المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌43- القاضي ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد الأرجاني - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ١٥

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس عشر]

- ‌[شعراء العباسيين]

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌1- أبو الطيّب أحمد بن الحسين الجعفي المعروف بالمتنبي

- ‌2- السريّ بن أحمد الكندي المعروف بالرّفاء الموصلي

- ‌3- أبو الفتح، ولقّب كشاجم

- ‌4- أبو الفرج محمد أحمد الغساني المعروف بالوأواء الدمشقي

- ‌5- الأخوان أبو بكر محمد، وأبو عثمان سعيد ابنا هاشم الخالديان

- ‌6- أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم الضّبي

- ‌7- أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد القرشي المخزومي المعروف بالسلامي

- ‌8- أبو سعيد محمد بن محمد بن الحسن الرستمي

- ‌9- أبو محمد، الحسن بن علي بن مطران

- ‌10- أبو الفتح البكتمري، يعرف بابن الشامي الكاتب

- ‌11- أبو محمد عبد الله بن محمد الفيّاض كاتب سيف الدولة، ونديمه

- ‌12- أبو طاهر سيدوك بن حبيب الواسطي

- ‌13- أبو الحسن علي بن الحسن اللحام

- ‌15- أبو بكر محمد بن أحمد بن حمدان المعروف الخبّاز البلدي

- ‌16- أبو القاسم عبد الصّمد بن بابك:

- ‌17- القاضي التنوخي، أبو القاسم علي بن محمد بن داود بن فهم

- ‌18- 240/ابنه أبو علي، المحسّن

- ‌19- القاضي أبو الحسن، علي بن عبد العزيز الجرجاني

- ‌20- أبو طالب، عبد السلام بن الحسين المأموني من أولاد المأمون

- ‌21- الأمير شمس المعالي قابوس بن وشمكير

- ‌22- الأمير أبو الفضل عبد الله بن أحمد الميكالي

- ‌23- أبو محمد، الحسن بن علي بن وكيع التنيسي

- ‌24- أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن الحجّاج

- ‌25- القاضي أبو أحمد، منصور بن محمد الأزدي الهروي

- ‌26- أبو بكر علي بن الحسن البلخي القهستاني

- ‌27- مهيار بن مرزويه الديلمي

- ‌28- أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري

- ‌29- أبو الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان

- ‌353/30- أبو الحسن، علي بن الدويّدة المعرّي

- ‌31- السابق أبو اليمن ابن أبي مهزول المعّري

- ‌32- الوامق المعري

- ‌34- الأمير أبو الفتيان مصطفى الدولة محمد بن حيّوس

- ‌35- عبد العزيز بن عمر بن نباتة السعدي

- ‌36- الوزير أبو نصر أحمد بن يوسف المنازي السليكي

- ‌37- الماهر الحلبي

- ‌38- أبو عبد الله بن السراج الصوري

- ‌39- أبو عبد الله، أحمد الخياط الدمشقي

- ‌40- أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي

- ‌41- الوزير شرف الدين، أبو الحسن علي بن الحسن بن علي البيهقي

- ‌42- سعد بن علي الحظيري الكتبي

- ‌43- القاضي ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد الأرّجاني

- ‌44- الأديب أبو اسحاق، ابراهيم بن عثمان الكلبي ثمّ الأشهبي المعروف بالغزّي

- ‌45- أفضل الدولة، أبو المظفّر، محمد بن أبي العباس أحمد الأبيوردي

- ‌46- أبو عبد الله، محمد بن نصر بن صغير المعروف بابن القيسراني

- ‌47- أبو الحسين أحمد بن منير الطرابلسي

- ‌48- أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي المعروف بحيص بيص

- ‌49- الشريف أبو يعلى، محمد بن صالح الهاشمي المعروف بابن الهبّارية

- ‌مصادر التحقيق ومراجعه

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌43- القاضي ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد الأرجاني

ومنهم:

‌43- القاضي ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد الأرّجاني

«1» .

قرأ الفقه حتى ثبت ورسخ، والأدب حتى نبت غصنه وما فسخ، وكتب حتى ظنّ خطّ العذار البديع أنّه ممّا نسخ. وحصل جوائز الثناء من بعض ما به رضخ، وصاد المعاني وما امتدّ له من النجوم شباك ولا نصب له من الهلال فخّ. إمام في الغوص لا يبلغ مبلغه، وغمام لا شيء يفرغه، ومورد فضل لكلّ وارد يسوغه، ومقصد أمل أقلّ رتبة أنّه يبلغه. تفقّه أوّل زمانه ثمّ تأدّب، وتنبّه به خصب التحصيل وما كان أجدب، وولي قضاء تستر، وعسكر مكرم، ووجد الكرامة من كلّ مكرم، وهو ممّن أثنى عليه ابن سعيد ثناء صريحا، بل جعل له غناء لا يدع إلّا من هو من فواضل غناه مستميحا، []«2» له حلل هذا التقريظ الأريض وحلي ذهب هذا الوميض، إذ كان لا يلزّ بقرين في القريض، ولا يستفزّ بقريب ولا بعيد معه يفيض، من كلّ قصيدة تسكن الأوج والنجوم حضيض، ومعنى أسحر من الجفن الصحيح المريض، وأبعد في التصوّر من اجتماع النقيض والنقيض، بخاطر إناؤه بالذكاء يفيض وقلب

ص: 573

قراره للأذن مغيض، وذهن تطاير شرارا، وفنّ تناثر كواكب لا تعدم الهلال سرارا، وعني بجمع ديوان شعره العماد الأصفهاني الكاتب، وعلا به أشرف المراتب، ولأهل بلاد العجم فيه رغبة الضنين، وطربة الحنين، على أنّه ليست من تراب العجم طينته، ولا إلى أتراب فارس سكينته، وإنّما سكن بلاد فارس سلفه فغلب على نسبه العربيّ نسبته العجميّة حتى غطّى على نهاره سدفه.

قال العماد الكاتب في حقّه في الخريدة «1» :".... وهو وإن/ 433/كان في العجم مولده فمن العرب محتده، سلفه الكريم من الأنصار لم يسمح بنظيره في سالف الأعصار، أوسيّ الأسّ خزرجّيه قسيّ النّطق إياديّه، فارسيّ القلم، وفارس ميدانه، وسلمان برهانه، من أبناء فارس نالوا العلم «2» المتعلّق بالثريّا. جمع بين العذوبة والطيب في الريّ والريّا".

انتهى كلام العماد.

ومختاره الذي لا يثلم له غرار «3» ، ولا يهدم له منار، قوله:[الكامل]

علق القضيب مع الكثيب بقدّه

متجاذبين لحسنه وبهائه «4»

حتى إذا خافا النزاع تراضيا

للفصل بينهما بعقد قبائه «5»

ذو غرّة كالنجّم يلمع نوره

في ظلمة أخفته من رقبائه

أترعت في حجري غديرا للبكا

فعسى يلوح خيالها في مائه

ص: 574

بيضاء لما آيست من وصلها

وبدت بدوّ البدر وسط سمائه «1»

ومنه قوله: [الخفيف]

وعدت باستراقة للقاء

وبإهداء زورة في خفاء «2»

ثمّ غارت من أن يماشيها ال

ظلّ فزارت في ليلة ظلماء

ثمّ خافت لمّا رأت أنجم الل

ليل شبيهات أعين الرقباء

فاستنابت طيفا يلمّ ومن

يملك عينا تهمّ بالإغفاء «3»

هكذا نيلها إذا نوّلتنا

وعناء تسمّح البخلاء

لست أنسى يوم الرحيل وقد غر

رد حادي الركائب للإفضاء «4»

فتباكت ودمعها كسقيط الط

لّ في الجلنّارة الحمراء

وأرت أنّها في الوجد مثلي

ولها للفراق مثل بكائي

434/فترى الدّمعتين في حمرة الل

لون سواء وما هما بسواء

وقوله: [الكامل]

يا دمية من دون رفع سجوفها

خوض الفتى بالخيل بحر دماء «5»

دمعي وبخلك يسلكان طريقة

تغني عن الواشين والرّقباء

ومنه قوله:

يا ماءها أنا من فنائك راحل

فلقد أطلت ولم ينلك رشائي «6»

ص: 575

بخل الغمام عليك بخلك ظالما

وجفا ذراك كما أطلت جفائي

وإذا تفروزت المياه بخضرة

فبقيت غير مدبّج الأرجاء «1»

وإذا الربيع كسا البلاد برودة

فتجاوزتك فسائح الأنواء «2»

وقوله: [الطويل]

وإنّي لأستشفي بسقم جفونها

وهل عند سقم مطلب لشفاء «3»

ولمّا تلاقينا وللعين عادة

تثير وشاة عند كلّ لقاء

بدت أدمعي في خدّها من صقالة

فغاروا وظنّوا أن بكت لبكائي

وممّا شجاني والزمان مقوّض

حمائم غنّت في فروع أشاء

وما خلت ألحان الأعاجم قبلها

تشوق وتشجو علية الفصحاء

وما ذكّرتني ما نسيت من الهوى

بحال ولكن طربة بغناء

وقوله منها في المديح:

أغرّ يطيف العين من نور وجهه

بشمس سماح لا بشمس سماء «4»

سل العيس عنه هل وردن فناءه

فأصدرن عنه الوفد غير رواء

435/وهل ينظم الأقران في سلك رمحه

بطعن كتفصيل الجمان ولاء

فلله ما ضمّت حمائل سيفه

لداعي الندى من هزّة ومضاء

وقوله: [الرمل]

ص: 576

بكروا والصّبح في طيّ الدّجى

وجه حسناء حيّي في خباء «1»

وحداة العيس ينفون الكرى

ويطيرون المطايا بالحداء

كلّ وجناء إذا ما طرّبوا

عطّت البيد بهم عطّ الملاء

وإذا ما ادّرعت هاجرة

جعل الظلّ لها مثل الحذاء

ومنه قوله في وصف تركي، والترك لا تنطق بالفاء، لأنّها لا رهن لها قولا بالوفاء، وأبدع في البيت الثاني، وأودع فيه ما زاد على سياق المعاني وهو:[الخفيف]

كيف يسخو لنا بفعل وفاء

ذو لسان خال من اسم الوفاء «2»

كيف يصحو من سكرة التيه بدر

ما خلافوه قطّ من صهباء

ومنه قوله: [الطويل]

وقالت لي الحسناء غالطت ناظري

وبعض بكاء العاشقين خلاب «3»

وما ارتاب بي الأحباب إلّا بأنّهم

إذا نظروا كانوا الذين أرابوا

وقوله: [الطويل]

فإن تسلبوا القلب الذي في جوانحي

فإنّي إليكم بعده لطروب «4»

فنحن أناس للحنين كأنّما

خلقنا جسوما كلّهن قلوب

ومنه قوله: [الكامل]

حلفت بإنضاء السّفار ذوائب

عليهنّ أنجاب وهنّ نجائب «5»

ص: 577

لأدرعنّ الليل أسحب ذيله

إلى أن يرى فرع من الصّبح شائب

بصحب لهم بيض السيوف أضالع

وعيس عليهنّ الرجال غوارب

436/ومنه قوله، وهو وإن كان مطروقا، فإنّه لمكان الزيادة فيه موموقا:[الطويل]

وقد ماج للأبصار بحر صبيحة

به الشّهب درّ بين طاف وراسب «1»

وأهوى الثريّا للأفول بدقّة

كما قرّبت كأس إلى فم شارب

ومنه قوله:

ردوا يا بني الآمال جمّة جوده

فما البحر من غرف الأكفّ بناضب «2»

إلى بيت جود ما يزال حجيجه

يوافون ملء الطّرق من كلّ جانب

إذا مدّت الأعناق أجمال سائر

إليه تلقّتهنّ أجمال آئب

فلم ندر ماذا منه نقضي تعجّبا

سؤال المطايا أم جواب الحقائب

تسحّ مياه الجود في بطن كفّه

لكلّ أناس فهي شتّى المشارب

ويحسب ما تبدو به من خطوطه

أسارير كفّ وهي طرق المواهب

وقوله: [الكامل]

ما جبت آفاق البلاد مطوّفا

إلّا وأنتم في الورى متطلّبي «3»

سعيي إليكم في الحقيقة والذي

تجدون عنكم فهو سعي الدّهر بي

أنحوكم ويردّ وجهي القهقرى

دهري فيسري مثل سير الكواكب «4»

فالقصد نحو المشرق الأقصى له

والسّير رأي العين نحو المغرب

ص: 578

ومنه قوله: [الكامل]

في حكم طرفي حين كان مريبا

أن لا أعد على الوشاة ذنوبا «1»

الدّمع منه فكم أعاتب واشيا

والمنع منك فلم ألوم رقيبا

437/يا برق لم يقدح زنادك موهنا

إلّا لتوقع في حشاي لهيبا

عندي من العبرات ما تسقى به

للعامرّية أجرعا وكثيبا

وبمهجتي سار أجدّ مع النوى

عتبا وساق مع الركاب قلوبا

فغدا بقلبي في الظعائن مركبا

وبكلّ قلب غيره مجنوبا

منها:

يا ماجدا ما لاح بارق بشره

إلّا بوابل جوده مصحوبا «2»

آوى الوفاء إلى كريم جنابه

إذ كان في هذا الزمان غريبا «3»

ومنه قوله: [الكامل المرفل]

لله يوم الجزع موقفنا

لمّا تعرّض للمها سرب «4»

متطلّعات للعيون ضحى

وأكفّها لوجوهها نقب

يرمقن من شبك البنان فما

يزكو حليم القوم أو يصبو «5»

من كلّ فاتنة لمعصمها

تبدي فيشجى القلب والقلب «6»

ص: 579

كالسّهم راميه يقرّبه

ولأجل بعد ذلك القرب

مدّت إليّ يدا تودّعني

فدنا إليها المغرم الصّب

وقوله: [الطويل]

أحنّ إلى طيف الأحبّة ساريا

ودون سراه نبوة الجفن الجنب «1»

فما للنوى لا يعتري غير مغرم

كأنّ النوى صبّ من الناس بالصّب

فلله ربع من أميمة عاطل

توشّحه الأنداء باللؤلؤ الرّطب

جعلت به قيد الركائب وقفة

إذا شاء ربع الحي طالت على صحبي

رميت محيّا دارهم عن صبابة

بسافحة الإنسان سافحة الغرب

438/أروّي بها خدّي وفي القلب غلّتي

وقد يتخطّى الغيث أمكنة الجدب

ومنه قوله: [الطويل]

سل النّجم عنّي في رفيع سمائه

أشاهد مثلي من جليس مبائت «2»

أساهره حتى تكلّ لحاظه

وينسلّ في الصّبح انسلال المغالت

[وقوله]«3» : [الكامل]

يا ناسي الميعاد من سكر الصّبا

بعذاب هجرك كم ترى أن تعنتا «4»

يوم المتيّم منك حول كامل

يتعاقب الفصلان فيه إذا أتى

ما بين نار حشى وماء مدامع

إن جنّ صاف وإن بكى وجدا شتا

وقوله: [الكامل]

ص: 580

واها لعصر العامرية في الحمى

والعهد لولا أنّه منكوث «1»

بيضاء فاتنة لصخرة قلبها

في ماء عيني لو تلين أميث

مقسومة شمسا وليلا إذ بدت

للناظرين فواضح وأثيث «2»

فالشمس في حيث النقاب تحطّه

والليل في حيث الخمار تلوث

ودّ الهلال لو انّه طوق لها

والنجم لو أمس بها التّرعيث «3»

والشمس أقنع قلبها من شبهها

أن قد تعلّق باسمها تأنيث

وقوله: [الطويل]

ويوم الكثيب الفرد لمّا استفزنّا

وداع وكنّا من وشاة بمدرج «4»

وقفنا فدلّسنا على رقبائنا

فظنّوا خليّا كلّ ذي لوعة شجي

حططت لثاما عن مجود مورّس

وألقت نقابا عن أسيل مضرّج «5»

فما زلت أذري دمع عيني صبابة

وتبدي دلالا عن شتيت مفلّج «6»

439/وقال رقيبانا دعوا لوم ناظر

وناظرة لم تنو سوءا فتحرج

رعت هي روض الزّعفران وبادرت

وحدّق ذا في الشمس عند التوهّج

فبالطّبع مجلوب بكاه وضحكها

بلا محزن ممّا ظننّا ومبهج

منها في المديح:

ص: 581

كسرتم جناحي جيش كسرى وقلبه

بضرب كما ألهبت نيران عرفج «1»

غداة دلفتم بالرماح شوائلا

ترى النقع فيها مثل ثوب مفرّج

وقوله: [السريع]

أكلّما اشتقت الحمى شفّني

لاح إذا برق على الغور لاح «2»

يزيد إغرائي إذا لامني

وربّما أفسد باغي الصّلاح

ماذا عسى الواشون أن يصنعوا

إذا تراسلنا بأيدي الرّياح

وربّ ليل قد تدرّعته

رهين شوق نحوكم وارتياح

حتى بدت تطلق طير الدّجى

من شبك الأنجم كفّ الصّباح

لا غرو أن فاضت دما مقلتي

وقد غدت ملء فؤادي جراح

وقوله: [الطويل]

سعى للعلى والأفق حول ركابه

بأعزل يسعى من نجوم ورامح «3»

كأنّ الثريا استأمنت لجنودها

فقد بسطت للعهد كفّ مصالح

وقوله: [الكامل]

شاق الحمام إليك لمّا ناحا

صبّا تذكّر إلفه فارتاحا «4»

ليت الحمام أتّم بي إحسانه

فأعارني أيضا إليك جناحا

440/يا نازحا لم ينقطع ذكري له

لو أنّ ذاك يقرّب النّزاحا

وعلى الجياد معارضين فوارس

فوق الكواثب عارضين رماحا

ص: 582

لو قاتلوا بدل الظّبى بلحاظها

كانوا إذا أمضى الأنام سلاحا

ومرنّح الأعطاف تحسب صدغه

ليلا وتحسب خدّه مصباحا

بتنا نديمي عفة في خلوة

متساقيين ولا زجاجة راحا

خاطبت كلّ معاشر بلغاتهم

زمنا مخاطبة الصّدى من صاحا

وقوله في الشمعة: [الكامل]

أفردت من إلف شهيّ وصله

حلو الجنى عذب المذاق صريح «1»

قد سلّ من جسمي وكان شقيقه

فرجعت عنه بقلبي المقروح

وأنا له هو قد فقدت بعينه

أفليس بخل مدامعي بقبيح

بالنّار فرّقت الحوادث بيننا

وبها نذرت أعود أقتل روحي

وقوله: [الطويل]

ومسترق من وصل أغيد فاتن

محاسنه روضي وعيناي رائدي «2»

تغطيّت منه تحت قطر مدامعي

تغطّي سلك تحت نظم الفرائد

تمتّعتما يا ناظريّ بنظرة

وأوردتما قلبي أمر الموارد «3»

أعينيّ كفّا عن فؤادي فإنّه

من البغي سعي اثنين في قتل واحد

ومنها قوله:

مواقف خطّت للهدى نبوّية

لأبيض من بيت النّبوة ماجد «4»

إذا خرجت منها المراسم صوّرت

ثرى الأرض آثار الوجوه السواجد «5»

ص: 583

441/ومنه قوله: [الطويل]

أحنّ إلى ليلى على قرب دارها

حنين الذي يشكو لألّافه فقدا «1»

ولي سلك جسم ملؤه درّ أدمع

فلولا العدا أمسيت في جيدها عقدا

وآخر عهدي يوم جرعاء مالك

بمنعرج الوادي وأظعانهم تحدى

ولما دنت والسّتر مرخى ودونها

غيارى غدت تغلي صدورهم حقدا

تقدّمت أبغي أن أبيع بنظرة

إلى سجفها روحي لقد رخصت جدّا

أسفت على ماضي عهود أحبّتي

وهل يملك المحزون للفائت الرّدا

ومنه قوله: [الكامل]

ناشدتكم إلّا قصرتم ساعة

فضل الأزمّة عند برقة منشد «2»

أنا مسعد فيكم فهل من مغرم

أو مغرم فيكم فهل من مسعد

ربع وقفت أرى وجوه أحبتي

فيه بعيني ذكري المتجدّد

من كلّ ظاعنة أقام خيالها

وقضت تروح لها الركاب وتغتدي

لمّا سبقت إلى الحمى وتلاحقوا

صحبي وهل لأسير حبّ مغتدي

بمعاج نضو في محلّ داثر

ومجال طرف في رسوم همّد

عطر ثراه على تطاول عهده

بمجرّ أذيال الحسان الخرّد

ومسهّر قال النجوم لطرفه

هي عقبة بيني وبينك فارصد

كم قد سهرت وكم رقدت لياليا

فالآن قد أغنيت فاسهر وارقد

وقوله: [الطويل]

ص: 584

نظرت وأقمار الخدود طوالع

فقد أتلعت بيض السوالف غيدها «1»

فلم أر كالألحاظ لولا نبوّها

ولم أر كالأجياد لولا صدودها

442/ومهما حدا الحادي بسعدى ففي الكرى

معيد على رغم الفراق يعيدها

ممنّعة حاطت عليها رماحها

ولو قدرت خيطت عليها جلودها

وقد زاد أشواقي إليكم حمائم

وما كنت أدري أنّ شيئا يزيدها

مطوّقة من زرقة الفجر قمصها

ومن حلكة الليل البهيم عقودها

ولو قد أعادت حين شاقت إليكم

جناحا به يطوى على النأي بيدها

تقلّدت منها منّة يغتدي لها

مدى الدّهر في طوقين جيدي وجيدها

ومنه قوله: [الخفيف]

أنشدتنا ورق الحمائم عند الصّ

بح من شعرها القديم قصيدا «2»

قوّمت وزنها وإن لم تعلّم

من عروض طويلها والمديدا

وتغنّت بكلّ منظومة عج

ماء تجلو معنى وتحلو نشيدا

ما ابتداها لكن إذا درس الشّو

ق فؤادي كان الحمام معيدا

وكأنّ الحبيب يوم وداعي

ودموعي للبين تحكي الفريدا

علّق العقد فوق خدّي وأوصى

أن يخلى كذاك حتى يعودا

ومنه قوله: [الخفيف]

ربّ مستجهل العواذل فيه

بتّ منه بمقلة ليس تهدى «3»

قمر بتّ ساهرا فيه حتى

كدت أفني فيه الكواكب عدّا

ص: 585

لو عدا منه [] غليلي «1»

لأبت وجنتاي أن تتندّى

جاء يوم الوداع ينشد فيه

ما ترى العيس في الأزمّة تحدى

وبدا للنّوى به مثل مابي

كم هوى كان لازما فتعدّى

443/وتقاضيته وداعا ولثما

ليكونا لنا سلاما وبردا

فتأبّى واعتاده خجل

ألهب منّي ومنه قلبا وخدّا

ثمّ ولّى كالغصن في مرح

يفتل مني ومنه جيدا وقدّا

بعد ما أنفذ الحشا بجفون

سحر القلب طرفها حين ردّا

ومنه قوله: [البسيط]

يا من غدا فرط حبّي وهو يحمله

على البصيرة منّي لو على البصر «2»

إن تغش طرفي وقلبي نازلا بهما

فالطرف والقلب كلّ منزل القمر

إن يطرق الطيّف عيني وهي باكية

فالبدر في الغيم يسري وهو ذو مطر

كأنّ جفني إكراما لزائره

أمسى على قدميه ناثر الدّرر

تحيّة من عرار الرّمل واصلة

والرّكب يطلع من أعلام ذي نفر

وليس بالرّيح إلّا أنّها نسمت

على مساحب ذيل بالحمى عطر

لله خيل بكا تجري صوالجها

أهداب عيني وقطر الدّمع كالأكر

والجوّ كالروّضة الخضراء معرضة

لناظري والنجوم الزّهر كالزّهر

ومنه قوله: [الطويل]

أذاكرة يوم الوداع نوار

وقد لمعت منها يد وسوار «3»

ص: 586

عشيّة ضنّوا أن يجودوا فعلّلوا

وخافوا العدى أن ينطقوا فأشاروا

فليت ديار النازحات قلوبنا

لنسلو من ليت القلوب ديار «1»

وليلة أهدين الخيال لناظري

وبالنّوم لولا الطّيف عنه نفار

تقنّصته والأفق يجتاب حلّة

من الوشي يسدى نسجها وينار «2»

444/فلا تحسب الجوزاء طرفك إنّها

هديّ لها شهب الظلام نثار «3»

وإنّ الثّريا بات فضيّ كأسها

بأيدي ندامى الرّيح وهو يدار «4»

فليس الدّجى إلّا لنار تنفّسي

دخان تراقى والنجوم شرار

وقوله: [الطويل]

خيالك من قبل الكرى طارقي ذكرا

ففيم التزامي للكرى منّة أخرى «5»

غدا شخصكم في العين منّي قائما

فمن نمّة الواشي بكم أخذ الحذرا

فو الله ما ضمّي الجفون لرقدة

ولكن لألقى منكم دونكم سترا «6»

وفتّانة صاغت سلاسل صدغها

قيودا على أعداد عشاّقها الأسرى «7»

تبسّم عن درّ تكلّم مثله

فلم أر أحلى منه نظما ولا نثرا

وقوله: [الكامل]

لا طالب الله الأحبّة إنّهم

ناموا عن الصبّ الكئيب وأسهروا «8»

ص: 587

هجروا وقد وصّوا بهجري طيفهم

يا طيف حتى أنت ممّن يهجر

دون الخيال ودون من يشتاقه

ليل يطول على جفون تقصر

ومخيّمون مع القطيعة إن دنوا

هجروا وإن راحوا إلينا هجرّوا

أرأيت يوم البين ما صنعوا بنا

والحيّ منهم منجد ومغوّر «1»

سفروا فلمّا عارض القوم اتّقوا

بمعاصم فكأنّهم لم يسفروا

أعقيلة الحيّ المطنّب بيتها

حيث القنا من دونه تتكسّر

أخفى إذا عاينت وجهك من ضنى

فأدقّ عن درك العيون وأصغر «2»

وأرى بنورك كلمّا أدنيتني

وكذا السّها ببنات نعش يبصر

445/خطرت إليّ فزاد من طربي لها

أن لم يكن بالبال ممّا يخطر

وكأنّما تركت بخدّي عقدها

ليكون تذكرة بها يتذكّر

ومنه قوله: [الطويل]

ولم أنسها يوم الرّحيل وقد لوت

بتسليمة التوديع حاشية السّتر «3»

وقلبي مع الرّكب اليمانيّ رائح

لقى بين أيدي العيس في البلد القفر

أقول وإلفي للوداع معانقي

ولي دمعة غيّضتها فهي في نحري

أدر لي كؤوس اللثم صرفا لعلّه

تسير المطايا عند سكري ولا أدري

ومنه قوله: [البسيط]

خود إذا سفرت للعين أو نطقت

فالطّرف لي قاطف والسّمع مشتار «4»

ص: 588

تريك حليا على نحر إذا التمعا

لاحا كأنّهما جمر وجمّار

لا أشرب الدّمع إلّا أن يغنّيني

ورق سواجر مهما رقّ أسحار «1»

من كلّ أخطب مسكيّ العلاط له

في منبر الأيك تسجاع وتهدار «2»

خطيب خطب وقد أفنى السواد بلى

فمن بقيّته في الجيد أزرار

ومنه قوله: [الخفيف]

أحضر الليل منه عقدا وثغرا

حين ولّى ليعقب الوصل هجرا «3»

وأردت اختلاس قبلة تودي

ع فكلّ في ناظري كان درّا

فتحيّرت أحسب الثغر عقدا

من سليمى وأحسب العقد ثغرا

فلثمت الجميع قطعا لشكي

وكذا يفعل الذي يتحرّى

ومنه قوله: [المنسرح]

446/عدت بقلب في الوجد منتكس

وناظر في الدموع منغمس «4»

وكان ليلي كأنّه نفس

فصار ليلي كأنّه نفسي

وقوله: [الطويل]

بما عنّ من شكوى زمان تعرّضا

تناسيت لذّات الزمان الذي مضى «5»

فلا تذكراني عهد نجد وأهله

إذا الريح هبّت أو إذا البرق أومضا

فما في ضميري اليوم من طارق الأسى

مكان لتذكار السرور الذي انقضى

ص: 589

ولو خلصت لي من فؤادي شعبة

من الهمّ لم أذكر سوى ساكن الفضا

ومنه قوله: [الطويل]

سرى ولثام الصّبح قد كاد ينحطّ

خيال تسدّى القاع والحيّ قد شطّوا «1»

وزار وقد ندّى النسيم حليّه

فبات يباري الثّغر في برده القرط «2»

وما عطّرت نجدا صباها وإنّما

سرى وهو مجرور على إثرها المرط «3»

هو البدر وافى والثريا كأنّها

على الأفق ملقى منه من عجل قرط

ومنه قوله: [البسيط]

لم يعتمد في العلى من أمرها طرفا

ولم يقع رأيه في نقدها غلطا «4»

لو لم يكن وسط الأشياء أشرفها

ما اختارت الشمس في أفلاكها الوسطا

وقوله فى الأقلام: [الطويل]

ولا عجب أن تملك العين إن جرت

وماست على القرطاس أعطاف رقطها «5»

فما اللّحظ من عين الفتاة كجريها

وما الخال في خدّ المليح كنقطها

وقوله: [الكامل]

ودع التناهي في طلابك للعلى

واقنع فلم أر مثل عزّ القانع «6»

فبسابع الأفلاك لم يحلل سوى

زحل ومجرى الشمس وسط الرابع

ص: 590

447/وقوله: [الكامل]

ما أسأروا في كأس دمعي فضلة

عنهم فأجعلها نصيب الأربع «1»

هو ذلك الدرّ الذي ألقيتم

في مسمعي ألقيته من مدمعي

وقوله: [الكامل]

أبدوا وأخفوا عاجلا فكأنّني

طيف سرى في أخريات هجوع «2»

وأرى فؤادي في الزمان كأنّه

بيت العروض يرام للتقطيع «3»

وقوله: [البسيط]

حيث انتهيت من الهجران بي فقف

ومن وراء دمي سمر القنا فخف «4»

يا عابثا بعدات الوصل يخلفها

حتى إذا كان ميعاد الفراق يفي

اعدل كفاتن قدّ منك معتدل

واعطف كسائل صدغ منك منعطف

ويا عذولي ومن يصغي إلى عذل

إذا رنا أحور العينين ذو هيف

تلوم قلبي أن أصماه ناظره

فيم اعتراضك بين السّهم والهدف

سلوا عقائل هذا الحيّ أيّ دم

للأعين النّجل عند الأعين الذّرف

يستوصفون لساني عن محبّتهم

وأنت أصدق يا دمعي لهم فصف «5»

لم أنس يوم رحيل الحيّ موقفنا

والعيس تطلع أولاها على شرف

والعين من لفتة الغيران ما خطيت

والدّمع من رقبة الواشين لم يكف «6»

ص: 591

وفي الحدوج الغوادي كلّ آنسة

إن ينكشف سجفها للشمس تنكسف

وقوله:

أيّها النائمون عن سهر الصّ

ب إذا هوّم الخليّ وأغفى «1»

448/ما عرفت الرقاد بالعين طعما

فصفوه أعرفه بالأذن وصفا

سلبتنيه ظبية تركتني

مقلتاها ما عشت للوجد حلفا

غادة ورد خدّها وسط شوك

من قنا قومها إذا شئت قطفا

منها في المديح:

فغداه من الورى كلّ نكس

يدعي نسبة العلى وهو ينفى «2»

وضع النقص منه فازداد كبرا

ويزيد التصغير في الاسم حرفا

وقوله منها:

آخر يفضل الأوائل معنى

مثلما يفضل الرّويّ الردفا «3»

فهو أوفى الأنام عرفان ذي فض

ل وأوفاهم لذي الفضل عرفا

وقوله: [الكامل المرفل]

عجب الخلائق من فؤاد فتى

أرسى بحيث الأسهم المرق «4»

يلتذّ ما أصماه قاتله

وبه إذا لم يرمه القلق

أشجع بقلبي حين ترشقه

لو أنّ صدغك فوقه حلق

ص: 592

وقوله: [الطويل]

أقول وقد ناحت مطّوقة ورقا

على فنن والصّبح قد نور الشرقا «1»

بكت وهي لم تبعد بألّافها النوى

كإلفي ولم تفقد قرائنها الورقا

كذا كنت أبكي ضلّة في وصالهم

إلى أن نأوا عني فصار البكا حقّا

فلا [] قال الفراق مجانة «2»

فتلقى على فقد الأحبّة ما ألقى

خذي اليوم في أنس بإلفك وانطقي

بشكر زمان ضمّ شملكما نطقا

وخلّ البكا ما دام إلفك حاضرا

يكن بين لقياه وغيبته فرقا

449/وفي الدّهر ما يبكي فلا تتعجّبي

ولا تحسبي شيئا على حاله يبقى

وقوله: [المنسرح]

كنّا جميعا والدّار تجمعنا

مثل حروف الجمع ملتصقه «3»

واليوم جاء الوداع يجعلنا

مثل حروف الوداع مفترقه

ومنه قوله: [الكامل]

لا تقرب العوراء من قولي ولا

ينحّل في الفحشاء عقد نطاقي «4»

والناس مختلفون في آدابهم

وكذا اختلاف مآرب العشّاق

وقوله: [الطويل]

رأى الفلك الدّوار أنّك فتّه

وخاف عليه أن يصبّ سطاكا «5»

ص: 593

فرصّع في ترس هلالا وأنجما

وأغمد شمسا في دجى ورشاكا

ولا شكّ أنّ البدر في الأفق درهم

من النثر باق في طريق علاكا

ومنه قوله: [البسيط]

زمّوا وقد سفكوا دمعي ركائبهم

فكدت أغرق ما زمّوا بما سفكوا «1»

وراعني يوم تشييعي هوادجهم

والعيس من عجل في السّير ترتبك

ستران ستر عن الأقمار منفرج

يبدو وآخر للعشّاق منهتك

منها:

قد أشعل الشيب رأسي للبلى عجلا

والشمع عند اشتعال الرأس ينسبك «2»

فإن يكن راعها من لونه يقق

فطالما راقها من قبله حلك

عرفت دهري وأهليه ببادرتي

من قبل أن نجدّتني فيهم الحنك

فلا حسائك في صدري على أحد

منهم ولا لهم في مضجعي حسك

ولا أغرّ ببشر في وجوههم

وربّما غرّ حبّ تحته شبك

وقوله: [الكامل]

ذهب الذين صحبتهم فوجدتهم

سحب المؤمّل أنجم المتأمّل «3»

450/وبليت بعدهم بكلّ مذمّم

لا مجمل طبعا ولا متجمّل

منها:

أسف على ماضي الزّمان وحيرة

في الحال منه وخشية المستقبل

ص: 594

ما إن وصلت إلى زمان آخر

إلّا بكيت على الزّمان الأول

منها:

وهززت أعطاف الصّباح إليهم

في متن ليل بالنهار مخلخل

جذلان ينتصب انتصاب المجدل ال

عالي وينقضّ انقضاض الأجدل «1»

ويهزّ جيدا كالقناة ينوطه

بحديد أذن كالسنان مؤلّل

وتخال غرّته سطوع ذبالة

طلعت بها ليلا ذؤابة يذبل

ومنه قوله: [الوافر]

وأغيد رقّ ماء الوجه منه

فلو أرخى لثاما عنه سالا «2»

تبين سوادها الأبصار فيه

فحيث لحظت منه حسبت خالا

بطرف ليس يشعر ما التشكّي

وينشد سقم عاشقه انتحالا «3»

منها:

وأشتمل الظّلام وفي شمالي

زمام شمّلة تحكي الشّمالا

من اللّاتي إذا طربت لحدو

خشيت من النّسوع لها انسلالا «4»

ولو سلخت لنا في الشرق شهرا

سبقن بنا إلى الغرب الهلالا

ومنه قوله: [الكامل]

دعني وأطماري أجرّ ذيولها

وأنزّه الديباجتين عن البلى «5»

ص: 595

أنا صائن عرضي وإن صفرت يدي

كم من أغرّ ولا يكون محجّلا

إنّا على عظّ الزمان لمعشر

من دون ماء وجوهنا ماء الطّلى

من كلّ مستبق اليدين إلى الظّبى

طربا إلى يوم الوغى مستعجلا

451/ويخال محمّر الصفائح وجنة

ويعدّ سمراء الوشيج مقبلا

ومنها في وصف الخيل:

فكأنّما يكبو إذا استدبرته

وكأنّما يقعي إذا ما استقبلا «1»

ويهزّ جيدا كالقناة مرنّحا

ويدير سمعا كالسّنان مؤلّلا «2»

فإذا دنا فجع الغزال بأمّه

وإذا رنا خطف الظّليم المجفلا

فيفوت مطرح طرفه مترفّفا

ويجي سابق ظلّه متمهّلا

وتخال منه صاعدا أو هابطا

سجلا هوى ملآن أو سهما علا «3»

وأغرّ في ثني العنان محجّل

فتخال يوم وغاه فيه مثّلا

أمّا كميت في قنوّ أديمه

يحكي سميّته الرحيق السّلسلا «4»

عكفت به من ضوء صبح فرجة

وأعير من ليل قناعا مسبلا «5»

فتراه بحرا والجبين ذبالة

ويديه ريحا والحوافر جندلا

أو أشقر في غرّة فكأنّه

شفق المغارب بالهلال تكلّلا

وكأنّه قد درّع النار التي

قدحت سنابكه النّواهب للفلا

يرتدّ خدّ السيف منه مواردا

عكسا وطرف الشمس منه مكحّلا

ص: 596

أو أشهب يحكي الشهاب إذا سرى

يجتاب تحت النّقع ليلا أليلا

ربد إذا ما النقع زلزل أرضه

أهوى يفوت النّاظر المتأمّلا «1»

أو أدهم قرن الحجول بغرّة

لطمت له وجها كريم المجتلى

فظننت جونا ذا بوارق مرعدا

وحسبت ليلا ذا كواكب مقبلا «2»

سلت الأكارع صبغه كمظاهر

بردين شمّر ذا وهذا ذيّلا

452/لبس السّواد على البياض فراقنا

أن قلّص الأعلى وأرخى الأسفلا

كدجنّة صقلت دراري خمسة

ومحدّة كشفت محاسن نصّلا «3»

أو أصفر كالتبّر يأبى عزّة

أن لا يحاكي لونه أن ينعلا

ترنو خطا فرس المسابق خلفه

فتخاله بحجوله متشكّلا

أو أبلق يسبي العيون إذا بدا

من تحت فارسه الكميّ مجوّلا

مثل الجهام تشققّت أحضانه

برقا وراح له شمالك شمألا «4»

وكأنّ خيطي ليله ونهاره

قد قطعّا مزقا عليه ووصّلا

ومنه قوله: [الطويل]

ونحن نجوب البيد فوق ركائب

تراها مع الركب العجال تجول «5»

فلو وقفوا في ظلّ رمح ونوّخوا

لضمّهم والعيس فيه مقيل

وقوله: [الطويل]

ص: 597

ويعلو الغمام الأرض من أجل أنّه

يسوق إليها وهي لن تبرح الوبلا «1»

إذا ما قضت نفسي من العزّ حاجة

فلست أبالي الدّهر أملى لها أم لا «2»

وقوله: [الكامل]

في ليلة أسر الظلام نجومها

فثوت تلوح على الدّجى إكليلا «3»

وتناهبت خيل الوزير صباحها

فقسمنه غررا لها وحجولا «4»

منها:

وسطا فما ينفكّ طرف عداته

بظباه أو بخيالها مكحولا «5»

لم يشعروا حتى طرقت كأنّما

حوّلت في الحدق الخيال خيولا

وقوله: [المجتث]

هذا الوزير الأجلّ

ما في مطاويه غلّ «6»

الشرّ فيه قليل

والخير فيه أقلّ

453/وقوله: [الكامل]

سأل الحمى عنه وأصغى للعدى

كيما يجيب فقال مثل مقاله «7»

ناداه أين ترى محطّ رحاله

فأجاب أين ترى محطّ رحاله

ص: 598

[وقوله]«1» : [الطويل]

تمزّقت الظلماء عن نور غادة

أضاء من الآفاق ما كان مظلما «2»

إذا وجهها والبدر لاحا بليلة

فما أحد يدري من البدر منهما

وقوله، والثاني يقرأ مقلوبا:[الوافر]

وفي الفتيان كلّ ربيط جأش

يرى حرب الزمان ولا يخيم «3»

مودّته تدوم لكلّ هول

وهل كلّ مودّته تدوم

وقوله: [الطويل]

رثى لي وقد ساويته في نحوله

خيالي لمّا لم يكن لي راحم «4»

فدلّس بي حتى طرقت مكانه

وأوهمت إلفي أنّه بي حالم

فبتنا ولا يدري لنا الناس ليلة

أنا ساهر في عينه وهو نائم

وقوله: [المنسرح]

ما يلتقي اثنان منصفان معا

إذا اختبرت الناس كلّهم «5»

تنصف ما دام يظلمونك أو

تظلم إن كان ينصفون هم

أعداء عذّالهم إذا عشقوا

وعذّل العاشقين إن سلموا

وقوله: [المتقارب]

ص: 599

تظلّم من طرف ظبي رخيم

سقيم غدا شاكيا من سقيم «1»

فلم يسع بينكما للعتاب

رسول يشاكل غير النسيم

وقوله: [الرمل]

قاتل الله أراكا بالحمى

أبدا يملي على القلب الغراما «2»

يصف الثّغر لنا يابسه

ويحاكي رطبه منها القواما

يا أراك الجذع هب لي ريقها

ولأطرافك فاستسق الغماما

454/أرد الماء وتمتاح اللمّى

ساء هذا يا ابنة القوم اقتساما

منها:

غالطتني إذ كست جسمي الضّنى

كسوة أعرت من اللحم العظاما

ثمّ قالت: أنت عندي في الهوى

مثل عيني، صدقت لكن []«3»

وقوله: [الكامل]

ورد الخدود ودونه شوك القنا

فمن المحدّث نفسه أن يجتنى «4»

لا تمدد الأيدي إليه فطالما

شبّوا الحروب لأن مددنا الأعينا

ورد تخيّر من مخافة نهبه

باللّحظ من ورق البراقع مكمنا

منها:

إنّي لأذكر في الليالي ليلة

والإلف فيها زارني متوسّنا «5»

ص: 600

بعث الخيال وجاءني في إثره

أرأيت ضيفا قطّ يتبع ضيفنا

منها:

في ليلة حسدت مصابيح الدّجى

كلمي وقد كانت لها هي أزينا

قلمي بها حتى الصباح وشمعتي

بتنا ثلاثتنا ومدحك شغلنا

حتّى هزمنا للظلام جنوده

لمّا تشاهرنا عليك الألسنا «1»

أفناهما قطعي وأفنيت الدّجى

سهرا فأصبحنا وأسعدهم أنا

وقوله: [البسيط]

تقول للبدر في الظلماء طلعته

بأيّ وجه إذا أقبلت تلقاني «2»

وجه السماء مرآة لي أطالعها

والبدر وهنا خيالي فيه لاقاني

لم أنسه يوم أبكاني وأضحكه

وقوفنا حيث أرعاه ويرعاني

455/كلّ رأى نفسه في عين صاحبه

فالحسن أضحكه والحزن أبكاني

قد قوّس القدّ توديعا وقرّبني

سهما فأبعدني من حيث أدناني

وكنت والعشق مثل الشمع معتلقا

بالنار ألفيته جهلا فأفناني

وقوله: [الطويل]

فلمّا غدا عبأ على جفن ناظري

لقاء الورى من صاحب وخدين «3»

ألفت الفلا مستوطنا ظهر ناقة

تلف سهولا دائما بحزون

وما سرت إلّا في الهواجر وحدها

كراهة ظلّي أن يكون قريني

وقوله: [الوافر]

ص: 601

وأين من الملام لقى هموم

يبيت ونضوه ملقى الجران «1»

يشيم البرق وهو ضجيع عضب

وفي الجفنين منه يمانيان

منها:

فماج إلى الوداع كثيب رمل

ومال إلى العناق قضيب بان «2»

وحاول منه تذكرة مشوق

فأعطى خدّه عقدي جمان

منها:

ألا لله ما صنعت بعقلي

عقائل ذلك الحيّ اليماني

نواعم ينتقبن على شقيق

يرفّ ويبتسمن عن اقحوان

دنون عشيّة التوديع مني

ولي عينان بالدّم تجريان

فلم يمسحن إكراما جفوني

ولكن رمن تخضيب البنان

وقوله: [المتقارب]

ولا عيب فيه سوى أنّه

إذا الناس مدّوا إليه العيونا «3»

يظنّ خيالات أهدابها

عذارا على خدّه النّاظرونا

456/منها:

وقبل ثناياه والثّغر منه

لم نر من خطّ في الميم سينا «4»

لقلبي بلابل تأوي القدود

حكتها بلابل تأوي الغصونا

ص: 602

وقوله: [البسيط]

أجري دموعي وحتى اليوم مارقأت

سرّ به الإلف لمّا سار حدّثني «1»

كأنّما خرقت كفّ الوداع إلى

عيني طريقا لذاك الدرّ من أذني

هم في فؤادي ويبقى للفتى رمق

ما دامت الروح في جزء من البدن

وقوله: [الطويل]

أقول ونحر الغرب حال عشيّة

كأنّ على لبّاته طوق عقيان «2»

أحرف مراة من خلال غشائها

بدا أم هلال لاح للناظر الراني

أم الفلك الدوّار أمسى موسّما

بآخر حرف من حروف اسم عثمان

وقوله: [البسيط]

لو شاء طيفك بعد الله أحياني

إلمامة منه بي في بعض أحياني «3»

بل لو أردت وجنح الليل معتكر

والحيّ من راقد عنّا ويقظان

غيّمت يا قمر الآفاق من نفسي

فسرت نحوي ولم تبصرك عينان

لا بل إذا شئت فأذن لي أزرك وفي

ضمان سقمي عن الأبصار كتماني

أبقى الهوى لك منّي في الورى شبحا

لو وازن الطيف لم يخصص برجحان

وقوله: [الكامل]

اقرن برأيك رأي غيرك واستشر

فالحقّ لا يخفى على رأيين «4»

فالمرء مرآة تريه وجهه

ويرى قفاه بجمع مرآتين

ص: 603

وقوله: [الكامل]

أضحي أخا سفر فما ألقاكم

وأبيت ذا سهر فما يلقاني «1»

457/ما زلت أحكي في النحول مثاله

حتى تناهى السقم بي فحكاني

وقوله: [الكامل]

وكأنّ كلّ شقيقة مكحولة

شرقت محاجرها بأحمر قان «2»

عين لإنسان وقد ملئت دما

منه فما يبدو سوى الإنسان

وقوله: [البسيط]

لم تشتبك بعد أطناب الخيام لنا

ولا المنازل ضمّتهم وإيّانا «3»

لكنّهم عاجلونا بالنّوى وقضوا

وخلّفوا الطّرب المشتاق حيرانا

يمناه بعد من التسليم ما فرغت

إذ مدّ يسراه للتوديع عجلانا

لم يملأ العين من أحبابه نظرا

إذ غادر الدّمع منه الجفن ملآنا

وقوله: [البسيط]

حيث الغبار يسدّ الجوّ ساطعه

والخيل تحمل للأقران أقرانا «4»

والطعن يحفر في لبّاتها قلبا

تظلّ فيها رماح القوم أشطانا

وقوله: [الوافر]

نظرت إلى الحمول غداة سارت

بطرف غير شاف وهو [ساكن]«5»

ص: 604

وبيض الهند من وجدي [هواز]«1»

بإحدى البيض من عليا هوازن

وقوله: [البسيط]

هذا الزمان على ما فيه من كدر

حكى انقلاب لياليه بأهليه «2»

غدير ماء تراءى في أسافله

خيال قوم قيام في أعاليه

فالرّجل تبصر مرفوعا أخامصها

والرأس يوجد منكوصا أعاليه «3»

وقوله: [السريع]

والإلف قد عانقني للنّوى

فالتفّ خدّي وخدّاه «4»

كأنّه رام إلى غاية

تناول السّهم بيمناه

458/حتى إذا أدناه من صدره

أبعده ساعة أدناه

ومنه قوله في الشمعة من قصيدته المشهورة، وخريدته التي هي بالألباب ممهورة، وأوّلها:[البسيط]

نمّت بأسرار ليل كان يخفيها

وأطلعت قلبها للناس من فيها «5»

قلب لها لم يرعنا وهو مكتمن

إلّا تراقيه نارا من تراقيها

سفيهة لم يزل طول اللسان لها

في الحيّ يجني عليها ضرب هاديها

غريقة في دموع وهي تحرقها

أنفاسها بدوام من تلظّيها

تنفّست نفس المهجور وادّكرت

عهد الخليط فبات الوجد يبكيها

ص: 605

يخشى عليها الرّدى مهما ألمّ بها

نسيم ريح إذا وافى يحيّيها

بدت كنجم هوى في إثر عفرية

في الأرض فاشتعلت منه نواصيها «1»

نجم رأى الأرض أولى أن يبوّأها

من السماء فأضحى طوع أهليها

كأنّها غرّة قد سال شادخها

في وجه دهماء يزهاها تجلّيها

أو ضرّة خلقت للشمس حاسدة

فكلّما حجبت قامت تحاكيها

ما طنّبت قطّ في أرض مخيّمة

إلّا وأقمر للأبصار راجيها

منها:

فالوجنة الورد إلّا في تناولها

والقامة الغصن إلّا في تثنّيها «2»

قد أثمرت وردة حمراء طالعة

تجني على الكفّ إن أهويت تجنيها «3»

ورد تشاك به الأيدي إذا قطفت

وما على غصنها شوك يوقّيها

صفر غلائلها حمر عمائمها

سود ذوائبها بيض لياليها

وصيفة لست فيها قاضيا وطرا

إن أنت لم تكسها تاجا يحلّيها

459/صفراء هندية في اللون إن نعتت

والقدّ واللين إن أتممت تشبيها

فالهند تقتل بالنيران أنفسها

وعندها أنّها إذ ذاك تحييها

قدّت على قدّ ثوب قد تبطّنها

ولم يقدّر عليها الثوب كاسيها

أبدت إليّ ابتساما في خلال بكى

وعبرتي أنا محض الحزن يمريها «4»

ومنها في التخلّص:

ص: 606

فقلت في جنح ليل وهي واقفة

ونحن في حضرة جلّت أياديها «1»

لو أنّها علمت في قرب من نصبت

من الورى لثنت أعطافها تيها

وقوله: [مخلع البسيط]

شبت أنا والتحى حبيبي

حتى برغمي سلوت عنه «2»

فابيضّ ذاك السواد مني

واسودّ ذاك البياض منه

وقوله: [السريع]

قابلني حتى بدت أدمعي

في صحن خدّ منه مثل المراه «3»

يوهم صحبي أنّه مسعدي

بأدمع لم تذرها مقلتاه

ولم تقع في خدّه قطرة

إلّا خيالات دموع البكاه

وقوله: [الوافر]

سهام نواظر تصمي الرمايا

وهنّ من الحواجب في حنايا «4»

ومن عجب سهام لم تفارق

حناياها وقد جرحت حشايا

منها:

يريك بوجنتيه الورد غضّا

ونور الأقحوان من الثنايا

تأمّل منه تحت الصّدغ خالا

لتعلم كم خبايا في الزوايا

تغنّم صحبتي يا صاح إنّي

نزعت عن الصّبا إلّا بقايا «5»

ص: 607