كأنهنّ عيون حشوها مرض «3»
وقوله يصف ظلّ كرم: [الطويل]
فلا عيش إلّا في اعتصام بقهوة
…
يروح الفتى منها خضيب المعاصم «4»
ولا ظلّ إلا ظلّ كرم معرش
…
تغنّيك من قطريه ورق الحمائم
سماء غصون تحجب الشمس أن ترى
…
على الأرض إلّا مثل نثر الدراهم
وقوله: [البسيط]
حثّا المدام فذا يوم به قصر
…
وما به عن تمام الحسن تقصير «5»
صحو وغيم يروق العين حسنهما
…
فالصحّو فيروزج والغيم سمّور
وقوله: [الطويل]
وبكر شربناها على الورد بكرة
…
فكانت لنا وردا إلى ضحوة الغد «6»
إذا قام مبيض اللباس يديرها
…
توهّمته يسعى بكمّ مورّد
وقوله: [الطويل]
وشعث دنان خاويات كأنّها
…
صدور رجال فارقتها قلوبها «7»
فسقياك لا سقيا السحاب فإنّما
…
هي العلّة الكبرى وأنت طبيبها «1»
وقوله: [مجزوء الوافر]
أرقت دمي وأعوزني
…
سليل الكرم والكرم «2»
ولست أسيغها إلّا
…
كلون الورد والعنم
فشيئا من دم العنقو
…
د أجعله مكان دمي
126/وقوله إلى صديق له في يوم شديد الثلج والبرد: [الطويل]
طرقتك ممتاحا وليس لطارق
…
يرومك من وقع الضّريب طريق «3»
جنوب تحث المزن حثّا وشمال
…
يعبّس منها الوجه وهو طليق
وضدّ حريق ألبس الأرض ثوبه
…
يخاف على الأقدام منه حريق «4»
تثير الصّبا في الجوّ منه عجاجة
…
كما انتثر الكافور وهو سحيق
وما انفكّ حرّ القرّ إلّا بقهوة
…
ترقرق فى كاساتها فتروق»
إذا ألبست أثوابها فعقيقة
…
وإن نشرت أنفاسها فخلوق
تدور علينا كأسها في غلائل
…
تردّ صفيق العيش وهو رقيق «6»
فألبس منها جبّة حين أنتشي
…
وأخلعها بالكره حين أفيق «7»
وإنّي خليق من نداك بمثلها
…
وأنت بما أمّلت منك خليق «1»
وقوله في الاستزارة يدعو صديقا ويصف غرفة والنهر والقدر والكانون والخمر:
[المتقارب]
لنا غرفة حسنت منظرا
…
وطابت لساكنها مخبرا «2»
ترى العين قدّامها روضة
…
ومن فوقها عارضا ممطرا «3»
وينساب ما بينها جدول
…
كما ذعر الأيم أو نفّرا «4»
وراح كأنّ نسيم الصّبا
…
تحمّل من نشرها العنبرا
وعندي ريم قليل المكاس
…
وندمان صدق قليل المرا «5»
ودهماء تهدر هدر الفنيق
…
إذا ما امتطت لهبا مسعرا «6»
تجيش بأوصال وحشيّة
…
رعت زهرات الرّبا أشهرا
127/كأنّ على النار زنجيّة
…
تفرّج بردا لها أصفرا
وذو أربع لا يطيق النهوض
…
ولا يألف السّير فيمن سرى
نحمّله سبجا أسودا
…
فيجعله ذهبا أحمرا
فشمّر إلى لذّة ترتضى
…
فإنّ أخا الجدّ من شمّرا
وقوله: [المنسرح]
لم ألق ريحانة ولا راحا
…
إلّا ثنتني إليك مرتاحا «7»
وعندنا ظبية مهفهفة
…
ترأم ريما يحنّ صدّاحا «1»
وفتية إن تذاكروا ذكروا
…
من الكلام المليح أرواحا
وقد أضاءت نجوم مجلسنا
…
حتى اكتس غرّة وأوضاحا
إن خمدت راحنا غدت ذهبا
…
أو ذاب تفاحنا غدا راحا «2»
عصابة إن حضرت مجلسهم
…
كنت شهابا له ومصباحا «3»
أغلق باب السرور دونهم
…
فكن لباب السرور مفتاحا
وقوله يدعو صديقا ويصف كانون نار: [المنسرح]
يوم رذاذ ممسّك الحجب
…
يضحك فيه السرور عن كثب «4»
ومجلس أسبلت ستائره
…
على شموس البهاء والحسب
وقد جرت خيل راحنا خببا
…
في حلبة أو هممن بالخبب «5»
والتهبت نارنا فمنظرها
…
يغنيك عن كلّ منظر عجب
إذا ارتمت بالشّرار واطّردت
…
على ذراها مطارد اللهب
رأيت ياقوتة ممسّكة
…
يطير عنها قراضة الذّهب «6»
128/فصر إلى المجلس الذي ابتسمت
…
فيه رياض الجمال والأدب
وقوله: [الكامل]
نفسي فداؤك كيف تصبر طائعا
…
عن فتية مثل البدور صباح «1»
حنّت نفوسهم إليك فأعلنوا
…
نفسا يعلّ مسالك الأرواح «2»
وغدوا لراحهم وذكرك بينهم
…
أذكى وأطيب من نسيم الراح
فإذا جرت حببا على أيديهم
…
جعلوه ريحانا على الأقداح
وقوله: [الوافر]
ألا عدلي بباطية وكاس
…
وزع همّي بإبريق وطاس «3»
وذاكرني بشعر أبي فراس
…
على روض كشعر أبي نواس
وغيم مرهفات البرق فيه
…
عوار والرياض به كواس
وقد سلّت جيوش الفطر فيه
…
على شهر الصيام سيوف باس
فلاح لنا الهلال كشطر طوق
…
على لبّات زرقاء اللّباس
وقوله: [المنسرح]
أما ترى الهلال ترمقه
…
قوم لهم إن رأوه إهلال «4»
كأنّه قيد فضّة حرج
…
فضّ عن الصائمين فاختالوا
وقوله: [الكامل]
وبساط ريحان كماء زبرجد
…
عبثت بصفحته الجنوب فأرعدا «5»
يشتاقه الشّرب الكرام فكلّما
…
مرض النسيم سروا إليه عوّدا
وقوله في طبل العزف: [مجزوء الكامل]
129/ومقيد الطّرفين يط
…
رب عند تضييق القيود «1»
ولقد يلطّم خدّه
…
في حال ترفيه الخدود
وكأنّما زأراته
…
يحسبن زأرات الأسود
انظر إليه مع المدا
…
م ترى بروقا في رعود
وقوله يصف المنثور: [الكامل]
ومجرّد كالسّيف أسلم نفسه
…
لمجرّد يكسوه مالا ينسج «2»
ثوب تمزّقه الأنامل رقّة
…
ويذيبه الماء القراح فيبهج
فكأنّه لمّا استوى في خصره
…
نصفان ذا عاج وذا فيروزج «3»
وقوله في وصف الديك: [الكامل]
كشف الصّياح قناعه فتألّقا
…
وسطا على [الليل] البهيم فأطرقا «4» «5»
وعلا فلاح على الجدار موشّح
…
بالوشي توّج بالعقيق وطوّقا
مرخ فضول التاج في لبّاته
…
ومشمّر وشيا عليه منمّقا
وقوله يصف كلاب الصيد: [الطويل]
غدوت بها مجنوبة في اغتدائها
…
تلاقي الوحوش الحين عند لقائها «6»
لهنّ شيات كالدواويج أصبحت
…
مولّعة ظلماؤها بضيائها «1»
وأيد إذا سلّت صوالج فضة
…
على الوحش يوما ذهّبت بدمائها
وقوله في مثله: [الطويل]
كأنّ جلود الوحش بين كلابها
…
وقد دميت أجيادها والمعاطس «2»
مصندلة القمصان شقّت جيوبها
…
ورقرق فيهنّ العبير العرائس «3»
130/وقوله في وصف قدر: [مخلع البسيط]
يلعب في جسمها لهيب
…
لعب سنا البرق في الظلام «4»
لها كلام إذا تناهت
…
غير فصيح من الكلام
وهي وإن لم تذق طعاما
…
مملوءة الجسم من طعام «5»
كأنّما الجنّ ركّبتها
…
على ثلاث من الإكام
ولم يزل مالنا مباحا
…
من غير ذلّ ولا اهتضام
نأخذ للقوت منه سهما
…
وللنّدى سائر السّهام
وقوله في حمل مشوي: [الرّجز]
أنعته معصفر البردين»
…
أبيض صافي حمرة الجنبين «7»
فجسمه شبران في شبرين
…
يا حسنه وهو صريع الحين
بين ذراعين مفصّلين
…
كسارق حدّ من اليدين
وطرف مستوقف الطّرفين
…
كمثل مرآة من اللجين «1»
مذهبة المقبض والوجهين
…
بكف شاو عطر اليدين «2»
شقّ حشاه عن شقيقتين
…
أختين في القدّ شبيهتين
كما قرنت بين كمأتين
…
أو كرتي مسك لطيفتين
وقوله في وصف جام فالوذج: [الطويل]
بأحمر مبيّض الزّجاج كأنه
…
رداء عروس مشرب بخلوق «3»
131/له في الحشا برد الوصال وطيبه
…
وإن كان يلقاه بلون حريق
كأنّ بياض اللّوز في جنباته
…
كواكب لاحت في سماء عقيق
وقوله في وصف الفقاع: [المنسرح]
يطير عن رأسه القناع إذا
…
نفّست عنه خناق مقرور «4»
رام بسهم كأنّه خصر
…
وطيب نشر نسيم كافور
يميل أعلاه وهو مهتضب
…
كأنّه صولجان بلّور
وقوله في وصف طبيب: [السريع]
أوضح نهج الطبّ في حذقه
…
فراح يدعى وراث العلم «5»
كأنّه في لطف أفكاره
…
يحول بين الدّم واللحم
وقوله في مثله: [الكامل]
أحيا لنا رسم الفلاسفة الذي
…
أودى وأوضح رسم طبّ عاف «1»
مثلت له قارورتي فرأى بها
…
ما اكتنّ بين جوانحي وشغافي
يبدو له الداء الخفيّ كما بدا
…
للعين رضراض الغدير الصافي
وقوله فى وصف مزيّن: [المتقارب]
إذا لمع البرق في كفّه
…
أفاض على الوجه ماء النّعيم «2»
جهول الحسام ولكنّه
…
يروح ويغدو بكفّي حليم
له راحة سرّها راحة
…
تمرّ على الرأس مرّ النسيم «3»
نعمنا بخدمته مذ نشا
…
فنحن به في نعيم مقيم
وقوله: [الطويل]
بنفسي من ردّ التحية ضاحكا
…
فجدّد بعد البأس في الوصل مطمعي «4»
132/وحالت دموع العين بيني وبينه
…
كأن دموع العين تعشقه معي
وقوله: [المنسرح]
حيّا بك الله عاشقيك فقد
…
أصبحت ريحانة لمن عشقا «5»
وقوله: [الطويل]
يلوح على الكاسات فاضلها كما
…
تلوح على حمر الخدود السوالف «1»
وقوله: [الرجز]
قد أغتدي نشوان من خمر الكرى «2»
…
أجرّ برديّ على برد الثرى
والصبح حمل بين أحشاء الدّجى