الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
407/ومنهم:
39- أبو عبد الله، أحمد الخياط الدمشقي
«1»
توفي سنة سبع عشرة وخمسمائة. قدّر الشعر ثمّ فصّله، وحرّز مقاديره ثمّ وصله، ومسح الألفاظ على المعاني فجاءت سواء وجادت رواء، وجالت على المعاطف تامّة حللها، ضامّة لآيات حسن يتلوها مفصّلها، قد فاقت تحصيلا، وراقت جملة وتفصيلا، ثمّ برزت تلك الخرّد العين تجلى في تلك الملابس، وتزهى على الأقمار والظباء الأوانس.
كان ولوعا بتصحيح المعنى يبيت طول ليلته يلوطه، ويفتق له ذهنه كأنّه يخيطه، من كلّ معنى لو تصوّر لما عدت نفسه سجاياها «2» ، ولا عدّت ولائد النجوم إلّا سباياها.
قصائد تركت والحسن في قرن، وملكت الحبّ كلّه بلا ثمن، تبتسم لسقيط الدرّ ثمّ تريبها، وتخاف العين وهي تصيب بالعين وتصيبها، إذا وصفت كان واصفها وإن جهد كأنّه يعيبها، وإذا غابت وشبّهها بالبدر كان كأنّه يستغيبها. عرب كرائم ما خلطن بهجان،
أبكار لم يطمثهنّ إنس ولا جان. تخال خلال بيوتها دمى، وتظنّ خلال ريقتها سلافة راح لا لمى، وكان جزل القول كأنّه صليل سيوف، أو صرير أقلام في مخوف. فاض أيّتها على المدارج، وآض إلى/ 408/الآكام يصعد بلا معارج، قد نوّر كلامه أضواء من المسارج، وتطوّر فكأنّه اطّرد من مأرج يانع المسارج، ضائع الأرج وهو ليس ببارج، وكان من تغلب في أسرة لا يجد لكلبها شفاء إلّا أن يجدّ في الدماء ولوغا، ولا تعدّ لمنقلبها إذ تعد إلّا نزوغا، ما تحلّت جيادها إلّا بتحجيل الصباح رسوغا، ولا حلّت راية للأعداء إلّا لتعقد عوضها لواء بالدماء مصبوغا.
منذ نظم حسدت الشّعرى شعره وودّ الغزال لو أنّ روقيه أحدهما له قلم والآخر لأبيه الخياط إبرة. ومن أبنائه أبناء سنى الدولة، وهم قضاة أخذت بأيديهم الأقلام من السهام سدادها، والسّجلات من النهار ما اتخّذت منه ومن الظلام مدادها. حكّام عرفوا الحقّ فسلكوا طرقه، وشرفوا السجل بعلائمهم بالقضاء وملكوا رقّة. وكان ابن الخياط في وقته ممّن له القدر العليّ، والصدر الرحيب لفضله الجلّي، وهو دمشقي الدار، شقي الحظ باللئام لا بغلبة الأقدار. هجي بما نبّه على جلالته، ونوّه بقدر أصالته، وشبّه على حسوده فأكدّ له المدح بما يشبه الذمّ، وأراد به النّقص في حقّه، وأراد الله خلافه فتّم، وتحيّل في إخفاء مسكه المتضوّع وريحه قد نمّ.
ومن شعره الذي هو الدرّ تتزيّن به إلّا أنّه العنبر الذي يشمّ، قوله:[الوافر]
إذا عاينت من عود دخانا
…
فأوشك أن تعاين منه نارا «1»
وما همم الفتى إلّا غصون
…
يكون لها مطالبه ثمارا
منها:
لقد لبست بك الدنيا جمالا
…
فلو كانت يدا كنت السوارا «1»
يضيء جبينك الوضّاح فيها
…
إذا ما الركب في الظلماء حارا
409/وقوله من أخرى: [الطويل]
يقيني يقيني حادثات النوائب
…
وحزمي حزمي في ظهور النجائب «2»
سينجدني جيش من العزم طالما
…
غلبت به الخطب الذي هو غالبي
وقوله: [الطويل]
وما زال شوم الجدّ من كلّ طالب
…
كفيلا ببعد المطلب المتداني «3»
وقد يحرم الجلد الحريص مرامه
…
ويعطى مناه العاجز المتواني
وقوله: [الوافر]
فلا تغر الحوادث بي فحسبي
…
جفاؤكم من النّوب الشداد «4»
إذا ما النار كان لها اضطرام
…
فما الداعي إلى قدح الزناد
وقوله: [البسيط]
لئن عداني زمان عن لقائكم
…
لما عداني عن تذكار ما سلفا «5»
وإن تعوضّ قوم من أحبّتهم
…
فما تعوّضت إلّا الوجد والأسفا
ما أحدث الدّهر عندي بعد فرقتكم
…
إلّا ودادا كماء المزن إن رشفا «6»
كالورد نشرا ولكن من سجيّته
…
أن ليس يبرح غصنا كلّما قطفا
وقوله: [الطويل]
وكنت إذا ما اشتقت عوّلت في البكا
…
على لجّة إنسان عيني غريقها «1»
فلم يبق من ذي الدّمع إلّا نشيجه
…
ومن كبد المشتاق إلّا خفوقها «2»
فياليتني أبقي إلى الوجد عبرة
…
فأقضي بها حقّ النّوى وأريقها
منها:
وخرق كأنّ اليمّ موج سرابه
…
ترامت بنا أجوازه وخروقها «3»
كأنّا على سفن من العيس فوقه
…
مجاديفها أيدي المطيّ وسوقها
وقوله: [البسيط]
ألحّ دهر لجوج في معاتبتي
…
وكلّما رضته في مطلب صعبا «4»
410/كخائض الوحل إذا طال العناء به
…
فكلّما قلقلته نهضة رسبا
منها:
يا ربّ أجرد ورسيّ سرابله
…
تكاد تقبس منه في الدجى لهبا «5»
إذا نضا الفجر عنه صبغ حلّته
…
أجرى الصباح على أعطافه ذهبا
وقوله: [المتقارب]
صباح صبيح بأمثاله
…
تقرّ العيون وتشفى الصدور «1»
شربنا به العزّ صرفا فمال
…
بنا طربا واتّقتنا الخمور
وما لذّة السكر إلّا بحيث
…
تغنّي المنى ويدور السرور
وقوله في تهنئة بمولود: [الكامل]
لم تلحظ الأبصار يوم ظهوره
…
إلّا كؤوسا للسرور تدار «2»
فغدوت تشرع في حلال مسكر
…
ما كلّ ما طرد الهموم عقار
وقوله يرثي: [المتقارب]
بكيتك للبين قبل الحمام
…
وأين من الثكل حرّ الغرام «3»
وما كان ذاك الفراق المشت
…
ت إلّا دخانا لهذا الضرام
فأنشد مثواك عند الهبوب
…
وأرقب طيفك عند المنام
منها:
وبكّتك كلّ عروضية
…
ترنّ لها كلّ ميم ولام «4»
إذا ضنّ عنك بنور الرياض
…
حبتك غرائب نور الكلام
وقوله: [الخفيف]
يا نسيم الصّبا الولوع بوجدي
…
حبّذا أنت لو مررت بنجد «5»
أجر ذكرى نعمت وأنعت غرامي
…
بالحمى ولتكن يدا لك عندي
411/ولقد رابني شذاك فباللّ
…
هـ متى عهده بأطلال هند
إنّ خير المعروف ما جاء لا سي
…
ن سؤال فيه ولا واو وعد
عاقدتني به الليالي فما تخ
…
فر عهدي ولا تغيّر عقدي
وقوله: [الوافر]
وشعر لو يكون الشعر غيثا
…
لبات ونوؤه الشّعرى الصبور «1»
معان تحت ألفاظ حسان
…
كما اجتمع القلائد والنحور
وقوله: [الوافر]
سأبكي والقوافي مسعداتي
…
بندب من ثنائك أو مناح «2»
إذا ما خانني دمع بليد
…
بكيت بأدمع الشعر الفصاح
وقوله يعاتب: [الطويل]
لئن كان عزّي قبلها عن مودّة
…
صديق لقد حقّ الغداة عزائي «3»
وفي أيّ مأمول يصحّ لآمل
…
رجاء إذا ما اعتلّ فيك رجائي
أعيذك بالنفس الكريمة أن ترى
…
مخلّا بغرض الجود في الكرماء
وبالخلق السّهل الذي لو سقيته
…
غليل الثرى لم يرض بعد بماء
وقوله: [المتقارب]
فياليتني لم أكن قبلها
…
شغفت بحبّك يوما فؤادي «4»
فإنّ القطيعة أشهى إليّ
…
إذا أنا لم أنتفع بالوداد
ولولا شماتة من لا مني
…
على بث شكرك في كلّ نادي
وقولهم ودّ غير الودود
…
فجوزي على قربه بالبعاد
لما كنت بعد نيل الصفاء
…
لأرغب في النائل المستفاد
412/ومنه قوله: [الطويل]
وما هى إلّا حرمة لو رعيتها
…
رعيت فتى عن شكرها لا يقصّر «1»
كريما متى عاطيته كأس عشرة
…
تعلّمت من أخلاقه كيف يشكر
وقوله: [الكامل]
يا محرقا بالنار جسم محبّه
…
نار الجوى أحرى بأن تؤذيه «2»
ولحرّها برد على كبدي إذا
…
أيقنت أنّ تحرّقي يرضيه
عذّب بها جسدي فداك معذّبا
…
واحذر على قلبي فإنّك فيه
وقوله: [السريع]
أذلّني حبكم في الهوى
…
فما حمتني ذلّة منكم «3»
ومذهب ما زال مستقبحا
…
في الحرب أن يقتل مستسلم
وقوله في مخلص مديح: [الطويل]
وخيل تمطّت بي وليل كأنّه
…
ترادف وفد الهمّ أو زاخر اليمّ «4»
شققت دجاه والنجوم كأنّها
…
قلائد نظمي أو مساعي أبي النّجم
وقوله: [الطويل]
عليكم سلام لم أقل ما يريبكم
…
ولكنّه عتب تجيش به النّفس «1»
حبست القوافي قبل إغضاب ربّها
…
وما للقوافي بعد إغضابها حبس
إذا العرب العرباء لم ترع ذمّة
…
فغير ملوم بعدها الروم والفرس
وقوله: [الطويل]
خذا من صبا نجد أمانا لقلبه
…
فقد كاد ريّاها يطير بلبّه «2»
وإيّاكما ذاك النسيم فإنّه
…
إذا هبّ كان الوجد أيسر خطبه
خليليّ لو أحببتما لعلمتما
…
محلّ الهوى من مغرم القلب صبّه
413/تذكّر والذكرى تشوق وذو الهوى
…
يتوق ومن يعلق به الحبّ يصبه
غرام على يأس الهوى ورجائه
…
وشوق على بعد المزار وقربه
وفي الركب مطويّ الضلوع على جوى
…
متى يدعه داعي السقام يلبّه
إذا خطرت من جانب الرّمل نفحة
…
تضمّن فيها داءه دون صحبه
ومحتجب بين الأسنّة والظّبا
…
وفى القلب من إعراضه مثل حجبه «3»
أغار إذا آنست في الحيّ أنّه
…
حذارا عليه أن تكون لحبّه
ويوم الرّضا والصبّ يحمل سخطه
…
بقلب ضعيف عن تحمّل عتبه
جلالي براّق الثنايا شتيتها
…
وحلّاني عن بارد الورد عذبه
فيالسقامي من هوى متجنّب
…
بكى عاذلاه رحمة لمحبّه
ومن ساعة للبين غير حميدة
…
سمحت بطلّ الدمع فيها وسكبه
وقوله: [المتقارب]
ويوم أخذنا به فرصة
…
من العيش والعيش مستفرص «1»
ركضنا مع اللهو فيه الصّبا
…
وأفراسه مرحا تقمص
إلى جنّة لا مدى عرضها
…
يضيق ولا طلّها يقلص
وشرب تعاطوا كؤوس المدام
…
فما كدّروها ولا نغصّوا «2»
سددنا بها طرقات الهموم
…
فعادت على عقبها تنكص
فلو همّ همّ بنا لم نجد
…
طريقا إلينا بها يخلص
لدى بركة حرّكت راؤها
…
فليست تقلّ ولا تنقص
تغنّى لنا طربا ماؤها
…
وقامت أنابيبها ترقص
414/يريك الجواهر تقبيبها
…
وهنّ طواف بها غوّص
ومستضحك ذهبيّ الشفاه
…
بما جزّعوا منه أو فصّصوا
منيف يجرّ بذوب اللجين
…
على ذهب سبكه المخلص
ترى الطّير والوحش من جانبي
…
هـ يشكو البطين بها الأخمص
دوان روان فلا هذه
…
تراع ولا هذه تقنص
وفوّارة ما يفي وصفها
…
جرير ولا رامه الأحوص
كأنّ لها مطلبا في السماء
…
فهي على نيله تحرص
إذا ما وفا قدّها بالسموّ
…
أخلفها عنق يوقص «3»
وتوجّها الشّرب نارنجة
…
فخلت المذّبة تستخوص
مشجّرة الماء تحليّه
…
كجّمة شمطاء لا تعقص
ودوح أغانيّ قمريّه
…
تهزّ اللبيبو تسترقص
وروض جلا النور خشخاشه
…
تحار له العين أو تشخص
فمن أبيض يقق لونه
…
يروقك كافوره الأخلص
ومن أحمر شابه زرقة
…
حكى الوجنات إذا تقرص
وقوله: [المتقارب]
وباتت ثناياها عانيّة ال
…
مراشف داريّة المنتشق «1»
وبتّ أخالج شكّي به
…
أزور طرا أم خيال طرق
أفكّر في الهجر كيف انقضى
…
وأعجب للوصل كيف اتّفق
فللحبّ ما عزّ منّي وهان
…
وللحسن ما جلّ منه ودقّ
415/وقوله: [الطويل]
أغالب بالشكّ اليقين صبابة
…
وأدفع في صدر الحقيقة بالوهم «2»
فلّما أبى إلّا البكاء لي الأسى
…
بكيت فما أبقيت للرسم من رسم
وقوله: [الخفيف]
ومن العجز أنّ شكري نسيء
…
كلّ وقت وأنّ برّك نقد «3»
كرم لا أبيت إلّا ولي من
…
هـ على ما اقترحت زاد معّدّ
وقوله: [الكامل]
لو كنت شاهد عبرتي يوم النّقا
…
لمنعت قلبك بعدها أن يعشقا «1»
ولكنت أوّل نازع من خطّتي
…
يده ولو كنت المحبّ المشفقا
وعذرت في أن لا أطيق تجلّدا
…
وعجبت من أن لا أذوب تحرّقا
كلني إلى عنف الصدود فربّما
…
كان الصّدود من النّوى بي أرفقا
قد سال حتى قد أسال سواده
…
طرفي فخالط دمعه المترقرقا
واستبق للأطلال فضلة أدمع
…
أفنيتهنّ قطيعة وتغرّقا
أو فاستمح لي من خليّي سلوة
…
إن كان ذو الإثراء يسعف مملقا
إنّ الظباء غداة رامة لم تدع
…
إلّا حشى قلقا وقلبا شيّقا
سنحت وما منحت وكم من عارض
…
قد مرّ مجتازا عليك وما سقى
ولكم نهيت الليث أغلب باسلا
…
عن أن يرود الظبي أتلع أرشقا
فإذا القضاء على المضاء مركّب
…
وإذا الشقاء موكّل بأخي الشقا
ولقد سريت إذا السماء تخالها
…
بردا براكدة النجوم مشبرقا «2»
والليل مثل السّيل لولا لجة
…
تغشى الرّبى ما عمّ فيه وأعمقا
وقوله من أخرى: [الطويل]
416/وما أنس لا أنسى الحمى وأهلّة
…
تضلّ ومن حقّ الأهلّة أن تهدي «3»
وما إن اخال الجهل فيه من النّهى
…
وحبّ أعدّ الغيّ فيه من الرشد
غنين وما نوّلن شيئا سوى الجوى
…
وبنّ وما زوّدن شيئا سوى الوجد
عواطف يعيى عطفها كلّ رائض
…
ضعائف يوهي ضعفها قوّة الجلد
وقوله يشبه الهلال وفوقه كوكبان: [الكامل]
لاح الهلال كما تعوّج مرهفا
…
والكوكبان فأعجبا بل أطرفا «1»
متتابعين تتابع الكعبين في
…
رمح أقيم الصدر منه وثقّفا
فكأنّه وقد استقاها فوقه
…
كفّ تخالف أكرتين تلقّفا
وقوله: [الكامل المرفل]
لاح الهلال فما يكاد يرى
…
سقما كصبّ شفّه الخبل «2»
كالفتر أم كالحجل قد فتحت
…
منه الكعاب لتدخل الرّجل
والزهرة الزهراء تقدمه
…
في الجوّ وهو وراءها يتلو
كالقوس فوّق سهمها فبدا
…
متألّقا في رأسه النّصل
وقوله يصف النّرد: [الرجز]
والنّرد كالناورد في مجالها
…
أو كالمجوس ضمّها ما شوشها «3»
كأنّها دساكر للشرب أو
…
عساكر جائشة جيوشها
وللفصوص جولة وصولة
…
تحيّر الألباب أو تطيشها
قاتلها الله فلا بنوجها
…
يرقع لي رأسا ولا يشوشها
أرسلها بيضا إذا أرسلتها
…
كأنّها قد محيت نقوشها
417/كأنّ نكرا أن أبيت ليلة
…
مقمورها غيري أو مقموشها
كأنّني أقرأ منها أسطرا
…
من الزبور درست رقوشها
تطيع قوما عمّهم نصوحها
…
وخصّني من بينهم غشوشها