المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٨

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثامن]

- ‌سورة الحجر

- ‌تعريف بسورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 49 الى 60]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 61 الى 74]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 75 الى 84]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 85 الى 99]

- ‌تفسير سورة النّحل

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة النحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة النحل (16) : آية 14]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 17 الى 23]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 24 الى 29]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 55]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 65 الى 67]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 98 الى 100]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 101 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 109]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 110 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 113]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 118 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 124]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 125 الى 128]

- ‌تفسير سورة الأسراء

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 1]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 8]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الإسراء (17) : آية 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 31 الى 39]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 69]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 73 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 81]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 82 الى 84]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 85 الى 89]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 97 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 104]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 105 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌تفسير سورة الكهف

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 21]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 22]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 36]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 37 الى 41]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 49]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 65]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 77 الى 78]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 79]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة الكهف (18) : آية 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 102]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 103 الى 106]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحجر»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة النحل»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الإسراء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الكهف»

الفصل: ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

(التفسير) قال تعالى:

[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

بسم الله الرحمن الرحيم

أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)

وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9)

ص: 99

افتتحت السورة الكريمة، بتهديد الكافرين الذين كانوا ينكرون البعث، وما يترتب عليه من ثواب أو عقاب، ويستبعدون نصر الله- تعالى- لأوليائه، فقال- تعالى-: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ والفعل «أتى» هنا، بمعنى قرب ودنا بدليل «فلا تستعجلوه» ، لأن المنهي عن الاستعجال يقتضى أن الأمر الذي استعجل حصوله لم يحدث بعد.

والمراد بأمر الله: ما اقتضته سنته وحكمته- سبحانه- من إثابة المؤمنين ونصرهم، وتعذيب الكافرين ودحرهم.

والفاء في قوله «فلا تستعجلوه» للتفريع. والاستعجال: طلب حصول الشيء قبل وقته.

والضمير المنصوب في «تستعجلوه» يعود على «أمر الله» ، لأنه هو المتحدث عنه، أو على «الله» - تعالى-، فلا تستعجلوا الله فيما قضاه وقدره.

والمعنى: قرب ودنا مجيء أمر الله- تعالى- وهو إكرام المؤمنين بالنصر والثواب، وإهانة الكافرين بالخسران والعقاب، فلا تستعجلوا- أيها المشركون- هذا الأمر، فإنه آت لا ريب فيه، ولكن في الوقت الذي يحدده الله تعالى- ويشاؤه.

وعبر عن قرب إتيان أمر الله- تعالى- بالفعل الماضي «أتى» للإشعار بتحقق هذا الإتيان، وللتنويه بصدق المخبر به، حتى لكأن ما هو واقع عن قريب، قد صار في حكم الواقع فعلا. وفي إبهام أمر الله، إشارة إلى تهويله وتعظيمه، لإضافته إلى من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

قوله «فلا تستعجلوه» زيادة في الإنذار والتهديد، أى: فلا جدوى من استعجالكم، فإنه نازل بكم سواء استعجلتم أم لم تستعجلوا.

والظاهر أن الخطاب هنا للمشركين، لأنهم هم الذين كانوا يستعجلون قيام الساعة، ويستعجلون نزول العذاب بهم، وقد حكى القرآن عنهم ذلك في آيات:

منها قوله- تعالى-: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها، وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ، أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ «1» .

ومنها قوله- سبحانه-: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ. وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ «2» .

(1) سورة الشورى. الآية 18.

(2)

سورة الحج. الآية 47.

ص: 100

وقال بعض العلماء: و «يجوز أن يكون الخطاب هنا شاملا للمؤمنين، لأن عذاب الله- تعالى- وإن كان الكافرون يستعجلونه، تهكما به، لظنهم أنه غير آت، فإن المؤمنين يضمرون في نفوسهم استبطاءه، ويحبون تعجيله للكافرين» «1» .

وقوله: «سبحانه وتعالى عما يشركون» جملة مستأنفة، قصد بها إبطال إشراكهم، وزيادة توبيخهم وتهديدهم:

أى: تنزه الله- تعالى- وتعاظم بذاته وصفاته، عن إشراك المشركين، المؤدى بهم إلى الأقوال الفاسدة، والأفعال السيئة، والعاقبة الوخيمة. والعذاب المهين. وقوله:

«يشركون» : قراءة الجمهور، وفيها التفات من الخطاب في قوله «فلا تستعجلوه» إلى الغيبة، تحقيرا لشأن المشركين، وحطا من درجتهم عن رتبة الخطاب، وحكاية لشنائعهم التي يتبرأ منها العقلاء.

وقرأ حمزة والكسائي «تشركون» تبعا لقوله- تعالى- فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ وعلى قراءتهما لا التفات في الآية.

ثم بين- سبحانه- لونا من ألوان قدرته، ورحمته بعباده، حيث أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين، فقال تعالى-: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ

والمراد بالملائكة هنا: جبريل- عليه السلام ومن معه من حفظة الوحى. أو المراد بهم جبريل خاصة، ولا مانع من ذلك، لأن الواحد قد يسمى باسم الجمع إذا كان رئيسا عظيما.

والمراد بالروح: كلام الله- تعالى- ووحيه الذي ينزل به جبريل، ليبلغه إلى من أمره الله بتبليغه إياه.

وقد جاء ذكر الروح بمعنى الوحى في آيات منها قوله- تعالى-: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا

«2» .

والمعنى: ينزل- سبحانه- الملائكة بكلامه ووحيه، على من يشاء إنزالهم إليه من عباده المصطفين الأخبار.

(1) تفسير التحرير والتنوير، لفضيلة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ج 14 ص 97.

(2)

سورة الشورى: الآية 52.

ص: 101

وأطلق- سبحانه- على وحيه اسم الروح، على سبيل التشبيه، ووجه الشبه: أن بسببهما تكون الحياة الحقة.

فكما أن بالروح تحيا الأبدان والأجساد، فكذلك بالوحي تحيا القلوب والنفوس وتؤدى رسالتها في هذه الحياة.

وفي قوله- سبحانه-: «من أمره» إشارة إلى أن نزول الملائكة بالوحي، لا يكون إلا بسبب أمر الله لهم بذلك، كما قال- تعالى- حكاية عنهم: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ، وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا «1» .

وقوله: «على من يشاء من عباده» رد على مطالب المشركين المتعنتة، والتي من بينها ما حكاه الله تعالى- عنهم في قوله: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ

«2» .

فالآية الكريمة تبين أن نزول الملائكة بالوحي، إنما هو على من يختاره الله- تعالى- لنزول الوحى عليه، لا على من يختارونه هم، وأن النبوة هبة من الله- تعالى- لمن يصطفيه من عباده. قال- تعالى-: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ «3» .

وقوله: «أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاعبدون» بيان للمقصود من نزول الملائكة بالوحي على الأنبياء.

أى: أنزل- سبحانه- ملائكته بوحيه على أنبيائه، لكي ينذر هؤلاء الأنبياء الناس، ويخوفوهم من سوء عاقبة الإشراك بالله، ويدعوهم إلى أن يخلصوا العبادة لله- تعالى- وحده، ويبينوا لهم أن الألوهية لا يصح أن تكون لغيره- سبحانه-.

قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله: أَنْ أَنْذِرُوا بدل من «الروح» على أن «أن» هي التي من شأنها أن تنصب المضارع، وصلت بالأمر كما وصلت به في قولهم: كتبت إليه بأن قم.

وجوز بعضهم كون «أن» هنا مفسرة، فلا موضع لها من الإعراب، وذلك لما في «ينزل

(1) سورة مريم: الآية 64.

(2)

سورة الزخرف الآية 31.

(3)

سورة الأنعام الآية 124.

ص: 102

الملائكة بالوحي، من معنى القول، كأنه قيل: يقول- سبحانه- بواسطة الملائكة لمن يشاء من عباده أن أنذروا

» «1» .

واقتصر هنا على الإنذار الذي هو بمعنى التخويف، لأن الحديث مع المشركين، الذين استعجلوا العذاب، واتخذوا مع الله- تعالى- آلهة أخرى.

والفاء في قوله «فاتقون» فصيجة: أى، إذا كان الأمر كذلك، من أن الألوهية لا تكون لغير الله، فعليكم أن تتقوا عقوبتي لمن خالف أمرى، وعبد غيرى.

قال الجمل: «وفي قوله «فاتقون» تنبيه على الأحكام الفرعية بعد التنبيه على الأحكام العلمية بقوله، «أنه لا إله إلا أنا» ، فقد جمعت الآية بين الأحكام الأصلية والفرعية» «2» .

وبعد أن بين- سبحانه- أنه منزه عن أن يكون له شريك، وأنه قد أنزل الملائكة بوحيه على من يشاء من عباده، وأنه لا إله يستحق العبادة سواه.

بعد كل ذلك، بين الأدلة الدالة على قدرته ووحدانيته، بأسلوب بديع، جمع فيه بين دلالة المخلوق على الخالق، ودلالة النعمة على منعمها، ووبخ المشركين على شركهم، تارة عن طريق خلقه وحده- سبحانه- للسموات والأرض، وتارة عن طريق خلقه للإنسان، وتارة عن طريق خلقه للحيوان وللنبات، ولغير ذلك من المخلوقات التي لا تحصى.

قال- تعالى-: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

والباء في قوله «بالحق» للملابسة. والحق: ضد الباطل، وهو هنا بمعنى الحكمة والجد الذي لا هزل فيه ولا عبث معه، كما قال- تعالى-: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ

«3» .

أى: خلق- سبحانه- بقدرته النافذة السموات وما أظلت، والأرض وما أقلت، خلقا ملتبسا بالحكمة الحكيمة، وبالجدية التي لا يحوم حولها لهو أو عبث.

وقوله: «تعالى عما يشركون» تنزيه وتقدير لذاته وصفاته، عما قاله المشركون في شأنه- عز وجل من أن له ولدا أو شريكا.

قال- تعالى-: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ، وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ، إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما

(1) تفسير الآلوسي ج 14 ص 94.

(2)

حاشية الجمل ج 2 ص 557.

(3)

سورة الدخان الآيتان 38، 39.

ص: 103

خَلَقَ، وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ، سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ «1» .

وقد صدر- سبحانه- هذه الأدلة الدالة على وحدانيته وقدرته، بخلق السموات والأرض، لأن خلقهما أعظم من خلق غيرهما، ولأنهما حاويتان لما لا يحصى من مخلوقاته- سبحانه-.

قال- تعالى-: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ «2» .

ثم ساق- سبحانه- دليلا آخر على انفراده بالألوهية عن طريق خلق الإنسان فقال:

خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ، فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ.

والمراد بالإنسان هنا جنس الإنسان.

وأصل النطفة: الماء الصافي. أو الماء القليل الذي يبقى في الدلو أو القربة، وجمعها: نطف ونطاف. يقال: نطفت القربة إذا قطرت، أى سال منها الماء وتقاطر.

والمراد بالنطفة هنا: المنى الذي هو مادة التلقيح من الرجل للمرأة.

والخصيم: الكثير الخصام لغيره، فهو صيغة مبالغة. يقال: خصم الرجل يخصم- من باب تعب- إذا أحكم الخصومة، فهو خصم وخصيم.

والمبين. المظهر للحجة، المفصح عما يريده بألوان من طريق البيان.

أى: خلق- سبحانه- الإنسان. من منىّ يمنى، أو من ماء مهين خلقا عجيبا في أطوار مختلفة، لا يجهلها عاقل، ثم أخرجه بقدرته من بطن أمه إلى ضياء الدنيا، ثم رعاه برعايته ولطفه إلى أن استقل وعقل.

حتى إذا ما وصل هذا الإنسان إلى تلك المرحلة التي يجب معها الشكر لله- تعالى- الذي رباه ورعاه، إذا به ينسى خالقه، ويجحد نعمه، وينكر شريعته، ويكذب رسله ويخاصم ويجادل بلسان فصيح من بعثه الله- تعالى- لهدايته وإرشاده، ويقول- كما حكى القرآن عنه-: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ

وإذا في قوله- سبحانه- فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. هي التي تسمى بإذا الفجائية التي يؤتى بها لمعنى ترتب الشيء، على غير ما يظن أن يترتب عليه.

(1) سورة المؤمنون، الآية 91.

(2)

سورة غافر، الآية 57.

ص: 104

وجيء بها هنا لزيادة التعجيب من حال الإنسان، لأنه كان المنتظر منه بعد أن خلقه الله- تعالى- بقدرته، ورباه برحمته ورعايته، أن يشكر خالقه على ذلك، وأن يخلص العبادة له، لكنه لم يفعل ما كان منتظرا منه، بل فعل ما يناقض ذلك من الإشراك والمجادلة في أمر البعث وغيره.

وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله- تعالى-: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا «1» .

وقوله- تعالى-: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ، وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً «2» .

وبعد أن بين- سبحانه- ما يدل على وحدانيته وقدرته عن طريق خلقه للسموات وللأرض وللإنسان، أتبع ذلك ببيان أدلة وحدانيته وقدرته عن طريق خلق الحيوان فقال- تعالى-: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها، لَكُمْ فِيها دِفْءٌ، وَمَنافِعُ، وَمِنْها تَأْكُلُونَ.

والأنعام: جمع نعم، وهي الإبل والبقر والغنم، وقد تطلق على الإبل خاصة،.

وانتصب الأنعام عطفا على الإنسان في قوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ، أو هو منصوب بفعل مقدر يفسره المذكور بعده. أى: وخلق الأنعام خلقها.

والدفء: السخونة. ويقابله شدة البرد، يقال: دفئ الرجل- من باب طرب- فهو دفأ- كتعب- ودفآن، إذا لبس ما يدفئه، ويبعد عنه البرد.

والمراد بالدفء هنا: ما يتخذ من أصواف الأنعام وأوبارها وأشعارها لهذا الغرض.

وعطف «منافع» على «دفء» من باب عطف العام على الخاص، إذ المنافع تشمل ما يستدفأ به منها وغيره.

وخص الدفء بالذكر من عموم المنافع، للعناية به وللتنويه بأهميته في حياة الناس.

أى: ومن مظاهر نعم الله- تعالى- عليكم- أيها الناس-، أن الله- تعالى- خلق الأنعام، وجعل لكم فيها ما تستدفئون به، من الثياب المأخوذة من أصوافها وأوبارها وأشعارها، فتقيكم برودة الجو وجعل لكم فيها منافع متعددة، حيث تتخذون من ألبانها شرابا سائغا للشاربين، ومن لحومها أكلا نافعا للآكلين.

(1) سورة الكهف الآية 54.

(2)

سورة الفرقان الآية 55. [.....]

ص: 105

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً، نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها، وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ «1» .

وقوله- سبحانه-: وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ بيان لنوع آخر من أنواع منافع الحيوان للإنسان.

قال أبو حيان في البحر والجمال مصدر جمل- بضم الميم-، يقال رجل جميل وامرأة جميلة وجملاء، قال الشاعر:

فهي جملاء كبدر طالع

بذت الخلق جميعا بالجمال

والجمال يكون في الصورة بحسن التركيب، بحيث يدركه البصر فتتعلق به النفس.

ويكون في الأخلاق، باشتمالها على الصفات المحمودة، كالعلم والعفة والحلم.

ويكون في الأفعال، بوجودها ملائمة لمصالح الخلق. وجلب المنفعة لهم وصرف الشر عنهم..» «2» .

وجمال الأنعام من النوع الأول، ومن جمالها- أيضا- كثرتها ودلالتها على أن صاحبها من أهل السعة واليسار.

وقوله «تريحون» من الإراحة، يقال: أراح فلان ماشيته إراحة، إذا ردها إلى المراح، وهو منزلها الذي تأوى إليه، وتبيت فيه.

و «تسرحون» من السروح، وهو الخروج بها غدوة من حظائرها إلى مسارحها ومراعيها.

يقال: سرحت الماشية أسرحها سرحا وسروحا، إذا أخرجتها إلى المرعى.

ومفعول الفعلين «تريحون وتسرحون» محذوف للعلم به.

والمعنى: ولكم- أيها الناس- في هذه الأنعام جمال وزينة، حين تردونها بالعشي من مسارحها إلى معاطنها التي تأوى إليها، وحين تخرجونها بالغداة من معاطنها إلى مسارحها ومراعيها.

وخص- سبحانه- هذين الوقتين بالذكر، لأنهما الوقتان اللذان تتراءى الأنعام فيهما، وتتجاوب أصواتها ذهابا وجيئة، ويعظم أصحابها في أعين الناظرين إليها.

(1) سورة المؤمنون آية 21.

(2)

تفسير البحر المحيط ج 5 ص 475- بتصرف وتلخيص.

ص: 106

وقدم- سبحانه- الإراحة على التسريح، لأن الجمال عند الإراحة أقوى وأبهج، حيث تقبل من مسارحها وقد امتلأت بطونها، وحفلت ضروعها، وازدانت مشيتها.

وقال- سبحانه-: حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. بالفعل المضارع، لإفادة التجديد والتكرار، وفي ذلك ما يزيد السرور بها، ويحمل على شكر الله- تعالى- على وافر نعمه.

قال صاحب الكشاف: «منّ الله بالتجمل بها، كما منّ بالانتفاع بها لأنه من أغراض أصحاب المواشي. بل هو من معاظمها لأن الرعيان إذا روحوها بالعشي، وسرحوها بالغداة فزينت إراحتها وتسريحها الأفنية وتجاوب فيها الثغاء والرغاء، آنست أهلها، وفرحت أربابها. وأجلتهم في عيون الناظرين إليها، وأكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس.

فإن قلت: لم قدمت الإراحة على التسريح- مع تأخر الإراحة في الوجود؟.

قلت: لأن الجمال في الإراحة أظهر، إذا أقبلت ملأى البطون، حافلة الضروع، ثم أوت إلى الحظائر حاضرة لأهلها» «1» .

ثم بين- سبحانه- منفعة ثالثة من منافع الأنعام، التي سخرها الله- تعالى- للإنسان فقال: وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.

والضمير في قوله «وتحمل» يعود إلى الإبل خاصة، لأنها هي التي يحمل عليها.

والأثقال: جمع ثقل. وهو ما يثقل الإنسان حمله من متاع وغيره.

والمراد بالبلد جنسه ولأن الارتحال قد يكون إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى غيرهما.

والشق- بالكسر- المشقة: ومن كل شيء نصفه، والباء للملابسة. أى: إلا بمشقة شديدة، كأن نفوسكم قد ذهب نصفها خلال تلك الرحلة الطويلة الشاقة التي لم تستخدموا فيها الأنعام.

قال القرطبي: وشق الأنفس: مشقتها وغاية جهدها. وقراءة العامة بكسر الشين.

قال المهدوى: وكسر الشين وفتحها في «شق» متقاربان. وهما بمعنى المشقة.

وقرأ أبو جعفر «إلا بشق الأنفس» - بفتح الشين- وهما لغتان مثل رق ورق.

والشق- أيضا- بالكسر- النصف. وقد يكون المراد من الآية هذا المعنى. أى: لم

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 397.

ص: 107

تكونوا بالغيه إلا بنقص من القوة وذهاب شق منها

» «1» .

والمعنى: ومن فوائد هذه الأنعام- أيضا- أنها تحمل أمتعتكم وأثقالكم من بلد إلى بلد آخر بعيد، هذا البلد الآخر البعيد. لم تكونوا واصلين إليه بدونها، إلا بعد تعب شديد، وجهد مضن، وكلفة يذهب معها نصف قوتكم.

والتنكير في «بلد» لإفادة معنى البعد، لأن بلوغ المسافر إليه بمشقة، هو من شأن البلد البعيد، الذي يصعب الوصول إليه بدون راحلة.

وجملة «لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس» التي هي صفة لبلد، تشير إلى هذا المعنى.

وشبيه بهذه الآية قوله تعالى-: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ «2» .

وقوله- سبحانه-: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ. وَذَلَّلْناها لَهُمْ، فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ «3» .

وجملة «إن ربكم لرءوف رحيم» تعليل لخلقه- سبحانه- الأنعام لخدمة الإنسان.

أى: خلق لكم هذه الأنعام لأنه رءوف رحيم بكم، حيث لم يترككم تحملون أثقالكم بأنفسكم، وتقطعون المسافات الطويلة على أرجلكم، بل أوجد هذه الأنعام لمنافعكم ومصالحكم. ثم ذكر- سبحانه- أنواعا أخرى من الحيوان المنتفع به، فقال- تعالى-:

وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً، وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ.

قال الجمل: «الخيل اسم جنس لا واحد له من لفظه، بل من معناه وهو فرس. وسميت خيلا لاختيالها في مشيها. والبغال جمع بغل: وهو المتولد بين الخيل والحمير..» «4» .

واللام في قوله «لتركبوها» للتعليل.

ولفظ «وزينة» مفعول لأجله، معطوف على محل «لتركبوها» .

والزينة: اسم لما يتزين به الإنسان.

قال القرطبي: «هذا الجمال والتزيين وإن كان من متاع الدنيا، إلا أن الله تعالى- أذن به

(1) تفسير القرطبي ج 10 ص 71.

(2)

سورة غافر الآيتان 79، 80.

(3)

سورة يس. الآيتان 71، 72.

(4)

حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 559.

ص: 108

لعباده، ففي الحديث الشريف:«الإبل عز لأهلها، والغنم بركة، والخيل في نواصيها الخير» خرجه البرقاني وابن ماجة في السنن

» «1» .

والمعنى: ومن مظاهر فضله عليكم، ورحمته بكم، أنه خلق لمنفعتكم- أيضا- الخيل والبغال والحمير، لتركبوها في غزوكم وتنقلاتكم، ولتكون زينة لكم في أفراحكم ومسراتكم.

وأتى- سبحانه- باللام في «لتركبوها» دون ما بعدها، للإشارة إلى أن الركوب هو المقصود الأصلى بالنسبة لهذه الدواب، أما التزين بها فهو أمر تابع للركوب ومتفرع منه.

قال صاحب الظلال: وفي الخيل والبغال والحمير، تلبية للضرورة في الركوب، وتلبية لحاسة الجمال في الزينة.

وهذه اللفتة لها قيمتها في بيان نظرة القرآن ونظرة الإسلام للحياة، فالجمال- المتمثل في الزينة- عنصر له قيمة في هذه النظرة، وليست النعمة هي مجرد تلبية الضرورات من طعام وشراب وركوب، بل تلبية الأشواق الزائدة عن الضرورات. تلبية حاسة الجمال ووجدان الفرح والشعور الإنسانى المرتفع على ميل الحيوان، وحاجة الحيوان» «2» .

وقال بعض العلماء: وقد استدل بهذه الآية، القائلون بتحريم لحوم الخيل قائلين بأن التعليل بالركوب والزينة يدل على أنها مخلوقة لهذه المصلحة دون غيرها.

وأجاب المجوزون لأكلها، بأن ذكر ما هو الأغلب من منافعها- وهو الركوب والزينة- لا ينافي غيره.

وقد ورد في حل أكل لحوم الخيل أحاديث منها ما في الصحيحين وغيرهما، من حديث أسماء قالت نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه.

وثبت- أيضا- في الصحيحين من حديث جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في الخيل «3» .

وقد بسط الإمام القرطبي القول في هذه المسألة، ورجح حل أكل لحوم الخيل، وساق الأدلة والأحاديث في ذلك ثم قال:«وكل تأويل من غير ترجيح في مقابلة النص، فإنما هو دعوى، لا يلتفت إليه، ولا يعرج عليه، «4» .

(1) تفسير القرطبي ج 10 ص 79.

(2)

تفسير في ظلال القرآن ج 14 ص 2161 للأستاذ سيد قطب.

(3)

تفسير القاسمى ج 10 ص 3870.

(4)

راجع تفسير القرطبي ج 10 ص 76. وتفسير ابن كثير ج 4 ص 476 طبعة دار الشعب.

ص: 109

ويعجبني في هذا المقام قول الإمام البغوي: ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم، بل المراد منها تعريف الله عباده نعمه، وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته، والدليل الصحيح المعتمد عليه في إباحة لحوم الخيل أن السنة مبينة للكتاب.

ولما كان نص الآية يقتضى أن الخيل والبغال والحمير مخلوقة للركوب والزينة، وكان الأكل مسكوتا عنه، ودار الأمر فيه على الإباحة والتحريم، وردت السنة النبوية بإباحة لحوم الخيل، وبتحريم لحوم البغال والحمير فوجب الأخذ بما جاء في السنة التي هي بيان للكتاب «1» .

هذا وقد ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يدل على عظيم قدرته، وسعة علمه، فقال وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ.

أى: ويخلق- سبحانه- في الحال والاستقبال، مالا تعلمونه- أيها الناس- من أنواع المخلوقات المختلفة سوى هذه الدواب، كالسفن التي تمخر عباب الماء، والطائرات التي تشق أجواز الفضاء، والسيارات التي تنهب الأرض نهبا لسرعتها، وغير ذلك من أنواع المخلوقات التي لا يعلمها سواه- سبحانه- والتي أوجدها لمنفعتكم ومصلحتكم.

وهذه الجملة الكريمة تدل على أن القرآن من عند الله- تعالى- فقد أوجد- سبحانه- العقول البشرية، التي ألهمها صنع الكثير من المخترعات النافعة في البر وفي البحر وفي الجو، والتي لم يكن للناس معرفة بها عند نزول القرآن الكريم.

وتشير- أيضا- إلى مزيد فضل الله- تعالى- على الناس، حيث أخبرهم بأنه سيخلق لهم في مستقبل الأيام من وسائل الركوب وغيرها، ما فيه منفعة لهم، سوى هذه الدواب التي ذكرها.

فعليهم أن يستعملوا هذه الوسائل في طاعة الله- تعالى- لا في معصيته وعليهم أن يتقبلوا هذه الوسائل، وأن يفتحوا عقولهم لكل ما هو نافع.

ورحم الله صاحب الظلال، فقد قال عند تفسيره الآية ما ملخصه: يعقب الله- تعالى- على خلق الأنعام والخيل والبغال والحمير بقوله وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ليظل المجال مفتوحا في التصور البشرى، لتقبل أنماط جديدة من أدوات الحمل والركوب والزينة.

(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 560.

ص: 110

وحتى لا يقول بعض الناس: إنما استخدم آباؤنا الأنعام والخيل والبغال والحمير، فلا نستخدم سواها، وإنما نص القرآن على هذه الأصناف فلا نستخدم ما عداها.

ولقد جدت وسائل للحمل والنقل والركوب والزينة، لم يكن يعلمها أهل ذلك الزمان، وستجد وسائل أخرى لا يعلمها أهل هذا الزمان: والقرآن يهيئ لها القلوب والأذهان، بلا جمود ولا تحجر، «ويخلق مالا تعلمون» «1» .

وبعد أن بين- سبحانه- دلائل وحدانيته وقدرته، عن طريق خلق السموات والأرض والإنسان والدواب.. أتبع ذلك ببيان أنه- عز وجل كفيل بالإرشاد إلى الطريق المستقيم لمن يتجه إليه فقال- تعالى-: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ، وَمِنْها جائِرٌ، وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ.

والقصد: الاستقامة. والسبيل: الطريق والقصد منه: هو المستقيم الذي لا اعوجاج فيه. يقال: سبيل قصد وقاصد، أى: مستقيم. قال الشاعر:

ومن الطريقة جائر وهدى

قصد السبيل، ومنه ذو دخل

قال الجمل ما ملخصه: «وعلى الله» أى: تفضلا «قصد السبيل» على تقدير مضاف، أى: وعلى الله بيان قصد السبيل. وهو بيان طريق الهدى من الضلالة، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، والقصد مصدر يوصف به. يقال: سبيل قصد وقاصد أى: مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه. والمراد بالسبيل: جنسه..» «2» .

والضمير في قوله «ومنها جائر» يعود إلى السبيل. والجائر: المائل عن الاستقامة، المنحرف عن الجادة وهو صفة لموصوف محذوف. أى: ومنها سبيل جائر.

أى: وعلى الله- تعالى- وحده، تفضلا منه وكرما، بيان الطريق المستقيم وهو طريق الحق، الذي يوصل من سلكه إلى السعادة في الدنيا والآخرة.

وهذا الطريق الحق: هو الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن الطريق ما هو حائد عن الاستقامة، وهو كل طريق يخالف ما جاء به خاتم الرسل، صلى الله عليه وسلم من عقائد وشرائع وآداب.

(1) في ظلال القرآن ج 14 ص 2161.

(2)

حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 561. [.....]

ص: 111