الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ، وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ"، قِيلَ مَا سِيمَاهُمْ؟ قَال:"سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ - أَوْ قَال: التَّسْبِيدُ -".
[فتح: 13/ 535].
(يقرءُون) في نسخة: "ويقرءُون" بزيادة واو (لا تجاوز تراقيهم) جمع ترقوة: وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعنق (ثم لا يعودون فيه) أي: في الدين (إلى فوقه) بضم الفاء: موضع السهم من الوتر (ما سيماهم) بالقصر والمد، أي: ما علا منهم. (التحليق) أي: إزالة الشعر. (أو قال التسبيد) هو بمعنى: التحليق، أو أبلغ منه، والمعنى: أنه كان في عهد الصحابة لا يحلقون رءوسهم إلا في النسك أو الحاجة، وأما هؤلاء فقد جعلوا الحلق شعارهم، ويحتمل: أن يراد به حلق الرأس أو اللحية وجميع شعورهم.
58 - بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى: {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ} [
الأنبياء: 47]، وَأَنَّ أَعْمَال بَنِي آدَمَ وَقَوْلَهُمْ يُوزَنُ
وَقَال مُجَاهِدٌ: "القُسْطَاسُ: العَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ " وَيُقَالُ: "القِسْطُ: مَصْدَرُ المُقْسِطِ وَهُوَ العَادِلُ، وَأَمَّا القَاسِطُ فَهُوَ الجَائِرُ.
(باب قول الله عز وجل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}) أي: فيه، ولفظ:(يوم القيامة) ساقط من نسخة و (الموازين) جمع ميزان ووصفها السقط وهو العدل؛ لأن المصدر يوصف به المفرد والمثنى والجمع بلفظ واحد، أي: نضع الموازين العادلات، أو ذوات القسط وهي وإن كانت ميزانًا واحدة لكن جمعت للتفخيم كقوله:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)} وإنما هو رسول واحد، أو باعتبار العباد وأنواع
الموزونات والميزان كما قال أهل السنة: جسم محسوس بلسان وكفتين والله تعالى يجعل الأعمال والأقوال كالأعيان موزونة، أو توزن صحفها، وقيل: هو ميزان كميزان الشعر، وفائدته: إظهار العدل والمبالغة في الإنصاف قطعًا لأعذار العباد. (وأن أعمال بني آدم وقولهم يوزن) عطف على (قول الله) ولا ينافى عموم الوزن لأعمالهم وأقوالهم دخول قوم الجنة وآخرين النار بغير حساب لما مرَّ أن الوزن إنما هو لإظهار العدل والمبالغة في الإنصاف. (القسطاس) أي: (العدل بالرومية) أي بلغة أهل الروم، ففيه: وقوع المعرب في القرآن ولا ينافيه قوله تعالى: {أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} لندرة المعرب فيه، أو لأن وضع العرب وافق وضعهم (ويقال القسط مصدر المقسط) اعترض بأن مصدر المقسط الأقساط؛ لأنه رباعي، وأجيب: بأن ذلك في الجاري على فعله، والمراد: هنا إنما هو المصدر المحذوف الزوائد كالقدر مصدر قدرت فما حذف زوائده من مصدر المزيد رُدَّ إلى أصله (وهو) أي المقسط.
7563 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَال: قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ".
[انظر: 694 - مسلم: 2694 - فتح 13/ 537].
(أحمد بن إشكاب) بكسر الهمزة وفتحها وسكون المعجمة وبموحدة غير منصرف؛ لأنه عجمي، وقيل: منصرف لأنه عربي.
(كلمتان) فيه إطلاق الكلمة على الكلام وهو مجاز ككلمة الشهادة (حبيبتان) أي: محبوبتان لقائلهما لهن قياس فعيل بمعنى مفعول: أن لا يدخل فيه تاء التأنيث، وأجيب: بأن ذلك كثير لا لازم، أو أن لزوم
ذلك حال الإفراد لا حال التثنية أو التأنيث؛ لمناسبة خفيفتان وثقيلتان فإن كلا منهما فعيل بمعنى فاعل، أو التاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية (إلى الرحمن) خصص به دون سائر الأسماء؛ لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عباده حيث يجازي علي العمل القليل بالثواب الكثير.
(خفيفتان) إلخ الإشارة بالخفة والثقل إلى قلة العمل وكثرة الثواب.
وفي الحديث: من البديع السجع والمنهي عنه منه ما يراد به إبطال حق ونحوه كسجع الكهان، والمقابلة بين الخفيفة والثقيلة ويسمى الطباق (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) هما المخبر عنهما بأنهما (كلمتان خفيفتان) فهما مبتدأ و (كلمتان) خبر مقدم وما بينهما صفة للخبر وقدم الخبر لقصد تشويق السامع إلى المبتدأ كقول الشاعر:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها
…
شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر
وبعضهم جعل (كلمتان) مبتدأ و (سبحان الله) إلخ الخبر؛ لأن سبحان لازم الإضافة إلى مفرد فجرى مجرى الظروف وهي لا تقع إلا خبرًا، ورجحه شيخنا الكمال بن الهمام قال: لأنه مؤخر لفظًا والأصل عدم مخالفة وضع الشيء محله بلا موجب؛ ولأن سبحان الله إلخ محط الفائدة بنفسه بخلاف كلمتان فإنهما إنما يكونان محطًا لها بواسطة صفاتهما انتهى. وللنظر في بعضه مجال وسبحان مصدر لازم النصب بإضمار الفعل وهو علم على التسبيح علم جنس للمعنى، وإنما أضيف مع كونه علمًا بتقدير تنكيره ومعناه: التنزيه، أي: أنزه الله تعالى عما لا يليق به وقوله: (وبحمده) الواو فيه للحال، والتقدير: وأسبحه ملتبسًا
بحمدي له من أجل توفيقه لي للتسبيح ونحوه أو لعطف جملة على جملة، أي: أسبحه والتبس بحمده، وأشار بسبحان الله إلى صفاته السلبية المسماة بصفات الجلال، وبالحمد إلى صفاته الوجودية المسماة بصفات الإكرام كما قال تعالى:{ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} ورتبا على النظم الطبيعي وهو إثبات التخلية عن النقصان، ثم التحلية بالكمال، وأشار بتكرير التسبيح دون التحميد، إلى الاعتناء بشأنه أكثر من الاعتناء بشأن التحميد ولهذا ورد في القرآن بالمصدر وبالماضي وبالمضارع وبالأمر، ومرَّ الحديث في الدعوات والأيمان والنذور (1).
وختم به كتابه كما افتتحه بذكر الوحي ثم بحديث النية أما افتتاحه بذينك فللتبرك بافتتاح الشريعة المحمدية ولقصد الإخلاص في الأعمال، وأما ختمه بما ذكر فلرجائه أن كتابه يكون من العمل الذي يوزن له يوم القيامة ويجازي به وأنه وضعه ميزانًا يرجع إليه وليجمع بين مقام الرجاء والخوف إذ معنى الرحمن يرجع إلى الإنعام، ومعنى العظيم يرجع إلى الخوف من هيبته تعالى.
تم الشرح المبارك بحمد الله وعونه وحسن توفيقه.
(1) سبق برقم (6406) كتاب: الدعوات، باب: فضل التسبيح. و (6682) كتاب: الأيمان والنذور، باب: إذا قال: والله لا أتكلم اليوم.